دراسات إسلامية

بقلم:  الشيخ عبد الله أحمد اليوسف

مدخل

       تعيش المرأة المسلمة في القرن الواحد والعشرين تحديات جديدة وكبيرة وضخمة، فالحضارة الحديثة أفرزت الكثير من التحديات والمشاكل والعقبات أمام المرأة المسلمة. وبالرغم من المكتسبات الإيجابية التي تحققت للمرأة المسلمة بفعل الإمكانات والفرص المتاحة لها نتيجة للتطور العلمي والتكنولوجي؛ إلّا أنهافي نفس الوقت تواجه تحديات جديدة لم تكن موجودة من ذي قبل.

       فما هي أبرز هذه التحديات الجديدة؟

       وكيف يمكن للمرأة المسلمة أن تواجه هذه التحديات؟

التحديات الجديدة

       يمكننا أن نلخص أبرز التحديات الجديدة التي تواجه المرأة المسلمة في العناصر التالية:

1– تحدي العولمة الثقافية

       يطرح دعاة (تحديث المرأة) بأن المرأة المسلمة تعيش حالة من التخلف والجهل بسبب تمسكها بالدين، والحل لإخراجها من تلك الحالة المزرية هو التحرر من الدين والقيم والمبادئ!

       ولا يخفى على عاقل أن هذه مغالطة مفضوحة؛ إذ إن الدين يدعو ويحثّ المرأة المسلمة – كما الرجل – على ضرورة اكتساب العلوم والمعارف، واستثمار العقل وتوظيفه في الإبداع والابتكار، ويشجع على التحديث والتطوير والتعليم. أما التحديث بالمفهوم الغربي فهو يعني التحلل من القيم الدينية، ومكارم الأخلاق، وشرعنة العلاقات الجنسية من دون أية ضوابط… وهذا ما يرفضه الدين قطعًا.

       والثقافة الوافدة إلينا من الغرب تحاول عبر ما يسمى بـ(العولمة الثقافية) فرض قيمها وأفكارها وثقافتها على المرأة المسلمة، وتعميم الرؤية الغربية لقضايا المرأة في جميع أنحاء العالم.

       فالعولمة الثقافية تطرح فيما يخص شؤون المرأة حرية الإجهاض، والزواج المثلي، وحرية إقامة علاقات جنسية غير مشروعة، وإنجاب الأطفال خارج نطاق (الزواج الشرعي) وشرعنة كل ذلك من الناحية القانونية.. وهذا كله يتناقض مع قيم الدين والأخلاق؛ بل والمثل والقيم الإنسانية.

       وقد عقد الكثير من المؤتمرات العالمية حول المرأة، وذلك بهدف تعميم الرؤية الغربية لقضايا المرأة على العالم كله بغض النظر عن ديانات وثقافات وخصوصيات المجتمعات الإنسانية المختلفة!

       «فقد عقد المؤتمر العالمي الأول للمرأة بمدينة (مكسيكو) عاصمة المكسيك عام 1975م وحضرته 133 دولة ومنظمة، وأكثر من 1000 مندوب 70٪ منهم نساء.

       وعقد المؤتمر العالمي الثاني للمرأة في (كوبنهاجن) عاصمة الدانمارك، والذي عقد عام 1980م، وحضره أكثر من ألفي مندوب يمثلون 145 دولة عضوًا بالأمم المتحدة والمنظمات المعنية والهيئات الخاصة التابعة للأمم المتحدة.

       وعقد المؤتمر العالمي الثالث للمرأة في (نيروبي) عاصمة كينيا في عام 1985م، وحضره أكثر من 6000 شخص من بينهم مندوبون من 157 دولة ومنظمة ومن 56 هيئة خاصة تابعة للأمم المتحدة، وفي نهاية المؤتمر أجيزت (استراتيجية نيروبي للتطلع إلى الأمام لتقدم النساء عام 2000م).

       وعقد المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في (بكين) عاصمة الصين في عام 1995م»(1).

       ولاشك أن ذلك يشكل تحديًا خطيرًا للمرأة المسلمة التي يُراد مسخ هويتها، وسلب قيمها ومبادئها من شخصيتها، وجعلها تتماشى مع أفكار وسلوكيات (المرأة المعولمة) وفقًا لثقافة الحضارة المادية للغرب.

