كلمة العدد

       لم يعد غريبًا لدينا كونُ الغرب غارقًا إلى الآذان بل إلى ذُرَى الرؤوس في الفضائح اللَّاأَخْلاَقيّة والجرائم الجنسيّة؛ حيثُ إنّه منذ وقت غير قصير يصرّ على التحرّر والانطلاق من رباط القيم والأخلاق والآداب التي يفرضها الدين، ليضع الخط الفاصل الثابت بين الإنسان والبهائم؛ ومنذ وقت مُبَكّر يحارب جميع العوامل الّتي تحول دون الإنسان ودون وقوعه في هاوية المفاسد المدمّرة، من الحجاب والاختلاط والعمل المشترك بين الرّجل والمرأة في المكاتب، ويشجّع بكلّ قوة – بل يقود حركةَ التشجيع – دواعيَ الدمار الأخلاقيّ والهلاك المعنويّ، وارتكابَ المحرّمات بأنواعها، من الخمر والقمار، والربا والتهريب، والسينما والأفلام العارية الزرقاء، والسفور وإخراج المرأة من خدرها؛ حتى ترتادَ كلَّ مكان، وتُزَيِّنَ كلَّ مكتب، وتُرَوِّجَ كلَّ محلّ تجاريّ، وتُنَفِّقَ كلّ سلعة، وتُجَمِّل كلَّ برلمان، وتُبْهِجَ كلَّ مجلس أدبيّ وثقافيّ وسياسيّ، وتُزَاحِمَ الرجالَ في الفنّ والموسيقي والغناء والرقص، ثم تخلعَ العِذَار وتتجرد من كلّ إزار، وتسبق الرجل في كلّ ما لم يكن في الحسبان من الوقاحة والاستهتار.

       أكرم الله – العلي الحكيم القادر الوهّاب – الغربَ بتمكينه من إحراز التقدّم العلميّ الهائل الّذي لم يكن للبشريّة به عهدٌ حسب التأريخ البشريّ المسجّل المعلوم، وبالتّالي بتمكينه من تسخير كثير من أشياء الكون والاطّلاع على طرق الاستفادة منها في شتّى الأغراض البشريّة والمطالب الحياتيّة.

       وكان من الْمُفْتَرضِ أنّ الغرب لقاءَ هذه النعمة الإلهيّة والمكرمة الربّانيّة والفضيلة الحاضرة الّتي أُعْطِيَها على سائر الأمم، مُتَمَثِّلَةً في سبقه العلميّ، وأوّليّته الاكتشافيّة، وفوقيّته التكنولوجيّة والإنتاجيّة، سيشكر اللهَ العليّ القدير الّذي أنعم بها عليه وهداه إلى هذه الأسرار العلميّة التي عاد يتبجّح بها على الأمم والأقوام في الدنيا كلّها.

       ولكنّه بَدَلَ أن يشكره سبحانه، كفره بجميع معاني الكفران والنّكران للجميل، وسدر في غلوائه، وأوغل في غيّه وضلاله، وطغى في شرّه، وركب حصان الاستعلاء والاستكبار، وأمسك بعنان الشذوذ الجنسيّ، والانحلال الخلقيّ، وأحدث كلّ نوع من الأزمات القيمية والمثليّة، ولم تألُ جهدًا في أن يمحوَ كلَّ شيء من الفوارق بين الإنسان والبهائم، ويستأصلَ كلَّ معنى من معاني الإنسانيّة والحياء، والشّرف والفضيلة، والمجد والمروءة.

       ومجرّدُ نظرة طارئة خاطفة على موقفه العامّ يدلّ دلالةً واضحةً على أنّه سخّر المعطيات العلميّة والاكتشافات والإنتاجات كلّها في محاربة القيم الإنسانيّة، بل وفي محاربة الإنسان نفسه، والتفكير المتواصل والإقدام المستمرّ المباشر على اتّخاذ كلّ ما من شأنه أن يدمّر الإنسان من داخله أوّلاً وخارجه ثانيًا أو من الداخل والخارج في وقت واحد.

       بجميع مواقفه استدعى غضبَ الربّ، وتحدّى رحمةَ الرحمن؛ حيثُ انتهك حرمات الله في البرّ والبحر والجوّ، ونحت لذلك من الوسائل وأحدث من الطرق والأساليب ما لم يخطر ببال إبليس.

