الفكر الإسلامي

بقلم: شيخ الإسلام شبير أحمد العثماني رحمه الله

(1305-1369هـ/1887-1949م)

تعريب: أبو عائض القاسمي المباركفوري

       وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)

فائدة:

       يقال: نزلت التوراة فقالت بنو إسرائيل عنادًا: إن أحكام التوراة شاقةٌ كبيرةٌ نعجز عنها. فأمرالله تعالى الطور فعَلا رؤوسهم وبدأ ينزل عليهم، ونشأت نار بين أيديهم، فلم يعد لهم سبيل إلى الإعراض، فاضطروا إلى قبول أحكام التوراة. فإن قيل: إن رفع الطور فوقهم وحملهم على قبول أحكام التوراة صريح في الجبر والإكراه، و هو يعارض قول الله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّيْنِ﴾، كما ينافي قاعدة التكليف على طول الخط؛ فإن التكليف يقوم على الاختيار، والإكراه يضاد الاختيار؟ قلنا: لم يكن الإكراه على قبول الدين؛ فإن بني إسرائيل كانوا قبلوه مسبقا، وطالما طالبوا موسى بأن يأتيهم بكتاب فيه أحكام يمتثلون بها. وكانوا عاهدوه على ذلك، فلما أنزلت التوراة عليهم أرادوا نقض عهدهم بعد توكيده. فالغرض من رفع الطور فوقهم هو منعهم عن نقض العهد، لا حملهم على قبول الدين.

       ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64)

فائدة:

       أي ثم أعرضوا عن العهد بعد توكيده فلولا فضل الله لأهلكوا إهلاكا، أي عاجلهم بالإهلاك في حينه أو أن يتوبوا ويستغفروا ربهم وضموا إليه طاعة خاتم الأنبياء فإنه يُغفرَ لهم خطاياهم.

       وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)

فائدة:

       نبهت التوراة بني إسرائيل على أن يوم السبت مختص بالعبادة، فلايصيدوا السمك فيه، ولكنهم احتالوا عليه وصادوه، فمسخهم الله تعالى وحوَّلَهم قردةً وخنازيرَ، وكانوا على ما في البشر من الفهم والشعور، و ينظر بعضهم إلى بعض ويبكي، دون أن يتكلم بكلام. وماتوا عن آخرهم بعد ثلاثة أيام. وكان ذلك على عهد داود عليه السلام، وسيق تفصيل القصة في سورة الأعراف.

       فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)  

فائدة:

       أي جعلنا هذه القصة وهذه العقوبة نكالاً وعبرةً لما بين أيديهم وما خلفهم أي الذين شاهدوا العذاب والذين جاؤوا من بعدهم، أو للقرى التي بين يدي مدينتهم والتي خلفها.

       وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) 

فائدة:

       واذكروا  إذ قُتِل رجل من بني إسرائيل اسمه عاميل، ولم يُعرف قاتله، فقال لهم موسى: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرةً وأن تضربوا المقتول ببعضها؛ فإنه سيقوم حيًا، ويخبر بقاتله، فبعث الله تعالى الميت بذلك، و أخبر بقاتله، وأن ورثته هم الذين قتلوه طمعًا في ماله.

فائدة:

       إذ لم نشاهد ولم نسمع أن الميت يقوم حيا إذا ضُرِب ببعض البقرة.

فائدة:

       أي الاستهزاء من عمل الجاهلين، وخاصة بالأحكام الشرعية، ويستحيل أن يصدر ذلك من نبي من الأنبياء.

       قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68)

فائدة:

       أي كم عمرها؟ وما حالتها؟ أ بكر هي أمسنة؟

فائدة:

       أي اذبحوا البقرة.

       قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) 

فائدة:

       أي يوضح لنا نوع البقرة وفائدتها.

       قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)

فائدة:

       أي لانقص في أعضائها، ولايشوب لونها شوائب لون آخر يشينها.

فائدة:

       كانت البقرة يملكها رجل بارٌّ بأمه، من السعداء، فاشتروها منه بملئها ذهبًا، ثم ذبحوها وماكادوا يشترونها بمثل هذا الثمن الباهظ ثم يذبحونها.

       وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)

فائدة:

       أي قتل آباؤكم عاميل، ثم اتَّهم بعضهم بعضًا بقتله، وأراد الله تعالى أن يبدي ما كنتم تخفونه (من ضعف إيمانكم أو حال القاتل).

       فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) 

فائدة:

       أي ضربـوا المقتول ببعض البقرة،فعاد حيًا بإذن الله تعالى، ونزف الدم من الجرح، وسَمَّى قاتله، وهم أبناء أخيه، أخذوا بعمهم إلى الغابة وقتلوه طمعًا في ماله، ثم سقط ميتًا بعد ما سَمَّاهم.

فائدة:

       أي كذلك يبعث الله الموتى يوم القيامة بقدرته الكاملة، و يريكم آياته الدالة على قدرته، لعلكم تتفكرون فتعلمون أن الله تعالى قادر على إحياء الموتى.

       ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) 

فائدة:

       أي بعد ما قام عاميل حيًا، والمعنى: لم تَلِن قُلوبُكم رغم ما رأيتم من هذه الآية.

فائدة:

       أي بعض الأحجارنافعة جدا، حيث تنفجر منها الأنهار والمياه الغزيرة، ومنها ما يخرج منه قليل من الماء، فيكون أقل نفعا من النوع الأول، ومن الأحجار ما لاينفع أحدًا، إلا أنه يتصف بالتأثر والتأثير، وأما قلوب هؤلاء فأشد قساوةً من أنواع الحجر الثلاثة هذه، فلاتنفع أحدًا، ولاتحمل في  ثناياها خيرا، وما الله بغافل عما تعلمون أيها اليهود.

أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)

فائدة:

       (فريق): هم الذين توجهوا مع موسى إلى الطورلسماع كلام الله تعالى، فلما عادوا حرفوا كلام الله تعالى فقالوا: سمعنا في نهاية الأمر: امتثلوا هذه الأحكام إن استطعتم، فإن عجزتم فلكم تركها. وقيل:كلام الله هو التوراة، والمراد بالتحريف: تحريف آياتها لفظًا ومعنى، فبدلوا نعمة الله تعالى حينًا، وكتموا آية الرجم حينًا آخر، ونحو ذلك.

       وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (76) 

فائدة:

       كان المنافقون من اليهود يداهنون المسلمين فيذكرون لهم ما في كتابهم من نعت النبي الخاتم، فــلامَهــم آخـــرون منهـم-اليهود- وقالوا لهم: لِمَ تحدثون المسلمين بما يكون حجةً من كتابكم عليكم، أفلا تعلمون أنهم-المسلمين- سيحاجوكم بما تحدثونهم على أنكم كفرتم بمحمد خاتم النبين وقد علمتم صدقه.

       أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)

فائدة:

       أي يعلم الله تعالى مايخفون وما يظهرون، فله أن يخبر المسلمين بكل ما في كتابهم من الحجج عليهم، و فعلاً أطلعهم الله تعالى عليه حينًا بعد حين، وقد كتم اليهود آية الرجم وأظهرها الله تعالى وفضحهم، و هذا موقف علمائهم الذين يدعون أنهم يعقلون ويعلمون الكتاب.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند، شعبان  1438 هـ = مايو 2017م ، العدد : 8 ، السنة : 41

Related Posts