كلمة العدد

       الاستعمار الغربي الأمريكي دَمَّرَ العالم العربيّ في الماضي بقوته العسكريّة الهائلة، ولما وَلَّىٰ دور هذه القوة في الظاهر، دَمَّرَها بالغزو الثقافي السياسي الاقتصادي الذي كان أخطر على الإطلاق من الغزو العسكري الذي لم يتمكن من تجريد العرب والمسلمين من قوة الإيمان، وسلاح العقيدة، وعتاد الغيرة، وقدرة الوعي الديني العامّ؛ لكن الغزو الثقافي الغربي، الذي اعتمد في غزوه للعالم العربي والإسلامي على كل من الفكرة، والرأي، والحيلة، والنظريات، والشبهات، وخلابة المنطق، وشدة الجدل، وغسل الأدمغة، وتخدير العقول، وزعزعة الإيمان بأصالة الثقافة الإسلامية، عن طريق فرض الثقافة والحضارة الغربية بتلميعها في نظر الشباب الذي فتح عينيه على مُعْطَيَات الحضارة الغربية التي بدت خلابة باهرةً للألباب، خاطفةً للأبصار.

       وكلُّ ذلك قام مقام سلاح أشد فتكًا من السيف في يد الجندي، وكان هذا الغزو شاملًا ومُمْتَدًّا، فلم يقف عند حدّ، ولم تكن له نهاية؛ فكانت ضرباتُه خطيرةً قاصمةً للظهر، قاضية على معنويات الأمة، فغيَّر مناهج التعليم وفق مناهج غربية، وحال بين الأمة وتاريخها وسِيَر أسلافها، وهيمن على العادات والأعراف، وَرَسَّخَ أفضليةَ الثقافة والحضارة الغربية في نفسيّة الأمة.

       وكان من نتائج الغزو الثقافي الغربي للأمة، أن الغرب راح يحارب الإيمانَ في صدور العرب والمسلمين، والثقة بالذات، التي كانت عندهم وبعظمة الثقافة والحضارة الإسلامية التي كانوا يَعْتَزُّون بها، وحَاوَلَ محوَ الدين من المناهج، وطمسَ التاريخ الإسلامي المشرق، فنشأ عن ذلك ظهورُ أجيال آلت إليها المسؤوليّةُ القياديَّة؛ لكنها صارت فارغةً إيمانيًّا وفكريًّا وغَيْرِيًّا، فهانت للغرب السيطرةُ عليها وتسخيرُها لتحقيق أغراضها الاستعمارية بصورة أشمل، وقوة أكثر، ونطاق أوسع.

       وكان من المُعْطَيَات السلبيّة الخطيرة للغاية، للغزو الثقافي الغربي للعالم العربي والإسلامي، التشكيكُ في قدرة الإسلام على بناء الحضارة العصريّة المتطورة التي تُرَاكِب الركبَ الحضاريَّ السيَّارَ؛ والافتتانُ لحدِّ بالغ بالمناهج الغربيّة وقوانينها، وبالتالي تقليدُ الغرب واستيراد نظمه وسلوكياته، مهما كانت متصادمةً مع تعاليم الإسلام، وانصبَّ ذلك في تمزيق وحدة العرب والمسلمين، وتفكيك أواصر أخوّتهم وعلائق مودّتهم المثاليّة.

       وكان من أهم مجالات الغزو الثقافي مايلي:

       أولًا: مجال التعليم والتربية؛ حيث صاغ الغربُ عن طريق هذا الغزو العربَ والمسلمين في بوتقة الثقافة الغربية وقالب الحضارة التي طَوَّرَها، فعَمِلَ على ترغيب الأمة العربية والإسلامية في ترك الدين جانبًا؛ لتتقدم كما تَقَدَّمَ الغربُ! فتَشَجَّعَتْ على تنحية الدين عن مناهج المدارس والكليات والجامعات التي يتم فيها تدريسُ العلوم العصرية.

