محليات
بقلم : الأستاذ نثار أحمد حصير القاسمي(*)
عقب جهود متواصلة، وتقديم تضحيات باهظة، وتحمل مصاعب الاعتقالات والعقوبات، والمرور بمرارة الحياة وتكدر العيش قد نالت الهند استقلالها من براثن الاستعمار الغاشم في عام 1947م ونجح الشعب الهندي بصياغة الدستور وتنفيذه في 26/يناير عام 1950م، وحلف الجميع وقتئذ وفرضوا على أنفسهم أنهم سوف يلتزمون كل كلمة من كلمات الدستور، وكل فقرة من فقراته، وكل بند من بنوده، وكل حرف من حروفه، ولا يتجاوزونه ولا يباشرون عملا يناقضه ويضاده، فكل رئيس من رؤساء الجمهورية، وكل رئيس من رؤساء الوزراء، وكل حاكم من حكام الولايات والأقاليم، وكل كبير من كبار الوزراء، وكل عضو من أعضاء المجلس التشريعي، وكل نائب من النواب، وكل مسؤول من مسؤولي الحكومة منذ ذلك التاريخ، لا بد له وأن يؤدي اليمين على أنه يلتزم الدستور، ويحترم روحه، ويقوم بمهامه وأعماله المفوضة إليه في إطار الدستور، ووفق مقتضيات نصوصه وفي ظل مراميه، ويتحمل المسؤولية لإعمال الحقوق والضمانات التي ينص عليها الدستور.
قد ورد في البند الواحد والعشرين من الدستور الهندي أن أحدًا لا يمكن أن يحرم الحياة والتمتع بنعمتها دون العمل بالقانون؟ وقد فسرت المحاكم هذا البند بأن الحكومة من واجباتها الأولية أن تحمى حياة كل مواطن، فالحياة الآمنة الكريمة حق دستوري لكل مواطن، لا يمكن لحكومة أو مسؤول أو شرطة أو رجال أمن أن يحرمه إياه، وإنما الواجب على الجميع أن يلتزم هذا البند من الدستور ويعمل به، ولكن الأسف أن المتربعين على عرش الحكومة والسلطة رغم مضى نحو 67 سنة على استقلال الهند ورغم تأديتهم اليمين لاحترام الدستور وتعظيمه والعمل به، لا يعملون به على الوجه المطلوب ولا يعظمونه.
منذ استقلال الهند هناك آلاف من المسلمين تم قتلهم بقساوة ووحشية وراء القانون ودوسًا لنصِّ الدستور تحت الأقدام تحت شعار المواجهة وحيلة الاشتباكات المسلحة المختلفة، وهكذا تم حرمانهم حقَّ الحياة بحيلة المواجهة ومحاولة المقتولين للهجوم على رجال الأمن والشرطة، وهكذا يتم تبرير هذه الجريمة النكراء والعملية المضادة للقانون والدستور باسم الدفاع عن النفس، فإن كانت دعاوي الشرطة هذه صادقة، وكل من يتم اعتقاله على أنه ينتمي إلى منظمة إرهابية مفترضة، وأنه يهدد أمن الدولة واستقرارها وأنه يشكل خطرًا على حياة الناس، وأنه من مجرمي القتل والاغتيال في نظر الشرطة وأجهزة الأمن، ومن ثم يحق لها قتلهم وسلب حياتهم وسفك دمائهم. وممارسات أجهزة الأمن هذه إن اعتبرت قانونية، وتصرفاتها مشروعة فينبغي أن تغلق أبواب المحاكم الدستورية، وتلغى منظومة العدالة، وتحرق جميع كتب القوانين الجنائية، ويدفن دستور الهند تحت الأرض بكامل الاحترام والمراسم الرسمية، وتمحى كلمات القانون والإنصاف من كتب التشريعات، لأن هذه المحاكم والقوانين والعدالة لا تعني شيئًا بعد امتلاك الشرطة حق القتل والإعدام لكل من تراه أهلا له، وينبغي أن يعلن ويعمم أن ما تفعله الشرطة هو القانون، وما تراه أجهزه الأمن هو الدستور، وكل خطوة تتخذها الشرطة هي الدستور وكل الإعدام والقتل والذبح الذي يمارسه ضابط من ضباط الشرطة أو مسؤول من مسؤولي الأمن تحت مسميات المواجهة والصدام حق، وأن هؤلاء الضباط والمسؤولين فوق القانون ووراء الدستور، ومن يفوق القانون من الشرطة والأمن يحق له أن يقتل من شاء متى شاء وكيفما شاء؛ لأنهم قد تم تدريبهم على ذلك، فلا بد وأن يطبقوه على المدنيين. وأسدى إليهم الأمر حين تسليم السلاح إليهم أن يقتلوا المدنيين العزل نيابة عن المحاكم الشرعية، دون محاكمتهم، وقبل الإدانة بهم، وإنهم إن فعلوا ذلك فإنهم لا يواجهون الاستجواب، ولا تتخذ ضدهم الإجراءات القانونية، ولا يؤاخذ على جرائمهم ولا يطبق عليهم قانون الدولة؛ لأنهم حماة للقانون.
يبدو من رؤية ثقافة القتل في حوزة الشرطة بالهند أن القانون كأنه لا يتمتع ببصر وبصيرة حتى يتمكن من تجريم مثل هذه البربرية والوحشية والعمليات اللاإنسانية، وقد سبق أن صدر من محكمة الاستئناف العليا قرارات ضد عمليات القتل من الشرطة في حوزتهم بمسميات المواجهة المسلحة المفترضة، ولكن الشرطة لم تحترم مثل هذه الأحكام ولم تنفذها، حينما الفقرة 144 من الدستور الهندي تنص على أن كل حكم من الأحكام الصادرة من محكمة الاستئناف يشكل قانونا يجب على كل مواطن احترامه والعمل به، ومعارضته تعتبر معارضة لقانون الدولة واستهزاء بالمحاكم ويستوجب المعاقبة عليه.
