دراسات إسلامية
بقلم: أ. د/ محمد بلاسي (*)
2- عُمــان.. أهل فصاحة وبيــان
يعرف أهل عمان بالفصاحة والبلاغة، ولهم أخبــار شاهدة وأحاديث سائرة، فمن أهل عمان: الخليل بن أحمد الأزدي، وكان خرج إلى البصرة وأقام بها، فنسب إليها. وهو صاحب كتاب «العين» الذي هو إمام الكتب في اللغة، وما سبقه إلى تأليف مثله أحد، وإليه يتحاكم أهل العلم والأدب فيما يختلفون فيه من اللغــة، فيرضون به ويسلِّمون له(54).
ويروى أن سليمان بن علي – والي الأهواز – أرسل إلى الخليل يستدعيه لتعليم أولاده، مغريا إياه بالمال، فأحسّ الخليل بأنّ في هذه العلاقة وتلك الصلة ما يقلّل من كرامة العلماء، وينقص من قدرهم، ويحط من شأنهم؛ ولذا قد رفض الخليل ذلك بشدة وكراهة – رغم حاجته الشديدة إلى أموال سليمان – وقد أخرج لرسول سليمان كسرة خبز يابسة، وقال له: مادمت أجد هذا فلا حاجة بي إلى سليمان وماله، أبلغه عنّي ذلك، ثم حمّله رسالة ضمنها دررًا من الشعر يقول فيها:
أبلغْ سليمان أنّي عنه في ســعة
وفي غنى غير أني لسـت ذا مـال
شحا بنفسي أني لا أرى أحــدًا
يموت هزلًا ولا يبقى على حــال
الرزق عن قدر لا الضعف ينقصه
ولا يزيدك فيه حول محتــــال
فالفقر في النفس لا في المال نعرفه
ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال(55).
ويروى الهيثم بن عدي، قال: خرج الحجاج بن يوسف، فإذا هو بأعرابي في زرع له، فقال له: ممّن أنت؟ قال: من أهل عمان. قال: فمن أي القبائل أنت؟ قال: من الأزد. قال: فكيف علمك بالزرع؟ قال: إني لأعلم منه علما. قال: فأي الزرع خيرً؟ قال: ما غلظ قصبه، واعتمّ نبته، وعظمت حبته. قال: فأي العنب خير؟ قال: ما غلظ عموده، وعظم عنقوده. قال: فما خير التمر؟ قال: ما غلظ لحاؤه، ودق نواه، ورقّ سحاه.
قال عمرو بن بحر: لربما سمعت من لا علم له يقول: ومن أين لأهل عمان البيان؟ وهل يعدّون لبلدة واحدة من الخطباء والبلغاء ما يعدون لأهل عمان؟ منهم: مصقلة بن رقبة، أخطب الناس قائما وجالسا ومنافسا ومجيبا ومبتدئا، ثم ابنه من بعده كرب بن مصقلة. ولهما خطبتا العرب: العجوز في الجاهلية، والعذراء في الإسلام(56).
ومن أهل عمان من الخطباء: صحار العبدي الخطيب، صاحب الخلفاء. ومن خطباء أهلها المذكورين المشهورين: صعصعة بن صوحان، وزيد، وأخوهما، خطباء مصاقع. ومن خطبائهم مُرّة بن التليد، وهو من الأزد، لم يكن في الأرض أجود منه ارتجـالا وبديها، ولا أعجب فكرا وتحبيرا منه. وكان رسول المهلب إلى الحجاج، وله عنده كلام محفوظ.
ومنهم عرفجة بن هرثمة البارقي. ومنهم بشر بن المغيرة بن أبي صُفرة، ولم يكن في الأرض عُماني أنطق منه(57).