       كما حَرَّضَ الغربُ العربَ والمسلمين على التوسّع في عمليَّات الابتعاث للدول الغربية للالتحاق بجامعاتها؛ ليتم صناعة الأجيال العربية مصوغةً في بوتقة حضارة الغرب وثقافته، وبالتالي إعدادها – الأجيال – لتَوَلِّي القيادة في مجتمعاتها العربية والإسلامية، لكي تقوم بدور العُمَلَاء الأَوْفِيَاء للغرب، وتَتَوَلَّىٰ تشويه التاريخ الإسلامي عن طريق المُقَرَّرَات الدراسيّة، وإنشاءَ مدارس غربيّة المناهج في ديارها العربية الإسلامية، وتُبْعِدَ فيها النشءَ المسلمَ عن اللغة العربية، لكي يسهل إبعادُها عن الدين الإسلامي.

       ثانيًا: مجال اللغة العربية، فقد عمل الغرب بوسائل متنوعة وحيل ماكرة كثيرة، على محاربة اللغة العربية باعتبارها وسيلةَ تعبير مباشرة في الدين الإسلامي عن المُعْتَقَدَات والأحكام والتعليمات التي جاء بها النبي –صلى الله عليه وسلم- من عند ربّه، لخير البشرية جمعاء، فهدمُ العربيّة كان محاولةَ هدم للتعاليم الإسلامية، وانتزاعِ مفتاحٍ لفهم الكتاب والسنة عن الأمتين العربية والإسلامية.

       ثالثًا مجال الإعلام: اتَّخَذَ أعداء الأمة العربية والإسلامية وسائلَ الإعلام وسيلةً فعّالةً، لتنفيذ غزوهم الثقافي والفكري، علمًا منهم أنها تعمل في الرأي العامّ ما لا تعمله أي وسيلة أخرى، فشحنوها ببرامج مُدَمِّرَة متّصلة للأخلاق والمروءة والإنسانية وما يمتاز به الإسلام عن غيره من الخصائص التي تضع الفرق بين الإنسان والبهائم، واستخدموها لتجريد الأمة من هُوِيَّتها الإسلاميّة.

       رابعًا مجال الحياة الاجتماعية: حاول الغرب أن يُدَمِّرَ في العرب خصوصًا والمسلمين عمومًا القِيَمَ الخلقية والأخلاق الإسلامية والتقاليد الدينية، والعادات الموروثة النبيلة، بفرض التيارات الغربية المُدَمِّرَة للحياة الاجتماعيّة، فابتعد المسلمون عن قِيَمِهم الأصيلة التي ظَلُّوا شَامِّين بها بين الأمم كلها، فذابت هُوِيَّتهم أو كادت، وامَّحَتْ شخصيتُهم أو أَوْشكتْ.

       وبما أن الغزو العسكريّ يهدف أصلًا إلى احتلال الأرض، يكون خطره محدودًا نسبيًّا. والغزو الثقافي يهدف أولًا وأخيرًا إلى احتلال العقل والفكر وتغيير النفسيّة؛ ولذلك يكون هو أشَدَّ خطرًا من الغزو العسكري، الذي إنما يكون مصدرُ قوته من آليات الإخضاع الخارجي. أما الغزو الثقافي فاعتماده الكلي يكون على آليّات الإخضاع الداخلي، الذي يتم فيه تعمية الحال وتجميله، فليتبس على كثير من الناس الذين يندفعون إلى قبوله على أنه ليس إخضاعًا أو تسخيرًا للذات، فيعودون يعتقدون أنه ليس غزوًا، وإنما هو طريق إلى المثاقفة والتلاقح المعرفي الثقافي الحضاري الذي لابدّ منه في عصر التنوّر الذي نعيش فيه، والذي صار فيه العالم قرية كونية، يُضْطَرُّ سكّانها إلى التبادل الأشمل الأكثر امتدادًا واستيعابًا.

       والحقيقة ما قاله العلامة عبد الرحمن بن خلدون (732-808هـ = 1332-1406م): «إنّما تبدأ الأمم بالهزيمة من داخلها عندما تشرع في تقليد عدوّها». أي أن الأمة المَغْزُوَّةَ غزوًا ثقافيًّا فكريًّا لا مَحَالَةَ تنهزم انهزامًا نفسيًّا وتندفع إلى تقليد الأمة الغازية القاهرة، التي تكون قد فرضت عليها تقليدَها وعاداتِها.

