أنباء الجامعة
بقلم: رئيس التحرير: نور عالم خليل الأميني
nooralamamini@gmail.com
بمناسبة استقبال سعادته والترحيب به من قبل مسؤولي وكبار أساتذة الجامعة الإسلامية: دارالعلوم بمدينة «ديوبند» لدى نزوله بقاعة الاستقبال في دارالضيافة الجامعية قادمًا من دهلي في نحو الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم الخميس: 3/رجب (بالتقويم الهندي) 1439هـ الموافق 22/مارس 2018م انعقد عفويًّا مجلس أخويّ ملؤه الحبّ والصفاء والإعجاب والتقدير الذي تكنه الجامعة للمملكة العربية السعودية بصفتها خادمة للحرمين المقدسين، وتكنه السعودية نحو الجامعة بصفتها أكبر وأعرق جامعة إسلامية حملت لواء نشر التعليم الإسلامي والتربية الإسلامية وخدمة علوم الكتاب والسنة على المستوى الواسع الذي لم يُقَدَّر لأي جامعة في شبه القارة الهندية، وممثلةً في قادتها ومسؤوليها، وفي سعادة الضيف المُبَجَّل الكريم، الذي كان يرافقه في رحلة زيارة الجامعة من السفارة السعودية بدهلي الجديدة، الشيخ أحمد علي الرومي الموقر المستشار بالسفارة.
وكان المجلس الاستقبالي مُضَمَّخًا برَيَّا العفويّة، فدار الحديثُ فيه حول كثير من الأمور ذات الاهتمام المشترك بين المهتمين بقضايا العلم والدين والإسلام والمسلمين، من بينها ما يأتي والذي عَلِقَ بذاكرة كاتب هذه السطور:
• قال سعادة الضيف: إن منهج علماء ديوبند ومذهب جامعتها مُؤَسَّس على الاعتدال والوسطية التي دعتْ إليها الشريعةُ، والتي تُسَاعِد على اتحاد المسلمين وجمع كلمتهم، مُسَاعَدَةً لا يُسَاعِدُها أيُّ منهج لا يتصف بهذه الوسطيّة؛ فهو – مذهب الديوبنديين – لا يتسارع إلى تكفير أو تبديع أو تفسيق أو تضليل أي طائفة من الطوائف الإسلامية، مالم يَتَبَيَّنْ فيها ما يدعو لذلك عن دليل صريح.
• إن محبوبيّة هذه الجامعة على هذا المستوى، وما تَحْظَىٰ به من السمعة المطبقة في داخل شبه القارة الهندية وخارجه بالنسبة إلى إنجازاتها الواسعة الفريدة مُتَمَثِّلَةً في خدمة علوم الكتاب والسنة وتخريج رجال فارعي القامة كانوا حاجة الوقت، لَهِي – المحبوبية والسمعة – دليلٌ واضح على أن مُؤَسِّسِيها كانوا على جانب كبير من الإخلاص والاحتساب.
هنا قال الكاتب: ولذلك وُفِّيَتْ حَقَّها من التقدير والشعبية بنحو لا يوجَد نظيره بالنسبة لأي مُؤَسَّسة تعليمية في هذه القارة خصوصًا وفي غيرها عمومًا، حتى إن المدارس والجامعات تعتزّ بالانتساب إليها، ولو كانت أكبر منها مبانيَ وعددَ طلاب وكثرةَ مُوَظَّفين وضخامةَ ميزانية.
هنا قال فضيلة الشيخ السيد أرشد المدني الأستاذ في قسم الحديث بالجامعة، ورئيس جمعية علماء الهند، والعضو التاسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة:
ففي بنغلاديش بعضُ المدارس والجامعات تفوق جامعتَنا عددَ طلاب، وسعةَ مبان، وضخامةَ ميزانية، وعددَ أساتذة؛ لكنها تفتخر بأنها فرعٌ من دوحة جامعة دارالعلوم/ديوبند وشجرتها الطيبة.