       ولا يزال تقدّمُه العلميّ قائمًا، فلا يزال انهماكُه في نحت أحدث الأساليب لممارسة الجرائم والفضائح والشرور وترويجها وتصديرها إلى غيره من الأمم والأقوام في نفس اللّحظة، قائمًا ومتصاعدًا بخبث أكثر وشرّ أكبر.

       استحدث وسائلَ الاتّصال والإعلام، فاستخدمها في نشر الصور العارية والمناظر الفاضحة وتعليم الرّذيلة بجميع أنواعها الْـمُتَصَوَّرَة، ولم يكن نصيبُ البرامج الإيجابيّة البنّاءة منها إلاّ كقطرة من اليمّ أو ذرّةٍ من الصحراء. وطَوَّرَها أخيرًا بفضل التّطوّر الكمبوتريّ غير المسبوق، فسخّرها للتدمير الأخلاقيّ والتفجير الجنسيّ بشكل أكثر؛ فقد أفادت الإحصائيةُ الإعلاميّة الأخيرة أنّ 95٪ من المتعاملين مع شبكة الإنترنت في الغرب في وقت الذورة ليلاً يدخلون على مواقع الجنس المكشوف، والنسبةُ تنخفض قليلًا في أوقات النهار التي يتشاغل فيها الناس اضطراريًّا بالأعمال الرتيبة.

       ومعنى هذا أن هذه الوسيلة الإعلاميّة الاتّصالية البريئة السريعة التي جعلت العالَم كلّه بيتًا؛بل غرفةً في البيت، لم تنجُ من الاستهلاك النَّجِسِ المدمّر، بل اتُّخِذَتْ ذريعةً إلى الإفساد أكثرَ من أن تُتَّخَذَ ذريعةً إلى البناء.

*  *  *

       أخيرًا طغت الفضائحُ الجنسيّة والجرائم اللَّاأَخْلَاقيّة في الغرب، بحيث لم تَعُدْ هي جرائمَ وفضائحَ تدعو للاستغراب في المجتمع الغربيّ الواسع، حتى بدأ القادةُ والساسةُ ورموزُ الحكم و ولاةُ الأمور في الغرب يمارسون العلاقة الجنسيّة غيرَ الشرعيّة وبدون وقاحة أو رادع من المجتمع أو القانون أو الدين – الألعوبة – الّذيْ يدينون به. ودَعْ ذكرَ عامّة النّاس من الغرب.

       طفحت أخيرًا الصحفُ والتلفزيونات ومحطّات الإذاعة وشبكات الإنترنت، بأنباء اتّخاذ هؤلاء القادة للعشيقات والخليلات من زميلات العمل وغيرهنّ، واغتصابهم الجنسيّ بل شذوذهم الجنسيّ وفضائحهم اللّاأخلاقيّة، وغرامهم الفاحش. ولم تترك وسائلُ الإعلام صغيرةً ولا كبيرة في هذا الخصوص إلّا نشرتها وتنشرها، حتى التفاصيل الدقيقة لأساليبهم في ممارسة العمل الجنسيّ. وذلك على طريقة استخدام الغرب لهذه الوسائل البريئة ولطخها بنجاساته وخباثاته؛ حيث لايدع نفسَه ترتكبها في الخلوة وإنّما يودّ أن يطّلع عليها العالم وتشيع هي في أهله كلّهم، حَسَبَ تفكير وسلوك العميان والقرعان، الذين من سوء الحظّ لا يهمّهم كونُهم مبصرين وذوي الأشعار الجميلة، وإنما يودّون أن يصير الناس كلهم عميانا وقرعانًا مثلهم.