       إن الغزو الثقافي يَهْدِف إلى تخريب المناعة الذاتية لدى الأمة، ومن ثم اعتمد الاستعمارُ الحديث على الغزو الثقافي تاركًا وراءه الغزو العسكري الذي رآه لا ينفعه في دنيا اليوم، ورَكَّز اهتمامه على الغزو الثقافي الاقتصادي الذي جرّبه ذا رَيْعِيَّة واسعة، ولذلك نرى في عالمنا المعاصر أن أمريكا هي الوحيدة التي تتفرد بقرنها بين الغزو العسكري الثقافي والغزو العسكري الذي يستعين به على تعزيز الغزو الاقتصادي، وإدالة الصليبية الصهيونية من الإسلام، وبالذات من العرب الذين تعلم عنهم عن دراسة أنهم في الواقع مادّة الإسلام الأصيلة وعنصَر الدين الحقيقي الذي إذا صحا صحا الإسلام على جميع المستويات وإذا أغفى أغفى كثير من جوانبه.

       فتوجه الاستعمار الحديث إلى فرض الهيمنة الثقافية الاقتصادية السياسية، على العالم العربي بوجه خاصّ والعالم الإسلامي بوجه عامّ، فحاول محاولة مُخَطَّطَةً دائمةً فرضَ سيطرته على مصادر الطاقة والثروات الطبيعيّة إلى جانب قيامه بالغزو الثقافي والعملية السياسية المتشابكة في داخل البلاد العربية التي بَدَتْ مستقلة ذات سيادة حُرَّة؛ ولكنها في الواقع ظلت محكومة من قبل الاستعمار الغربي والأمريكي بالذات، فكانت تماثيلَ أو هياكل خشبيّة يُحَرِّكها الاستعمارُ من داخل بلاده، وينصب فيها حكومات يديرها عملاؤها من داخل البلاد ويُنَفِّذون أوامَره حرفًا حرفًا.

       والغزو الثقافي أو الفكري له مظاهر عديدة، تكاد تُغَطِّي جميع مجالات الحياة؛ لأن الاستعمار الغربي تدارس الأمرَ، وخَطَّطَ مُفَكِّرُوه، بدقة واستيعاب، وجعلوا مظاهر الغزو تنتشر بين العرب والمسلمين مُتَمَثِّلَةً في جوانب شتى من حياتهم.

       • فقامو أولًا بحملات تشويه شاملة متصاعدة، مسَّتْ كلَّ ما يتصل بديننا من العقائد والنظم، والتاريخ والتراث، والفكر والحياة. ومثال المحاولات التي بذلها الاستعمار لتشويه العقائد، ما قاله «رينان» الفرنسي (1823-1892م): «إن عقيدة الإسلام عقيدة تُؤَدِّي إلى حيرة المسلم، كما تحطّ به كإنسان إلى أسفل الدرك». وقالت «دائرة المعارف الإسلامية» في إحدى طبعاتها: «إن ابن تيمية (661-728هـ = 1263-1328م) كان مسرفًا في القول بالتجسيد؛ ومن ثم كان يُفَسِّر كلَّ الآيات والأحاديث التي تشير إلى الله بظاهر اللفظ. وقد تَشَبَّعَ بهذه العقيدة إلى درجة أن «ابن بطوطة» (703-779هـ = 1304-1377م) يروي عنه أنه قال من منبر جامع دمشق: إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا. ثم نزل درجة من درج المنبر».

       – كما حاول الاستعمار الغربي تشويه القرآن الكريم، ولم يكن عنده على ذلك دليل أو سند. ومحاولته هذه محاولةٌ دَرَجَ عليها الأعداء عبر الزمن، ولم يقدروا على تغيير نقطة من كتاب الله. ومثال محاولة الاستعمار الغربي لتشويه كتاب الله ما قاله المستشرق «جب» البريطاني (1895-1971م): «إن محمدًا قد تأثر بالبيئة التي عاش فيها، وشقّ طريقَه بين العقائد والأفكار الشائعة في بيئته؛ فالقرآن من صنع محمد –صلى الله عليه وسلم- ومن ملاءمات هذه البيئة التي عاش فيها».