فقال الضيف الموقر: نعم هذا صحيح؛ لأننا نلمس ذلك في الساحة العملية في كل مكان. وذلك إنما يرجع إلى روح الإخلاص التي كانت تسري في عروق مؤسسيها والقائمين عليها.
• وتطرق الحديثُ إلى قضية الاتحاد بين الطوائف الإسلامية، فقال سعادة الدكتور العمار – حفظه الله – : كنا قد بذلنا محاولة للاتحاد بين المسلمين على اختلاف الطوائف منذ وقت، فعقدنا اجتماعًا موسعًا في باكستان حضره كبار قادة الطوائف الإسلامية البارزة، وقد جرى الحديث حول وثيقة الاتحاد، واهتموا بها جميعًا؛ ولكن المؤسف أننا لم نتمكن من أخذ تواقيعهم عليها، ولو تَمَّ ذلك لكان مُبَشِّر خير كبير.
• وهنا تَفَضَّلَ رئيس الجامعة فضيلة الشيخ المفتي أبو القاسم النعماني – حفظه الله – فقال: إن بعض الطوائف الإسلامية تقوم بدعايات مُكَثَّفَة ضد مذهب الجامعة ومنهج الديوبنديين، وكنا قد بذلنا محاولة جادة ليتمّ اتخاذ إجراء لائق و وضع متاريس في طريقها، حتى تتناهي عن ذلك علمًا بأن دعاياتها ضدّ الواقع تمامًا؛ ولكننا لم نَدْرِ بَعْدُ إذا كانت محاولتُنا أَدَّتْ إلى نتيجه أم لا.
قال سعادة الدكتور تجاه هذا التساؤل الذي أثاره فضيلة الجامعة: إن بعض القضايا حذورها تكون عميقة متشابكة مترامية داخلَ التربة، فاستئصالها لايكون سهلًا؛ إلّا أن العمل جارٍ في هذه الجهة بجدية واستمرار، وسوف ترون نتائجه سَارَّةً إن شاء الله، وإننا نودّ ونعمل جاهدين أن يسود الوئام والتناغم بين جميع المذاهب الإسلامية، وإن ذلك سيكون مكسبًا كبيرًا لصالح الإسلام والمسلمين. إن المذاهب كلها ظلت قائمة في التاريخ الإسلامي، دون أن تتصارع، والمصيبةُ هي اليوم أن المنتمين إلى بعض المذاهب تَبَنَّوا العنفَ ورَكَّزوا على أن مذهبهم هو الحق وغيره من المذاهب كلها باطلة أو فيها شيء من الصحة وأشياء كثيرة تحتاج إلى الإصلاح.
• قال سعادة الدكتور مواصلًا حديثَه: قد يحدث أن العلماء المتقنين الصالحين ومعاهد التعليم والتربية ذات الوسطية في الأغلب تنهج منهج الاعتدال وتسلك الصراط المستقيم؛ ولكن بعض المتخرجين فيها والمتربين على العلماء الأصلاء، قد ينحرفون عن المنهج القويم والجهة السديدة، ويتخذون طرقًا أخرى شاذَّة عن الخط المستقيم، تضيع بهم، مما يُؤَدِّي إلى الانحراف عن صحيح الدين ووجود فرق لم يعرفها التاريخ الإسلامي، فتعمّ البَلْوَىٰ، وتكثر الفتن، وتشتدّ المِحَن.
• وأضاف سعادته قائلًا: إنّ العقلانيين لا يأخذون الدين بمجموعه، وإنما يُجَزِّئُونه ويُقَطِّعُونَه، ويحذفون منه ويضيفون إليه، ويَشُقُّون طُرُقًا جديدة يرونها سهلة الانتهاج في عصورهم.
