كلمة العدد
لو أُجْرِيَتْ مسابقةٌ في النطق بالكذب وقول الزور بين زعماء العالم البارزين ، لكان الرئيسُ الأمريكيُّ الحاليّ «جورج بوش الابن» مُجَلِّيًا حَائِزًا قصبَ السبق ، مُسَجِّلاً عليهم جميعًا الانتصارَ الباهرَ . فيما يتعلق بالحرب الصليبية الصهيونية ضدّ الإسلام والمسلمين والعالم الإسلامي ، التي شَنَّها صادرًا عن تخطيط مُسَبَّق باسم «الحرب ضدّ الإرهاب» تَفَنَّنَ في ممارسة الكذب وتكرارها وتنويع الأساليب التي اختارها لذلك ؛ ولكنّ الله عَزَّ وجَلَّ فَضَحَه بشكل غير مسبوق ، حيث لم يثبت صدقُ أيٍّ من أكاذيبه ولو بطريق مفاجئ ، حتى يتعلّلَ به ويقولَ للعالم : إنّه كان صادقًا فيما كَذَبَ .
انتقامًا لأحداث 11/سبتمبر 2001م شَنَّ الحربَ أوّلاً على أفغانستان ، قائلاً: إنّ القاعدة المزعومة والطالبان التي وراءها قامت بهذه التفجيرات ؛ ولكنه لم يقدر بشكل أو بآخر وقد مضت سنوات أن يُقَدِّمَ للعالم برهانًا على تورّط القاعدة والطالبان فيها ، يؤكّد له – للعالم – بشكل قاطع أن التفجيرات كانت من صنع المسلمين والعرب، ولم تكن من تخطيط وتنفيد الصهيونية العالمية المُمَدَّة بالصليبية المتصهينة . وقد أكّدت مُؤَلَّفَاتٌ وكتاباتٌ و دراساتٌ قام بها غيرُ المسلمين من المسيحيّين واليهود في أمريكا وأوربّا أنّ «الحرب على الإرهاب» كانت مُبَيَّتَةً وأنّ التفجيرات قد نُفِّذت لإيجاد مُبَرِّرٍ قويّ حتى تُتَّخَذَ ذريعةً لذرّ الرَّماد في عيون العالم . كما صدرت في أمريكا وديار الغرب كثيرٌ من الدراسات – وتُرْجِمَ عددٌ وجيهٌ منها إلى اللغة العربية – تتحدّث عن «بوش» مُحَارِبًا ومُتَغَطْرِسًا ومباهيًا بالقوة ، ومعاديًا للشرق ، ومؤامرًا ضد العرب والمسلمين ، ومجبولاً على نفسيّة الحسد والعناد والتعنّت والفرح بممارسة الظلم والإيقاع بالأبرياء وما إلى ذلك . وكَثُرَ صدورُ أمثالِ هذه الدراسات فيما بعد حرب العراق واحتلاله والتعرضِ لدول المنطقة العربيّة الأخرى واستهدافِ الدولِ الإسلاميةِ كلّها بشكل أو بآخر، وبذّت مبيعاتُها مبيعاتِ مُؤَلَّفَاتٍ في موضوعات أخرى ، حتى اضْطُرَّتْ وسائلُ الإعلام أن تتحدّث عنها .
وما كادت هذه الْمَكْذَبَةُ تجد طريقَها إلى كونها «صدقًا» – ولو بطريق مفاجئ – حتى بدأ بوش ، حسبَ التخطيط المُسَبَّق لخوض «حرب صليبية» في المنطقة العربية والإسلامية الواسعة ، يستعدّ للانقضاض على العراق العربيّ المسلم . ومَارَسَ لتهيئة الرأي العامّ العالميّ من الكذب الصريح ما فاقَ – كمًّا وكيفًا – المكاذبَ التي يكون قد مارسها جميعُ الزعماء السياسيّين في العالم في العصر الحديث . ونَوَّعَ أساليبَ إعادةِ أَكَاذِيْبِه على مسامع العالم حتى حشاها بصوته المُعَاد المكرور وبقوله : إنّ عراقَ صدّام حسين يملك ويُنْتِج من أسلحة الدمار الشامل ما يُهَدِّد العالمَ عمومًا وأمريكا خصوصًا ، وما من شأنه أن يُدَمِّر العالم في لَحَظَاتٍ معدودات.
