دراسات إسلامية
بقلم : فضيلة الشيخ محمد عبد المجيد زيدان
الإسلام دين البشرية جمعاء نزل لإصلاح أحوال الناس في كل نواحي حياتهم فهو دين قيم جاء لإيجاد مجتمع فاضل يتعاون فيه كل الناس ويؤدي كل واحد فيه دوره بأمانة وصدق وإخلاص فينفع نفسه ونفع مجتمعه، وهذا الدين صالح لكل زمان ومكان لا يأتي عليه التقادم ولا ينتهي بطول المدة ورسالته تتوافق مع حاجات الإنسان ومتطلباته حيث راعى جميع النزعات الإنسانية وعمل على إصلاحها وتلاقى مع كل حاجات البشر وتعامل معهم على أن لهم متطلبات ورغبات ومن هنا عندما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم قريشًا بالقرآن كان ضمن ما امتن الله به عليهم أنه لبى احتياجاتهم إلى الأمن والناس من حولهم في فزع وكان أقل ما ينبغي أن يشكروا نعمة الله ويعبدوا رب هذا البيت ﴿لِإيْلٰفِ قُرَيْشٍ الـٰفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوْا رَبَّ هٰذَا الْبَيْتِ * الَّذِيْٓ أطْعَمَهُمْ مِّنْ جُوْعٍ وَّ آمَنَهُمْ مِّنْ خَوْفٍ﴾ قريش: الآيات 1-4.
ففي هذه السورة يذكر الحق – سبحانه وتعالى – أنه لبى احتياجاتهم الفسيولوجية بأن وفر لهم الغذاء ومنحهم مقومات الحياة ثم أعطاهم الأمن والأمان حيث كانت مشكلة الأمن وحاجتهم إليه هي شغلهم الشاغل كما دعاهم إلى التعاون على الخير ودفع الشر قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوْا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوٰى وَلاَ تَعَاوَنُوْا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوْا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيْدُ الْعِقَابِ﴾ المائدة: آية2.
فلا ينبغي لفرد في هذه الأمة أن يعيش سلبيًا يرى أسباب الفضيلة ميسرة ولا يحث عليها ويرى أسباب الرذيلة متفشية ويهز كتفيه إزاءها ويمضي غير مكترث بل عليه أن يرتفع بمجتمعه إلى المستوى الفاضل وبين أن تكون الجماعة كلها آثمة إذا رأت الشرير رافعًا رأسه وسكتت عنه وفي الحديث الشريف: «مثل المدهن في حدود الله – أي الذي لا يقيم الحق ولا يخذل الباطل ملقًا أو تهاونًا أو مجاملةً – مثل قوم استهموا في سفينة فصار بعضهم في أسفلها وبعضهم في أعلاها فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به فأخذ أحدهم فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا مالك؟ قال أتأذيتم ولابد لي من الماء؟ فإن أخذوا أحدهم على يديه أنجوه ونجوا بأنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم». فهذا المثل النبوي يصور التعاون الذي يجب أن يكون والتكامل في محاربة الآفات الفكرية والخلقية والاجتماعية ومن أجل تأكيد تماسك المجتمع كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب أصحابه بما يشعرهم بالانتماء إلى جماعة الإسلام والمسلمين وأن الجماعة تقدر الفرد، والفرد يحترم الجماعة حيث إن الإنسان في حاجة ماسة إلى الانتماء ليؤكد ذاتيته ووجوده من خلال الاشتراك والتفاعل مع أناس آخرين كما أوجب الإسلام على المحكومين الطاعة لولاة أمورهم وأشهر النصوص الدينيّة في ذلك قوله تعالى: ﴿يٰآ أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْآ أَطِيْعُوْا اللهَ وَأَطِيْعُوْا الرَّسُوْلَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ النساء: آية59.
وقال صلى الله عليه وسلم: «عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك»، ومن توجيهاته صلى الله عليه وسلم: «الجماعة رحمة والفرقة عذاب»، «يد الله مع الجماعة»، «وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية»، «المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى رأسه اشتكى كله وإذا اشتكى عينه اشتكى كله»، وبما أن النصيحة رائدة الخير وباب كل فلاح وطريق كل نجاح؛ لأنها تجلب الخير وتزيل الشر، كما أنّها تكفر السيئات وتذهب الخطايا، حث عليها الإسلام من أجل تماسك المجتمع الفاضل؛ فعن أبي داود بسنده عن تميم الداري -رضي الله عنه – قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الدين النصيحة. إن الدين النصيحة. قالوا لمن يا رسول الله؟ قال لله وكتابه ورسوله وأئمة المؤمنين وعامتهم أو أئمة المسلمين وعامتهم».
