دراسات إسلامية
بقلم: الأستاذ أسعد قاسم السنبهلي(*)
ان الخليفة المهدي کان ظهوره عقيدة ثابتة، وفکرة موثوقة منذ فجر الاسلام، إلى أن نال الشهادةَ الخلیفةُ الرابع سیدنا علیُّ بنُ أبي طالب عام٤٠هـ ثم ظهرت بعد وفاته الفتن والخلافات، والفرق والجماعات، والمذاهب و الرأیات، حاول کلهم أن ینتهز عنوان المهدي لصالحه، ویستغله استغلالا قبیحا، وبالتالی أصبحت هذه الفکره وسیلة للحصول علی الإمارة والخلافة، وتسللت إليها عوامل سیاسیة، ومصالح حزبیة، وآراء زائغة باطلة، حتی تغیر أخیرًا کل شيء، وقد حرّفها الغلاة تحریفًا جذریا، ومسخوها عنوانًا وحقیقة؛ وذلك کله تطبیقا لها علی حزبهم وعصابتهم إلى أن عادت عقیدة یشك فيها الیوم بعض من المسلمین، ویظنونها قصة أو أسطورة، اختلقها الحاقدون علی الإسلام وأدخلوها في الدین.
وأول من قام بتحریف شخصیة المهدي ومسخه نسبًا وسلالة، وسیرة و مفهومًا، ودورًا، هم الشیعة الغلاة الذین اخترعوا في الدین عقیدة الإمامة، وبالغوا فيها مبالغةً، رفعت درجتها إلى النبوة؛ بل تبلغ بها درجة الألوهیة کما شرحها المتقدمون شرحا بسیطا، یتناوله المصنفات والتالیفات التي دونها علماؤهم في قدیم الزمان، لاستیعاب جمیع الآثار والروایات المأثورة عن أئمتهم، أوثقها «الجامع الکافي» الذي ألفه العالم الشهیر أبو جعفر یعقوب الکلیني في القرن الثالث الهجری وعرضه — کما یزعمون — علیٰ الإمام المهدي الغائب في الغار الذي یطلقون عليه «سُرَّمَن راي» فوثقه المهدي قائلا: «هذا کان لشیعتنا» وذلك کتاب کبیر حافل، في ٤ مجلدات و٢٥٠٠ صفحة يحوي ١٦ ألف روایة، يقوم عليها الدین الشیعي المزعوم، ویحترمه الروافض احترامنا — نحن أهل السنة والجماعة — صحیح الإمام البخاري، و فيه کثير من النصوص التي تدل على عقیدة الإمامة وأسماء الأئمة المعصومین، وها نحن الآن نلخصها للقراء بقلم الداعیة والمحدث الجلیل فضیلة الشیخ محمد منظور النعماني -رحمه الله-.
«تعتقد الأمة المسلمة أن الله سبحانه و تعالى اختار الأنبياء والرسل بين الشعوب والأمم على أساس الاجتباء والاصطفاء، هكذا تؤمن الشيعة بأن أئمتهم المعصومين والخلفاء المقربين يُبعثون بعثة الأنبياء والرسل، مطهرين من الذنوب، معصومين من الخطأ، مؤيدين من السماء، فرض الله طاعتهم على العباد، ليکونوا حجة على الأمة، وشهودًا على الخلق، إنهم حقا سبقوا الأنبياء، وبلغوا ما کان عليه النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، أعطوا علم الأولين والآخرين، ونزل عليهم الصحف، وعندهم التوراة، والإنجيل، والزبور، وما إلى ذلك من الکتب السماوية القديمة على صحتها وأصالتها، فهم شجرة النبوة، وموضع الرسالة، ومُخْتَلَفُ الملائکة، يسعدون کل جمعة بالمعراج وليلة القدر ويطوفون بالعرش، تعرض عليهم الأعمال، ولهم معجزات، وحق التحليل والتحريم، وإن الدنيا تحت حيازتهم، وهم قوامون على الأرض، فلا يستحق الحکومة أحد سواهم، ومن يحکم من غيرهم فهو غاشم متمرد، سواء کان أبابکر و عمر وعثمان، من القرن الأول، والخلفاء والملوك من بعدهم، وبهم تقوم الدنيا وإن خلت للحظة منهم ساخت وانشقت، و يجب على المؤمن شرعًا أن يعرفهم معرفة کاملة، ومن أنکر أحدا منهم فکأنه كفر بالله ورسوله — يفعلون مايشاءون، و يعلمون متی يموتون، وآجالهم مفوضة إليهم کليا، ومما تجدر إليه الإشارة أن الإمامة عقيدة أساسية کبریٰ لدیٰ الروافض، مثل التوحيد، والرسالة، والبعث بعد الموت، ومن لم يؤمن بها فهو کافر خبيث، يصلى النار في الآخرة، والأئمة عندهم اثنا عشر منذ أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة، فکل منهم مبعوث من الله، وإمام لعصره، ولو لم يملك الحکم فترة أو ساعة في بقعة من بقاع العالم(1).
