كلمة المحرر
يومَ السبت : 8/أكتوبر 2005م (3/ رمضان 1426هـ) كنتُ جالسًا على سرير خشبيّ في رواق «أفريقي منزيل قديم» (الذي أسكنه مع عائلتي والذي هو أحد مباني السكن العائلي للجامعة الإسلامية دارالعلوم / ديوبند) الناظر إلى جهة الشرق ، أتلو – كعادتي في شهر رمضان المبارك – وِرْدِي من القرآن الكريم . وذلك في نحو الساعة الثامنة والنصف صباحًا . إذ شعرتُ بهزّة قوية تُحَرِّكُ السرير من تحتي يمينًا وشمالاً ، وما إن مضت ثانية أو ثانيتان حتى تأكّدتُ أنّها زلزال ، فشعرتُ بالمخافة يشعر بها الإنسان إذا تأكّد أنّه مُعَرَّض لكارثة الزلزال التي لا ترحم أحدًا إلاّ من شاء الله . وبقيت الهزّة أكثرَ من دقيقة واحدة ، وظلّ المبنى الكبير الذي تسكنه عدد من عائلات أساتذة لجامعة دارالعلوم / ديوبند ، يهتزّ بشكل مخيف عبر هذه المدة ، وكدت أنزل إلى الأرض مع أفراد عائلتي الذين أخّروني عن النزول ؛ إذ هَدَأَ المبنى و توقّفت الهزّة ، وسَلَّمنا الله الحليم الكريم بفضله ومنّه وكرمه . ولو شاء أن يصيبنا بشيء في النفس أو المال ، لكان قد أصابنا خلال هذه المدة ، التي كانت طويلةً بالنسبة إلى الزلزال وما يصنعه في ثانية فضلاً عن دقيقة .
في وقت لاحق علمتُ عن طريق الإذاعات المحلية والعالمية ، وفي صباح الغد عن طريق الصحف تفاصيلَ الزلزال الذي كان نقطة انطلاقه «مظفر آباد» عاصمة «كشمير» الباكستانية ، والذي دَمَّر الشطرَ الباكستاني من كشمير وأجزاءً من كشمير وجامو الهندية إلى جانب رقعة واسعة من منطقة الحدود الواسعة من باكستان . وسقط من أجله نحو مائة ألف قتيل حسب التقدير الرسمي ، وأضعافُ هذا العدد من الجرحى ، وحَوَّل مدنًا وقرى و قرى جامعة خرابًا ، وهدم ما لايحصى من المنازل على ساكنيها والمدارس على طلابها وطالباتها ، وترك ما لا يحصى من الرجال بلا أُسَرٍ ، وما لا يحصى من الأسر بلا أولياء ، وما لا يحصى من النساء أرامل ، وما لا يحصى من الأطفال أيتامًا ، وما لايحصى من المشايخ والعجائز بلا من يأخذ بأيديهم ؛ حيث كانت قوته 7,6 درجات على مقياس ريختر . وألحق دمارًا بضرورات الحياة بأنواعها ، من الطرق والشوارع والجسور و وسائل الحياة .
وتدفّقت المواد الإغاثية ووسائلُ الإسعاف على باكستان من الداخل والخارج إلى جانب فرق الإغاثة المحلية والعالمية بمن فيها من خبراء العلاج والإسكان والمهندسين والمتطوعين من كل مجال ؛ ولكنّ الدمار لحقها على نطاق أوسع من طاقة البشر . والمشكلة الكبرى هي انسداد أو تخرّب الطرق المؤدية إلى كثير من المناطق الجبلية التي كان الوصول إليها صعبًا من ذي قبل . ثم إنّ هذه المناطق ثلجيّة ،وبدأ البرد القارص يداهمها ، والمنكوبون في العراء لا يجدون ما ينقذهم من البرد ويقيهم الثلجَ بالإضافة إلى الجوع والعطش والمرض والجرح والأوبئة المتولّدة من قلة تسهيلات التنظيف وعدم توفّر مياه صالحة للشرب وعدم توفّر تسهيلات علاجيّة ودوائية كافية لهذا العدد الهائل من الجرحى وذوي الإصابات النفسيّة .