هذا؛ ولغة أهل عمان موجودة كثيرًا في القرآن الكريم؛ فقد روى الجشمي مرفوعًا إلى ابن عباس – رضي الله عنه – في لغة أزد عمان في القرآن قوله تعالى: ﴿أَعْصِرُ خَمْرًا﴾(58). قال: عنبا، وذلك أنهم يسمون العنب خمرا. وقوله – عز وجل-: ﴿وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُوْرًا﴾(59)، يعني: قوم سوء. وقوله تعالى: ﴿وَزَوَّجْنٰهُمْ بِحُوْرٍ عِيْنٍ﴾(60)؛ وذلك أنهم يقولون تزوج فلان فلانة.
قال ابن الكلبي: ﴿إنَّا أخْلَصْنٰهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾(61)، يعني عقبى الدار. قال أبو عمرو بن العلاء: وأظن أهل عمان يقولونها.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَضْحٰى﴾(62)، قال: لا تصيبُك الشمس، وأهل اليمن وأهل عمان يقولون للشمس: الضِّح(63).
* * *
3- فصل فى الدخيل والمعـرّب
يعرّف الإمام السيوطى «المعرّب» بأنه: ما استعملته العرب من الألفاظ الموضوعة لمعانٍ في غير لغتها(64).
ولقد سلك العرب في تعريبهم الكلمات الأعجمية التي استعملوها طريقتين:
الطريقة الأولى: التغيير في أصوات الكلمة وصورتها بما يوافق ألسنتهم وأبنية كلامهم؛ حفظا لألسنتهم من لكنة العجم؛ فيتناولون اللفظ الأعجمي فيصقلونه ويهندمونه بحسب أوزان لغتهم ومنطق لسانهم، فيخرج من لسانهم كأنه عربي صميم، مثل كلمة: ديباج، وأصلها الفارسي: ديبا. وجورب، وأصلها الفارسي: كورب، وتعنى لفافة الرجل.
وهذا القسم يعرف عند علماء اللغة باسم: «المعرّب»(65).
الطريقة الثانية: وهي إدخال الكلمة الأجنبية بصورتها في العربية دون تغيير، ويعرف هذا باسم «الدخيل» وذلك مثل: خراسان، وإبريسم، وتليفون(66).
غير أنّ صاحبنا العلامة العوتبي عند تحديد مفهوم «المعرّب» أشار إلى وجهة نظر مختلفة؛ إذ يقول: إنّ الله – تبارك وتعالى – خاطب نبيّه –صلى الله عليه وسلم– باللسان العربي؛ لأنه لسانه ولسان قومه. ولكن قد يقع غير العربية في كلام العرب، على ثلاثة أوجه منها:
أ- أن تكون الكلمة في اللسانين جميعا بلفظ واحد، كما ذكر أنّ ﴿المشكاة﴾ بالحبشية: الكوة التي لا تنفذ لها، وهي بلسان العرب كذلك…
ب- أن تقع إلى العرب الكلمة من غير لسانهم، فيستخفونها حتى تكثر على ألسنتهم، وتجري مجرى كلامهم، وتصير مما يتخاطبون به، ويفهمه بعضهم عن بعض، ولا ينكرونه منهم. فمن ذلك: ﴿هَيْتَ لَكَ﴾. ذكر الفراء أنها لغة لأهل حوران، سقطت إلى مكة، فتكلموا بها حتى اختلطت بكلامهم، فخاطبهم الله – عز وجل – بها في قوله ﴿هَيْتَ لَكَ﴾(67) ومعناه هلمّ لك…
ولما لم تكن هذه الكلمة من خالص كلامهم؛ اختلفوا في الآيــة؛ فقرأها علي وابن عباس: ﴿هُئْتُ لَكَ﴾ – يضم الهاء وضم التاء، بمعنى تهيأت لك. وقرأ أهل المدينة: ﴿هِـيتَ لك﴾ – بكسر الهاء وترك الهمز وفتح التاء -. ولم يفسر لنا معناها.
