كلمة العدد

          مُعْظَم الباحثين المُهْتَمِّين بمصطلح «الإسلاموفوبيا» – الخوف من الإسلام – يرون أن أحداث 11/سبتمبر 2001م التي وقعت في أمريكا هي التي أَدَّتْ إلى ظهور المصطلح في كل من أمريكا والغرب؛ لأن الأمريكيين والغربيين عندما شعروا بالخوف من الإسلام اتخذوا «الإسلاموفوبيا» خُطَّةً دفاعيةً لتجنيب أنفسهم أخطارَ الإسلام والمسلمين؛ فـ«الإسلاموفوبيا» صنفٌ من صنوف العُنْصُرِيَّة والكراهية والتمييز يُمَثِّل مرضًا اجتماعيًّا وفكريًّا يتبادر إلى الذهن لأوّل وهلة أنه لا يضرّ إلّا الإسلامَ والمسلمين ويترك آثارًا وتداعيات سلبيّة جدًّا على المسلمين وما ينتمي إليهم من المؤسسات والجمعيات؛ ولكن الحق أن ظاهرة «الإسلاموفوبيا» لها تأثيرات مباشرة كذلك على المجتمع الذي يَتَبَنَّاها و يبثّها.

       نتيجةَ انتشار «الإسلاموفوبيا» عاد يتعرض الفرد والمجتمع المسلم في الغرب لأنواع من الضغوط والتحديات؛ بل الهجمات، فبينما هما يتعرضان للنظرات المريبة والإقصاء والتهميش وتفويت فرص يحظى بها المواطن غير المسلم تتمثل في الوظيفة والمنحة والسكن، إذ يتعرضان للهجمات اللفظيّة والاعتداءات الجسدية والمعنوية والإغفال الحكومي على الصُّعُد الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب عناوين الصحف اللاذعة وتصريحات الساسة القارصة.

       الأصولُ الفكريّةُ للصراع بين الغرب والحضارة الإسلامية ترجع إلى القديم: إلى المعاداة الكنسيّة الأوروبيّة للإسلام، التي دَفَعَتْها إلى خوض الحروب مع الإسلام، التي عُرِفَتْ بـ«الحروب الصليبية» التي كانت حروبًا فكريّة وعسكريّة معًا، وربما أَطْلَقَ المسيحيُّون عليها اسمَ «حروب الاسترداد» لأنهم كانوا يَتَوخَّوْن من ورائها إعادة بلاد الشام وبيت المقدس إلى الحكم الروماني المسيحي؛ لأنهم كانوا يرون أن سكان هذه البلاد خضعوا كارهين للاحتلال العربي الإسلاميّ، فلو حُرِّرَت البلاد من أيدي المحتلين المسلمين المتوافدين من الجزيرة العربية لعادوا للمسيحية التي كانوا يدينون بها قبل احتلال المحتلين العرب. وعلى ذلك رفضت القراءةُ الغربيّةُ للإسلام منذ اليوم الأوّل أن تعترف بأنه – الإسلام – دين إلهي ينبغي أن يخضع له أبناء الغرب كما خضع له غيرهم عن قناعة عقليّة ومحبّة قلبيّة وطمأنينة نفسيّة؛ ومن ثم خاض المسيحيون مع المسلمين حروبًا صليبيّة منذ القرن العاشر الميلادي ظنًّا منهم أنها ستردّ الناسَ عن الإسلام؛ لكنهم بعد فشلهم في تحقيق أهدافهم المُتَوَخَّاة من ورائها، حَوَّلوا حروبهم مع الإسلام من صليبيّة إلى صليبية حضاريّة ظلوا يستخدمون فيها الأسلحة والقوة العسكرية إلى جانب اعتمادهم على أسلحة الغزو الفكري الذي شَنُّوه ضد الإسلام مُمَدًّا بحملات التبشير وحملات المستشرقين معًا.

       من خلال هذه الحروب احتلّوا البلاد الإسلامية التي عاد أهلها المسلمون ضُعَفَاء عن حمايتها لأسباب يطول ذكرها، وكانت الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) من آخر الحروب العسكريّة التي كانت قوامها الروح الصليبية الحضارية التي جعلت جنرال الاحتلال الفرنسي «غورو» Gouraud (1867-1946م) أن ينادي عند احتلاله لدمشق لدى قبر صلاح الدين الأيوبي (532-589هـ = 1138-1193م) قائلاً: «ها قد عُدْنَا يا صلاحَ الدين!».

