كلمة صاحب الفضيلة الدكتور/ صالح بن محمد بن إبراهيم آل طالب ألقاها في جامع رشيد التابع للجامعة الإسلامية: دارالعلوم/ديوبند لدى زيارته لها في 26/6/1437هـ الموافق 5/4/2016م

أنباء الجامعة

قام بتفريغها من الشريط:

الأخ محمد أمجد والأخ محمد إبراهيم

طالبان بقسم التخصص في اللغة العربية

ووضع اللمسة الأخيرة عليها:

محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضاه.

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له.

       وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

       أيها الإخوة الفضلاء! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله تعالى الذي جمعنا في هذا المكان المبارك، وفي هذا المسجد والجامع والجامعة، وأن يجمعنا دائما على طاعته، وفي الآخرة في مستقر رحمته، إنه وليّ ذلك، والقادر عليه، إنه لشرف لي أن أكون متحدثا بين آلاف العلماء وطلبة العلم والهدى في هذه الجامعة العريقة.

       هذه الجامعة التي هي منارة من منارات العلم والهدى ومشكاة نور ومصباح شمع نورها ليس في القارّة الهندية فقط بل في العالم كله.

       لقد أخرجت هذه الجامعة من العلماء والمدرسين ومن الكتب ما دخل في كل مدرسة في العالم وَوغّل نوره إلى كل مكان، وشرف هذه الجامعة أنها حرصت على كتاب الله – عزّ وجلّ – والعلوم المتعلقة به كما حرصت على سنة النبي –صلى الله عليه وسلم- والعلوم المتعلقة بها. وهذا هو سرنجاحها والبركة التي جعلها الله فيها.

       إن إخوانكم من العلماء والحكام في المملكة العربية السعودية يكنون لكم عظيم المودة والتقدير والاحترام، ولقد جئت من مكة المكرمة إليكم بتكليف من خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله- رغبة في التواصل مع المسلمين، وتعزيزًا لروابط الأخوة الإيمانية والدينية بين جميع المسلمين.

       فإن المملكة التي أكرمها الله تعالى بخدمة الحرمين الشريفين، وبأن تكون مهبط الوحي حريصة على التواصل مع كل المسلمين، والتعاون معهم.

       وكما أن المملكة العربية السعودية تطبق في أحكامها ونظامها ودستورها القرآن والسنة فإنها أيضًا في تعاملها مع العالم، تطبق أيضا أوامر الكتاب والسنة.

       فإن الله تعالى قال لرسوله الكريم في كتابه: «وَمَا أَرْسَلْنٰكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلعٰلَمِيْنَ»فنحن نقدم هذه الرحمة للعالم للمسلمين ولغير المسلمين.

       كما أنها جعلت في دستورها الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة. وإن المملكة تعتقد أن كثيرًا مما أصاب المسلمين من الضعف والتخلف والتفرق هو لبعدهم عن الاقتداء بالكتاب والسنة. وأن الذين يقومون بالانحرافات الفكرية ومنها الإرهاب والقتل والتفجير والاعتداء على المسلمين هم جهلة يبعدون عن منهج الكتاب والسنة.

       فأسست المملكة مراكز الحوار والشيخ [السيد أرشد] المدني سوف يسافر بعد يومين للمشاركة في هذا الحوار بين الأديان.

       كما أسست المملكة ودعمت تحالفا عسكريا إسلاميّا ضد الإرهاب. والمملكة بحمد لله تتعامل مع أمور المسملين على اختلاف مذاهبهم الفقهية بالمحبة والاحترام وتدعو دائمًا إلى روابط الأخوة والمحبة والإخاء والتعاون.

       وتحذر غاية التحذير من التصرف والاختلاف والنزاع والشقاق اقتداءً بقول الله – عزّ وجلّ- ﴿وَاعْتَصِمُوْا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعًا وَلَا تَفَرَّقُوْا﴾ [آل عمران:103].

       إن الحج والعمرة وقصد الحرمين الشريفين للحج والعمرة والزيارة متاح لكل مسلم بغضّ النظر عن انتمائه وطائفيته.

