كلمة المحرر
يستقبل المسلمون في العالم شهر رمضان، شهر التقوى والشعور بآلام الجوع والعطش التي يصاب بها من يفقد لقمة العيش في حياته والماء الذي يشربه ليشفي غلته. وإن من عبادة من عبادات الإسلام إلا ولها خصائصها وحكمها، وكل هذه العبادات أنواعُ غذاءٍ للروح تتنوع كأنواع غذاء البدن. فالصلاة مثلا – تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتمحو الذنوب، وتأتي يوم القيامة نورًا على الصراط المستقيم، يقول الله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ (الحديد:12). وفي الحديث النبوي الشريف: «والصلاة نور والصدقة برهان». وأما الزكاة فطهرة للمال من شوائب الحقوق وتعلق عيون ذوي الحاجة والمسغبة، وتزكية لصاحبها، وزيادة له، وحصن منيع. وقِس عليه الحج وغيره من العبادات المشروعة في الإسلام. فهذه هي آثار الصلاة والزكاة فما هي آثار الصيام.
إن الصوم يورث التقوى وذلك بأنه يكسر قوة الإنسان الحيوانية والبهيمية. ولاشك أن الجوع يقضي على أهواء الإنسان الحيوانية ودواعيها، فتفتر فيه دوافع الإقدام والجرأة على المعاصي والذنوب.
والحق أن الصوم ليس فقط سببًا لكسر القوة البهيمية في الإنسان؛ بل إذا ما صام الإنسان صومًا حقًا، فإنه يؤدي به إلى التقوى؛ فإن التقوى تعني اجتناب معصية الله تعالى باستحضار عظمة الله تعالى وجلاله أي ليستيقن الإنسان أنه عبد من عباد الله، وأنه سبحانه يراه، وأنه – الإنسان – لابد وأن يتمثل بين يدي خالقه ورازقه، وأنه مسؤول أمامه سبحانه وتعالى. فإذا أمسك الإنسان عن المعاصي وهو يستحضر ذلك كله، فهو ما يسمى بتقوى الله تعالى. قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ﴾ (النازعات:40).
والصوم خير تربية على تقوى الله تعالى فتجد الصائم داخل بيت مغلق عليه، منفردًا عن الناس، وقد أصابه العطش الشديد والماء البارد بين يديه لا يسول له نفسه أن يجرع جرعة يبرد بها غلته، ويشفي لوعة عطشه، وهل ذلك إلا من تقوى الله تعالى، وعليه عظم جزاءُ الصوم وفاقَ جزاءَ كثيرٍ من الأعمال الصالحة، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عزو جل: «الصوم لي وأنا أجزي به». [التحرير]
(تحريرًا في الساعة السابعة من مساء الخميس: 23/رجب 1438هـ = 20/أبريل 2017م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1438 هـ = يونيو – يوليو 2017م ، العدد : 9-10 ، السنة : 41