وهنا قال بعض أساتذة الجامعة، منهم الشيخ محمد ساجد القاسمي الهردوئي: إن الكاتب والأديب المصري الدكتور أحمد أمين (1295-1373هـ = 1886-1954م) قال في موضع في أحد كتبه: إن الإسلام لا يصلح للعصر الحاضر؛ لأنه قد تغيّر كثيرًا وعاد لا يقبل تقيدًا والتزامًا. فقال فضيلة الدكتور: إنه كان عقلانيًّا متحررًا، ومثله ينحت للدين وجهةَ نظر من عنده ويظنها دينًا كاملًا وإسلامًا شاملًا.
وهنا تدخّل أحد أساتذة الحديث بالجامعة الشيخ نعمة الله الأعظمي: إن الدكتور أحمد أمين كان مثل «سرسيد أحمد خان» (1232-1315هـ = 1817-1898م) عندنا في الهند، وهو الذي أسس جامعة المسلمين بمدينة «عليجراه». وهنا تدخل فضيلة الشيخ السيد أرشد المدني فقال: إنه كان ممن أنكروا المعجزات، علمًا بأنها لم تكن من المحسوسات، وكذلك أنكر جميع الحقائق الماورائية.
وتواصلًا مع الحديث في الموضوع نفسه، قال الشيخ نعمة الله: من هو الكاتب شريف حاتم عندكم – والخطاب طبعًا كان مُوَجَّهًا إلى سعادة الدكتور العمار – فقال: لا أعلمه، فقال الشيخ نعمة الله: إنه ألّف كتاب «الولاء والبراء» حَرَّم فيه التوظّف لدى أي حكومة مسلمة كانت أو غير مسلمة. فقال سعادة الدكتور: إن أمثاله تلاميذ الشياطين.
• وقام سعادته بجولة سريعة في محيط الجامعة، وزار بصفة خاصّة مبنى المكتبة المركزية الذي أنشئ حديثًا والذي يشهد هذه الأيام اللمسات الأخيرة، كما ألقى نظرة خاطفة على ما أعيد إنشاؤه من السكن الطلابي الأكبر المعروف بـ«الدار الجديدة» وبعد الجولة عاد إلى قاعة الاستقبال بدارالضيافة، فقال: إنّه سَرَّني كثيرًا ما شاهدتُ من المباني الجامعيّة الحديثة الإنشاء، لأنها جَعَلَت الجامعةَ تتغير عما سبق كثيرًا، وهي مبانٍ رائعة، لأني قد زرتُ الجامعة منذ سنوات، فكانت غيرَ ما شاهدته الآن.
• ثم قَدَّمَ الشيخ محمد عارف جميل القاسمي أحدُ أساتذة دارالعلوم ومساعد تحرير مجلة «الداعي» العددَ الجديدَ من المجلة: عدد رجب 1439هـ، فأثنى عليه خيرًا خلال تصفح العدد، ولاَحَظَ بعض المقالات المنشورة فيه.
ثم قال كاتب السطور: إننا لا نزال نذكر الزيارةَ الرسمية التي نَظَّمْتُموها لنا نحن أساتذةَ ومسؤولي الجامعة منذ سنوات، وكان الوفد يضمّ كلًّا من فضيلة رئيس الجامعة المفتي أبي القاسم النعماني، وفضيلة الشيخ السيد أرشد المدني، والشيخ محمد عارف جميل، والشيخ المفتي راشد الأعظمي وكاتب السطور: نور عالم خليل الأميني، الذي كَتَبَ عن الزيارة فَفَصَّل و أَفَاضَ، فتَدَخَّل فضيلة الشيخ أحمد علي الرومي قائلًا: كانت المقالة شاملة لم تترك أيّ شيء من البداية إلى النها إلا اسْتَوْعَبَتْه وأَحْصَتْه، ثم قال سعادة الدكتور العمار: إني قرأتُ المقالةَ وأَعْجَبْتِني. وهنا تَدَخَّلَ فضيلةُ رئيس الجامعة فقال: إن لغة الشيخ نور عالم رشيقة، فَصَدَّق سعادة الدكتور تعليقه بملامح وجهه المشرقة، ثم قال: إن اللغة الرائعة تكون ساحرة، وأضاف: عندما كنا طلابًا نَظْفَرَ بأعداد مجلة «البعث الإسلامي» الصادرة بندوة العلماء بلكناؤ، وكانت تنشر كتابات الشيخ أبي الحسن الندوي – رحمه الله – وكانت سهلًا ممتنعًا، وكنتُ أقرؤها فأظن أني سأُحَاكِيها؛ ولكني لما رُحْتُ لأكتب مثلَها اسْتَعْصَتْ عليَّ، وهذه ميزةُ كل كتابة سهلة ممتنعة. ثم قرأتُ كتابَه «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» إثر صدوره بمدة ليست طويلة، فوجدتُه نسيجَ وحده، كتابٌ لم يُؤَلَّف مثلُه لحد اليوم.