ج- أنّ الكلمة من كلام العجم تقع إلى العرب فيعربونها، ويزيلونها عن ذلك اللفظ إلى ألفاظهم، فهي حينئذ عربيّة؛ لأنها قد خرجت من ذلك اللسان إلى لسانهم، كما يروى عن سعيد بن جبير في قوله تعـالى ﴿حِجَارَةً مِنْ سِجِّيْلٍ﴾(68). أنها بالفارسية: سَنَقٌ وجَلّ، أعربتها العرب فقالوا: سجيل…
ومن ذلك: ﴿الطُّوْر﴾ هو بالسريانية طورا، أعربته العرب فقالت: طور، وأجروا عليه الإعراب، وأدخلوا عليه الألف واللام فصار من كلامهم(69).
أقول: ولعلّ تقسيم المعرّب الذي ساقه العلامة العوتبي آنفا – كان يهدف من ورائه – فيما أرى – إلى إثبات عدم وقوع المعرّب في القرآن الكريم!
يؤكد ذلك – في نظري- ما ذكره العلامة العوتبي نقلًا عن أبي عبيدة، قوله: ربما وافق الأعجمي العربي…
ويضيف العوتبي: ولم يكن(أبو عبيدة) يذهب إلى أنّ في القرآن شيئًا من لغة غير العرب(70). وكان يقول: هو اتفاق يقع بين اللغتين. وكان غيره يزعم أن ﴿القسطاس﴾: الميزان بلغة الروم، و ﴿الغسّاق﴾ البارد المنتن بلغة الترك، و﴿المشكاة﴾: الكوة بلغة الحبشة، و﴿الطور﴾: الجبل بالسريانية(71).
هذا؛ وعن الدخيل عند العلامة العوتبي، فيقول: ومن كلام العجم ما دخل في كلام العرب على سبيل إزالة الكلمة عن لفظها حتى تصير من كلامهم، كقولهم: درهم بهرج، أي زائف، وأصل البهرج: الباطل، وإنما هو فارسي معرّب، وأصله: نَبَهْرَهْ، ويقـال: بوهرة(72).
* * *
أقول: وأرى أنه بعدما ذهب العلامة العوتبي إلى أنه ليس في القرآن شيء من لغة غير العرب؛ جاء إلى الكلام الأعجمي، وقسمه إلى قسمين:
1- المعرّب: يقول العوتبي: ومن ذلك: أن الكلمة من كلام العجم تقع إلى المعرب فيعربونها، ويزيلونها عن ذلك اللفظ إلى ألفاظهم، فهي حينئذ عربية؛ لأنها قد خرجت من ذلك اللسان إلى لسانهم…
ومن ذلك ﴿الطـور﴾(73): وهو بالسريانية طورا(74)، أعربته العرب فقالت: طور، وأجروا عليه الإعـراب، وأدخلوا عليه الألف واللام فصار من كلامهم…
و﴿الإستبرق﴾(75): هو بالفارسية اصتبرا، وهو الغليظ من الديباج(76).
2- الدخيل: يقول العلامة العوتبي: ومن كلام العجم ما دخل في كلام العرب على سبيل إزالة الكلمة عن لفظها حتى تصير من كلامهم.
وقد أورد العلامة العوتبي عشرات الأمثلة لذلك في كتابه «الإبانة في اللغة العربية»، من بينها:
النَرْدُ: فارسي، وهو النرد شير
والطَّرَشُ: دخيل، وهو ثِقل في السمع، ولم يبلغ الصمم. يقال: رجل أُطروش، وامرأةٌ أطروشة وطرشاء. وقد طَرشَ يَطْرَشُ طَرَشًا.
والخُشْكَنَان: دخيل معرّب، أصله فارسي.
والإشراس: دخيل فارسي، وهو ما يستعمله الإسكاف وغيره في الإلزاق.
والقيروان: دخيل مستعمل، وهو معظم العسكر والقافلة(77).
