الجيش الحرّ يكاد ينتصر بإذن الله على الأسد في «سوريا» ولكن الواجب هو الحذر الواعي من المطامع التوسعيّة الإيرانية حالاً ومستقبلاً

كلمة العدد

          منذ اندلاع الثورة ضد «الأسد» في «سوريا» في مارس 2011م، لحدّ كتابة هذه السطور في يوم الأحد 13/ربيع الثاني 1434هـ = 24/فبراير 2013م، قُتِلَ على أيدي النظام نحو خمسين ألف سوري، وشُرِّدَ أكثرُ من 808700 سوريًّا، لجأوا فرارًا بأنفسهم وأعراضهم إلى بلاد مجاورة، وعلى راسها «تركيا» و«لبنان» و«العراق» و«الأردن»، ونصفُ هذا العدد الهائل الأطفالُ الذين اضْطُرُّوا أن يلجأوا إلى هذه البلاد الإسلامية المجاورة، وربعُ هذا العدد همُ الأطفال الذين لاتبلغ أعمارُهم أربعَ سنوات. كما أفادت بذلك مؤسسة الأمم المتحدة المُخَصَّصَة للأطفال التي تُعْرَفُ بـ«يونيسيف». هذا إلى جانب مئات آلاف من الجرحى الذين يعيشون معاناةً مريرةً من قلة الأدوية و وسائل العلاج.

       وهناك دول إسلامية وغير إسلاميّة تتسابق إلى تقديم مساعدات لإيواء اللاجئين السوريين، وتغطية حاجاتهم، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي قَدَّمَتْ في الشهر الماضي مائة مليون دولار لصالح اللاجئين السوريين في الأردن، وهي تواصل مساعداتها منذ اليوم الأول للإخوة السوريين المنكوبين، انطلاقاً من الشعور بالأخوة الإسلامية كما تساهم في ذلك دولة الكويت، ودولة قطر، وغيرها من الدول العربية. وتقدم أمريكا هي الأخرى مساعدات نقدية وعينية للاجئين والجرحى والمشردين داخلَ البلاد؛ ولكن مساعداتها ليست دوافعها هي الأخوة أو الروح الإنسانية، وإنما هي الروح الاستعماريّة؛ لأنها لا تدفع بيمينها إلاّ لتستلم مضاعفاً بشمالها.

       إنّ السوريين السنيين الذين قدَّموا – ولا يزالون – منذ السنتين تضحيات جسيمة تكاد تثمر – بإذن الله تعالى – وتؤدي إلى الاستقلال والإطاحة بنظام الدكتاتور الطاغية «بشار الأسد» الذي يخوض حرباً شعواء ضد الشعب السوريّ الذي ظل يعيش تحت حكم الطوارئ القاسي منذ الأربعين سنةً الماضية؛ حيث إن الأنباء الواردة تترى – رغم أن النظام الأسدي فرض عليها تعتيماً كاملاً – تفيد أن انتصار «الجيش الحرّ» بات قاب قوسين أو أدنى، كما أنّ هناك مُؤَشِّرات تؤكّد ذلك، منها أنّ الأسد بعث كثيرًا من ذوي قرباه إلى بعض الدول المجاورة التي رأى فيها الأمن على أنفسهم من ملاحقة الثوّار الباسلين، ومنها أن الأسد نفسه بدأ يستشعر الخوف على نفسه فعلاً؛ فلا يتحرك بين موضع إقامته وبين مكتبه إلاّ مصحوباً بمخافة و حذر شديد وبين فريق مسلّح من الحرس، ثم إنه يُغَيِّر موضعَ إقامته كثيرًا حتى لا يُؤْخَذ على غرة.

       ومنها أن لهجته نحو الثوّار الشجعان، قد تغيّرت؛ حيث كان لايرضى من ذي قبل بإجراء أي حوار معهم، عندما كانوا «ضعفاء» لم يكن لهم في بلادهم مَوْطِئُ قدم يُذْكَر؛ ولكنّه بعدما تأكّد أن أرض «سوريا» كلها تكاد تُنْزَعُ من تحت قدميه، بدأ يطرح موضوعَ الحوار الوطنيّ باستمرار على المعارضة بلسانه هو وعلى ألسنة كلّ من «روسيا» ومندوب جامعة الدول العربية والأمم المتحدة «الأخضر الإبراهيمي» الذي لم يصنع في «سوريا» المنكوبة سوى إطالة عمر النظام الأسدي وذرّ الرماد في العيون، وقد صار رجلاً مشبوهاً لدى المعارضة فلم تَعُدْ تَثِقُ به، وقد قالت الأنباء مؤخرًا أنّه يودّ أن تُمَدَّدَ في فرصة عمله كمندوب مشترك للجامعة والأمم المتحدة لستة شهور أخرى؛ حتى يتمكّن من إعادة الأمور إلى نصابها في «سوريا»!!. ققدت نشرت الصحفُ الهنديةُ يومَ الثلاثاء: 1/يناير 2013م = 18/صفر 1434هـ تصريحَ رئيس وزراء النظام السوريّ بأن «سوريا» راضية بالحوار حول أي خُطَّةِ سلام، وأنه سيستجيب لأيّ خطوة أمميّة أو إقليمية تجنباً أيَّ تدخّل أجنبيّ في شؤون «سوريا» الداخليّة. ومن جانبه قال مندوبُ الأمم المتحدة «الأخضر الإبراهيمي»: لو لم يتم التوصّل عاجلاً ودونما تأجيل إلى حلّ للأزمة، لتلاشت دولةُ «سوريا» ولتحوّلت جحيماً، و صارت «الصومال» الأخرى. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بهذه المناسبة هو: أيّ حوار يريد «الأسد» إجراءه مع المعارضة بعدما بلغ السيلُ الرُّبَىٰ وطَمَّ الوادي على القُرَىٰ، وعاد ليس لديه قدرةٌ على السيطرة على أراضي «سوريا» التي تنسلّ من تحت قدميه شبرًا شبرًا؟