قال الخطابي: النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له كما أوجب الإسلام الوفاء؛ لأن وفاء الإنسان أساس كرامته في الدنيا وسعادته في الآخرة، ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيًا كريمًا يفي بالعهد ويصدق القول كما أن سلفنا الصالح كانوا يرتبطون بالكلمة التي يقولونها بدون حاجة إلى كتابة عهود ومواثيق والكتابة جدت حينما ضعف الرباط الذي يربط الإنسان بدينه والله تعالى يقول: ﴿وَأَوْفُوْا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُّمْ وَلاَ تَنْقُضُوْا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيْدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيْلاً» النحل: آية 91.
فالله – تعالى – يحب الأوفياء من عباده، ويبغض الغادرين والمخادعين، وما أهلك القرى الظالمة إلا بعد أن قال في أهلها: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأكْثَرِهِمْ مِّنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفٰسِقِيْن﴾ الأعراف: آية102.
ومن الروابط الاجتماعية التي حث عليها الإسلام ونادى بها القرآن تكوين مجتمع لنشر الحق والعدل لا للفتح والسيادة فقد ألغى الفكرة القديمة التي كانت ترى أن جنسًا له التفوق على باقي الأجناس قال تعالى: ﴿يٰا أيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنٰكُمْ مِّنْ ذَكَرٍ وَّأُنْثٰى وَجَعَلْنٰكُمْ شُعُوْبًا وَّقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوْا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقٰكُمْ﴾ الحجرات: آية13.
والآية الكريمة التي ترفع شأن المسلمين تحدد أن ذلك مرتبط بمواقفهم المستقبلية وعملهم الصالح؛ قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُوْنَ بِالْـمَعْرُوْفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُوْنَ بِاللهِ﴾ آل عمران: آية 110.
وهناك روابط اجتماعية كثيرة حفلت بها آيات القرآن الكريم كالشورى والعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة وتحرير الرقيق إلخ.. وهكذا وضع الإسلام أسس الروابط الاجتماعية ولو أحسنا لهم هذه الأسس وتفسيرها لشكلت نظامًا رائعًا صالحًا للناس جميعًا في مختلف الأزمنة والأمكنة ولضمنت لهم السعادة كل السعادة وحسبك أن تتبصر القرآن وترى أسلوبه في تربية الفرد؛ فإنه ربطه بخالقه عن طريق العبادات وربطه بالمخلوق عن طريق الأخوة التي فرضها الله بين المسلمين كما نظم أمور الأسرة وأمور المجتمع وأقام الإسلام مجتمعًا سياسيًا على نظام الشورى الحقيقية وأقام مجتمعًا اقتصاديًا على أساس العدالة الاجتماعية وأقام مجتمعًا اجتماعيًا على أساس المساواة، ونجد القرآن الكريم يربط المجتمع الإسلامي بالمجتمعات الأخرى على أسس رائعة من العلاقات الدولية في حالتي السلم والحرب.
وخلاصة القول: إن الإسلام يكفل للمجتمع البشري أسعد حياة وفي تطبيق تعاليمه حل لجميع مشاكلنا الاجتماعية وغيرها.
وعلى السادة الدعاة من خلال خطبهم ودروسهم تبيان هذه الحقائق وشرح هذه الروابط مع التأكيد على نسبية المعرفة الإنسانية وتوضيح المفاهيم الإسلامية الأصيلة والعمل على ترسيخها بمنطق الحكمة والموعظة الحسنة لمواجهة مختلف التيارات الفكرية التي تختلف مع تعاليم ديننا وسماحته حتى يعود للمسجد دوره كما كان؛ فتتعلم فيه الأجيال أمور الدينا والدين.
كما أن عليهم الترشيد لمكبرات الصوت ومقاومة الارتفاع الحاد لأصواتها المزعجة بسبب المنافسة غير الحميدة بين المؤذنين والقراء وبعض الأئمة في رفع الأصوات التي تنطلق من المساجد والزوايا وكأنها تطارد المصلين وتحاصرهم وليست تذكرهم بالصلاة وتدعوهم لها وتحببهم في ارتياد المساجد.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الثانية – رجب 1435 هـ = أبريل – مايو 2014م ، العدد : 6-7 ، السنة : 38