* * *
4- فصل في الاشــتقاق
يعرّف العلامة العوتبي الاشتقاق(78) بأنه: أنْ يشتق للشيء اسم من صفته أو لونه أو فعله؛ كما سمي الإنسان إنسانًا لنسيانه. قال الله – تعالى -: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ﴾(78).
وقال أبو تمام:(79)
لا تنسين تلك العهـود فإنما
سميتَ إنسانًا لأنك ناسي
وقيل: سمّي إنسانا؛ لأنسه.
وكما سمّي القلب قلبا؛ لتقلبه.
قال الهذلي:(80)
وما سمّى الإنسان إلا لأنسـه
ولا القلب إلاّ أنه يتــقلب
ويضيف العوتبي: وسميت قريش قريشا؛ لأنهم كانوا أصحاب تجارة، ويقال: قَرَش الرجل شيئا يَقْرُشُه: إذا كسبه وأخذه. وتقرّش فلان مالًا: إذا أخذه أولا فأولا.
ويقال: اقترشت الرماح اقتراشا: إذا وقع بعضها على بعض.
وسأل معاوية ابن عباس: لم سميت قريش قريشًا؟ فقال: بدابّة في البحر هي أعظم دواب البحر، لا تظفر بشيء من دواب البحر إلا أكلته؛ فسميت قريشا لأنها أعظم العرب.
وقرواش: اسم رجل، فَعْوال، مشتق من قريش.
ويختم العوتبي كلامه بقوله: وهو شيء كثير فاختصرته(81).
* * *
أقول: ولو تتبعنا ما ساقه العلامة العوتبي من أمثلة للاشتقاق لوجدنا أنه يركز على الاشتقاق الصغير أو الأصغر، أو العام(82).
وقد عرفه العلامة ابن جني بقوله: «فالصغير: ما في أيدي الناس وكتبهم، كأن تأخذ أصلا من الأصول فتتقراه فتجمع بين معانيه، وإن اختلفت صيغه نحو: سلم، ويسلم، وسالم، وسلمان، وسلمى، والسلامة، والسليم: اللديغ؛ أطلق عليه تفاؤلا بالسلامة. وعلى ذلك بقية الباب إذا تأولته»(83).
هذا، وقد أسهب العلامة العوتبي في حديثه عن الاشتقاق الصغير على الصورة الثالثة من الاشتقاق الجزئي، وهو: ﴿تعليل التسمية﴾(83).
ويبدو أن العلامة العوتبي أدرك أهمية هذا اللون من الاشتقاق، وأنه أجدر الجوانب باسم الاشتقاق؛ «فالأسماء كلها – كما يقول ابن الأعرابي (ت231هـ) – لعلة خصت العرب ما خصت منها. من العلل ما نعلمه منها وما نجهله. وذهب (ابن الأعـرابي) إلى أنّ مكة سميت مكة؛ لجذب الناس إليها، والبصرة سميت البصرة؛ للحجـارة البيض الرخوة بها. والكوفة سميت الكوفة؛ لازدحـام الناس بها؛ من قولهم: تكوف الرمل تكوفا: إذا ركب بعضه بعضا. والإنسان سمى إنسانا لنسيانه، والبهيمة سميت بهيمة؛ لأنها أبهمت عن العقل والتمييز، من قولهم: أمر مبهم إذا كان لايعرف بابه، ويقال للشجاع بهمة؛ لأن مقاتله لايدري من أي وجه يوقع الحيلة عليه.
فإن قال قائل: لأي علة سمى الرجل رجـلا، والمرأة امرأة، والموصل الموصل، ودعد دعـدًا؟ قلنا: لعلل علمتها العرب، وجهلناها أو بعضها، فلم تزل عن العرب حكمة العلم بما لحقنا من غموض العلة وصعوبة الاستخراج علينا»(84).