       – أما محاولات الاستعمار لتشويه السنة النبوية فهي أمر معلوم لدى الجميع؛ فقد سَخَّرَ لها الأقلام والكتب والبحوث.

       – ومحاولات الاستعمار لتشويه شخصيته الرسول –صلى الله عليه وسلم- فهي لا تزال حيّة متصلة، تكثر وتتصاعد من وقت لآخر.

       – وكذلك رَكَّزَ الاستعمار لتشويه التّاريخ الإسلامي كثيرًا من جهوده ورآه أسهل الطرق إلى تشويه الإسلام وتعاليمه، وكانت من أخبث المحاولات وأكثرها دهاءً وأشدّها مكرًا. وعلى رأسها محاولة تصوير الفتوحات الإسلامية أنها كانت فتوحات غزو واستعمار، والقول بأن الخلافة الإسلامية كانت خلافة تآمر وسفك للدماء.

       – وكذلك حاول لاستعمار محاولةً مُكَثَّفَةً زعزعةَ الإيمان بالغيب في قلوب المسلمين، فجعل يُشكك في كل ما لا تدركه الحواس، وأن الجزاء على الحسنة والسيئة إنما هو جزاء روحيّ، والجنة والنار شعور نفسيّ، وما إلى ذلك من تفسير المعتقدات بما لم تَردِ به الشريعة.

       – وحاول تشويه منظومة الحياة الإسلامية، بأنها رجعيّة لا تقدر على ما مُمَاشَاةِ ركب التقدم والحضارة، وأنها محليّة وإقلميّة وقاصرة، وليست عالميّة، وأن القونين الإسلامية تعتمد لدى التطبيق على همجيّة و وحشيّة، ويتمثل في ذلك بالجلد والرجم وقطع الأيدي، وأنها تتجاهل أقليات غير إسلامية. وهي كلها تُهَمٌ باطلة لا تستند إلى دليل، ولا تقوم على أساس، وقد رَدَّ الكتّاب والعلماء على ذلك ردًّا مفحمًا.

       • واعتمد الاستعمار ثانيًا في غزوه الثقافي للعالم الإسلامي على إحياء النزعة الجاهلية التي تتصادم مع الإسلام على طول الخط وعرضه، مثل الدعوة إلى القومية، والإقليمية، والوطنية، والفرعونية، وما يجري هذا المجرى.

       • واعتمد ثالثًا على الدعوة إلى التحلل والإباحية، حتى إذا عمّ ذلك المجتعَ الإسلاميّ، سَهُلَ عليه رميُ الأمة بسوء الأخلاق، وفساد القيم، وتخرّب الذمم.

       • واعتمد رابعًا على إبعاد العلماء والدعاة والمصلحين والإسلاميين والمتدينين عن مراكز التوجيه والسلطة والقيادة، فصار العلماء ليس لهم دور في أي من التوجيه والقيادة، وإنما اقتصر دورهم على إلقاء خطب الجمعة التي تكون مُوَجَّهة من قبل الحكومات، وصار بعض العلماء يدورون في فلك الحكام والملوك والقادة السياسيين لنيل الثروة، وكسب المناصب، والارتقاء إلى الجاه.

