دراسات إسلامية

بقلم:  أبو عاصم القاسمي المباركفوري

       قال الله تعالى: ﴿وَمَاأَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ﴾ (الحجر/4).

       فإن قلت: ما فائدة الواو في قوله تعالىٰ: ﴿وَلَهَاكِتَابٌ﴾ والكلام تام بدونها؟ فالجواب أن القياس أن لايتوسط الواو بينهما كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ﴾ [الشعراء: 208] و إنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، كما يقال في «الحال»: جاءني زيد عليه ثوب، وجاءني وعليه ثوب(1).

       وقال ابن عطية: «والواوفي قوله تعالى: ﴿وَلَـهَا﴾ هو واو الحال».

       ثم حكى عن منذر بن سعيد قوله: هذه الواو هي التي تعطي أن الحالة التي بعدها في اللفظ هي في الزمن قبل الحالة التي قبل الواو، ومنه قوله تعالى: ﴿حَتَّىٰ إذَا جَاءُوْهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾[الزمر:73](2).

       قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْـمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْـمُسْتَأْخِرِينَ﴾ (الحجر/24).

       فإن قلت: ما فائدة تكرار الفعل(وَلَقَدْ عَلِمْنَا)؟

       أجاب عنه أبوالسعود قائلًا: وفي تكرير قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا﴾ ما لايخفى من الدلالة على كمال التأكيد(3).

       قال الله تعالى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ (الحجر:30)

       فإن قلت: معنى التاكيد مستفاد من قوله: (كُلُّهُمْ) فما فائدة قوله: (أَجْمَعُوْنَ)؟

       والجواب من وجوه:

       الأول: قال «الخليل» و«سيبويه» قوله: ﴿كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ توكيد بعد توكيد(4).

       قال أبوحيان: وقال ابن عطية: وأجمعين تأكيد، وفيه معنى الحال انتهى. وهذا جنوح لمذهب من يزعم أنّ أجمعين تدل على اتحاد الوقت، والصحيح أنّ مدلوله مدلول «كلهم»(5).

       وقال أبوالسعود: ﴿كُلُّهُمْ﴾ بحيث لم يشذ منهم أحد ﴿أَجْمَعُونَ﴾ بحيث لم يتأخر في ذلك أحد منهم عن أحد، ولا اختصاص لإفادة هذا المعنى بالحالية؛ بل يفيده التأكيد أيضًا؛ فإن الاشتقاق الواضح يرشد إلى أن فيه معنى الجمع والمعية بحسب الوضع، والأصل في الخطاب التنزيل على أكمل أحوال الشيء، ولاريب في أن السجود معًا أكمل أصناف السجود؛ لكن شاع استعماله تأكيدًا وأقيم مقام «كل» في إفادة معنى الإحاطة من غير نظر إلى الكمال فإذا فهمت الإحاطة من لفظ آخر لم يكن بد من مراعاة الأصل صونًا للكلام عن الإلغاء(6).

       الثاني: وسئل المبرد عن هذه الآية فقال: لو قال فسجد الملائكة احتمل أن يكون سجد بعضهم، فلما قال: ﴿كُلُّهُمْ﴾ زال هذا الاحتمال فظهر أنهم بأسرهم سجدوا، ثم بعد هذا بقي احتمال آخر وهو أنهم سجدوا دفعة واحدة أو سجد كل واحد منهم في وقت آخر فلما قال: ﴿أَجْمَعُونَ﴾ ظهر أن الكل سجدوا دفعة واحدة.

       ولما حكى الزجاج هذا القول عن «المبرد» قال: وقول «الخليل» و«سيبويه» أجود؛ لأن «أَجْمَعُوْنَ» معرفة فلا يكون حالًا(7).

       قال الله تعالى: ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلٰمٍ اٰمِنِيْنَ﴾ (الحجر/46).

       فإن قيل: ما فائدة قوله (اٰمِنِيْنَ) وقد دل عليه قوله (بِسَلٰمٍ)؟

       والجواب من وجوه:

       الأول: أن المراد بالسلامة بما يكون جسمانيًا والأمن بغيره(8).

       الثاني: قال الرازي: وقوله: ﴿ادْخُلُوْهَا بِسَلٰمٍ اٰمِنِينَ﴾ المراد ادخلوا الجنة مع السلامة من كل الآفات في الحال ومع القطع ببقاء هذه السلامة، والأمن من زوالها(9).

       وقال الآلوسي: أن يراد سلامتهم من الآفة والزوال في الحال، ويراد بالأمن في قوله سبحانه: ﴿اٰمِنِينَ﴾ الأمن من طرو ذلك في الاستقبال(10).

       الثالث: أن المراد بقوله: (بِسَلٰم) مسلمًا عليكم وهو يختلف عن معنى قوله: ﴿اٰمنين﴾(11).

       قال الله تعالى: ﴿قَالُوا بَشَّرْنٰكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقٰنِطِيْنَ﴾ (الحجر/55).

       فإن قلت: من المعلوم أن إبراهيم لم يك من القانطين فما فائدة نهيه عنه؟

       أجاب عنه أبوحيان قائلًا: وقولهم له: «فَلَا تَكُنْ مِّنَ الْقٰنِطِيْنَ» نهي، والنهي عن الشيء لا يدل على تلبس المنهي عنه به ولا بمقارنته. وقوله: «وَمَنْ يَّقْنَطُ» ردّ عليهم، وأن المحاورة في البشارة لا تدل على القنوط؛ بل ذلك على سبيل الاستبعاد لما جرت به العادة. وفي ذلك إشارة إلى أنّ هبة الولد على الكبر من رحمةالله، إذ يشدّ عضد والده به ويؤازره حالة كونه لايستقل ويرث منه علمه ودينه(12).

       وقال الآلوسي: ﴿فَلاَتَكُن مّنَ الْقٰنِطِيْنَ﴾ أي الآيسين من خرق العادة لك، فإن ظهور الخوارق على يد الأنبياء – عليهم السلام – كثير حتى لا يعدّ بالنسبة إليهم مخالفًا للعادة(13).

       قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ اٰتَيْنٰكَ سَبْعًا مِنَ الْـمَثَانِيْ وَالْقُرْاٰنَ الْعَظِيمَ﴾ (الحجر/87)

       فإن قلت: كيف صح عطف القرآن العظيم على السبع، وهل هو إلا عطف الشيء على نفسه؟

       فالجواب من وجهين:

       الأول: إذا عني بالسبع الفاتحة أو الطوال، فما وراءهنّ ينطلق عليه اسم القرآن؛ لأنه اسم يقع على البعض كما يقع على الكل ألا ترى إلى قوله: ﴿بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هٰذَا الْقُرْاٰنَ﴾ (يوسف/3) يعني سورة يوسف(14).

الثاني: وإذا عنيت الأسباع فالمعنى: ولقد آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم، أي: الجامع لهذين النعتين، وهوالثناءأوالتثنية والعظم(15).

*  *  *

الهوامش:

(1)        الزمخشري3/298

(2)        ابن عطية 4/117

(3)        أبوالسعود4/71

(4)        الرازي9/305

(5)        أبوحيان7/195

(6)        أبوالسعود4/73

(7)        الرازي9/305

(8)        الآلوسي10/18

(9)        الرازي9/316

(10)      الآلوسي10/18

(11)      أبوالسعود4/80؛والآلوسي10/18

(12)      أبوحيان7/198

(13)      الآلوسي10/28

(14)      الزمخشري3/323

(15)      الزمخشري3/323

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالحجة  1437 هـ = سبتمبر 2016م ، العدد : 12 ، السنة : 40

Related Posts