وكان من سوء حظّه أن الرأي العامّ العالمي رغم أساليب خداعه وما أعمله من «سلاح وثائقي» لفّقه هو وزمــرتـُـه في البيت الأبيض من وزير الدفاع وغيره ، لذرّ الرماد في عيون العالم ، لم يقدر أن يكسبه لصالح إرادته لشنّ الحرب على العراق ، حتى إنّ دول العالم احتجّت ضدّ إرادته هذه بشكل أكّدت وسائلُ الإعلام أنه لم يشهد العصر الحديث مثيلاً له ، وحتى إن الأمم المتحدة – التي هي جارية بيد أمريكا ومُغْتَصَبَةٌ بنحو دائم من قبل الصهاينة – هي الأخرى لم تؤيّد الحربَ ضد العراق ، وظلّت تحذّر بوش من عاقبتها الوخيمة بالنسبة لأمريكا وبالنسبة للعالم كله وبالنسبة للمنطقة العربية كلّها ؛ لكنّ بوش ظلّ قائمًا على إرادته ومُصِرًّا على شنّ الحرب ، وشنّها فعلاً واحتلّها بقوته العسكرية الهائلة التي تفوق القوي العسكرية لدى العالم كله ، ومَارَسَ خلال إدارة الحرب في العراق ، وبعد احتلاله له من المذابح والتدمير مالم يمارس مثلَه أيُّ جَبَّار على وجه الأرض في التأريخ المعاصر سوى الدولة الصهيونية التي تَأَسَّسَتْ على الظلم والاعتداء.
وانتظر العالم بفارغ الصبر أنّ بوش عسى أن يَتوَصَّل في العراق إلى أسلحة الدمار الشامل التي اتـّخذها مُبَرِّرًا لفرض حربه على العراق . وقد تظاهر بوش بتنفيذ كثير من أدوار مسرحيّة البحث عن هذه الأسلحة المزعومة ؛ ولكنه رغم إطالة وتكرار عرض هذه الأدوار لم يجد أيَّ شيء يُقَدِّمه للعالم كسلاح من أسلحة الدمار الشامل . وقد كان بوش على علم بأنّ شيئًا منها لايوجد عند العراق المجهود المكدود المُنْهَك بتصرفات صدّام الخرقاء وإقداماته المؤدية إلى التهلكة والحروب المستمرة السابقة والحصار الاقتصادي الغاشم المفروض عليه عبر سنوات طويلة حتى لحظة شن بوش عليه حربَه الصليبية . وإنّما اتخذ أكذوبةَ «أسلحة الدمار الشامل» ذريعةً إلى إيجاد «مُبَرِّر واقعيّ» – فيما تَخَيَّلَ – لشن الحرب عليه ؛ ولكن معظم العالم كان مُتَأَكِّدًا أنّ المُبَرِّر ليس واقعيًّا وإنّما هو مُجَرَّدُ حجّةٍ اُخْتُلِقَتْ لتحقيق مصالح أمريكية صليبية صهيونية .
وعندما شعر الرجل أنّه افتضح في قارعة الطريق ويكاد ينال – بل قد نال – لقب «أكذبَ كاذبٍ» بين الساسة العالميّين ، بدأ يلوك أنّه إنما حارب العراقَ واحتلّه ليُنَفِّذَ فيه الديموقراطية ، ويجعله مثالاً تحذو حذوَه دولُ المنطقة كلّها ؛ لأنّها كلّها في حاجة ماسّة إلى التغيير العاجل الشامل في البنية السياسية والإدارية ونظام الحكم لديها . ولما رأى أنّ هذا «الجزر» هو الآخر لايكاد يجذب «قطعانَ العرب» لأنهم لايرضون أن تفرض عليهم مناهج الحكم والإدارة من خارج أرضهم من قبل من لايشاركهم في الثقافة والحضارة فضلاً عن العقيدة والدين والهدف والمصير والتراث والتأريخ ؛ فنهضوا ليقاوموا بوش وقواته الصليبية الفاجرة الكافرة المدمنة للدماء العربية الإسلامية ، بكل ما يستطعيونه ولاسيّما بنفوسهم التي يضحّون بها نذورًا رخيصة في سبيل مقاومة المحتلّ الغاشم الذي جثم على صدر العراق على كُرْهٍ منه ، حتى يدحروا هذه الكلابَ والذئابَ الضاريةَ بدماءِ المسلمين والعرب الزكيّةِ .. لما رأى أن ذلك لا ولن يُقْنِع العالمَ بشأن مُبَرِّرَات حربه ضدّ العرب والمسلمين ، وأن الدنيا لاتكاد تؤمن بمصداقيته بشأن أيّ شيء بعد ما جَرَّبَتْ عليه الكذب المتكرر والتلفيق المستمرّ ، أشار على الرجلين الموثوق بهما لديه في المنطقة – وهو رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس» و وزير الإعلام في السلطة «نبيل شعث» – أن يكشفا أخيرًا ما قاله لهما لدى التقائه إياهما في مكتبه بالبيت الأبيض في حزيران / يونيو 2003م .