       من خلال هذه الحروب تَمَكَّنَ الغربيّون من القضاء على الدولة العثمانية العظيمة (1281-1922م) وتَوَزُّعِ إرثها السياسيّ وتحويل مُكَوِّناتها إلى كيانات سياسية كثيرة متصارعة باسم الشيوعية والاشتراكية، والدينية والطائفية، فذاقت الأمةُ ويلات متناهيةً من الأنظمة والمناهج الدكتاتورية والانقلابية العسكرية التي لم تُفَكِّر قطُّ في تجديد هُوِيَّتها الفكرية الإسلاميّة وفي طرح خُطَّتها السياسيّة المتفاعلة مع الواقع المؤسف المضمحل الضعيف.

       لكنه كان من الخير أنه ظهرت من بطن الواقع المؤلم الحركاتُ التجديدية في جميع دول العالم الإسلامي، واحتار الغرب في التعبير عنها، فسَمَّاها أولاً «الصحوة الإسلامية» ثم ارتأى بعد فترة قصيرة أن يُطْلِق عليها عنوانَ «الأصوليّة الإسلامية» لأن هذه الحركات كانت في الواقع عودةً من المسلمين إلى أصولهم الدينية وهُوِيَّاتهم القوميّة، وتحولاً عن جميع الهويّات التي عَمِلَ الاستعمار الغربي العسكري السياسي فرضَها على المسلمين، فَوَصَفَها – الحركات الإسلامية – الغربُ أخيرًا بـ«حركات الإسلام السياسي» اتهامًا منه الحركات الإسلامية بأنها تربط الإسلام بالسياسة. وكان ذلك أيضًا قراءةً خاطئةً من الغربيين للإسلام؛ حيث ظنّوا أن الإسلام مُجَرَّدُ طقوس دينيّة محصورة في الحياة الشخصيّة للمسلمين، ولا علاقةَ له بالسياسة والاجتماع وشؤون الحياة الساخنة؛ لأنهم خافوا أن يعود الشارع الإسلامي إلى الحياة الإسلامية الصحيحة؛ وذلك لأن الحركات الإسلامية لم تقتصر نشاطاتها على حدود الحياة الإسلامية الاجتماعية، ومراكز الدعوة والإصلاح، والمدارس والجامعات التي تُخَرِّج العلماء والدعاة، وفي تبنّي الحجاب الإسلامي ومنهج الحياة الإسلامي. بل تَعَدَّتْها إلى تأسيس حركات سياسيّة من العناصر الإسلامية التي تعتقد اعتقادًا راسخًا بأن الإسلام هو هُوِيَّة حضارية عقديّة سياسيّة معًا.

       هذه الحركات الإسلامية التي بَدَتْ شاملة أَقَضَّتْ مضاجع الغربيين؛ لأنها أعلنت صارخًا بإيمانها بالإسلام رسالةَ حضارةٍ تقول وتعمل بقيم الحرية والعدالة، والإنسانية والاجتماعية، ولا تتصادم مع قيم العصر والحداثة، والديموقراطية والحقوق الإنسانية، وتؤمن باحترام الحضارات الأخرى والتحاور معها، فحَسِبَ لها قادةُ الحضارة الغربيّة – التي هويتها هي الرأسمالية سياسيًّا، والمسيحية اليهودية دينيا وفكريًّا – ألفَ حساب، لأنهم ظنّوا أنهم يواجهون حقًّا مدًّا إسلاميًّا قويًّا وانتشارًا جديدًا هائلاً للإسلام يَتَخَطَّىٰ كلَّ المساعي والحيل الغربية التي أُعْمِلَت من أجل تشويه صورته أمام العالم؛ ولأنهم لاحظوا فعلاً أن المجتمعات الغربية هي الأخرى – وليست المجتمعات الشرقية وحدها – عادت أكثر إقبالاً على الإسلام واحترامًا للمسلمين. إن هذا الواقع المُثْلِج لصدور المسلمين جَعَلَ مراكزَ التفكير والترقب الحضاري الغربيّة تصبّ جهدَها في التخطيط لمواجهة المستقبل الإسلامي في الديار الغربيّة مباشرةً وفي البلاد الإسلامية عن طريق عملاء الغرب الدكتاتوريين المُتَسَمِّين بالأسماء الإسلامية.

