دراسات إسلامية

بقلم:  الأستاذ سيد مدثر أحمد (*)

ولد الشيخ في سيوهاره في عام ألف وثمان مئة وستين للميلاد، وتوفي في «بهوفال» عام ألف وتسع مئة واثنين وثلاثين للميلاد، وحصّل العلوم الابتدائية في مدرسة شاهي بمراد آباد، وتلمذ على يد المحدث أحمد حسن الأمروهوي وغيره من الأساتذة الأجلاء، وفاق أقرانه في العلوم والأدب، ولذلك اختير عضوًا في مجلس الشورى بدار العلوم /ديوبند، وأخذ عنه كثير من العلماء البارزين، وإن الله سبحانه وتعالى منحه موهبة شعرية، وتشهد على براعته في الشعر صفحات مجلة «القاسم» التي كانت تنشر قصائده بين الفينة والأخرى، فكان بارعًا في قول الشعر باللغة العربية، ويقرض الشعر العربي كثيرًا من الأحيان، وقد عُدّ من المكثرين في مجال الشعر العربي في الهند.

       كانت له يد طولى في قرض الشعر، وله أشعار كثيرة كما أشرنا إليه آنفــًـا، وكانت تنشـد قصائده في المحافل والمجالس بديوبنـد، وكان شاعـــرًا غزير الإنتاج، وقد نظم في أغراض مختلفـة من تهنئة ورثاء وترحيب و وعظ وتخميسات، وأنه قد حافظ على المحسنات، وكانت تميل منظوماته إلى القصر والاقتباس وغير ذلك، ويغلب عليها جلاء المعنى ويتـراجع دور الخيـــال، وقد أودعـــــــه الله عز وجل عدة مؤهلات، فكان كلامه يذخر بالمحسنات اللفظية والمعنوية والعبارت الفصيحة وبالقدرة على الكلام وحسن الخيال وسهل التركيب وسذاجة البيان، ويشعر الباحث أنه كلامه يشف عن آلامه وبكائه كلما يذكر زيارة المدينة المنورة، وكلما يصف في شعره تلك الديار المقدسة، وكان قبله مملوءًا بالحب النبوي – صلى الله عليه وسلم-، وهذه المحبة أدته إلى قرض المديح النبوي – صلى الله عليه وسلم-.

       وكان من ميزات شعره أنه يصور في أبياته وقصائده ومنظوماته حبه وصلاته الروحية مع النبي –صلى الله عليه وسلم- وشوقــه إليه وهيامه به، ولا يستعمل لبيان ما يختلج في صدره اللغة الركيكـــة والألفاظ غير اللائقة، ولا يعتمد على الكذب والمبالغة والعناصر الأخرى التي يعتمد عليها الشعراء بصفة عامة، ويبدو من كلامه كأنه صادر ممن نشأ وترعرع في البلاد العربية مع أنه ولد وعاش في الهندية بعيدًا عن تلك البقاع السعيدة.