فقد أفادت تفاصيلُ نُشِرَتْ يوم الخميس: 6/أكتوبر 2005م (غرة رمضان بالقياس إلى التقويم الهندي و 3/رمضان بالقياس إلى تقويم العالم العربي 1426هـ) عن برنامج وثائقيّ جديد لـ«بي بي سي لندن» أنّ الرئيس الأمريكي «جورج بوش» قال: إن الربّ طَلَبَ منه اجتياحَ كلّ من أفغانستان والعراق ، كما أفاد المسؤولان الفلسطينيان في الشريط الوثائقي الذي سيُعْرَضُ في بريطانيا لاحِقًا .
قال «نبيل شعث» وزير الإعلام الفلسطيني : قال لنا الرئيس بوش : «أَتَحَرَّكُ بموجب رسالة من الربّ .. يقول لي الربُّ: جورج ! ضَعْ حَدًّا للتسلط في العراق وأفغانستان .. وهذا ما فعلتُه» . وأضاف شعث نقلاً عــن بــوش : «والآن مُجَدَّدًا أشعــر برسالة الربّ : جورج! وَفِّرْ للفلسطينيين دولةً، وللإســـرائيليين أمنًا ، وأَقِمْ الســـلامَ في الشرق الأوسط .. وسأَفْعَلُ ذلك».
إنّ بوش أحاط المَسْؤُولَيْنِ الفلسطينيَيْنِ برسالة «الربّ» له إثرَ احتلاله للعراق بشهور فقط ؛ ولكنهما كشفا عن ذلك منذ ثلاثة أسابيع فقط – وأنا أكتب هذه السطور في الليلة المتخلّلة بين الثلاثاء والأربعاء : 22-23 رمضان بالقياس إلى التقويم العربي و 20-21/ رمضان بالقياس إلى التقويم الهندي 1426هـ ، الموافق 25-26/أكتوبر 2005م – ومن البديهيّ أنهما لم يسكتا عن ذلك طَوَالَ هذه الفترة إلاّ على توجيه من بوش تحقيقًا للمصالح التي يتبنّاها من وراء حربه ضد هذه الأراضي العربية الإسلامية والإسلام والمسلمين وتحصينًا لها من أيّ عائق يَعْتَرِضُ طريقَها إلى التحقق لو تَمَّ كشفُ رسالةِ «الربّ» هذه إلى بوش في الوقت الذي أَفْصَحَ عنها هو إلى الرجلين الجديرين بالثقة لديه في هذه المنطقة العربية الإسلامية الواسعة.
ومعلومٌ عن «بوش» أنه أوّلُ رئيس أمريكيّ يرتاد الكنيسةَ على مرأى من الناس ووسائل الإعلام العالمية والأمريكية بصفة أخصّ ، ويقرأ في خطاباته من وقت لآخر مُقْتَطَفَات من الإنجيل . وهو أوّلُ رئيس أمريكي «يتلقّى الوحي» مباشرة من الربّ في قضايا ذاتِ شأن لديه ؛ فقد سَجَّلَ التأريخ أنّه صَرَّحَ عندما كان حاكمًا لولاية «تكساس» الأمريكية أنه «يؤمن بأنّ الربَّ يريد منه الترشيح للرئاسة» كما سَجَّلَ أنه خلال خوضه حملتَه الانتخابيةَ للرئاسة الأمريكية صَرَّحَ للشعب الأمريكيّ بأنّ «أعظم فيلسوف سياسيّ يُعْجِبُه هو السيّد المسيح».