       هالَت الغربَ رياحُ التجديد الإسلامية والصحوة الإسلامية، حتى عادت دولٌ غربيّةٌ تتخوف أن تغدو المجتمعات الغربية خلال عقود آتية ذات هُوِيَّة إسلامية، فرأت الحاجة ماسّةً إلى التخطيط للحيلولة دون تفاعل الشعوب الغربيّة مع الإسلام والإعجاب بقيمه ومُثُله والاقتراب من مراكز إشعاعه ومساجده وكتاتيبه، وجميع الأنشطة التي تهدف إلى تحبيبه إلى قلوب الشعوب الغربيّة، فعَمِلَتْ على زرع الكراهية في ديارها نحو كل شيء ينتمي إلى الإسلام من المساجد والمآذن والمنابر. وهكذا بَدَأَ «الإسلاموفوبيا» بدايةً اجتماعيّةً بسيطةً لحدما في فترة التسعينيات من القرن العشرين الميلادي، ثم افْتُعِلَتْ أحداثُ 11/سبتمبر 2001م من قبل الحكومات الأمريكية والأوربية لتحويل «الإسلاموفوبيا» سياسيًّا حكوميًّا مُنَظَّمًا، واخْتُلِقَت مُنَظَّمَاتٌ إرهابيّة منسوبة إلى المسلمين حُمِّلَتْ مسؤوليةَ هذه الأحداث وغيرها من التفجيرات التي وقعت في أقطار أوربّا خلال السنوات الأخيرة والتي كانت حلقاتٍ متتابعةً للمتآمرين على الإسلام والمسلمين.

       ورغم أن المسلمين اليوم مُكَوِّن أساسيّ في كل من المجتمعات الأوربيّة؛ حيث إن جميع المجتمعات الغربية تتضمن مئات الآلاف من المسلمين من أبناء البلاد الغربيّة أو من أبناء البلاد الشرقية الذين هاجروا إلى المجتمعات الغربية منذ فترات طويلة، وصاروا جزءًا لا يتجزأ منها مع مرور الأيام ومضي السنين والأعوام، وأصبحوا فيها مواطنين لهم كامل الحقوق وعليهم كامل الواجبات، وتقبلتهم المجتمعات الغربية قبولاً حسنًا؛ لأنهم أثبتوا كفاءتهم وقابليتهم للإفادة والعطاء والإنتاج في كل المجالات، وعملوا في إخلاص على بناء المجتمعات الغربية والأمريكية؛ رغم ذلك صنعت الحكومات الأمريكيّةُ والأوربيّةُ – باحتضانها لـ«الإسلاموفوبيا»- التَّجَزِّئَ والانقسامَ في مجتمعاتها والشرخَ الاجتماعيّ في بلادها.

       والجدير بالذكر أن المسلمين – كما يعلم دارسو التاريخ – هم الذين كان لهم مساهمة أولية أساسيّة في بناء الحضارة الأوربيّة الحديثة؛ لأن القرون الوسطى في أوربّا كانت عصورَ الظلام الأوربي، التي كانت فيها الكنيسة تحتلّ السلطةَ الكاملةَ على جميع شؤون الدين والدنيا، فلم يكن لعلماء أوربّا الذين تمت على أيديهم النهضةُ الأوربيّةُ الحديثةُ ليتحرروا من ظلام التدين الكنسي الخاطئ لولا كان تَعَرُّفُهم على الحضارة الإسلامية الزاهرة المشرقة عن طريق الأندلس وصقلية، الذي دفعهم إلى ترجمة الكتب الإسلامية في جميع العلوم والفنون ولاسيّما في موضوعات الطب والفلسفة وعلم أحوال الكون، وعلى رأسها مؤلفات ابن حزم (علي بن أحمد 384-455هـ = 994-1063م)، وابن رشد (أبوالوليد محمد بن أحمد 520-594هـ = 1126-1198م)، وابن طفيل (أبوبكر محمد 493-581هـ = 1100-1185م) من أبناء الأندلس وغيرهم من العلماء المسلمين. والحق أن العلوم النظرية والتجريبية كلها التي أَدَّتْ إلى النهضة الأوربية كان مرجعها إلى الحضارة الإسلامية، والحالُ نفسُها تتجدد في العصر الحاضر الذي هاجرت فيه الأدمغة والعقول الإسلامية منذ عقود ماضية إلى أوربّا واستثمرها الأوربيّون في النهضة التي شَهِدَتْها أوربّا؛ حيث كانت هذه الأدمغةُ ذات مُؤَهِّلات وكفاءات علميّة لائقة أَعَانَتْها على أن تُسَاهِم بفعّاليّة في نهضة المجتمعات الغربيّة وتحقيق التقدم الهائل الذي جعل أوربّا محطَّ أنظار العالم.

