دراسات إسلامية

إعداد:  أ د. علي علي صبح (*)

مرحلة العدم أثناء الخطبة الزوجية

     اهتم الإسلام بالطفل قبل وجوده في أثناء الخطبة ومرحلة الاختيار بأن يرضى كل منهما عن الآخر، وليس الرضا للرغبة والمحبة فحسب، وإنما مراعاة نجابة الأولاد الأصحاء الأقوياء الصالحين، فهم ثمرة الحياة الزوجية الناضجة، والزهرة اليانعة الفواحة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تخيروا لنطفكم؛ فإن العرق دساس» فالأصل الطيب والنسب الطاهر والخلق الفاضل يكون نتاجها كذلك، قال تعالى: ﴿الْخَبِيثٰتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثٰتِ وَالطَّيِّبٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبٰتِ﴾ [النور:26] ، ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا﴾، لذلك كان الأساس في اختيار الدين والخلق أولا، فإذا اتفقت بقية الصفات أو بعضها معه تكون نافلة وزيادة، وقد وضح الرسول –صلى الله عليه وسلم- ذلك: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» البخاري ومسلم، وخير النساء: «التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره» رواه النسائي وأحمد بن حنبل، ويؤكد على الدين والخلق بقوله أيضا: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» وقال تعالى: ﴿الْـمُؤْمِنُونَ وَالْـمُؤْمِنٰتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة:71] ، ﴿وَلا تَنْكِحُوا الْـمُشْرِكٰتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْـمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾ [البقرة:221]، ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَاءِىــكُمْ﴾ [النور:32]، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم:21] ، «الدنيا متاع المرأة الصالحة» رواه مسلم 883/2.

بعد الزواج مباشرة:

       وهي مرحلة الحب والتوافق، والمودة والرحمة، ليكون الزوجين معا قدوة حسنة وصالحة، ولا يتم ذلك إلا بتحقيق هذه الأسس: السكن والأمن والاستقرار، قال تعالى: ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ والحب والسعادة والتوافق والترابط: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾، والمودة والرحمة ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾، وأن تظهر لزوجها في أكمل صورة خلقا وخلقا «التي تسره إذا نظر إليها، وتطيعه فيما أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره»، وحسن المعاشرة ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْـمَعْرُوفِ﴾ في سور كثيرة والحرص على العمل الصالح: ﴿مَنْ عَمِلَ صالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيِّبَةً﴾ (النحل:97) والاعتزال أثناء الحيض لعدم التعرض للأمراض للزوج والجنين: ﴿يَسْئلُونَكَ عَنِ الْـمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَآءَ فِي الْـمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْـمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة:222] وبتحقيق هذه الأسس تكون ثمرة الزواج النشء القوي الصحيح الصالح، الذي يرث عن أبويه هذه الصفات، وتلك الأخلاق الفاضلة الكريمة.

الطفل الجنين وعند الولادة:

       تعهد الإسلام الجنين وهو في بطن أمه بالتغذية والحفظ والرعاية من النطفة حتى يصير خلقا آخر في أحسن تقويم، فتبارك الله أحسن الخالقين، فحرم إجهاضه أو سقوطه أو إزهاق روحه ورفع عن أمه المشقة، فرخص لها الإفطار في رمضان، وأمر الزوج بالإنفاق عليها حسب طاقته، قال تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق:6] ، كما حث الإسلام على حسن استقبال الطفل ساعة الولادة، فتستقبله القابلة وهي على ذكر دائم لله تعالى البارئ المصور، ثم يشم ويقبل ساعة ولادته ويكون أول ما يتلقاه سمعه في الدنيا هو ذكر الله عز وجل فيؤذن له في أذنه اليمنى، ويتردد الإقامة في أذنه اليسرى حينذاك.

مرحلة الرضاعة والغذاء:

       أوجب الإسلام الرضاعة على الأسرة، وأولى بها الأم، فهي أعظم عونا وأشد عطفا وحنانا، وأشمل رعاية وحفظا، فإن لم يتيسر ذلك اختير له أجود المرضعات من النساء المتفرغات لذلك، فيجب على الأسرة الإنفاق على الرضاعة والتطبيب والحفظ والسكن، كما في قوله تعالى:

       ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرٰى، لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّآ اٰتٰهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَآ اٰتٰهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق:6-7] ، وقال تعالى:

       ﴿وَالْوَالِدٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْـمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْـمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا اٰتَيْتُمْ بِالْـمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة:233] .