* * *
إنّ الكوارث والزلازل والعواصف حسبما يصرّح كتابُ الله القرآن الكريم ، وأحاديثُ نبيه الخاتم سيدنا ونبينا محمد ﷺ ، تأتي تنبيهًا للعباد لما يكسبونه من الذنوب والمعاصي والتصرفات التي تسبّب غضب الله ، فتكون هذه الكوارث إنذارًا لهم وتلقينًا لهم الدرسَ حتى يقلعوا عما هم فيه من التمادي في الغيّ وعصيان أوامر الله والإفساد في الأرض . كما تكون هي في نفس الوقت امتحانًا لعباد الله الصالحين ، الذين يتبعون أوامر الله ويجتنبون نواهيه ويلتزمون بدينه ويؤمنون ويعملون بكتابه .
ولكنّ عددًا من المُحَلِّلين والصحافيين من المائلين إلى التوجيه غير الطبيعي لكل ما يحدث في الكون من الحوادث والكوارث ، قالوا : إنهم يرون أنّ هذا الزلزال المُدَمِّر ربّما يكون قد حصل نتيجةَ عملية تدميرية قامت بها أمريكا وإسرائيل تحت هذه الأراضي الباكستانية الواسعة عن طريق تقدّمهما العلمي الباهر وتكنولوجياهما المتطورة . وما يؤكد – كما أضافوا قائلين – هذه الشبهةَ أنّهما نجحتا من قبل في تنفيذ مسرحية رهيبة وهي مسرحيّة 11/ سبتمبر 2001م ؛ حيث قد أدارتاها بقدرة غريبة ، وحَمَّلَتا مسؤوليتَها القاعدةَ المزعومة ، ولاسيّما أعضاءَها من الشباب العربي . فما الذي يمنعهما من تنفيذ عمليّة مدمّرة كبيرة تستهدف منطقة واسعة من باكستان ولاسيّما منطقة الحدود التي يمتاز معظمُ سكانها منذ زمن بعيد بتدينهم وغيرتهم الإسلاميّة ، حتى يُدَلِّلُوا على أن الإسلام دين باطل ؛ لأن الملتزمين به يتعرضون لأمثال هذه الكوارث ، وأن غيره من الأديان صحيحة لأن أبناءها لايتعرضون لأمثالها ، رغم كل ما يعملون به مما يعتبره الإسلام شرًّا وفسادًا وفاحشة !!.
لكننا نقول : إن هذا الزلزال وغيره مهما كان قد حدث لتغيرات طبيعيّة تحت الأرض شاءها الله أن تحدث في الوقت الذي حدثت فيه، أو حدث – إذا سلّمنا – لتصرّف مفسد من قبل كتلة بشرية تمتلك تكنولوجيا خارقة أو تقدمًا في مجال العلم غير عاديّ ؛ فإنّ هذا التصرف هو الآخر لن تقدر هي أو غيرها أن تقوم به مالم يشأِ الله عزّ وجلّ الذي بيده الخلق والأمر وهو رب العالمين وإذا أراد شيئًا قال له : كن فيكون .
على كل فإن الكوارث والزلازل إنما تحدث للتنبيه والإنذار من قبل الله عزّ وجل ، لننتهي نحن البشر عما نحن سادرون فيه مما يثير سخط الله ويدعو غضبه ، ولنؤمن من جديد أن الله فعّال لما يريد وأنه قادر مقتدر ، وأنّه لا يأمن مكرَه إلاّ القوم الخاسرون .
اللهم اغفر عبادك ، ووفّقهم لما تحب وترضى ، وارزقهم أن لا يقولوا ويفعلوا إلاّ ما يجلب رحمتك ويجنب غضبك . إنك على كل شيء قدير . وانصر اللهم عبادك المنكوبين بالزلزال الحالي وغيره من الكوارث والمصائب والاعتداءات والمظالم .
(تحريرًا في الساعة 11/ من صباح يوم الخميس 29/ رمضان 1426هـ = 3/ نوفمبر 2005م)
[ التحرير ]
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذوالقعدة 1426هـ = ديسمبر 2005م ، العـدد : 11 ، السنـة : 29.