       والغربُ يستخدم أذكى ذكائه حين ينشر هذه القذارات عبرَ وسائل الإعلام والاتّصال، ولا سيّما إذا تعلّقت بالقادة والساسة؛ فهو لا يستحيي ولا يعتذر إلى الرأي العامّ العالميّ، ولا يطلب العفو من المجتمع البشريّ، ولا يندى جبينه ويخجل لسانُه أمام المحفل الإنسانيّ الهائل؛ وإنّما يعرضها حين يعرضها وهو يُفَلْسِفُها ويُنَظِّرُها، ويُقَعِّرُ فيها ويُعَمِّقُ، ويُدَقِّقُ ويُفَحِّصُ، ويَلْتَفُّ على قوانينه ذات الثغرات الكثيرة التي كأنّها عبارة عن الثغرات أوّلًا وعمّا يُسَمَّى بالقانون ثانيًا، ويلتمس في كثير من المواقف والمحطّات للقادة الأعذار العجيبة في ارتكاب الفضيحة وممارسة الغرام واللقاء الحرام، ويُطيل القضيّةَ، ويعطيها مساحةً زمانيّة ومكانيّة لا يعطيها إيّاهما إلّا المتعمِّد لإفساد المجتمع البشريّ وتدمير الأخلاق والقيم ودغدغة الغرائز الجنسيّة لدى عامّة الإنسان، حتى ذواتِ الخدور من البريئات الغافلات، والفتية المنصرفين إلى بناء صروح المجد وقصور العلا في عالمنا الإسلاميّ العربيّ.

*  *  *

       إنه لحديث أمس كدتُ أفقد الثقة بإنسانيّة الإنسان، وأنا – والعالمُ معي – أختنق بسيل المقالات والتقريرات، والتحيليلات والتنظيرات، والتعليلات والتفسيرات، الّتي كانت قد طفحتْ بها وسائلُ الإعلام بأنواعها عن فضيحة «كلينتون – لوينسكي مونيكا اليهوديّة».

       عن فضيحة رئيس الدولة: القوة العظمى الوحيدة، الّذي يُقْدِمُ – وهو مُقَابَلٌ بذروة الإثارة لهذه الفضيحة – على قصف مصنع الشفاء في السودان ومواقعَ عسكريّة في أفغانستان. وكأنّه حاول أن يزوّج فضيحته الجنسيّة بفضيحة عسكريّة سياسيّة منتنة، وأن يُثَنِّيَ إرهابه اللّا أخلاقيَّ بإرهاب عسكريّ سياسيّ اجتماعيّ أخبث؛ حتى تأتي أشغلَ للناس، وأكثر ذكرًا وإعادةً وتقليبًا؛ وبالتالي إدانةً وتنديدًا.

       وكنا قد وجدنا الرئيسَ في المرحلة الأولى ينكر ممارسة الفضيحة بتاتًا، ويعتبر القضيّة كلّها اتّهامًا، ومحاولةً لتحطيم الشخصيّة؛ وعندما يدرك أن السيل قد بلغ الزبي وأنّ الخناق يضيق حول عنقه، وأنّه لا معدى له عن مواجهة الحقيقة المرّة اليوم أو غدًا، ينهضُ ليعلن توبتَه واعترافَه بارتكاب الجريمة عبر محطّات التّلفزيون، ويطلب من جميع المعنيّين إدراكَ صدق حزنه ومدى أسفه، وهم عائلتُه وأصدقاؤُه ومساعدُوه وأعضاءُ حكومته وعشيقتُه «مونيكا لوينسكي» وعائلتُها والشعبُ الأمريكيّ.

       وهنانجد وسائلَ الإعلام العالميّة تشير إلى النفاق الأخلاقيّ الفاضح الّذي يتورّط فيه جميعُ الساسة والقادة الغربيين، وإلى تكتّم عائلاتهم المشين على فضائحهم، من أجل الوصول إلى السلطة، والاستمساك بها لمدّة أطول؛ فها هي ذِهْ قرينةُ كلينتون «هيلاري» كانت تعلم – كما أشارت وسائلُ الإعلام – كلَّ شيء عن فضيحة زوجها، ولكنّهالم تنبس ببنت شفة قبل الاعتراف أو بعده بل قبل إثارة القضيّة أو بعدها. وهي بالذات، كما أكّدت وسائل الإعلام ونشرت التفاصيلَ، مُتَوَرِّطَةٌ في الفضائح الجنسيّة وغيرها، ولكنّ كلينتون لم يقل عنها شيئًا قطّ في هذا الموضوع.