وأما الأئمة الاثنا عشر الذين يؤمن الروافض بخلافتهم و إمامتهم، فهم على ما صرحوا: سيدنا علي بن أبي طالب -کرم الله وجهه-، والحسن بن علي -رضي الله عنه-، والحسين بن علي -رضي الله عنه-، وعلي بن الحسين المعروف بزين العابدين، ومحمد الباقر بن علي، و جعفر الصادق بن محمد الباقر، و موسیٰ کاظم بن جعفر الصادق، وعلي الرضا بن موسیٰ الکاظم، ومحمد التقي بن علي الرضا، وعلي النقي بن محمد التقي، والحسن العسکري بن علي التقي، ومحمد بن الحسن العسکري. وتؤمن الشيعة بأن الإمام الثاني عشر هو محمد و هو سليل الإمام الحادي عشر حسن العسکري مع أن المصادر الموثوق بها تأکد صريحا أن الحسن بن علي العسکري لم ينجب وما ت عقيما کما يقول شيخ الإسلام العلامة ابن تيمية رحمه الله.
قد ذکر محمد بن جرير الطبري، وعبد الباقي بن نافع، وغيرهما من أهل العلم، أن الحسن بن علي العسکري لم يکن له نسب ولاعقب(2).
ولد محمد کما يزعمون في المدينة المنورة سنة 255هـ واختفیٰ في غار «سر من رأى» وهو ابن خمسة أعوام مع جميع الآثار والمقدسات التي ورثها أبا عن جد، من قميص آدم، وعصا موسیٰ، وخاتم سليمان، وصحف الأنبياء، وألواح التوراة والإنجيل، ومصحف القرآن الأصل، الذي جمعه عَلِيٌّ و فاطمة بالاضافة إلى الجفر والجامعة، وما إلى ذلك من الآثار القدیمة، ذلك — بمصطلحاتهم— عهد الغیبة الصغریٰ الذي قد بدأ بعام ٢٦٠، وانتهیٰ إلی ٣٢٩هـ حیث کان یأتيه المخلصون في خفاء، استرشادًا به، وتلقفا منه التوجيهات، إلى أن انقطع کلیا عن العالم عام ٣٢٩هـ وهو لم یزل حیا مخفيا علی ممر الأعصار، فلا یخرج من الغار إلا عندما یتسیر له في آخر الزمان ٣١٣ من المؤمنين المخلصين، الذين يبايعونه على السمع والطاعة فيظهر حينئذ بالصحف الأولیٰ، وآثار الأنبياء، والقرآن الکريم الأصل، ثم يقيم حکومة شيعية منيعة في العالم.
والإمام الثاني عشر هو الإمام المهدي، الذي لقبوه حينا بالحجة والقائم، وآخر بالمنتظر وصاحب الأمر والزمان، يتلهف الروافض بشوق کبير إلى ظهورره، ويذكر کُتابهم مع اسمه «عجل الله ظهورره» وأما الماٰثر والمهمات، التي یمارسها المهدي عندهم إثر ظهورره في العالم فلا تسألوا أيها القراء عما تحمل من خبث الباطن، وظلام الصدور حقا، إنها عقائد خبيثة باطلة، لايکنها تجاه الصحابة إلا من فارقه الصواب، وأخذه الغواية، ولعنه الله والملائکة والناس أجمعون، ونحن الاٰن نکتفي بما نقله العالم الشيعي الکبير الملا الباقر المجلسي في کتابه المعروف «حق اليقين»:
1- إن قائم الأمر إذا ظهر في العالم أيده الله بملائکته وبايعه أولا محمد صلى الله عليه وسلم ثم علي بعده.