       إن المذاهب الفقهية الأربعة: المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي كلها تُدرّس إلى اليوم في أروقة المسجد الحرام والمسجد النبوي – وفي جامعات السعودية، والعلماء يعرفون أن كثيرًا من الكتب الحنفية جرى تحقيقها وخدمتها من قبل الباحثين الحنابلة في الجامعات السعودية، ذلك أننا نعتقد أن كل الأئمة الأربعة – رضي الله عنهم – هم إخوة ومتفقون في العقيدة والمنهج.

       فأنتم تعرفون أن الإمام أحمد درس على الإمام محمد وهو تلميذ الإمام الشافعي، وأن الإمام الشافعي هو تلميذ الإمام مالك، ولأن الإمام أباحنيفة كان في الكوفة والإمام مالك كان في المدينة فإنه لم يتيسر بينهما اللقاء، لكن ابن الإمام أبي حنيفة قدم إلى الإمام مالك في المدينة فاستقبله واحتفى به وجعل له استقبالا خاصا إكراما لأبيه الإمام الأعظم.

       وأن الإمام الشافعي رحل إلى الكوفة وقابل الإمام محمد بن الحسن الشيباني وأخذ منه علمًا كثيرًا، وحمّل راحلته بالكتب لقد صحّ النقل عن كل واحد من الأئمة الأربعة أن كل واحد منهم قال: «إذا صحّ الحديث فهو مذهبي».

       إن الإمام أبا حنيفة النعمان – رضي الله عنه – عند ماسئل عن عدم الإكثار من أخذ الحديث قال: إنني في الكوفة، وفد كثر فيها الكذب بسبب التشيع فهو يتحقق كثيرًا من الأحاديث.

       إن الاختلاف بين الأئمة لم يكن سوى اختلاف في طريقة استنباط الحكم من الدليل. وهذا الاختلاف كان من قَبلهم فالصحابة – رضي الله عنهم – بعضهم اختلفوا في طريقة الفهم من الدليل، وهذا الاختلاف هو توسعة للمسلمين ورحمة من الله – عزّ وجلّ – لعموم المسلمين.

       والحمد لله أن هذا الاختلاف ليس في العقيدة ولا في أصول العبادات والمعاملات، وإنماهي اختلافات يسيرة في فروع فقهية، والحمد لله من بلغه الدليل فيعمل به؛ بل حتى في داخل المذهب الواحد يوجد بين علماء المذهب الواحد اختلاف أحيانا في بعض الفروع التفصيلية.

       وهذا الاختلاف الواسع لايجوز أبدًا أن يكون سببا للتفرقة بين المسلمين؛ بل الواجب أن نترحم ونترضى عن علمائنا الأجلاء وأئمتنا الكبار وأن ندعو لهم بالرحمة والمغفرة؛ وأن يكون مقصدنا هو الوصول إلى الحق. وكتاب الله – عزّ وجلّ – وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم- أحق بالاتباع؛ لكن علماءنا الكبار خدموها بالفقه والاستنباط والفهم.

       لذلك فإن مبدأ التآلف والمحبة والاجتماع هو مبدأ عظيم من مبادئ الإسلام دلّ عليه القرآن والسنة، وفي هذا الوقت وفي هذا الزمن بالذات تعيش الأمة الإسلامية خطرًا كبيرًا من التفرق والخلاف ومن تسلط أعدائها.

       وأنتم تعرفون ما يحل اليوم بكثير من الدول الإسلامية من الفروق والفتن، فنحن في هذا الوقت بالذات أحوج ما نكون إلى الاجتماع وإلى العودة إلى كتاب الله – عزّ وجلّ – وسنة النبي الكريم –صلى الله عليه وسلم-.

       وقد نشطت المملكة – بحمد الله – في الدفاع عن قضايا المسلمين وجمع المسلمين ونداء العالم إلى نصر المظلوم وإطفاء نار الفتن والحروب، ولكن الأعداء – وللأسف – ماضون في محاولة النيل من هذه الأمة، وأخطر ما يكون هو النيل من عقيدتها ومن ثوابتها عن طريق الطعن في السنة النبوية أو الطعن في الصحابة الكرام.