وهنا لابدّ أن نُذَكِّرَ القراءَ الكرامَ بأن بوش قال خلال ثلاثة أو أربعة أيام بعد تفجيرات 11/سبتمبر 2001م أنه متوجّه إلى خوض حرب صليبية ضدّ الأَوْبَاشِ الذين يحسدون الحضارةَ والتنوّرَ وأفضليّتَنا عليهم . وبعدما قَرَأَتْ زمرةُ بوش سخطَ الرأي العامّ الإسلاميّ العربيّ خصوصًا واستياءَ الرأي العالمي عمومًا أَوَّلَتْ أن الرئيس لم يُرِدْ ما فَهِمَه العالمُ وإنّما أراد أنّه بسبيل «حرب عادلة» ضدّ الإرهابيين والمتطرفين الذين يحسدون الشرفاءَ الأبرياءَ نعمةَ احترامِهم للإنسانية . جَاءَ التأويلُ لمقالته على أفواه زمرته ؛ ولكنّه هو بدوره منذ ذاك الوقت لحدّ كتابة هذه السطور لم يَنْبُسْ ببنت شَفَةٍ حول النص الذي أطلقه ، ولم يُؤَوِّله تأويلَ زمرته ، ولم يعتذر، وإنَّما اسْتَمَرَّ يحــارب العالمين العربيّ والإسلاميّ دونما هوادة .
على كل فبعد ما صَرَّحَ بوش أنّه يَتَلَبَّسُ الحالَةَ الرساليّة في تحرّكاته العسكريّة ضدّ الدول التي استهدفها ولايزال ، وأنّ الحرب على أفغانستان والعراق جاءت بتعليمات مباشرة من «الرب» انحلّت بشكل عَفويّ كثير من العُقَد التي اسْتَعْصَىٰ حَلُّها على عقلاء العالم ، وربما يُوَفِّرُ على الدنيا كلّها الجهدَ والمالَ اللذين ظلّت تبذلهما في سبيل دراسة الاستراتيجيات والسياسات التي يصدر عنها الرئيس الأمريكي «بوش» في إشباع شَهَوَاته الحربيّة التي لاتكاد تَشْبَعُ بأيّ رصيدٍ من القتلى والجرحى ، واليتامى والأرامل ، والمرضى والجوعي ، والمقعدين والعريان ، وتدمير البلاد ، وإبادة العباد ، وإهلاك الحرث والنسل .
فقد اتّضح من تصريح الرئيس الأمريكي:
1- أنّه يخوض ضد العالمين العربي والإسلامي حربًا صليبية ، لأنّها تُخَاضُ بأوامر الربّ المُبَاشِرَةِ ؛ فهي تَكْتَسِبُ صفةً دينيةً .
2- ويَتَرَتَّبُ على ذلك ، أي على كون حربه ضد الإسلام والمسلمين برسالة إلهيّة تلقّاها مُبَاشَرَةً من الربّ أنّ قتلاها – الحرب – من المسلمين الأفغان والعراقيين والمقاومين في كل من أفغانستان والعراق إرهابيّون، مصيرُهم لا مَحَالَةَ إلى النار . أمّا قتلاها من الجيوش الأمريكية الصليبية والصهيونية فهم شهداء تنتظرهم الجنة بفارغ الصبر !.
3- وقادةُ هذه الحرب ومديروها ومُخَطِّطُوها – وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي «بوش» – الذين أَوْحَىٰ إليهم «الربُّ» بخوض هذه الحرب المقدسة ، لابدّ أن يعتبرهم الشعب الأمريكيّ قِدِّيسينَ (أولياء لدى المسيحيين) يَتَبَرَّكُ بهم ؛ حيث وَصَلُوا إلى هذه الدرجة من الطهارة من كل دنس واختيارِ «الربّ» لهم أولياءَ مَرْضِيِّينَ لديه .