       وبعد إعلان كلينتون توبته بنحو ساعتين يُصوّت مجلس النوّاب الأمريكيّ على نشر تقرير المحقّق الخاصّ عن الفضيحة، ووَضْعِه على الإنترنت! النوّابُ الأمريكيّون وهم زبدةُ الشعب وقادتُه وعقلاؤُه وأذكياؤُه ومُثَقّفوه، لا يديرون دفّة الحكم فقط داخل بلادهم ولكنّهم يُمْسِكون كذلك بخيوط الإدارة والسياسة والتشريع وتقرير المصير وإعطاء الإشارة الخضراء بالعمل بالخيارات «المرضية» في داخل بلادنا نحن المسلمين والعرب؛ يقررون بالإجماع أن تُذَاعَ الفضائحُ وتُنْشَرَ الفواحشُ عبر وسائل الاتصال والإعلام الأسرع، حتّى يطّلع عليها من سكان الأرض من لا يعلمونها بتاتًا؛ ولاةُ الأمرِ في أكبر وأقوى بلد في الدنيا يتّخذون قرارًا بعرض التفاصيل الكالحة الفاضحة الدقيقة للمارسات الجنسيّة لرئيسهم أمام الدنيا كلّها؛ حتى يضطرّ أن يعرف بها من تهمّه ومن لا تهمّه في هذا الكوكب الأرضيّ، الّذي لا يخلو من أناس راغبين في الخير والمعروف وناكرين للشرّ والمنكر، رغمَ محاولة الغرب أن لا يُوْجَدَ منهم أحد؛ وحتى يتساءل الأطفال الأبرياء إلى آبائهم والطفلات الصغيرات إلى أمّهاتهنّ عن قصّة «كلينتون – مونيكا» اللذين شاهدوا وشاهدن صورهما كلّ لحظة منذ شهور متتابعة؛ فارتبكوا وارتبكن، واحتاروا واحترن في الجواب!.

       وفعلاً تمّ عرضُ الفضيحة بأدقّ تفاصيلها طيلةَ ساعات متتاليات عبرَ شبكات الإنترنت الأمريكيّ، وكأنّ ذلك عرضٌ لتفاصيل الألعاب والمباريات الّتي بدورها طغت على كثير من الأعمال الإيجابيّة لدى سكّان الأرض. هكذا تمّ عرضها دونما حياء أو شعور بالارتباك، وكأنّ الغرب لايُوْجَدُ فيه أشقّاء وشقيقات، وآباء وأطفال، وأمّهات وطفلات، يشعر بعضُهم من بعض ببعض الحياء وهو يشاهد الصورة ويتلقّي المعلومة عن هذا الانفجار الجنسيّ الّذي اهتزَّ به كيانُ القيم وإن لم يهتزّ به الغربُ، لكونه متعوّدًا على تحملّ الشرور والآفات وترويجها وتصديرها!.

       القيادةُ العليا للدّولة ترتكبُ الفضائح الجنسيّة؛ فهي تمارس جميع صنوف النفاق والازدواجيّة في القول والعمل، والتكتّم والتزوير، والكذب والمراوغة؛ لتحتفظ بالكرسيّ، وتُفَوِّتَ الفرصة على المحاولين لانتزاعه من تحتها، وتقطعَ على المعترضين والمنتقدين والمعارضين ألسنتَهم، وذلك انطلاقًا من طبيعة البشر، إذا انحطّت إلى الحضيض، وانحدرت من العلوّ والشرف الّذي كان الله قد خلقه عليه.

       فيرضى العقلاء والمثقّفون في البلاد والإعلاميّون وحَمَلَة القانون وحَرَسَة الدستور ومُمَثِّلُو الشعب ونُوَّاب البرلمان أن يُتَاح لها – القيادة المُتَّهَمَة بممارسة الغرام الحرام ثم الفحشاء الواضحة – أن تطيل وتماطل، وتراوغ وتناور، وأن تبقى تمارسُ إدارةَ البلاد ورئاسةَ الحكم، وأن يُسْمَحَ لوسائل الإعلام فتذيع عنها كلّ قذارة لا يقدر لسانٌ شريف في الشرق الإسلاميّ حتى على مجرّد الإلماح إليها فضلاً عن الإفصاح عنها، ولا يتجرّأُ نبيلٌ على الإشارة إليها والكناية بها فضلا عن النصّ عليها والإفاضة في الحديث عنها والتصريح بأدقّ تفاصيلها.