       ويزداد هذا التحدي خطورة إذا علمنا قوة وضخامة الإمكانيات والقدرات التي تمتلكها الحضارة المادية الحديثة في نشر أفكارها وقيمها عبر مختلف الوسائل والطرق والأساليب المتنوعة المؤثرة.

2– تحدي الإعلام

       يلعب الإعلام الحديث دورًا فاعلًا في التأثير على الناس، وخلق قناعات جديدة، وسلوكيات جديدة؛ وبالرغم من أن للإعلام المعاصر إيجابيات كثيرة لعل من أهمها: التعرّف على ما يحدث في العالم من أخبار وأحداث وتطورات سياسية واقتصادية واجتماعية، وزيادة الثقافة العامة، والاطّلاع على ثقافات الشعوب المختلفة؛ إلّا أن للإعلام الفاسد مخاطر كبيرة أيضًا على الجيل الجديد؛ إذ يساهم الإعلام الفاسد في اتباع الشهوات، وانحلال الأخلاق، والابتعاد عن القيم الدينية والروحية والأخلاقية.

       كما أن الإعلام الحديث يساهم بصورةسلبية من خلال نشر الأفلام الغربية والمسلسلات المدبلجة والتي تحمل ثقافة غربية بعيدة عن قيمنا وعاداتنا الإسلامية وهو ما ترك تأثيرًا سلبيًا في شخصية المرأة المسلمة.

       وقد عمل (الإعلام اللهوي) على تغييب الوعي الحقيقي عند الناس، وتهميش أدوار المرأة المسلمة من مربية للأجيال، ومساهمة في تربية الأسرة، وتنميةالمجتمع إلى أدوار ثانوية وشكلية كالاهتمام بآخر موضات الأزياء، ومساحيق التجميل، وتعلم فنون الموسيقي والغناء والرقص!

       وللإعلام المعاصر دور مهم ومؤثر في تركيز النظرة للمرأة كجسد للاستمتاع، وليس كإنسان مبدع وخلّاق! وهو ما جعل المرأة المعاصرة تلهث وراء القضايا الشكلية والمظهرية على حساب الاهتمام بالقضايا المهمة والرئيسة لها ولمجتمعها.

       وهذا هو التحدي الخطير الذي يحاول (الإعلام اللهوي) تحقيقه في مجتمعاتنا الإسلامية، وهو ما يجب أن تلتفت إليه المرأة المسلمة، وأن لا تنخدع بثقافة الصورة المزورة التي يسعى الإعلام إلى تركيزهافي عقول المشاهدين والمشاهدات. كما أن على المرأة المسلمة الاهتمام بقضايا أمتها ومجتمعها، وأن تبني جيلًا ملتزمًا عبر المساهمة في بناء الأسرة الفاضلة، والمشاركة في تنمية المجتمع، وتقدم الأمة.

3– تحدي الإنترنت

       تعتبر الشبكة العنكبوتية العالمية (الإنترنت) من أحدث وسائل الاتصال، وأسرعها انتشارًا، وأكثرها فائدة؛ حيث حولت العالم – كل العالم – إلى قرية إلكترونية عالمية واحدة.

       والإنترنت وسيلة مهمة حيث فتحت أمامنا آفاقا واسعة من المعارف والعلوم؛ بالإضافة إلى أنها وسيلة للإعلام والتخاطب والتجارة والتسوق والتسلية… وغير ذلك كثير.

       ومع كل الفوائد والمحاسن التي لشبكة الإنترنت إلّا أنهالا تخلو من سلبيات ومساوئ؛ ومن أخطرها: انتشار المواقع الإباحية والتي تعدّ بالآلاف إن لم تكن ملايين؛ حيث تشكل خطرًا حقيقيًا على سلوكيات الجيل الناشئ وخصوصا أخلاقيات المراهقين من الجنسين على حدّ سواء.

       وقد أشارت الدراسات الميدانية في هذا الجانب إلى العلاقة الوثيقة بين ارتكاب الجرائم الجنسية ومشاهدة الأفلام الجنسية؛ بَيْدَ أن مشاهدة الأفلام الخليعة والصور العارية تؤدي إلى تدميرالضوابط والقيم الأخلاقية عند المشاهدين لها، وما ارتفاع جرائم الاغتصاب للفتيات في كثير من المجتمعات المسلمة؛ بل واغتصاب الأطفال إلّا دليل على تأثير ذلك في سلوكيات الفتيان والفتيات.

