دراسات إسلامية

بقلم: الأستاذ/ سيد محبوب الرضوي الديوبندي -رحمه الله-

(المتوفى 1399هـ / 1979م)

ترجمة وتعليق: محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري(*)

المدرسة الإسلامية/مراد آباد:

       مرادآباد مدينة شهيرة معروفة، أنشأ مسلموها الفقراء منذ سنتين أو ثلاث سنوات مدرسة إسلامية بإيعاز من الإمام النانوتوي رحمه الله (1248-1297هـ/1832-1880م)، ورغم أن هذه المدرسة كانت على وضع بسيط في أول أمرها، ولكنها شهدت الرقي والازدهار اليوم بفضل من الله تعالى، ويرجى رقيها يومًا فيومًا. ولاشك أن العاملين في هذه المدرسة كلهم على غاية من الذكاء والأمانة والدين. بارك الله تعالى في مساعيهم. وكتب لهذه المدرسة البقاء والخلود، والرقي أكثر فأكثر. آمين. وأهم أسباب رقي هذه المدرسة وازدهارها المولوي مير أحمد حسن (1267-1330هـ/1850-1911م)- التلميذ الوفي للإمام محمد قاسم النانوتوي: (1248-1297هـ/  1832-1880م)-، وهو المدرس الأول فيها. ويلقى قبولا واسعًا وشعبية عظيمة في مسلميها نظرا إلى أخلاقه السامية وخصاله الحميدة. بارك الله تعالى فيه. و رئيس هذه المدرسة هو الميرزا محمد نبي بيغ، ونعتبر هذه المدرسة مدرستنانحن لأسباب عدة، وندعو الله تعالى لها بالخير. اللهم زد فزد(1).

       ولايعزبن عن البال بهذه المناسبة أن إنشاء المدارس لم يعد أمرًا صعبًا في هذه الأيام، وأما بالنظر إلى ما قبل مئة سنة أو قرن وربع قرن من الزمان، حين لم تشهد أمثال هذه المدراس الرواج، ولم يكن الناس على علم بأسلوب إنشاء المدارس هذه، ولا بالحاجة إليها، فقد كان إنشاء المدارس الدينية القائمة على تبرعات الشعب المسلم فحسب – دون قبول المساعدات الحكومية- أمرا عظيما شاقا. وشهدت شبه القارة الهندية منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا نشأة مالا يحصى من المدارس الدينية، وترتفع أعدادها من يوم لآخر، وكثير من هذه المدارس ملحقة بدار العلوم/ديوبند بصورة رسمية. وتوفر دارالعلوم /ديوبند من يختبر في هذه المدارس ويمتحن طلابها.

       وإلحاق هذه المدارس الدينية في البلاد بدارالعلوم/ديوبند يعدّ أنفع وأفعل وسيلة وسبب لتوحيد صفوف جماعة ديوبند، والتنظيم العلمي، والوحدة الفكرية، والتناغم. وساعد ذلك مساعدة كبيرة على تحويل دارالعلوم/ديوبند من مؤسسة تعليمية محلية إلى جامعة، وحركة شاملة للبلاد كلها.

       ولاتقتصر نفحات دارالعلوم/ديوبند على التخريج في العلوم الدينية؛ بل أعانت تأثيراتها العالمية على خلق جو مهّد السبيل إلى إنشاء المدارس الدينية في كل مكان. و نشأة المدارس الدينية التي شهدتها الهند في أعقاب تأسيس دارالعلوم/ديوبند تشير إلى أن المسلمين كانوا يحملون عواطف جياشة نحو إنشاء المدارس الدينية آنذاك، إلا أن الأسباب القديمة السابقة لإنشائها كانت في مهب الريح فتثبطت الهمم وفترت العزائم، وانفتح للمسلمين باب جديد لإنشائها حين قامت دارالعلوم/ديوبند بهذه المبادرة، كما أحل بعض القائمين على هذه المدارس دارالعلوم/ديوبند محل المركزية والمرجعية، واستحسنوا أن ينظموا مدارسهم في سلك واحد  خاضعة لدارالعلوم/ديوبند.

       والمدرسة الحقانية في ملتان تضرب جذورها إلى عشرات السنين في الماضي، يقول الشيخ شفيق أحمد– رئيسها الحالي-: «لاتملك المدرسة موردًا ماليًّا مستقلا أو غير مستقلٍ، فتشق إدارتها، وأشار علي بعض أصحابي بأن أصل حبلي بحبالي الحاكم الفلاني؛ فإنه يعين على التغلب على الصعوبات المالية، ويضمن في المستقبل ما يكفل نفقات المدرسة». يقول الشيخ شفيق أحمد: «استخرت الله تعالى في هذا الأمر، فرأيت- فيما يرى النائم- في عدة ليالٍ أوائل علماء العصر، فاستنتجت من زيارتهم ورؤيتهم أن الله تعالى أراد أن أسلك سبيل العلماء، وأحاول إدارة المدرسة على تبرعات الشعب لا على المساعدات الحكومية، بدلا من أن أعقد الصلات مع الحكام وأحاول نيل رضاهم(2).

       وأهم ما جلب إلحاق المدارس الدينية بدارالعلوم أن انتظمت- المدارس الدينية- في نظام تعليمي وإداري خاص، عمل على التوفيق بين أنظمة ومناهج التعليم فيها. وهذا التناغم والانسجام في المدارس الدينية كان له مفعول طيب في التنسيق العلمي و لَمِّ شعث المدارس والعلماء.