2- هکذا يقوم من القبور کل من فاطمة، والحسن، والحسين، وجميع الأئمة المعصومين، وشهداء کربلاء وغيرهم من المؤمنين المخلصين كي يبايعوه وينتقموا من الشيخين انتقامًا شديدًا.
3- إذا ظهر قائم الأمر أحيی سيدتنا عائشة أم المومنين – رضي الله عنها- کي ينصفها من فاطمة ويعذبها تعذيبا.
4- إذا خرج الإمام المهدي قاتل – قبل أن يقاتل الکفاروالمکشرکين – أهل السنة والجماعة ليقطع دابر علمائهم ويدمرهم تدميرًا.
5- يأتي المدينة بعد ظهوره في مکة ويأمر بهدم جدار روضة النبي صلى الله عليه وسلم وإخراج جثث أبي بکر وعمر من قبريهما ليجردهما عن الأکفان، ويحييهما، ويعذبهما أشد العذاب، حيث يصلبهما على الشجر، ويحرقهما بالنار على ماصدر منهما من اغتصاب الخلافة، وإهانة أهل البيت، وإراقة دمائهم، وذلك ألف مرة في کل يوم وليل(3).
وظهر بما تقدم مثل فلق الصبح أن المذهب الشيعي المزعوم ليس مذهبًا من المذاهب الإسلامية الأخریٰ؛ وإنما هو دين مستقل، تأسس على روح العداء، ومشاعر الثأر والاستنکار، كثير الحقد على الشيخين، والبغض لجميع الصحابة والاغتياظ علی أمهات المؤمنين والتذمر تجاه أهل السنة والجماعة، ويحمل روح الانتقام من سلفهم و خلفهم. أجل، کان الخليفة المهدي عنوانًا، على استيصال الکفر، وتقويض کيان الباطل، وإعلاء کلمة الله، لکن وا اسفا ہ! غيره الحقد وتناوله النفاق بالمسخ، حتی لم تبق فيه إلا الأباطيل والأکاذيب، التي لا علاقة لها بالعقل والنقل فلا يظهر المهدي — کما يراه غلاة الروافض — لمحاربة اليهود والنصاری، ولا يسعیٰ لاستعادة الأراضي الإسلامية المقدسة، ولا يحرر العالم من الجور والظلم، ولا يملاه قسطًا و عدلا، لا، إنما يخرج فقط لتعذيب سادتنا أبي بکر و عمر وإهانة سيدتنا عائشة – رضي الله عنها-، والتنکيل بالصحابة، وتقتيل أهل السنة والجماعة، الذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم ظهورره.
فهذه المجازر والمذابح التي أحدثها الروافض مؤخرًا في کل من العراق والشام واليمن إن هي إلا مقدمة من ثورة المهدي، الذي يقتل في زعمهم أهل السنة والجماعة شر تقتيل، ويعذبهم سلفًا و خلفًا أشد العذاب، فکل من رزقه الله العقل والدراية يتذمر لذلك المفهوم الشيعي الخبيث، ويدرك جيدًا أنه ليس مما يسوغ في الدين، وإنما ابتدعه القلوب الخبيثة المختوم عليها فلا نرد عليه إلا أن نقول: سبحانك هذا بهتان عظيم.
* * *
الهوامش:
(1) الثورة الإيرانية والإمام الخميني باب مسألة الإمامة للشيخ النعماني.
(2) منهاج السنة ٢/١٣١.
(3) حق اليقين في فصل الرجعة، ص ١٤٥.
* * *
(*) جامعة الشاه ولی الله مرادآباد
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالحجة 1438 هـ = أغسطس- سبتمبر 2017م ، العدد : 12 ، السنة : 41