كلمة المحرر

       تعيش الأمة الإسلامية-إلا من رحم الله- في مشارق الأرض ومغاربها وضعًا لايحمد عليه، من التثاقل والغفلة عن الدعوة إلى الله تعالى، وشرح حقائق الإسلام والكشف عن وجهه النير المشرق للعالم في الوقت الذي تقوى فيه دعوة الباطل ويكثر فيه تشويه سمعة الإسلام وتبديل حسناته سيئات، في الوقت الذي يشتد فيه عطش العالم البشري إلى التوجيهات الربانية التي توفر له ركنًا شديدًا وملجأ آمنا من لظى القوانين والأنظمة الوضعية الإنسانية التي حوَّلت العالم جحيما وغابةً يتسابق فيها الوحوش الضواري إلى نهش جسد البشرية وامتصاص دمها، وتمزيق أوصالها.

       إن أحدنا لايهمه إلا أن يقضي نهمته ويشبع حاجته، فيخرج من بيته في الصباح الباكر ليقضي سحابة نهاره في عمل لايعود على الأمة الإسلامية ولاتخدم قضاياها إلّا ما شذَّ وندَرَ، ثم يعود إلى بيته آخر النهار وقد أنهك قواه التعب، وأرهق جسده تقلبُ النهار في كسب العيش، ثم يقبل على رعاية بيته و شؤون أهله وولده بقية يومه، ثم ينام حتى الصباح ليبدأ مشوارًا جديدًا من العمل لأجل الدنيا و حطامها. وقد لايخطر بباله خلال ذلك أن عليه – بصفته مسلمًا- مسؤولية عظيمة، مسؤولية الدعوة إلى الله تعالى، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله تعالى، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ولانغالي لو وصفنا هذه الحياة بما وصف به الحطيئة في هجائه للزبرقان بن بدر حيث قال:

دع المكارم لا تـرحـل لبغيتها       *      واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

       ولقد حذرنا الله- جل وعلا- من فتنة المال والولد، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٩) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المنافقون:9-11].

       وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه»(سنن الترمذي: 2416).

       إننا مسؤولون أمام الله تعالى يوم لاينفع مال ولابنون عن أعمارنا، هل أفنيناها فيما يرضي الله تعالى من الأعمال والأقوال، أم ضيعناها في اللهو والتفاخر والتكاثر بالأموال والأولاد حتى زرنا المقابر.

       إننا مسؤولون أمام الله تعالى عن أجسادنا فيما أبليناها؟ هل أبليناها بالصلاة والصيام والقيام و غض البصر وحفظ اللسان، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و في الدعوة إلى الله تعالى.. أم أبليناها فيما لذ وطاب من الطعام والشراب.

       والسائل هو الله تعالى العليم الخبير الذي لايخفى عليه ولايعجزه شيء في الأرض ولا في السماء قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المجادلة:7].

       إنه ينقضي عام تلو عام من حياتنا بثوانيه ودقائقه وساعاته وأيامه دون أن نقوم بعمل جاد و تخطيط دقيق لدعوة البشرية التائهة الحائرة إلى ما فيه صلاحها وفلاحها وإلى الخير الذي منَّ الله تعالى به علينا.                                     [التحرير]

(تحريرًا في الساعة الرابعة من مساء يوم الجمعة: 29/شعبان 1438هـ= 26/مايو2017م)

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالقعدة 1438 هـ = أغسطس 2017م ، العدد : 11 ، السنة : 41

Related Posts