وهنا تَدَخَّلَ كاتب السطور قائلًا: ومثلُه في الكتابة كان ابن أخيه الأكبر الشيخ محمد الحسني، الذي كان رئيس تحرير «البعث الإسلامي» منذ ريعان شبابه، وكان يكتب العربية فصيحة مُحْكَمَةَ النسج منذ أن كان لَدْنَ العود، وكان بعضُ مُحِبِّيه يُفَضِّلونه على الشيخ الندوي بالنسبة إلى لغته الجميلة الفائضة بالفصاحة والسلاسة والعذوبة والعفوية ووضع كل كلمة في موضعها، بحيث إذا زُحْزِحَت من مكانها اخْتَلَّتِ العبارةُ وسُلِبَت الجملةُ جمالَها. وكان لايعرف ما نعرفه بـ«الصرف» و«النحو». فتعجب الدكتور العمار جدًّا، قائلًا: فكيف قَدَرَ على العربية هذه القدرةَ. قال كاتب السطور: سمعتُ أن والده الدكتور عبد العلي الحسني –رحمه الله- كان يُعَلِّمه العربيةَ في صغره من القرآن الكريم، مثلًا يطرح إليه جملةً «كان الله عليمًا» ويقول له: إنّ «كان» أول لفظ بعدها يكون مرفوعًا واللفظ الثاني بعدها يكون منصوبًا كما لاحظتَ في هذه الجملة، فتَمَرَّنْ على ذلك، فكان يُحَاكِي كلَّ جملة على هذا النحو، ثم تولّى رعايتَه وتربيتَه وتثقيفَه سماحة الشيخ الندوي وخَرَّجَه في مدرسته العربية والفكرية، فكان ما كان.
وهنا تدخّل الشيخ شوكت علي ا لقاسمي البستوي أحد أساتذة الجامعة فقال: إن والده الدكتور عبد العلي الحسني –رحمه الله-، كان قد تخرج في الجامعة هذه. و واصل الحديثَ فضيلة الشيخ السيد أرشد المدني قائلًا: إنَّه كان قد تخرج على الشيخ الكبير الشيخ محمود حسن الديوبندي المعروف بـ«شيخ الهند» الذي كان أول تلميذ بالجامعة لدى تأسيسها، وكان أستاذَ والدي كذلك. وسماحةُ الشيخ أبوالحسن الندوي كذلك تَعَلَّمَ في الجامعة هذه من والدي: شيخ الإسلام السيد حسين أحمد المدني تلميذ شيخ الهند الشيخ محمود حسن الديوبندي.