وللعلامة ابن جني تعليل آخر؛ إذ يقول: «وقد يمكن أن تكون أسباب التسمية تخفى علينا لبعدها في الزمان عنا؛ ألا ترى إلى قول سيبويه (أو لعل الأول وصل إليه علم لم يصل إلى الآخر)، يعني: أن يكون الأول الحاضر شاهد الحـال، فعرف السبب الذي له ومن أجله ما وقعت عليه التسمية، والآخر – لبعده عن الحال – لم يعرف السبب للتسمية»(85).
* * *
5- فصل في الأضــداد
يشير العلامة العوتبي إلى التضاد(86)، بقوله: والأضداد: مثل قولهم للعطشان: ناهِل. وللذي قد شرب حتى روى: ناهِل.
وقولهم: لله درّ فلان، يكون مدحا وذمّا.
قال في الذم:
وبنو أمية أسلمونا للردى
لله درّ ملوكنا ما تَصنع(87).
ويعرض العلامة العوتبي للعديد من أمثلة التضاد، فيقول:
والسُّدفة في لغة تميم: الظلمة. والظلمة تأتي على الضوء(88).
ولَمَقْتَ الشيء: إذا كتبته، في لغة هذيل. ولَمَقْتَه: محوته، في لغة قيس.
والجوْن: الأسود. والجون: الأبيض.
والذرية: الأولاد والآباء، وهي للنساء أيضًا.
والهاجد: النائم والقائم المصلّى بالليل.
وراء: يكون: خلف، ويكون قُدّام، وكذلك قُدّام.
والصريم: الصبح. والصريم: الليل.
وأسررت الشيء: أخفيته وأظهرته.
قال الله – تعالى-: ﴿وَأسَرُّوا النَّدَامَةَ﴾(89). قيل في التفسير: أظهروها، ويقال: كتموها.
ويختم العوتبي كلامه في هذا الفصل، بقوله: وهو كثير فاختصرته(90).
* * *
أقول: ولو نظرنا إلى ما ساقه العلامة العوتبي من أمثلة للتضــاد – لوجدنا أنها في مجموعها تمثل – في رأيي – أهم أسباب وقوع التضاد في اللغة العربية، ومنها:
1- اختلاف اللهجات بمعناه الصحيح في اللغة العربية: ومن أمثلته؛ يقول العوتبي في الأضداد: ولَمَقْتُ الشيء: إذا كتبته، في لغة هذيل، ولمقته: محوته، في لغة قيس(91).
2- رجوع الكلمة إلى أصلين: يقول العوتبي: والهاجد: النائم والقائــم المصلّى بالليل(92).
ويرجع الدكتور علي عبدالواحد وافي السبب في رجوع الكلمة إلى أصلين إلى انشعاب الكلمة من أصلين: فتكون في دلالتها على أحد الضدين منحدرة من أصل، وفي دلالتها على مقابله منحدرة من أصل آخر. وفي هذه الحالة نكون بصدد كلمتين لا كلمة واحدة. ويرجح هذا التأويل أو يحتمل الصدق في طائفة كبيرة من الأضـداد. فمن ذلك – مثلا – «هجـد» بمعنى نام وسهر: فمن المحتمل أن تكون في معنى النوم منحدرة من هدأ إذا سكن. وفي معنى السهر من جد إذا جهد؛ لما في السهر من الاجتهاد في منع النوم(93).
3- التفاؤل: يقول العوتبي: والأضداد: مثل قولهم للعطشان: ناهل، وللذي قد شرب حتى روي: ناهل(94).
مما سبق؛ نرى أنّ العلامة العوتبي من الفريق الذي يرى أنّ التضاد موجود في اللغة العربية، سواء أكان من واضع واحد أم أكثر.
* * *
6- فصل في الإتبـــاع
يقول العلامة العوتبي: الإتباع(95)؛ هو قولهم: عطشان نطشان، وجائع نائع، وعيىّ شيىّ، وما أعياه وأشياه وأشواه أيضًا. وجاء بالعِي والشّيِّ.
وقبيح شقيح، وجاء بالقباحة والشقاحة، ولا تكاد العرب تعزل الشّقح من القبح؛ إنما هو مثل: حسن بسن، وأجمع أكتع، ولا يفردون أكتع من أجمع.