       إن الأحزاب اليمنيّة الأوربيّة والأمريكيّة حَرَّضَت حكوماتها على المبالغة في توظيف «الإسلاموفوبيا» واتخاذ أبناء الإسلام في المجتمعات الغربيّة أعداء لها يَتَرَبَّصُون بها الدوائر ويُضْمِرون لها الشرّ، وصارت تعمل على تخويف مجتمعاتها منهم، وتُرَاهِن في نجاحها في تحقيق هذا الهدف على فعل الأكاذيب وعلى تسهيل تحقق أعمال إرهابيّة على الأراضي الأوربيّة على أيدي مُنَظَّمَات إرهابيّة لا يعرف المسلمون عنها شيئًا؛ بل هم يُنَدِّدُون بها ويعتبرونها تصرفاتٍ غيرَ إسلاميّة لا يُقِرُّها الشرعُ الإسلاميّ ولاسمح بها في حال من الأحوال؛ لكن الحكومات الغربية ووسائل إعلامها جَعَلَتْها – المنظمات الإرهابيّة – مسؤولة حقيقيّةً عن الإسلام والمسلمين وناطقةً باسمهما.

       الحكوماتُ الغربيّة تلعب بالنار حينما تعمل على نشر «الإسلاموفوبيا» في ديارها؛ حيث إنها لا تُدْرِك العواقبَ الوخيمةَ لتصرفها الأخرق المتمثل في تحميل الإسلام مسؤوليةَ أعمال العنف والإرهاب؛ لأنها تعرف الإسلامَ عن كثب وتعرف أيديه البيضاء على أوربّا وعلى الإنسانيّة جمعاء، ولأنها تعلم أنه ليس زائرًا غريبًا لديها، فهو يعاشرها منذ زمن بعيد، فصار مُكَوِّنًا طبيعيًّا لمجتمعاتها، التي تمتعت طويلاً بما فيه من الفضل والعدل، والقيم الإنسانية، والعقائد النيّرة، والأفكار الخيِّرة، والخير العميم الذي لايوجد إلّا لديه، فينبغي أن لا تستجيب – الحكومات الغربية – لدعوة أحزاب اليمين الغربيّة لتزوير وتشويه صفحة الإسلام البيضاء وتشويه وجههه الجميل؛ لأن الحق ينتصر في النهاية والباطل ينهزم، والصدق يَغْلِب والكذب يُغْلَب لا مَحَالَةَ.

       الحكوماتُ الغربية تكيل بكيلين: كيل للإسلام والمسلمين وكيل لغيرهم وديانته؛ فالجريمة التي تَعَرَّضَ لها السودُ في المجتمعات الغربية والأمريكية من قبل البيض الأوربيين والأمريكيين، والتي استمرت ممارستها معهم على مدى قرون، سَنَّت – الحكومات الغربية والأمريكية – بشأنها قوانين صارمة تمنع تكرار حصول مثل هذه الممارسات الإجرامية التي صارت تُعْرَف بأنها جرائم يُعَاقِب عليها القانونُ، كما تتخذ الحكومات الغربيّة غيرها من السياسات والإجراءات التي تُكَرِّس حالةَ المساواة بين جميع البشر مهما كان لون بشرتهم؛ لكن أبناء المجتمعات الغربية وحكوماتهم لم تطلب السودَ أن يُغَيِّروا تصرفاتهم أو ممارساتهم السلوكية ومناهجهم الحياتية حتى تتوافق مع طبيعة البيض وحتى يكسبوا – السودُ – قناعةَ المجتمع الأبيض، ولم يخطر ببالها – الحكومات الغربيّة – ولا ينبغي أن يخطر أن مشكلة العنصرية كامنةٌ أصلاً في السود، وأن السود عليهم حلّها، حتى تختفي العنصريّةُ، بل اتفقت الشعوب والحكومات الأوربيّة معًا أن ظاهرة العنصريّة هي أزمة مجتمعيّة، فعلى المجتمع علاج نفسه، حتى يتمتع من جديد بالشفاء.

       ولكن ظاهرة العنصرية والكراهية والتمييز العنصري، التي يتعرض لها المسلمون، لا تعدّها الحكومات والمجتمعات الغربية أزمةً مُجْتَمَعِيَّةً يجب أن يَحُلَّها المجتمعُ نفسَه، بل تضع اللومَ كلَّه حيالها على المسلمين وحدهم، وتُطَالِبُهم بأن يُغَيِّروا سلوكياتهم وتصرفاتهم حتى صورَهم ووجوهَهم، وبأن يمتنعوا عن ارتداء الحجاب ولباس البحر الساتر «البوركيني» حتى يطمئن إليهم المجتمع الغربي ولا يتعامل معهم بالتمييز، ولا يعتدى على حقوقهم، ولا يعترض لهم بسوء في الأجساد والمُمْتَلَكات.