       وذلك أن القرآن الكريم والسنة لم يصلا إلينا إلا عن طريق الصحابة – رضي الله عنهم – فإذا حصل الطعن والشتم في الصحابة – رضي الله عنهم – فمعنى هذا إلغاء القرآن والسنة.

       فتجد من أعداء الاسلام،  وربما من داخل المسلمين من يطعن في أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى وهو صحيح البخاري الذي تلقّته الأمة بالقبول.

       ونحن لم نعرف هذه الأحاديث التي في صحيح البخاري إلّا عن طريق الصحابة – رضي الله عنهم – لكن الله تعالى تكفّل بحفظ دينه وحمايته وحراسته. ويسخر الله تعالى من العلماء الأجلاء الذين يظهرون الزيف ويبطلون الباطل ويحقون الحق، منذ القرن الأول من الإسلام والعلماء والمحدثون والفقهاء والمفكرون وهم يدافعون عن الإسلام ويدافعون عن السنة ويبيِّنون الحق من الباطل.

       ومن توفيق الله تعالى لهذه الجامعة العريقة أن قام علماؤها منذ سنوات وحتى اليوم بتحقيق كتب السنة والدفاع عنها وإظهار الحق وإبطال الباطل.

       وكماسمعنا في كلمة فضيلة القائم بأعمال رئيس الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ديوبند أن هذه الجامعة أيضًا تعرّضت للاتهام من الآخرين بأنها وهابية أو أي من التهم؛ لأنها قامت بالحقيقة بالدفاع عن الإسلام الصحيح.

       إن المسلمين وأنتم، أيها الإخوة الكرام! لن يضركم كيد الكائدين ما دمتم مجتمعين ومتحالفين ومتفقين على منهجكم وهو منهج الكتاب والسنة.

       ونحن على يقين أن العاقبة لهذا الدين، وأن المستقبل للإسلام، وأن الله تبارك وتعالى حافظ دينه ومُعلٍ كلمته، ولكن يجب علينا أن نقوم بهذا الواجب وبهذه الرسالة، فإن الدعوة إلى الله – عز وجل – هي وظيفة الأنبياء والمرسلين.

       وكل واحد منا على ثغر من ثغور الإسلام. فمنا من يقوم بالتعليم والتدريس والإمامة والخطابة، ومنا من يقوم بتأليف الكتب والدفاع عن الدين العظيم، وبيان الحق إلى الخلق، ومنا من يقوم بالذهاب إلى الناس ودعوتهم إلى الله بالتي هي أحسن، وما دمنا على هذا المنهج فلنبشر بالخير والنصر من الله عز وجل. فنحن جميعًا نعبد إلهًا واحدًا سبحانه، ونتبع نبيًا ورسولاً هو محمد –صلى الله عليه وسلم- وكتابنا واحد، وكلنا نتوجه بوجوهنا وبقلوبنا كل يوم خمس مرات إلى قبلة واحدة.

       أيها الإخوة الكرام! إنني مغتبط وفرح كثيرًا بوجودي معكم وبينكم ومُمتَنٌّ جدًّا لكرم استقبالكم وحفاوتكم وكرم ضيافتكم وما وجدته منكم من حسن الترحيب والاستقبال الحار، وهذه المحبة التي بيننا، وتقدمونها لي وأقدمها لكم هي المحبة في الله. فعلينا أن نُشع هذه المحبة بيننا وأيضًا نُشع في العالم. وأن نثبت للناس أن هذا هو دين الرحمة.

       أكررلكم أيها الأحبة السلام وتحيات العلماء والحكام وإخوانكم في المملكة العربية السعودية الذين حمّلوني إليكم السلام والتحية وتمنياتهم ودعواتهم لكم بالخير والسعادة في الدنيا والآخرة، والبعد عن الفتن والشرور.

       وإنني أستغل وجودنا في هذا المسجد الكبير وهذا الجمع الكبير وعند صلاة الظهر بالدعاء إلى الله – عزّ وجلّ- لي ولكم.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالقعدة  1437 هـ = أغسطس – سبتمبر 2016م ، العدد : 11 ، السنة : 40

Related Posts