وكثير بثير، وشيطان ليطان، وحارّ يارّ، وقيل: جارٌ بالجيم. ومائق دائق، وحاذق باذق، ومليح قريح، وشحيح نحيح، وحقير نقير، وفقير وقير. وهو كثير فاختصرته. أ. هـ.
وبعد؛ فقد صحبنا في هذه الدراسة العلامة العوتبي الصحاري – أحد أعـلام اللغة المميزين -، الذين طوت كتب التراجم معظم أخباره، ولم يصلنا إلاّ مجموعة من آثاره، كان على رأسها موسوعته اللغوية المميزة: (الإبانة في اللغة العربية)، وأعدها معلمة من معالم الدراسات اللغوية في مسيرة الفكر اللغوي.
وفي هذه الدراسة المختصرة، عرضنا لفصول من فقه اللغة – كنماذج منها – ولعلنا نفرد مستقبلا – بإذن الله – دراسة مطولة عن الفكر اللغوي عند هذا العالم العماني الجليل.
رحم الله العلامة العوتبي الصحاري بقدر ما قدّم للإنسانية وأفادها من منبع علمه وفيض معرفته، وأسكنه فسيح جناته مع الخالدين..
* * *
الهوامش:
(54) نفس المصدر: 1/20.
(55) كتاب الإبانة في اللغة العربية: 1/36.
(56) المزهر: للعلامة السيوطي: 1/65، طبعة عيسى البابي الحلبي، د.ت.
وينظر: بحوث ومقالات في فقه العربية: للدكتور محمد السيد علي بلاسي، 65، الطبعة الثانية – وزارة الإعلام العمانية، سنة 1997م.
(57) كتاب الإبانة في اللغة العربية: 1/34.
(58) المصدر السابق: 1/35. وانظر؛ البيان والتبيين: للجــاحظ، 1/96، 97، تحقيق عبد السلام هارون، ط3 – الخانجي بالقاهرة، سنة 1968م.
(59) سورة يوسف: من الآية 36.
(60) سورة الفتح: من الآية 12.
(61) سورة الطور: من الآية 20.
(62) سورة ص: الآية 46.
(63) سورة طه: من الآية 119.
(64) كتاب الإبانة في اللغة العربية: 1/36.
(65) المزهر: للسيوطي، تحقيق محمد أحمد جاد المولى وآخرين، 1/268، ط3 – دار التراث، د.ت.
(66) فقه اللغة: د. إبراهيم أبو سكين، ص43 – 45، -بتصرف-، ط. مطبعة الأمانة 1404هـ. وراجع: المزهر: للسيوطي 1/269. وفقه اللغة: د. علي عبد الواحد وافي، ص203 وما بعدها، ط. دار نهضة مصر. والمعرّب: للجواليقي، ص54 وما بعدها، تحقيق أحمد محمد شاكر، ط2 – دار الكتب، سنة 1389هـ.
(67) فقه اللغة: د. إبراهيم أبو سكين، ص45 – بتصرف يسير-.
(68) سورة يوسف: من الآية 23.
(69) وردت في سورة هود: 82، والحجر: 74، والفيل: 4.
(70) الإبانة في اللغة العربية: 1/101 – 104.
(71) اختلف العلماء حول وقوع المعرّب في القرآن الكريم إلى أفرقاء ثلاثة:
الفريق الأول: يرى عدم وقوع المعرّب في القرآن الكريم. ومنهم الإمام الشافعي، وابن جرير، والطبري، وابن فارس، وأبو عبيدة و معمر بن المثنى… وغيرهم.
الفريق الثاني: يرى وقوع المعرّب في القرآن الكريم. ومنهم العلامة ابن جني، والإمام السيوطي، والإمام الجويني… وغيرهم.