       «وقد كشفت إحدى الدراسات أن التدفق على المواقع الإباحية في أوقات العمل التي تبدأ من الساعة صباحًا إلى الخامسة عصرا قد يبلغ (70٪) من إجمالي نسبة التدفق على تلك المواقع. كما كشفت دراسة إحدى الشركات بأن هناك إقبالًا كبيرًا جدًّا على المواقع الإباحية حيث تزعم إحدى الشركات الإباحية بأن 4,7) مليون زائر يزورون صفحاتهم على الشبكة أسبوعيا، كذلك أوضحت دراسة (أدست ِAdsit) أن المواقع الإباحية أصبحت مشكلة حقيقية، وأن آثارها المدمرة لا تقتصر على مجتمع دون الآخر، ويمكن أن تلمس آثارها السيئة من ارتفاع جرائم الاغتصاب بصفة عامة واغتصاب الأطفال بصفة خاصة.

       وقد أثبت بعض الدراسات في المجتمع السعودي أن (68,8٪) من مجموعة المبحوثين يرون أن هناك علاقة بين الانحراف والجرائم المرتكبة وبين مشاهدة أشرطة الفيديو الجنسية، وأن (53,7٪) من مرتكبي الجرائم الجنسية كانوا يميلون إلى مشاهدة الأفلام الجنسية، كما تبين من الدراسة قوة تأثير مثل هذه الصور في ارتكاب جرائم الاعتداء الجنسي من قبل مجرمي اغتصاب الإناث وهاتكي أعراض الذكور»(2).

       ولما يترتب على مشاهدة الأفلام الخليعة وزيارة المواقع الإباحية من آثار سلبية ومدمرة على الرجل والمرأة فقد أفتى الفقهاء بحرمة ذلك؛ إذ يوجد ارتباط قوي بين النظر إلى الصور الجنسية الفاضحة وارتكاب الجرائم الجنسية كما ثبت ذلك من خلال الدراسات الميدانية في هذا المجال.

       كما أن من مساوئ شبكة الإنترنت على المرأة المسلمة هو سهولة إقامة علاقة غير مشروعة مع شاب من خلال وسيلة الإنترنت، وقد حدث الكثير من المشاكل بسبب ذلك!

       وتوجد على شبكة الإنترنت العديد من المواقع المتخصصة لقضايا المرأة والتي تهدف إلى مسخ هوية المرأة المسلمة، وإقناعها بثقافة السفور والتعرّي، والتخلّي عن القيم والمبادئ والأخلاق.

       ومن مساوئ الشبكة أيضًا هو ما يسمى بـ(الدردشة) التي توجد في الكثير من المواقع والتي تضيع وقت المرأة كما الرجل، وتجرّ المرأة إلى حوارات سخيفة، واستخدام عبارات مخلة بالآداب؛ أضف إلى ذلك أنها وسيلة شيطانية لإقامة علاقات عاطفية بين الشباب والفتيات بصورة غير شرعية.

       وهذه ما هي إلا نماذج وأمثلة لمساوئ الإنترنت فيما يخص المرأة – على سبيل المثال لا الحصر – وهو ما يشكل تحديًا خطيرًا جدًّا أمام المرأة المسلمة التي عليها أن تحافظ على إسلامها وقيمها وأخلاقها. ومن جهة أخرى يجب الاستفادة من الإنترنت في الجوانب الإيجابية لها والتي لا تخفى على مستخدمي هذه الشبكة العنكبوتية.

*  *  *

الهوامش:

المرأة المسلمة ومواجهة تحديات العولمة، سهيلة زين العابدين حماد، الناشر: مكتبة العبيكان – الرياض – السعودية – الطبعة الأولى 1424هـ – 2003م، ص48.

مجلة العلوم والتقنية، الرياض، العدد 65، محرم 1424هـ – 2003م، ص20.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الأولى 1439 هـ = يناير – فبراير 2018م ، العدد : 5 ، السنة : 42

Related Posts