       إن ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في تصاعد متصل في المجتمعات الغربيّة، حتى يرى بعضُ الباحثين المتعمقين في دراستها أن هناك منظومة متكاملة تعمل على تهجين الظاهرة ضمن سلسلة من المراحل تتفاوت حدّتُها من بيئة إلى أخرى، تَتَلَخَّص في ثلاث مراحل: المرحلة الأولى مرحلة التفسير الاستثنائي لوجود المسلمين في المجتمعات الغربيّة، الذي يقتضي منهم أن يخضعوا لقوانين البلد؛ حيث لايمكن أن يتمّ تطويع القوانين وتفسيرها على قياس المسلمين، وإنما هم في حالة الخضوع لقوانين البلد الذي يوجدون فيه، فيُعْتَبَرُون استثناءً خارجًا عن السياق العام للمجتمع والدولة، فيجب أن يُوضَعُوا تحت المِجْهَر، والحديثُ عنهم كحالات غير منسجمة مع الخطّ العام للمجتمع والدولة. والمرحلة الثانية هي مرحلة التخويف والتحريض ضدهم كفئة من المجتمع وقع استثناؤها من السياقات العامة للمجتمع والدولة، فيجوز تشويهها وإبراز كونها لاتستحق أن تعيش ضمن المنظومة القانونية والاجتماعيّة التي وُضِعَت للجميع، فينبغي إبرازُ أن هذه الفئة القليلة بمخزونها الثقافيّ والفكريّ تُشَكِّل خطرًا واقعيًّا على المجتمع والدولة وعلى الإرث الثقافي والديني لأوربّا، فإن لم تقبل الذوبان الكامل في التيار الاجتماعي الأوربي الكامل، يجب التخلص منها والدعوة إلى اجتثاتها. والمرحلة الثالثة هي تقنيين الكراهية والعداء ضدّها بوضع مجموعة من القوانين لمواجهة هذه الفئة الضعيفة قانونيًّا وسياسيًّا وإعلاميًّا وثقافيًّا، وهنا تتحرك ماكينةُ الكراهية والعنصرية والتمييز في العمل ضدها – الفئة القليلة الضعيفة – مع دوس لكل من المبادئ الأساسيّة وفلسفة القانون التي وضعتها أوربّا وتَبَجَّحَتْ بها – ولا تزال – كثيرًا وفي غياب أي احترام للمواثيق الدولية التي اصطلح عليها المجتمع الدوليّ بما فيه جميعُ الدول الأوربية من حرية المعتقد وحرية التعبير وما إلى ذلك.

       ويمكن مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة أن يتحرك الوجود الإسلامي في أوربّا بكل مُكَوِّناته المجتمعيّة والمدنيّة والدبلوماسيّة – من بعثات وسفارات الدول الإسلامية في كبرى المدن الأوربية مثل جنيف ونيويورك وبروكسل – فيقوم بالعديد من المبادرات والفعاليّات للحفاظ على نفسه والدفاع عنها بالوسائل القانونية والآليّات التي رَسَّخَتْها الدول الديموقراطية والمدنية، والآليّات الدولية – بما فيها الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان ومجلس الاتحاد الأوروبي – كما يجوز له الردّ على الاتهامات بتوضيح فهمه للإسلام وبالتركيز على إبراز دوره في تنمية المجتمع، وبالاعتماد على الآليات القضائية والقانوينة المتعارف عليها لدى كل بلد أوربي، وكذلك بتقديم تعاليم الإسلام السمحة إلى الطائفة المثقفة الجادة من الأوربيين والاستعانة بهم في تبرئة الساحة وكون الوجود الإسلامي في الغرب ذا عطاء ثرّ على المجتمع الغربي، إلى جانب توزيع كتيبات إسلامية سهلة التداول وسهلة الإساغة، متضمنة لشرح الإسلام في معناه الحقيقي الرؤوف بالإنسانية دونما تمييز بين الأعراق والألوان والانتماءات الوطنيّة.

(تحريرًا في الساعة الرابعة من مساء يوم الخميس: 23/جمادى الآخرة 1438هـ  الموافق 23/مارس 2017م)

نور عالم خليل الأميني

nooralamamini@gmail.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند، شعبان  1438 هـ = مايو 2017م ، العدد : 8 ، السنة : 41

Related Posts