4- ما دام الرئيس الأمريكي يُنَفِّذُ أَوَامِرَ «الربّ» من خلال هذه الحرب المُقَدَّسَة ضد الإسلام والمسلمين – التي وَصَفَها مرارًا أنها «حربٌ غيرُ تقليديّةٍ ضدّ الإرهاب» – فلن ينزعج ولاينبغي أن ينزعج ما تُسَبِّبُه من دَمَارٍ شاملٍ وتدمير واسع في بلاد المسلمين والعرب وتقتيل عشوائي وإبادة جماعية للمسلمين والعرب ، وتعذيب جسدي ونفسيّ لهم بشكل يندى له جبينُ الإنسانية ؛ لأنّ كلَّ ذلك كائنٌ بأمر «الرب» وبرضاه . فالمُعَذَّبُونَ تعذيبًا تَقْشَعِرُّ يندى له جبينُ الإنسانية ؛ لأنّ كلَّ ذلك كائنٌ بأمر >ب وتقتيل عشوائي وإبادة جماعية للمسلمين له جلودُ الإنسانِ في سجون العراق وأفغانستان وغيرهما بما فيها «سجن أبوغريب» و «غوانتانامو» لا أَسَفَ عليهم ولا معذرةَ إلى المجتمع البشريّ بشأنهم . وما ارتكبته القواتُ الأمريكيّةُ ولاتزال من الاغتصاب الجماعيّ ، والشذوذ الجنسيّ ، وأساليب الإهانة والتذليل المنوعة للسجناء والموقوفين ، ومداهمة البيوت، والتعرض للنساء ، ونهب الأموال الإسلامية والعربيّة ؛ كلُّ ذلك جائزٌ بل واجبُ التنفيذ ؛ لأنه معمول به حسبَ أوامر «الربّ» التي تلقّاها الرئيس الأمريكيّ !!.
5- المسلمون والعرب بالمجموع دينُهم الإسلامُ باطلٌ وأسطورةٌ لاتقوم على أساسٍ ؛ لأنهم لوكانوا على ذَرَّة من الحقّ ، لما أَمَرَ «الربُّ» الرئيسَ الأمريكيَّ بمحاربتهم باسم الحرب على الإرهاب ؛ فإبادتُهم وإزالــةُ دينهم وتطهيرُ الأرض منهم ومما يَعْلَقُون به من الدين والعقيدة والكتاب ، فريضةٌ دينيةٌ لدى «بوش».
6- مادام «بوش» يَتَلَقَّى أوامرَ إلهيَّةً مُبَاشَرَةً في كل قضية ذاتِ اهتمام لديه ؛ فإنّه سيُحَارِبُ أيَّ دولةٍ إسلامية أو عربية متى تتسنّى له الفرصةُ وتشتدّ لديه شهوةُ الحرب ، مُحْتَمِيًا برسالة «الربّ» إليه ؛ فلاعجبَ إذا كان العالم يــراه يَتَعَـــرَّضُ لـدولة إسلامية أو عربيــة بعد أخرى ، يُهَدِّدُها بالويل والثبور ، ويُوَجِّهُ إليها الإنذارَ تلو الإ إذا كان العالم يراه يَتَعَرَّضُ لدولة إسلامية أو عربية بعد أخرى ، يُهَدِّدُها بالويل والثبور ، يُوَجِّهُ إليها النذارِ بشأن شنّ الحرب عليها . ولا غروَ إذا يشاهده المجتمعُ العالميُّ أنه لاينطق بغير الحرب .
7- وإنّه لأمرٌ ذو خطورةٍ أن يزعم الرجلُ أنّه مأمورٌ من قبل «الرب» بإقامةِ دولةٍ للفلسطينيين ؛ فإنه قد يوصي إسرائيل بالتَّفَضُّل على الفلسطينيين بدُوَيْلَةٍ مشلولة الأيدي والأرجل ، مُكَوَّنَةٍ من قطاعات مُتِكَسِّرَةٍ منفصلة ، مُحَاصَرَة ومُطَوَّقة بدولة إسرائيل ، غير مسموح لها بأي تَحَرُّكٍ بدون إذن مُسَل ، مُكَوَّنَةٍ مبَّق لها من إسرائل ، تشكل صداعًا دائمًا للفلسطينيين ، ويقول : ها أناذا قد أقمتُ لهم «دولةً» . وهذا هو الذي سيَحْصُلُ كما يُؤَكِّدُ جميعُ المراقبين والمحللين لصنيع كلّ من أمريكا وإسرائيل لحدّ اليوم .
8- وكذلك لأمرٌ خطيرٌ جدًّا أن يزعم الرجل أنّه مأمورٌ من قبل «الرب» بإقامة الأمن لإسرائيل ؛ فإنه – كما هو حاصلُ اليوم وما يأتي هو أدْهَىٰ وأَمَرُّ – اتّخذ وأَمَرُّ – اتّخذ يأتي هو أدْهَى|ما لرجل أنّه مأمورٌ من قبل >ن لصنيع كلّ من أمريكا وإسرائيل لحدّ اليوم .