       ثمّ يأتي دورُ الشّعب لِيُدْلِيَ في القضيّة دَلْوَه، فتفتي أغلبيّتُه بأنّها – القيادة العليا – بقاؤُها مُمَارِسَةً لدورها خيرٌ من انسحابها، والأقليّةُ من الشعب ترتئي أنّها عادت غيرَ جديرةٍ بأداء دورها!.

       والعالمُ كلُّه بما فيه الشّرق الإسلاميّ والعربيّ يتلقّى ذلك كلّه بالصوت والصّورة والمعلومة – شاء أو أبى – عبر وسائل الإعلام والاتّصال.

*  *  *

       كما ظهرت ضدّ الرئيس الحالي الخامس والأربعين «دونالد ترامب» أثناء حملاته الانتخابية قضايا جنسيّة أثارتها حوله عددٌ من الأمريكيات ولاسيما السيدتين اللتين نشرت «نيويورك تايمز» تصريحاتهما بصفة خاصّة، مما أثار ضجة كبيرة ضده، فقد قالتا: (إنّ «دونالد ترامب» – المرشح الجمهوري للانتخابات الأمريكية – قام بلمسهما بشهوانية بطريقة غير لائقة) حيث إن إحدى السيدتين اتهمت بأن («ترامب» أمسك ثدييها وحاول أن يمد يده إلى تنورتها قبل نحو ثلاثين عامًا وهما على متن طائرة خاصة) وقالت الأخرى: (إن «ترامب» قَبَّلَها بالفم رغمًا عن إرادتها عام 2005م في مبنى «تاورز» الذي يملكه هو) وصرّحت «جيسكا ليدز» – وهي من سكان «مانهاتن» (أنها كانت تجلس بجانب «ترامب» في جناح الدرجة الأولى على متن طائرة متوجهة إلى «نيويورك» وفي تلك اللحظة بدأ يلامسها، لقد كان في تلك اللحظة يشبه الأخطبوط، يداه كانتا تذهبان في كل اتجاه، إن ذلك كان اعتداء صارخًا عليّ). وهناك تهم جنسية أخرى اتجهت بها إليه عدد من الأمريكيّات. ولا غرو فقد ظل لثروته الطائلة متحررًا مدمنًا للخمر، راغبًا بشدة في اللذات، مستجيبًا لدواعي الشهوات.

       ومن جانبه وصف «ترامب» خلال حملاته الانتخابية النساءَ والفتيات بما أسخط الرأي الأمريكي العامّ عليه، وقوبل بانتقادات شديدة وردود فعل غاضبة.

*  *  *

       ظلنا مضطرين أن نتابع هذه القذراة – بصفتنا إعلاميّين وبصفتنا من سكّان هذا الكوكب الأرضيّ المغزوّ بالانفجار الإعلاميّ والْـمُبْتَلَىٰ بالتخريب البشريّ الّذي ظهر فساده في البرّ والبحر والجوّ – ونفكّر في هذا الفارق الكبير، العميق الدقيق بيننا نحن المسلمين وبينهم؛ حيث لا نخال أن بلدًا إسلاميًّا سيحتمل حتى في هذا العصر الحاضر الْـمَمْنِيِّ بالحضارة الغربيّة وإفرازاتها وسوءاتها أَيَّ مسؤول كبير لديه افتضح غرامُه بأجنبيّة وممارستُه العلاقةَ الجنسيّةَ معها، فضلًا عن قيادة القمّة ورئاسة الذورة!.

       أجل إنّ المسلمين على ضعفهم، الّذي أُصِيْبُوْا به بجرّاء الغزو الفكريّ الثقافيّ الحضاريّ المكثّف المتواصل، لا يحتملون من مسلم عاديّ أن يقيم علاقةً غيرَ شرعيّة مع فتاة أجنبيّة، حتى يُؤَدُّوْا به إلى العقاب الّذي قرّره الإسلام الحكيم له ولأمثاله جميعًا؛ فضلًا عن أن يرتكبَ هذه الجريمةَ الشنعاء الْـمُعْدِيَة مسؤولٌ بل مسؤولٌ كبير بل المسؤولُ عن جميع المسؤولين في الدولة!.