• هنا قال سعادة الدكتور: إن بعض الكتاب المُتَسَرِّعِين في الحكم على الشخصيات وتصنيف الأفكار سَاوَوْا بين الشيخ الندوي وبين أبي الأعلى المودودي باعتبارهم أن الندوي كان كذلك من المفكرين الكُتَّاب الحركيين التنظيميين، على حين إن الندوي – رحمه الله – ما كان يَمُتُّ بصلة إلى الحركيّة والتنظيميّة، وكانت طريقُ تفكير وأسلوب كتابته وتاليفهِ ومنهجُه في الحياة دعويًّا، حكيمًا لَيِّنًا، مُؤَدَّبًا مُهَذَّبًا، تجمع القلوبَ، وتُؤَلِّف بين الصفوف، وكان متخرجًا في مدرسة الدعاة الأصلاء المُتَّزِنِين والأساتذة المُرَبِّين والمصلحين المخلصين.
وقد صَدَّق جميعُ الحضور بمن فيهم رئيس الجامعة وفضيلة الشيخ السيد أرشد المدني وأساتذة الجامعة الآخرون بمن فيهم كاتب السطور ما تَفَضَّلَ به سعادة الضيف المحترم: الدكتور عبد العزيز عبد الله العمار/حفظه الله.
• وقد شَفَّ جميعُ ما تَحَدَّثَ به هو عفويًّا في المجلس الاستقبالي، وفي خطابه بجامع رشيد – الذي مع الأسف لم يتمكن كاتب السطور من حضوره لمرض في رجله اليسرى – وفي حديثه على مائدة الغداء، شَفَّ عن احترامه الكبير للجامعة وعلمائها ومشايخها وعامة العلماء الديوبنديين، وعن إعجابه الصادق بإنجازاتهم العملاقة في مجال خدمدة علوم الكتاب والسنة، ودعوتهم إليهما، ومحاربتهم للبدع والخرافات، ونضالهم الطويل ضد الاستعمار الإنجليزي، وإخلاص عملهم لله، وجهودهم وجهادهم في سبيل الإبقاء على اصالة الإسلام في هذه الديار، التي تموج بالديانات والدعوات والحركات التي لا تُحْصَىٰ، وعلى رأسها الوثنيّةُ المُوغِلَة في القِدَم الذاهبةُ إلى أعماق التاريخ، التي ظلّت تبتلع كثيرًا من الديانات والدعوات، أو صَبَغَتْها بصِبْغَتِها، مما دلّ على قوة شخصياتهم الإسلامية، ومعجزة الإسلام في التغَلُّب على أعاصير الباطل مهما كانت عاتية.
• وقد وَجَدَ كاتبُ السطور في شخصه العظيم رجلًا دقيقَ النظر، يزن الأمورَ بميزان قسط، ولا يتأثر بأقوال عريضة من أفراد أو جماعات، وإنمـا ينظر إلى الحقائق بمنظاره الصادق الرؤية في الدُّجَىٰ، فيتفرس الفرق بين الحقائق وبين الأساطير بذكائه البالغ، وفراسته المُمَدَّة بالفطانة والحزم؛ ولذلك رأى في مشايخ ديوبند من الحقيقة ما لم يَرَه كثيرٌ من القادة والساسة الذين غَطَّت على أبصارهم غشاوة من الدعايات المُغْرِضَه، والذين كانوا ينظرون إلى القشور ولا يتمكنون من النفوذ في الجذور لسطحيَّتِهم.
إن سعادة الضيف تَفَطَّن دائمًا إلى ما تمتاز به الجامعةُ من العراقة والأصالة وضخامة الإنجاز، والدور الحقيقي الطليعي في تخريج العظماء في كل علم وفن، فكانت حقًّا منارةَ نور في دياجي الوثنية، لولاها لما بقي الإسلام في هذه القارة الهائلة على أصالته شامخًا مُنَاطِحًا لجميع الديانات والدعوات المناوئة، التي كانت مُؤَيَّدَةً من قبل الحكومة الاستعمارية وبعدها بالحكومة العلمانية بالمال والرجال، ومُشَجَّعَةً منها بالوسائل والأدوات.
