كلمة المحرر
تتناقل مواقع التواصل الاجتماعي الفيديو يتراءى فيه رئيس الوزراء الكندي يقول: «إلى أولئك الفارِّين من الاضطهاد والإرهاب والحرب.. الكنديون سيرحبون بكم بغضِّ النظر عن عقيدتكم، قوَّتنا في تنوعنا.. مرحبًا بكم في كندا».
يطلع المسلم الغيور على أمثال هذه الفيديوهات ثم يعصر ذهنه: لعله يجد أحدًا من الساسة و الحكام والوزراء والأمراء المسلمين يقفون هذا الموقف؟ عسى أحدٌ منهم أن يصافح إخوانه ويعانقهم، و يرحِّب بهم في بلاده في الوقت الذي أصبح المسلم منبوذًا في العالم؛ يتحاشىٰ عنه الناس كما يتحاشون عن البعير الأجرب؟ فالمسلمون في الشام وقبله اليمن وغيرها من الدول يعيشون وضعًا مأساويًّا: أشلاء ممزقة ودماءٌ رخيصة وتشريد ممض ومجاعة محدقة.
إن الحروب المدمرة و رقصات الموت على أشلاء أهل السنة والجماعة بصفة خاصة في سوريا أصبحت أمرًا عاديًّا، أنسى كثيرًا من ويلات الصراع في اليمن، وأصبح خبر «كان». إن تكاتف الثالوث الخطير في بلاد الشام وغيرها: أمريكا وروسيا وإيران الشيعية الرافضة يجعل هذه البلاد مرتعًا خصبًا للتناحر والتحارب، وحمامًا من الدم لاينضب معينه قريبًا فيما يبدو.
وما تشهده مدينة الغوطة في سوريا من المجزرة الرهيبة والقصف العشوائي المتواصل على يد قوات النظام السوري وحلفائه باسم محاربة البغاة والخارجين على الدولة من غير هوادةٍ تُذكِّر بهجمات تشنُّها الدولةُ على الدولة المعادية لها، فإذا رأيت ثَمَّ رأيت جثثًا هامدة: جثث النساء والرجال والضعفاء والأطفال الأبرياء، وأنقاض الأبنية الخاوية على عروشها مدَّ البصر، ترتفع صيحات وآهات الجرحى والأمهات والآباء الضامين أفلاذ أكبادهم إلى صدورهم، المحرومين من العلاج والتعهد، التائهين على الطرقات والشوارع الغاصة بالأشلاء والجثث حيث لايجد الماشي موطئ قدم فيها. ونقلت قوات الأسد هجماتها إلى المستشفيات والمراكز الطبية فضلًا عن الأحياء السكنية، فأصبحت الغوطة مدينةً مصغَّرةً، سكانها الجرحى والمنكوبون والبائسون العُجَّز، الذين لايستطيعون حيلةً في الأرض ولايهتدون سبيلًا.
وإزاء هذه الأزمة الإنسانية الرهيبة المخزية تجد العالم الإسلامي صامتًا صمت الرهبة، ساكنًا سكونَ الموت، لاتسمع منه همسًا، في خذلان شنيع لإخوانهم الذين يشاركونهم في العقيدة والدين، وإزاء ذلك اعتمد مجلس الأمن الدولي في 25/فبرايرعام 2018م قرارًا – بالإجماع- بضرورة وقف الأعمال العسكرية في سوريا، ورفع الحصار المفروض عليها من قِبل قوات النظام الأسدي؛ ولكن قراره لم يتجاوز حبرًا على ورق؛ فإن أعمال العنف غير المقبولة مستمرة، والاعتداءات على المدنيين والمدارس والمرافق الطبية على أشدها، ومعاناة الشعب العُزَّل وتشرد الأعداد الكبيرة منهم متفاقمة.
وفي الأيام الأخيرة أجرى رؤساء أمريكا وفرنسا وألمانيا بعضهم مع بعض اتصالات هاتفية لدراسة قضية سوريا والأوضاع المتفاقمة فيها، وحمَّلوا الأسدَ مسؤولية قتلِ الأبرياء و الهجوم غير المبرر على الإطلاق على المدنيين، وطالبوا بضرورة وقف أعمال العنف العشوائية ورفع الحصار المُوَجَّه إلى المدنيين. والغريب في الأمر أن القيادات العالمية تطالب روسيا – وهي اللاعب الأساسي في كل ما يجري على أرض الشام من انتهاكاتٍ بشعةٍ لحقوق الإنسان على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، وعلى وعي تامٍّ – بممارسة الضغوط على بشار الأسد لوقف إطلاق النار، أو وقف الهجمات على المدنيين، في حين لايخفى على أحدٍ له إلمام بمجريات الأحداث أنه من غير المعقول أصلًا أن تقوم روسيا بذلك. فكل ذلك لايعدو خداعًا لطيفًا من القيادات العالمية تجاه قضية سوريا. والدول الغربية هي التي تمسك بخيوط حل هذه المشكلة المتفاقمة، وإذا كانت هذه الدول تتباكى الآن على هذه المشكلة؛ فإنها هي أحد أسبابها.
هذا، ولم يتبلور موقف واضح صريح للدول الإسلامية و رؤسائها من قضية الشام، والدمار الشامل الذي تشهده هذه البلاد، في الوقت الذي يُسترخص فيه دماءُ الأمة الإسلامية، ولايَسع حينئذ المسلمَ إلا أن يدعو الله تعالى أن يورث قياداتِ الأمة الإسلامية شعورًا وقوةً وبصيرةً وإيمانًا يحملهم على ضرورة حل قضاياهم معتمدين على أنفسهم حلاً يصون دماء الأمة الإسلامية من أن تسيل أنهارها عشيةً وضحاها. [التحرير]
(تحريرًا في الساعة الثامنة عشاء يوم الأحد: 5/رجب 1439هـ= 25/مارس 2018م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1439 هـ = مايو – يوليو 2018م ، العـدد : 9-10 ، السنة : 42