       • واعتمد خامسًا على التعليم والتربية، فكانت المدارس والجامعات أفضل وسيلة للغزو الثقافي الناجح للعالم الإسلامي؛ لأن العرب والمسلمين ظنوا أنهم يُتْحَفُون بالعلم والمعرفة العصرية التي لابد منها للإنسان في عالم اليوم. وبذلك نَفَّذَ الاستعمارُ في ديار العرب والمسلمين مناهج فكر وخلق غربية اصطبغت بها حياة الأمة، وتمكن بها الاستعمار من تسميم أفكار أجيال المسلمين، التي تَبَنَّت الدعوةَ إلى إضعاف العلاقة بين المسلمين عن طريق قطع الروابط الثقافية وإحياء الثقافات الجاهلية كما تبنت الدعوةَ إلى العامِّيَّة وترك الفصحى لغة القرآن، وإلى الإشارة على الجامعات الإسلامية بالاعتماد على مؤلفات المستشرقين باعتبارها مُؤَلَّفَة في ضوء المبادئ العلمية المتماشية مع التطورات العلمية الحديثة. وبذلك تَمَهَّدَ السبيلُ إلى إيجاد الشعور لدى المسلمين والعرب بالتبعية الثقافية ومركب النقص والدونية.. وإلى تمجيد القيم الغربية وتسفيه القيم الإسلامية، وبالتالي نبذها جانبًا.. وإلى الحرص على تكوين جيل مثقف يحمل راية الاستشراق، والترغيب فيه، والتحدث بفضله على التراث الإسلامي.. والدعوة إلى تدريس الطب والعلم والتكنولوجيا والمعلوماتية بغير اللغة العربية، حتى يتقوى الشعور لدى المسلمين بعجز اللغة العربية عن استيعاب العلوم الحديثة والمُعْطَيَات الحضارية.

       • واعتمد سادسًا على الخدمات الاجتماعية التي تمس أبناءَ المجتمعات بجميع فئاتهم، واستغلالها كوسيلة إلى إمرار ما يُرَادُ إمرارُه؛ فاتخذ الغرب كُلًّا من المُسْتشْفَيَات والمُسْتَوْصَفات، والعيادات والمخيمات، والجمعيّات الخيرية، ووكالات الإغاثة، ودُورَ العَجَزَة والأيتام والمُسِنِّين مراكزَ غزو ثقافي فكريّ. والدليلُ البَيِّن على ذلك أن الاستعمار الحديث عندما قام بغزو العراق وأفغانستان والدول العربية والإسلامية المجاورة، فإنه أصدر الأمر الصارم إلى مُسَخَّريه ومُسْتَعْبَدِيه من القادة والحكام فيها بفرض الحظر الكليّ على الجمعيات الإسلامية الإغاثية والخيرية ونشاطاتها التي كان يقوم عليها المسلمون، باعتبارها مراكز إرهاب!، وأطلق الحرية للجمعيات الخيرية الغربية الأمريكية، لِتُكَثِّف نشاطاتها بقوة أكثر من ذي قبل.

       على أن الاستعمار الحديث لم يقتصر في غزوه الثقافي للعالمين العربي والإسلامي على المظاهر المشار إليها، وإنما اتّبع في ذلك خطوات أخرى وَضَعَها عن دراسة عميقة واسعة.

       منها: • المساعدات الاقتصادية للعالمين العربي والإسلامي، وربطها بمنح تسهيلات وتنازلات من قبلهما للاستعمار.

       • دعوة الاستعمار لهما إلى الحوار الحرّ مُجَرَّدًا من أساس العقائد والأفكار الدينية، ومتفرغًا للتوصّل إلى الحقيقة كما زعم الاستعمار الغربي.

       • التعاون بين التبشير والسياسة ونظام الحكم.

       • إقامة الرحلات وجمعيات الصداقة، والدعوة إلى العولمة والنظام العالمي الجديد، والمجتمعات الكشفيّة.

       • استغلال الحركات الوطنية، والثورات الشعبية، والتطلعات السياسية.

       • استغلال البعثات العلميّة والثقافية، والامتيازات الأجنبية، والحصانات الدبلوماسيّة.

       • الإرساليات التبشيرية التي يكاد لا يخلو منها مجتمع إسلامي.

       • الإعداد الصهيوني والتنسيق بينه وبين الفكر الغربي الاستعماري.

       ومن آثار الغزو الفكري البارزة اليوم تمثلت في مظاهر متعددة، على رأسها عزل الدين الإسلامي عن معارك الحياة ومجالاتها المختلفة، وربطه بالإرهاب والعنف والتطرف وعدد من السلبيّات التي يخافها المجتمع البشري وينفر منها.