       ولا يُتَصَوَّرُ حتى في هذا العصر المائج بالفتن، الْـمُمْتَحَنِ بانقلاب الموازين و دوس القيم، أن يلتمس المسلمون – الذين لديهم ذرّة من الدّين والغيرة والحياء والمروءة – الأعذارَ لوليّ أمرهم، ورئيسهم في الحكم، ويَرْضَوْا ببقائه لحظةً شاغلًا مَنْصِبَه.

       أمّا الرّضا بوضع أمثال هذه القذارات على وسائل الاتّصال والإعلام السريع مثل الإنترنت؛ فإنّ المجتمع الإسلاميّ سيصاب بالغثيان بمجرّد تصوّره فضلًا عن التصويت في حقّه والسّماح به.

*  *  *

       بقيتْ هناك قضيّةٌ تحتاج من المسلمين حكامًا وشعوبًا، وتربويين وإعلاميين، ودعاةً ومربين ومعلّمين، إلى تفكير جديّ طويل مثمر، وهي أن مثل الفضيحة الكلينتونيّة أو الترامبية لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، التي شغلت هي بالذات وبشكل أكثر – ولا تزال – الدنيا كلّها لكونها صارخة، ولكونها تتعلّق بالقوّة العظمى الوحيدة الّتي «تؤدّب» من شرقنا الإسلاميّ العربيّ أيّةَ دولة متى تشاء، ولكونها ذاتَ مساسٍ بسياسات كلّ دولة من دول العالم كنتيجة حتميّة.

       بل إنّ الحضارة الغربيّة بخلاعتها السافرة وإباحيّتها المطلقة وسلوكها الجنسيّ الفاقد الحياء، قد قرضت علينا على الرغم منّا أن نتعامل كلَّ وقت مع أحطّ غرائز الإنسان على الملأ. ولا فرق في ذلك بين صحفيّ أو إذاعيّ أو تلفازيّ أو إعلاميّ عامّ أو قراء أو متلقّين أو مشاهدين أو مستمعين. ولا فرق في ذلك أيضًا بين الكبار والصغار والمراهقين، وبين الرجال والنساء.

       من ذي قبل تلوّثتْ فضاءاتُ العالم الإسلاميّ والعالم العربي بالبثّ الفضائيّ الإباحيّ الّذي غزا عقرَ ديارنا على الرغم منّا ودَاخَلَ خدورَ البنات وخلواتِ دراسةِ البنين، وكاد يسترق منهنّ ومنهم الشيء الكثير من رصيد البراءة الطبيعيّة رغم الرّقابة المطلوبة. ولم نكد نفيق من الصّدمة ونسترجع الأنفاسَ حتى اقْتَحَمَتْنَا شرورُ الإنترنت الّذي هو أدهى وأمّر، حيث بدأ يبتلع في مدّة قليلة رصيدَ الحياء والخجل والنّزاهة والشّرف في عيون ونفوس كثير من الشّباب، وتلك هي المعاني الّتي لا تزال – على علّاتنا – تُمَيِّزُنَا عن غيرنا.

       إنّ التربية الدينيّة المتينة الّتي يأخذ بعضُها بحجز بعض، هي الّتي تقدر الآن وغدًا على إنقاذ الجنسين من شبابنا من هذه الفتنة العمياء، الفاغرة فاها لا بتلاع كلّ خير ونفث كلّ شرّ. وهي لا تَتَأَتَّىٰ إلّا بالقدوة الصّالحة والنّماذج العمليّة، الجديرة بالاقتداء والباعثة على الاحتذاء، وهي لا تزال متواجدة ولو بكميّة قليلة في الشرق الإسلاميّ ولا سيّما في هذه الديار: شبه القارة الهنديّة. وهذه القدوةُ الصالحةُ تشكّل لدينا سفينةَ نجاةٍ وجزيرةَ إنقاذٍ وعُوْدَ إمساكٍ في هذا البحر اللّجيّ المتلاطم بالآفات التي تُمْطِرُ بها وسائلُ الإعلام الْـمُمَثِّلَة بالمجموع للحضارة الغربيّة.

(تحريرًا في العاشرة من صباح الاثنين: 25/شعبان 1438هـ الموافق 22/مايو 2017م).

نور عالم خليل الأميني

nooralamamini@gmail.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالقعدة 1438 هـ = أغسطس 2017م ، العدد : 11 ، السنة : 41

Related Posts