الأسبوع الأول من الولادة:

       يظل الجنين في بطن أمه تسعة أشهر هادئا مستقرا في ظلمات ثلاث: ظلمة البطن، والرحم، والمشيمة، حتى يخرج بعد الولادة إلى صخب الحياة وضجيجها، قال تعالى: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمٰنِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهٰتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمٰتٍ ثَلٰثٍ ذٰلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْـمُلْكُ لَآ إِلٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [الزمر:6] ، وعلى الأسرة في الأسبوع الأول الهدوء والسكينة وخفض الأصوات حتى لا يفزع الطفل، ثم يختار له أحسن الأسماء وأجملها وقعا وتأثيرا في النفس وأعذبها في النطق، وأحلاها على اللسان، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:

       «خير الأسماء ما عبد وحمد»، وقال أيضا: «تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة» أخرجه أبو داود والنسائي وإذا كان كذلك فالشرع يحث على تغيير الاسم القبيح أو ما فيه مخالفة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن زينب كان اسمها برة، فقيل: تزكي نفسها، فسماها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: زينب «أخرجه البخاري 1948/4»، امتثالا لقوله الله تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ﴾، ثم تذبح العقيقة في اليوم السابع لإطعام الأقارب والجيران والفقراء شكرا لله تعالى على نعمة الإنجاب بأولاد يسبحون الله عز وجل ويعبدونه، وهو خير عمل يخلد صاحبه بعد موته ما جاء في الحديث الشريف: «أو ولد صالح يدعو له»، وإنهم زينة الحياة الدنيا كما قال الله عز وجل: ﴿الْـمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا وَالْبٰقِيٰتُ الصّٰلِحٰتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف:47] .

مرحلة الحضانة:

       وهي أهم مراحل التربية والتأديب للأطفال، فيحاط الطفل بالعطف والحنان، والرقة والحب، وتتجاوب المشاعر بين الطفل وأمه بالوجدان الصادق والعاطفة الدافئة، وهذا الجانب الروحي والمعنوي لا يقل شأنا عن الغذاء؛ بل منهما معا، ليكون الطفل خلقا سويا في أحسن تقويم كما قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾، وأولى الأسرة بالحضانة هي الأم لتوافر الرقة والعطف والحنان عندها، وحث على أحقيتها قال –صلى الله عليه وسلم-: «أنت أحق به ما لم تنكحي»، ولذلك قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: «ريحها وشمها ولطفها خير له منك».

مرحلة التربية والتعليم:

       يولد الطفل على الفطرة مجردا من مكتسبات العقل والوجدان والشعور، ثم يأخذ في رصد ما حوله عن طريق منافذ الإدراك المختلفة، قال تعالى: ﴿وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهٰتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْىٕدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل:78] وحث الوالدين على رعاية الأولاد وتربيتهم ووقايتهم من الهلاك في الدنيا والآخرة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم:6]، وأول ما يتلقاه الطفل أن ينطق بصيغة التوحيد «لا إله إلّا الله محمد رسول الله» سبع مرات وأن يتعلم قوله تعالى سبع مرات: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْـمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ (بنى إسرائيل:111) أخرجه أحمد بن حنبل 334/4، وتنمى في نفس الطفل غرائز الخوف والمراقبة والمحبة والتدبر في ملكوت الله عز وجل، وترويضه على الصلاة لسبع سنين، وتتعلم البنات أخلاق الاحتشام والحياء وحدود الزينة واللباس والحجاب وعدم التبرج: ﴿إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ [الأحزاب:32-33]، ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنٰى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ﴾ [الأحزاب:59] ، وأن يقرأ عليهن سورة النور لمعرفة ما فيها من أحكام تخصها، ثم يرغب الراعي أولاده في التعليم: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾، ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ اٰيٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتٰبَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [البقرة:129] ، قال أبو الدرداء: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاء بما يطلب، وإن العالم يستغفر له من في السموات والأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم، من أخذه أخذ بحظ وافر»، وقال أيضا «طلب العلم فريضة على كل مسلم» متفق عليه.

مرحلة الشباب:

       حين يبلغ الصبي خمسة عشر عاما، وتحيض الأنثى يصل الشباب إلى مرحلة النضج والبلوغ والرشد والتكليف لقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ..» فما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، قال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء:13-14] ، ويتدبر الشاب وصية الرسول –صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عباس، ووصية لقمان لابنه السابقتين وغيرها ليكون شابا قويا يصارع هوى نفسه وشيطانه، فيصير صالحا ينشأ في عبادة الله: «وشاب نشأ في عبادة الله» الحديث للبخاري.

مرحلة المراهقة:

       وتعد من أخطر مراحل الشباب التي يمر بها لما يقع فيها من الصراع بين هوى النفس والشيطان وبين القيم الإسلامية التي تضبط سلوكه ومقاومة الرغبة الجنسية وضبطها؛ حتى لا يهبط بشرف الإنسانية وكرامتها إلى الحيوانية والشهوة الجارفة، فيعالج ذلك بالتقوى أو الزواج إن كان قادرا وإن لم يستطع فالصوم له وجاء، قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء» كما يقاوم ذلك بمواصلة السعي والعمل، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ [الملك:15] ، وقال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:97] ، وقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «من بات كالا من عمله أمسى مغفورا له»، وقال أيضا: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، وأن يشغل نفسه بالعبادة وبالمساجد في أوقات الصلوات مع المسلمين في صلاة الجماعة فيكون مع السبعة الذين يظلهم الله في ظله: «وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا له وافترقا عليه» وبهذا ينتصر على هوى نفسه وعلى شيطانه، ويقضي على الفراغ الذي تبتلعه الشهوات والنزوات.


(*)      أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر الشريف

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الأولى 1439 هـ = يناير – فبراير 2018م ، العدد : 5 ، السنة : 42

Related Posts