الفريق الثالث: ويتزعمه أبو عبيد القاسم بن سلام، ويرى تصديق الفريقين السابقين معا، وانتهى إلى القول بعربية هذه الألفاظ بعد أن عربتها العرب.
لمزيد من التفصيل؛ يراجع: المعرّب في القرآن الكريم.. دراسة تأصيلية دلالية: د. محمد السيد علي بلاسي، ص103 – 113، الطبعة الأولى – جمعية الدعوة الإسلامية العالمية بطرابلس الغرب، سنة 2001م.
والمهذب فيما وقع في القرآن من المعرّب: للسيوطي،(المقدمة)، ص9 وما بعدها، تحقيق د. إبراهيم أبو سكين، ط. دار الأمانة 1400 هـ. والإتقان في علوم القرآن: للعلامة السيوطي، 1/178 وما بعدها، الطبعة الرابعة – مصطفى البابي الحلبي، سنة 1398 هـ.
(72) الإبانة في اللغة العربية: 1/120.
(73) المصدر السابق: 1/104.
(74) وردت هذه الكلمة في قول الله – تعالى – (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيْثٰقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنٰكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيْهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).(سورة البقرة: الآية 63).
(75) نرى أن هذه الكلمة سريانية حقا؛ ففي القاموس السرياني العربي ” الطور: طَوْرَا، بمعنى: جبل، وريف، ويريّة.
ينظر؛ المعرّب في القرآن الكريم.. دراسة تأصيلية دلالية: د. محمد السيد علي بلاسي، ص253. نقلًا عن: القاموس السرياني العربي: لويس كوستاز، ص125.
(76) ورد هذه الكلمة في قوله تعالى(… وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ…(.(سورة الكهف: من الآية 31).
(77) يشير الدكتور محمد التونجي إلى أن إستبرك: حرير قماش منسوج من الحرير والذهب، معربها “إستبرق”. والقاف في الكلمة المعرّبة تمثل الكاف الفهلوية.
لمزيد من التفصيل: يراجع الإبانة في اللغة العربية: ص102 وما بعدها. والمعرّب في القرآن الكريم: دراسة تأصيلية دلالية: ص157 وما بعدها. نقلًا عن المعجم الذهبي(فارسي عربي): د. محمد التونجي، ص66، ط. دار العلم للملايين ببيروت. والمعرّب والدخيل في اللغة العربية مع تحقيق الألفاظ الواردة في كتاب المعرّب للجواليقي: للدكتور عبد الرحيم عبد السبحان، ص7.
(78) الإبانة في اللغة العربية: 1/104 وما بعدها.
(79) ينقسم الاشتقاق إلى قسمين: أ- لغوي: ويشمل: الصغير والكبير والأكبر والكبّار.
ب- غير لغوي: ويشتمثل على نوعين: 1- نحوي 2- صرفي.
لمزيد من التفصيل: يراجع الجزء الأول من رسالتنا للدكتوراه(الاشتقاق عند الزجّاج.. مع عمل معجم اشتقاقي لغوي من كتبه المتاحة: رسالة دكتوراه مخطوطة محفوظة بكلية اللغة العربية – جامعة الأزهر، 1993م). وكتاب: محاضرات في فقه اللغة: للدكتور محمد بلاسي، ص68 وما بعدها، الطبعة الأولى – أم القرى، سنة 1996.
(80) سورة طه: الآية 115.
(81) ينظر؛ ديوان الحماسة، بشرح التبريزي: 1/360، ط. دار القلم ببيروت، د.ت.
(82) يراجع؛ تاج العروس من جواهر القاموس: للزبيدي: 1/124، ط. الخيرية بالقاهرة، سنة 1306هـ.
(83) الإبانة في اللغة العربية: 1/206 – 208، – باختصار -.
(84) كما يحلو أن يسميه د. علي عبد الواحد وافي. انظر؛ فقه اللغة: ص178 وهامشها.
(85) الخصائص: لابن جني، 2/133، 134.