       حيث نجح الغزو الثقافي في عزل الدين الإسلامي في عدد من الدول العربية عن القيام بدوره في الحياة. وذلك من خلال كثير من الأساليب، منها تقليص المناهج الدينية في المدارس والجامعات؛ وتعطيل عدد من الحدود الشرعية باستبدالها بالقوانين الوضعية الغربية، وإباحة تعاطي بعض ما حَرّمته الشريعة، ومنع بعض ما أَحَلَّ الله ورسوله، كما أقدم بعض الدول العربية على منع تعدد الزوجات قانونيًّا، بحجة أن ذلك يساعد على تحقيق التقدم والحرية والعدل والمساواة.

       وعلى المستوى الإعلامي، استغلت بعضُ وسائل الإعلام الغربيّة التي تقودها الصهيونية العالميّة، لجوءَ بعض المسلمين إلى العنف – كردّ فعل لما شهدوه من التحولات حولهم بوصم المسلمين عمومًا بالإرهاب – على حين أن أعمال العنف التي قام بها بعض جَهَلَة المسلمين، هي مما يُدِينُه الإسلام، وتستنكره الشيمة العربية الإسلامية، ورغم أن الذين صدرت منهم جرائم العنف هم قلة قليلة لا تتعدى أصابع اليد، استغلت وسائل الإعلام الغربية هذا الموقف بنحو خبيث ماكر؛ فجعلت المسلمين عمومًا مصدر خوف ورعب لشعوب العالم، حتى عاد الإسلام في أذهان الغربيين والشرقيين مرتبطًا بالإرهاب والترويع. وتعودت وسائل الإعلام المبالغة والتضخيم وتحويل الحبة قبة، وربما حَوَّلت حادثة تافهة، حوادث عامة، وظواهر فاشية.

       وهكذا تمكن الغرب من التأكيد للقادة العرب والمسلمين بأن القوانين الإسلامية لا تتماشى مع الحياة المعاصرة وتقدُّمها المتسارع، وأن الشعوب العربية والإسلامية لابدّ أن تتقبل مناهجَ الحياة الغربية المشينة التي تتكوّن من السفور، والاختلاط، والملابس التي تَشِفّ عن المفاتن الجسدية للنساء، والفرض عليها العملَ في جميع ساحات الحياة، وتغريب جميع مظاهر الحياة بحيث إذا زار الأجانبُ البلادَ العربيّةَ والإسلاميّةَ لايرون ما يميز عروبتها وإسلاميّتها عن البلاد الغربية، إلّا القذارة في الشوارع والطرقات، وتفشي الأمراض والفقر والتخلف، وعموم الفوضى والقلاقل التي صارت رمزًا عليها في معظم الأحيان. حتى تَسَابَق القادة والحكام إلى بناء دور السينما والأفلام والمدن التي سمحوا فيها بكل خلاعة ومجون، وتحديد مناطق من البلاد ليصنع فيها الأجانب كلَّ ما يُحَرِّمه الإسلام، وتشجبه العرب، ويَتَقَزَّزُمنها المسلمون.

       لقد كان الغز والثقافي أو الفكري الغربي أخطر من جميع أنواع الغزو الغربي. وكل ما نراه من المفاسد المدمرة في العالمين العربي والإسلامي، التي جَرَّدَت المسلمين من معنوياتهم، وجعلتهم جسدًا بلاروح أو هيكلًا خشبيًّا لا يُؤَدِّي دورًا في الحياة، إنما هو نتيجة لهذا الغزو الذي أحكم اليوم قبضتَه، وعَزَّزَ سيطرته، واستعبد العقول، وسَخَّرَ القلوب، وخَدَّر وعيَ المثقفين بالثقافة الغربية والقادة والحكام الذين يحكمون البلاد على وحي من الغرب، وإملاء غير مباشر من الصهيونية والصليبية التي لم ولن تفترا في محاربتهما للإسلام والمسلمين، والعرب والعروبة.

(تحريرًا في الساعة 12 من يوم السبت: 14/جمادى الآخرة 1439هـ الموافق 3/مارس 2018م).

نور عالم خليل الأميني

nooralamamini@gmail.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، شعبان 1439 هـ = أبريل – مايو 2018م ، العدد : 8 ، السنة : 42

Related Posts