إن محكمة الاستئناف الهندية قد أعربت عن قلقها البالغ في قضية D.K BASU برقم (1) Scc 416 عام 1997م على تصاعد حالات القتل بالوحشية والضراوة البالغة في حوزة الشرطة، وقالت في نص الحكم «كيف نلجم الشرطة على سوء استخدامها صلاحيتها؟ على الشرطة أن تعتمد على الشفافية في عملها، وتتصور نفسها مسؤولة عما تمارسه وتعمل، كما أن عليها أن تحمى الحقوق الإنسانية وتحترم القيم الإنسانية، وعليها كذلك أن تضمن وتؤكد على تواجد محامي المعتقلين أثناء التفتيش، ولا تستخدم الدرجة الثالثة ألبتة.
وفي قضية أوم بركاش برقم (12) 72 Scc عام 2012م قد وبخت نفس المحكمة الدستورية العليا وصبت جام الغضب والعتاب على الشرطة، وقالت: «ليس من وظيفة ضباط الشرطة ومسؤوليها أن يقتلوا من اعتقلوه من المجرمين / المتهمين وإن كان مجرما خطيرا» فأخطر مجرم يحق له أن يتم تقديمه إلى محكمة العدل حسب تنصيص الدستور والقانون الجنائي، وبعد التفتيش يقدم إلى المحكمة كشف الاتهام، ولإثبات الاتهام لابد وأن تسجل بيانات الشهداء، ويلتزم قانون الشهادة والقوانين الجنائية، وبعد الإدانة وإثبات الجريمة، المحكمة والقضاء هي التي تعاقبه.
فأي قانون منح الشرطة الصلاحية والخيار المطلق لأن تقتل المعتقلين أثناء المحاكمة أو أي مجرم أو فرد على أنه متورط بجريمة أو أنه إرهابي أو أنه كذا وكذا، فأي قانون جعلها تقرر وتحكم لفرد بأنه مجرم أو إرهابي يستحق الشنق والإعدام وراء المحاكم والعدالة؟ ومن أسند إليه صلاحية القضاة والمحاكم؟ حتى تقرر أنه مجرم يجب قتله تحت غطاء «المواجهة المسلحة» (ENCONTER) وأي قانون يفوض إليه حق القتل بأسماء ومسميات، ومن منح لها صلاحية نزع لباس الحياة من مواطن دون الرجوع إلى المحاكم، ومن كلَّفها أن تلطخ يدها بدماء السجناء أثناء نقلهم من السجن إلى المحكمة وتغسل يدها وتبرئ نفسها قائلةً: إن المكبلين بالسلاسل والأغلال قد حاولوا انتزاع أسلحتهم فقتلوهم في المواجهة فيا للعجب! ورغم صدور الأحكام المتتابعة والأوامر المتتالية من المحكمة العليا، يستمر القتل في حوزة الشرطة، وهنا نتساءل السلطة والحكومة الإقليمية، ومسؤولي الأجهزة الأمنية، ومسؤولي الشرطة الذين قتلوا خمسة شباب من المسلمين بإطلاق النار عليهم حينما كانوا في حافلة الشرطة تحت حراسة ثلاثين من الشرطة وجعلوها مواجهة مسلحة (ENCONTER) رغم أنهم كانوا مكبلين موثقي الأيدي والأرجل بالسلاسل الحديدية فكيف هاجموا على الشرطة؟ وكيف حاولوا انتزاع أسلحتهم؟ وأي قانون سمح للشرطة أن يقترفوا هذه الوحشية والضراوة ويقتلوهم داخل الحافلة مربوطين بالسلاسل والأغلال في المواجهة؟؟؟
ولو افترضنا أن وقار أحمد كان متورطا في قتل ثلاثة رجال من الشرطة كما تدعيه الشرطة، فصلاحية معاقبته كان بيد المحكمة أم بيد الشرطة؟ وهل الشباب الخمسة: «ذاكر» و«إظهار» و«أمجد علي» و«وقار أحمد» و«محمد حنيف» كانوا يتمتعون بقوة خارقة حتى تمكنوا من الهجوم على الشرطة مكبلين ومربوطين بالسلاسل وكانوا ينقلون من السجن إلى المحكمة التي كان من المقرر أن تصدر الحكم، وكان من المتوقع براءتهم من التهم المنسوبة إليهم.
والأسف على موقف الحكومة الإقليمية لولاية «تلنغانه»؛ حيث التزم كبير وزرائها والآخرون من المسؤولين الصمت على هذه البربرية النكراء والوحشية الشنيعة ما يوحي إلى أنهم يرون أن هذه البربرية بحق الشباب المسلمين حق؛ لأنهم كانوا من المسلمين، والشرطة لها أن تعمل ما تشاء إن كانت العملية ضد المسلمين.
وما دام حماة القانون ورعاة النظام يستهزئون بالدستور والقانون ولا يبالون به، ولا يعرفون احترامه، فكيف يتوقع من دونهم أنهم يراعون القانون ويلتزمون، أليس هذا يجر الدولة إلى الفوضى العارمة، وسخط كبرى الأقليات الهندية، وهل يمكن أن تواصل الهند سيرها على مسار التنمية دون التغلب على هذا الوضع القائم.
***
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالقعدة 1436 هـ = أغسطس – سبتمبر 2015م ، العدد : 11 ، السنة : 39
(*) ص ب : 61، حيدرآباد 500002
أمين عام مجمع البحوث والدراسات الإسلامية، حيدرآباد/الهند
Email: nisarqasmi24@gmail.com