(86) يشمل الاشتقاق الصغير على مستويين:
أ- كلى: وهو جمع كل استعمالات المادة حول معنى واحد وذلك هو الأصل.
ب- جزئي: ويعني ربط كلمة بكلمة من حيث معناها.
ولهذا المستوى صور من خلال المعالجات الاشتقاقية:
الصورة الأولى: ردّ كلمة إلى أخرى.
الصورة الثانية: الاشتقاق من أسماء الأعيان.
الصورة الثالثة: تعليل التسمية.
لمزيد من التفاصيل: يراجع رسالتنا للدكتوراه:(الاشتقاق عند الزجّاج.. مع عمل معجم اشتقاقي لغوي من كتبه المتاحة: ص181 وما بعدها). وكتاب: محاضرات في فقه اللغة: د. محمد السيد علي بلاسي، ص76 وما بعدها.
(87) المزهــر: لسيوطي: 1/399، 400.
(88) الخصائص: لابن جني: 1/66.
(89) التضاد هو: دلالة اللفظ على معنيين متقابلين بمساواة بينهما. مثل: «الجون» يطلق على الأبيض والأسود.
لمزيد من التفصيل: يراجع: المزهر: للعلامة السيوطي، 1/369 وما بعدها.
(90) الإبانة في اللغة العربية: 1/223.
(91) ورد في الأضداد: لابن الأنباري، أن السدفة بمعنى الضوء، في لغة قيس، ص114، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى بالكويت، سنة 1969م.
(92) سورة يونس: من الآية 54. وسورة سبأ: من الآية 33.
(93) الإبانة في اللغة العربية: 1/223 – 228، – باختصار -.
(94) الإبانة في اللغة العربية: 1/224.
(95) المصدر السابق: 1/225.
(96) فقه اللغة: د. علي عبد الواحــد وافي، ص198.
(97) الإبانة في اللغة العربية: 1/223.
(98) عرّف عالم اللغة(ابن فارس) الإتباع بقوله: “أن تتبع الكلمةُ الكلمةََ على وزنها أو رويها إشباعا وتأكيدا ” , مثل عطشان نطشان، ويوم أيوم، وليلة ليلاء…
ينظر؛ الصاحبي: لابن فارس، ص458، ط. المكتبة السلفية بالقاهرة، سنة 1328هـ.
هذا؛ وقد سمي الإتباع إتباعا؛ لأن الكلمة الثانية إنما هي تابعة للأولى على وجه التوكيد لها، وليس يتكلم بالثانية مفردة؛ فلهذا قيل: إتبــاع.
يراجع؛ المزهر: للسيوطي، 1/415، ط. عيسى البابي الحلبي.
أما عن صور الإتباع ف:
أ- أن تكون كلمتان متواليتان على رويّ واحد. مثل حسن بسن.
ب- أن يختلف الرويان. مثل: ليلة ليلاء.
وتأتي هذه الصورة على وجهين:
أحدهما: أن تكون الكلمة الثانية ذات معنى.
والثاني: أن تكون الثانية غير واضحة المعنى ولا بيّنة الاشتقاق، إلا أنها كالإتباع لما قبلها.
ينظر؛ الإتباع والمزاوجة: لابن فارس، ص28، تحقيق كمال مصطفى، ط. السعادة بمصر، د.ت. وبحوث ومقالات في فقه العربية: للدكتور محمد بلاسي، ص98 وما بعدها، الطبعـــة الأولى، دار الولاء، سنة 1994م.
(99) الإبانة في اللغة العربية: 1/196.
* * *
(*) أكاديمى – خبير دولى – عضو رابطة الأدب الإسلامى العالمية – عضو اتحاد الكتاب – عضو المجلس العالمى للغة العربية .
3 شارع الشهيد محمد عبده – قسم النحال – الزقازيق – جمهورية مصر العربية. جوال : 0123526898 (002)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالحجة 1438 هـ = أغسطس- سبتمبر 2017م ، العدد : 12 ، السنة : 41