وظل ولايزال في موقفه من الجامعة وعلماء ديوبند ومذهب الديوبنديين مُمَاثِلًا لسماحة الشيخ محمد بن عبد الله السبيّل – رحمه الله – (1345-1434هـ = 1924-2012م) الإمام والخطيب بالحرم المكي ورئيس شؤون الحرمين الشريفين سابقًا، الذي زار الجامعة فقال: ما رأيتُ في الدنيا جامعةً توجد مثلَ دارالعلوم/ديوبند في كل مكان؛ فقد رأيتُ جامعة دارالعلوم/ديوبند في باكستان، وفي بنغلاديش، وفي بلاد أوربا: في بريطانيا، وفي إفريقيا الجنوبية، وجدتُ فيها وفي غيرها «دارالعلوم» بعدد المئات والآلاف، كل تنتسب إلى دارالعلوم/ديوبند، وتَعْتَزُّ بها، وتفتخر وتَتَبَاهَىٰ؛ لأنها كلها أقامها خريجو «ديوبند» أو خريجو خريجيها. وهم الذين رأيتُهم في ساحة العمل راكضين، وعلى دروب الدعوة ساعين، وفي مجال خدمة المسلمين بشمول متحركين، بقوة واستمرار لم نجد هما في غيرهم.
• وقد ذكر الشيخ شوكت علي القاسمي أستاذ بالجامعة، فتنة المدعو بـ«شكيل بن حنيف» الذي ادعى منذ سنوات أنه المهدي المنتظر، وقد اتبعه كثير من المثقفين بالثقافة العصرية من الشباب.
فقال سعادة الضيف: من هو لم نسمع به بعد: فقال كاتب السطور: إنه من منطقة «دربنجه» بولاية «بيهار» الهندية، جاهل بالدين، أَلَـمَّ بالثقافة العصرية، وعمل داعيًا لمدة قليلة، ثم انحرف عن الصراط، وزعم أنه المهدي، وفَتَنَ الناسَ، وأتباعُه يطيلون الصلاةَ والدعاء في المسجد، ويُعْفُونَ اللُّحَىٰ، ويتظاهرون بمظهر الدين، مما يخدع السُذَّج من الجهال.
قال الضيف الموقر: ربما يكون مُؤَيَّدًا من جهة أو فرد.
قال كاتب السطور: لابد أنه مُؤَيَّدٌ من قبل أعداء الإسلام؛ لأنهم دائمًا يتصيّدون أمثالَ هؤلاء المنحرفين عن صراط الإسلام المستقيم، ليوظفوهم في توجيه الضربة القاصمة إلى الإسلام، وفي تضليل المسلمين، ليتنكبوا بهم عن سبيل الله، ويستحقوا لعنته.
قال الضيف الكريم: وربما يكون قد دعاه إلى ذلك الحرصُ على الجاه والمال والسمعة الواسعة، إذا كان لم يتخرج على الإخلاص ولم يتشرب روحَ الاحتساب. قال عدد من الأساتذة: و ربما يكون قد جمع بين هذه الشرور كلها.
في نحو الساعة الواحدة والنصف ظهرًا، قد وَدَّعْنَا سعادة الضيف في دارالضيافة، ورجع كاتب السطور عاجلًا إلى مسكنه بجوار «مسجد تشته» لضعفه وأمراضه. وكان ذلك آخر لقائي معه في هذه الرحلة. جزاه الله خيرًا، وأطال عمره مع مزيد الصحة والعافية والتوفيق لخدمة الإسلام والمسلمين، وأَقَرَّ عينيه بذراريه وجميع أهل أسرته، وبمحبيه ومتعارفيه، وأدام حبّه لنا جميعًا وللجامعة، وجَعَلَه ذخيرةً له في الآخرة وعونًا له في الدنيا.
(تحريرًا في الساعة الثانية عشرة نهارًا من يوم الأحد: 6/رجب 1439هـ = 25/مارس 2018م).
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العــلوم ديــــوبنـد ، ذوالقعدة 1439 هـ = يوليو – أغسطس 2018م ، العـدد : 11 ، السنـة : 42