       أضف إلى ذلك أن إنشاء المدارس في المناطق الكثيرة جلب –فيما جلب- أن طلاب المناطق البعيدة الذين يصعب عليهم التوجه إلى دارالعلوم/ ديوبند – أصبحوا يبلون غلتهم العلمية والدينية في المدارس القائمة في مناطقهم المجاورة. وكان معظم مدرسي هذه المدارس من خريجي دارالعلوم/ديوبند مما هيأ لهم فرصة الاستفادة من بركات دارالعلوم/ ديوبند، الظاهرة والباطنة في الجملة. وتجاوزت حركة دارالعلوم هذه  شمالَ الهند إلى منطقة «وانمباري» من «مدراس» في جنوب الهند، جاء في «آئينه وانمباري»: «أنشئت مؤسسة تعليمية دينية يطلق عليها «معدن العلوم»، تتبع المنهج التعليمي النظامي جريًا وراء حركة ديوبند. واشتغل خريجوها في منطقة «مدراس» وخارجها في إسداء الخدمات العلمية والدينية(3).

       وتطور المدارس الدينية عمل على مد نفحات دارالعلم/ديوبند وتوسعة نطاقها إلى جميع نواحي شبه القارة الهندية في قليل أوكثير. فالمدارس الدينية في الهند وباكستان وبنغلاديش تواصل خدماتها كل في منطقتها بتبرعات ومساعدات الشعب المسلم. ونحمد الله تعالى على أن نشأة المدارس الدينية هذه تشهد التطور والرقي مع مرور الأيام.اللهم زد فزد.

       ومن الحقائق التي لاتجحد أن معظم المدارس التي نراها في شبه القارة الهندية معظمها جاءت على شاكلة دارالعلوم/ديوبند أو من نتاج التأثيرات العميقة التي تركتها دارالعلوم/ ديوبند. فخريجو دارالعلوم/ديوبند هم الذين يقومون بمسؤوليات التعليم والتربية في معظم الأحوال. فدارالعلوم يشكل كيانها في تاريخ الإسلام الجديد عهدًا رائعًا. وهي منطلق المدارس الدينية التي امتدت شبكتها إلى شبه القارة الهندية كلها.

       وخرج كثير من العلماء من المدارس الدينية وخاصة من دارالعلوم/ديوبند حاملين معهم العواطف الجياشة نحو إنشاء المدارس الدينية، وفعلا قاموا بإنشاء مدارس كثيرة، فقد أسست في شبه القارة الهندية منذ نشأة درالعلوم /ديوبند من المدارس الدينية التي يصعب حصرها وإحصاؤها. وتواصل لجنة نداء الإسلام في «كالكوته» إصدار فهرس للمدارس الدينية، وتضم إحصائيات عام 1393هـ/1973م أسماء(608) مدرسة، منها (238) في ولاية أترابراديش فحسب(4)، ورغم أن لجنة نداء الإسلام دائبة في التوصل إلى المدارس الدينية وتفقدها إلا أن هذه الإحصائيات لاتضم إلا أقل من نصف أسماء المدارس الدينية في الهند. فما أكثر المدارس التي زُرتها بأم عيني، و لم أجد لها ذكرا في هذه الإحصائيات.

       وفي باكستان (458) مدرسة دينية تابعة لمنهج ديوبند من بين (915) مدرسة(5)، وسائرها تتبع أهل الحديث أو الشيعة أو البريلوية. وهذه الأعداد مستقاة من إحصائيات أجريت عام 1391هـ/ 1971م، ولاشك أن هذه الأعداد مرشحة للزيادة والارتفاع في الأعوام الخمسة اللاحقة.

*  *  *

الهوامش:

(1)      تقارير دورية لعام 1297هـ، ص 61-63، ط: قديمة.

          يطلق على مدرسة مراد آباد  هذه «الجامعة القاسمية»، وتقع في «شاهي مسجد» في مراد آباد، وفاقت جميع المدارس الناشئة في أوائل عهد دارالعلوم/ديوبند في الرقي والازدهار اللهم إلا مدرسة سهارن فور. ولقيت صيتا طيبا بين المدارس الدينية نظرا إلى حسن تعليمها و تربيتها. ولعبت مساعي الشيخ عبد الحق المدني- رئيس الجامعة القاسمية- ودروس حديث الشيخ سيد فخر الدين أحمد (1307-1392هـ/1889-1972م) –رئيس هيئة التدريس بها – دورًا ملموسا في الرقي بهذه المدرسة إلى ذروة الصيت والسمعة الطيبة. وظل الشيخ سيد محمد ميان – شيخ الحديث بالمدرسة الأمينية سابقا- بها مدة من الزمان.( سيد محبوب الرضوي).

(2)      كتاب الشيخ شفيق أحمد بتاريخ 19/ربيع الآخر عام 1396هـ إلى المقرئ الشيخ محمد طيب رئيس دا رالعلوم/ديوبند.

(3)      «آئينه وانمباري» ص 44، ط: عام 1970م.

(4)      مأخوذ من فهرس أعده لجنة نداء إسلام ،كالكوته عام 1393هـ/1973م

(5)      للاستزادة منه راجع: مجلة «الرشيد» الصادرة في لاهور، العدد الخاص بدارالعلوم/ديوبند.

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالقعدة 1439 هـ = يوليو – أغسطس 2018م ، العدد : 11 ، السنة : 42


(*)   أستاذ التفسير واللغة العربية وآدابها بالجامعة.

Related Posts