ولازال وسيظل يتخذ أمرَ «الربّ» مُبَرِّرًا لكل ما صنعته ولاتزال وستظلّ تصنعه إسرائيل من الظلم والبطش والتقتيل والتدمير اليومي للأنفس والأموال والمتملكات والبيوت الفلسطينية ، ويُعْطِي في المستقبل نورًا أخضرَ بشكل أكثر لجميع التصرفات الوحشيّة التي تقوم بها الدولةُ الصهيونيةُ ؛ لأنها ستكون في سبيلِ إقامةِ الأمنِ لإسرائيلَ التي أَمَرَ بها «الربُّ» الرئيسَ الأمريكيَّ . ولا غَرْوَ إذا اعتبرَ الرجلُ جميعَ الفصائل الفلسطينية الْمُقَاوِمَة لظلم إسرائيل ووحشيّتها إرهابيّةً ، بينما وَصَفَ ولايزال جميعَ العمليات الوحشية التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين بأنها أعمالٌ لا بدّ منها لإقامة الأمن .
9- وإقامةُ السلامِ في الشرق الأوسط، التي قَيَّضَ «الربُّ» لها «القديس» بوش تعني جميعَ المظالم والتعاملَ باللاعدل المطلق مع العرب والمسلمين ، والتواجدَ الأمريكيَّ الدائمَ في المنطقة ، والامتصاصَ الأمريكيَّ المُتَّصِلَ للخيرات العربيّة ولاسيّما البترولَ عصبَ الحياةِ المعاصرةِ ، وإعمالَ أمريكا المتواصلَ لعصاها الغليظةِ ضدّ العبيد العرب ؛ لأن ذلك كلَّه وغيرَه وحده الطريقُ المُبَاشِرُ المأمونُ إلى إقامة السلام في الشرق الأوسط ، وبدونه لايقوم في هذه المنطقة سلامٌ ، ولايستتبّ أمانٌ ، ولايتحقق أمرُ «الربّ» . وذلك ما لن يحتمله القِدِّيْس بوش المُتَلَقِّي الأوامرَ الرَّبَّانِيَّةَ مُبَاشَرَةً ، والْمُتَحَرِّكَ دائمًا ضمنَ الإِطارِ الرِّسَالِيّ .
لقد أراح بوش العالمَ ولاسيما المُجْتَمَعَيْنِ العربيّ والإسلاميّ من عَنَاءِ البحث عن جذور تحركاته الحربية وشَهَوَاتِه العسكريّة ، ووَضَعَ النِّقَاطَ على الحروف التي ظلّت مُهْمَلَةً ؛ ولكنه في نفس الوقت وَضَعَ الشعبَ المسلم في العالم كله في موقف يثير تساؤلاتٍ كثيرةً وعلى رأسها :
هل القادةُ والساسةُ المسلمون والعربُ الذين يتسابقون إلى التكاتف مع بوش في حربه التي خاضها ولايزال برسالة من «الرب» أي في حربه الصليبية التي أَطْلَقَ عليها «الحربَ ضدّ الإرهاب» يخدمون مصالحَ الإسلام والمسلمين والعرب؟ أو لم يكن بوش الصليبيّ أَغْيَرَ على دينه وأسبقَ إلى طاعة ربّه من العرب والمسلمين على دينهم وإلى طاعة ربّهم ؟ أو لم يكن بوش أذكى منهم حين خَدَعَهُمْ – ولايزال – واسْتَخْدَمَهُمْ لِما شَاءَ ، حينَما شَاءَ ، وكيفَ ما شَاءَ ، وقـدرَ ما شَاءَ ، فأصبحوا طوعَ أمرهم ورهنَ إشارتهم ، مُعْتَزِّين بكونهم وسيلةً إلى تقتيل مئات الآلاف من بني دينهم ، وتدمير مئات الكلومترات من بلادهم ، وتخريب ما لايُحْصَىٰ من أرضهم وعرضهم ؟!.
(تحريرًا في الساعة 2 من الليلة المتخللة بين الثلاثاء والأربعاء: 20-21/ رمضان 1426هـ = 25- 26 بسيارة مفخمِّلاً في الاغتيال 12/ أكتوبر 2005م)
نور عالم خليل الأميني
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذوالقعدة 1426هـ = ديسمبر 2005م ، العـدد : 11 ، السنـة : 29.