رمت إليّ بسهم اللحظ عيناك

أصاب قلبي فهذا الصيد مقماك

دم المحبين في شرع الهوى هَدَرٌ

بشراك قاتلة بشرى لِقَتْلاك

الموت أهون من هجر نُكابده

والحشر أقرب من وعد بلقياك

هل تدركين عليلًا شفه وصب

ولا طبيب لهذا الداء إلَاك

مشيتِ نحوي وكان الطرف منتظرًا

أهلاً وسهلاً على العينين ممشاك

هلّا سألتِ عن المُضني به رمق

شفاه في شفتيكِ استنطقي فاك

قد فار تنور قلبي والدموع  طغت

جريت يا عين بسم الله مجراك

إني أشم وميض البرق في مطر

أبكي وتبدين بسمًا من ثناياك

نزلتِ دارًا بقلبي وهي فارغة

عما سواك فقد طابت لسُكناك

قلبي كبيت مليك العرش محترم

حاشاك أن تقطعي قلبي فحاشاك

ملكتِ إقليمَ حسن فارحمي وصلي

قلوب أهل الهوى طرا رعاياك

بحا حبيبيك محاريب لسجّدها

كما بعينيك حانات لسَكراك

لم أنس ذكرك في ضيق وفي سعة

لكن بمدح رسول الله أنساكِ

محمد سيد الكونين من بشر

سَمَا عُلُوًا على جنّ وأملاك

حبيب رب الورى والعرش موطئة

أسرى به الله ليلًا فوق أفلاكِ

دنا من الله في معراجه ورأى

بالعين ما جلّ عن فهم وإدراك

وحَازَ غاية قرب لا وراء لها

بالعين ما جلّ عن فهم وإدراك

أتي بدين به الأديان قد نُسخت

دانت به كلُّ عبّاد ونُسّاك

محا حنادس كفر نور جبهته

كطلعة الشمس تمحو كل أحلاك(1).

و حاول مدح المدينة المنورة – زادها الله شرفًا وعظمة – كما يقول:

أيا نسيم القبا من أين مسراك

أفاق مضني الهوى شيئا بريّاك

من أي روض الحمى قد جئت عاطرة

من أي وادي النقا قد طاب مجراك

أهديت طيبا إلى مشتاقه سحرا

ونفحة الطيب من أسنى هداياك

نفختِ روحًا بجسم لا حراك به

أ بقيتِ نفسًا أطال الله بقياك

روائح الإنس من مسراك قد عبقت

فشمّ منها شميم البرء مضناك

للعلماء سيرت من أرجاء كاظمة

بطيب طيبة إنا قد عرفناك

وحزتِ أطيب طيب عرفه عبقٌ

وزرت قبر النبي الطيب الزاكي

لله طيبُ تراب ضمّ عنصره

يفوح منه الشذا كالعنبر الذاكي

إن نلت طيبة في مسراك ثانية

فبلغها سلامي حين تلقاك

وأخبريها أن في بوفال مكتئبًا

له حنين إلى إدراك لقياك

———–

أبكي وأشكو ومالي من يسائلني

لم حرُّ دمع  جرى كم لوعة الشاكي

فجذوة من جحيم كبد ذي كمد

وقطرة من حميم دمعة الباكي

والقلب يخفق في الأضلاء مضطربًا

كأنه الطير محبوسًا بأثــراك

سرّ الوجود فلولاه لما وُجدت

حديقة الكون من أرض وأفلاك

لا البرُّ لا البحر لا الإنسان قاطبة

وما سوى الإنس من جن وأملاك

لا الأنبياء ولا من آمنوا بهم

من أوليـاء وعبّــاد ونسّاك

ويتمنى الله عزوجل أن يموت في المدينة المنورة قائلًا:

يا ربي اجعل مماتي في مدينة

ذا منتهى أملي يا ملك أملاك

إذا موت بها تلقاء روضته

يطير روحي بشوق نحو شبّاك(2).

       وإن هذا الشاعر قد أنشد الأبيات العربية في مختلف الأحيان كما مدح في إصدار مجلة «القاسم» قصيدة الألف، وقرض في مدح «ديوبند» في قصيدة اللامية، والمدائح النبوية في قصيدة اللامية والدالية والنونية، وأنه قد حاول في صنف التخميس، وفي مدح مبنى دار الحديث لدار العلوم في قصيدة الألفية، وعدد أبياته العربية يبلغ إلى عشرين وثلاث مائة. فخلاصة القول إن قصائده ملئية و مفعمة بالروح الإسلا مي الخالص.

*  *  *

الهوامش:

(1)        مجلة القاسم :1/2، جلد 4، عدد 4 من ذي قعدة: 1331هـ.

(2)  مجلة القاسم:5/6، جلد:4، عدد 10، جمادي الأولى 1332هـ.

*  *  *


(*)    باحث الدكتوراه بجامعة مولانا آزاد الوطنية الأردية، حيدراباد.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1439 هـ = مايو – يوليو 2018م ، العـدد : 9-10 ، السنة : 42

Related Posts