كلمة المحرر

       يستقبل المسلمون في العالم شهر شعبان، وهو شهر الاستعداد لاستقبال رمضان وصيامه؛ لئلا يدخل شهر رمضان على مشقة وتعب. وحيث كان شعبان مقدمةً لرمضان شُرعَ فيه من العبادات والطاعات مثل ما شُرِع في شهر رمضان،. وكان النبي –صلى الله عليه وسلم- يختص شعبان بمزيد من العبادات من الصيام- وهو أزكى العبادات وأسماها-، وغيره من القربات؛ فعن أبي سلمة، قال:سألت عائشة- رضي الله عنها- عن صيام رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقالت: «كان يصوم حتى نقول: قد صام، ويفطر حتى نقول: قد أفطر، ولم أره صائمًا من شهر قط، أكثر من صيامه من شعبان ،كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً».[صحيح مسلم:1156]. وعن أسامة بن زيد، قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» [سنن النسائي:2357].

       وكان السلف الصالح – رحمهم الله- يستقبلون رمضان بعناية فائقة، وهمة عالية، ويولونه عناية أشد، ويستعدون لمقدمه فرحًا واستبشارًا بفضله بأنواع من العبادات: الصيام والتلاوة ونحو ذلك، فيجدون بصيام شعبان حلاوة الصيام قبل حلاوة صيام رمضان. قال سلمة بن كهيل:كان يقال: شهر شعبان شهر القراء. وكان حبيب بن أبي ثابت الفقيه الجليل (ت119هـ) إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القرّاء، وكان عمرو بن قيس الملائي الكوفي (ت146هـ) إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرّغ لقراءة القرآن.

       شهر رمضان وصيامه نعمة من الله تعالى عظيمة جليلة، فعلى المسلم أن يدعو الله تعالى أن يبلغه إياه؛ تأسيًّا برسول الله صلى الله عليه وسلم، روى أنس بن مالك-رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه كان يدعو ببلوغ رمضان يقول- إذا دخل رجب-: «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان». [المعجم الأوسط:3939].

        وقال معلى بن الفضل الأزدي: كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ويدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم. وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلا.

       فهؤلاء هم أنموذج السالكين الصادقين. وهذا كان دأبهم في مجاهدة النفس والتغلب على الهوى فأحْرِ بنا أن نقرأ سيرتهم ونتشبه بهم، فقد قيل:

فتَشَبَّهُوا إِنْ لَمْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ  …  إِنَّ التَّشَبُّـــهَ بِالْكِــرَامِ فَــــــلَاحٌ

       أيها المسلم! اغتنم هذه الفرصة الذهبية للاستعداد لتلقي رمضان على قوة ونشاط، بالإكثار من الصيام والتلاوة ونحوها من الطاعات في هذا الشهر الفضيل. وذلك بالتخطيط الدقيق والعزم القوي المسبق للاستفادة من هذا الشهر المبارك، فما أكثر من يخطط لأمور دنياه، وما أقلَّ من يضع المشروعات الدقيقة لأمور آخرته، فما أحوجنا اليوم إلى وضع برامج مكثفة مضبوطة لاغتنام ليالي رمضان ونهاره بالقيام والتلاوة والذكر والطاعات الأخرى. وما أكثر من يعرض عن التهيئة النفسية لرمضان، ويسارع إلى الإسراف والبذخ في تحضير أطايب الأطعمة واللذات الفانية في هذه الأيام، وتنصرف وسائل الإعلام المختلفة إلى إعداد ما يجوز وما لا يجوز من المسلسلات والبرامج الترفيهية للناس، لبثّها في شهر رمضان على مدار الليل، كأنه ضيف ثقيل يجب التخفف عنه باللهو واللعب، لا بموسم العبادات والخيرات التي يجب أن يغتنمه المسلم في صنوف الطاعات.                         [التحرير]

(تحريرًا في الساعة العاشرة من صباح يوم الاثنين: 9/جمادى الآخرة 1439هـ = 26/فبراير2018م)

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، شعبان 1439 هـ = أبريل – مايو 2018م ، العدد : 8 ، السنة : 42

Related Posts