       ومنها أنّ «الأسد» عندما تَأَكَّدَ أنّه بدأ يفقد السيطرة على كثير من أجزاء البلاد، عاد يُلْقِي اللومَ على البلاد الإسلاميّة والعربية المجاورة وعلى رأسها «تركيا» التي يعتبرها عدوَّه اللدودَ منذ اليوم الأوّل، فقد حدثت اشتباكاتٌ حدوديةٌ عديدة بين قوّات النظام والقوّات التركيّة خلال الشهور الماضية القليلة؛ حيث إنّ «الأسد» يتّهم «تركيا» أنّها تُؤْوِي إلى أراضيها رجالَ «القاعدة» ونشطاءَها، وكأن الشعب السوريّ الذي يلجأ إلى «سوريا» نجاةً بنفسه من غارات جيش «الأسد» كلُّه صار عضوًا في «القاعدة». وإنما يتهم الأسد «تركيا» بذلك حتى يستعطف «أمريكا» وأذنابَها من الغرب والشرق، علماً بأن القاعدة هي الغول الأسود الذي تخافه أمريكا مخافةَ الأطفال من السعالي؛ حيث إنّها هي التي للقضاء عليها شنت – ولا تزال – حرباً مُدَمِّرَةً ضدّ عدد من الدول الإسلامية والعربية؛ فقد نشرت الصحف الهندية يومَ الأحد: 17/فبراير 2013م = 6/ربيع الثاني 1434هـ أن «الأسد» وَجَّهَ إلى الأمم المتحدة خطاباً اتَّهَمَ فيه «تركيا» بإيواء رجال محاربين من «القاعدة» ظلّوا ناشطين ضدّ النظام في «سوريا» وأنها – تركيا – لاتزال تقوم بدور تخريبي في «سوريا» وأنها تعارض الحلَّ السلميَّ الدبلوماسي للأزمة التي تعيشها. وفي اليوم نفسه أفادت الأنباء الواردة بشأن الثورة القائمة في «سوريا» أن جيش النظام أطلق إلى أراضي «تركيا» قذائفَ، تلقّاها الجيش التركي الحدودي بردّ فوريّ قويّ. واتهمت «سوريا» جارتَها «تركيا» بأنها تقف بجانب الإرهاب، وتقوم بدور تدميريّ في داخل أراضيها – سوريا – كما اتهمت أنها أقامت لديها معسكرات لتدريب «الإرهابيين» وتسليحهم بمن فيهم نُشَطَاءُ «القاعدة» و«جبهة النصرة». ومن المعلوم أن أمريكا اعتبرت مسبقاً كلاً منهما «إرهابيّة» واتخذت ضدّ كلّ منهما إجراءات مشددة بما فيها الحرب السافرة والخفية التي لاتزال مُتَّصِلَةً.

       ورغم ذلك كله لا يزال «الجيش الحرّ» يُحَقِّق انتصارات تلو انتصارات وإن كانت الحرب لحدّ اليوم سجالاً بينه وبين جيش النظام الأسديّ؛ ولكن كفّة الجيش الحرّ عادت راجحة في جميع الساحات وعلى جميع المستويات، على حين إنه لا يمتلك تلك الأسلحةَ الثقيلة التي توجد لدى جيش النظام؛ ولكن القوّة الإيمانيّة، وروح الصبر والمثابرة، وروح التضحية والفداء، وروح الانتصار للحق، والغيرة على الدين الذي ظلّ يطأه «بشار الأسد» و والده «حافظ الأسد» تحت أقدامهما، والانتصار للشهداء الذين ذهبوا ضحايا الاعتداء السافر من جيش النظام على شعبه الأعزل الذي نَهَضَ يطلب حريّتَه ورفعَ الظلم الواقع عليه منذ الأربعين سنةً.. كلُّ ذلك سلاحٌ أمضى بيده – الجيش الحرّ – وهو سلاح فتّاك بالنسبة إلى الخصم الذي لايمتلك أيًّا من أمثال هذه الأسلحة.

       فقد نشرت الصحف الهندية يوم الخميس: 10/ربيع الثاني 1434هـ = 21/فبراير 2013م أن قذيفتين وقعتا لدى قصر «الأسد» في دمشق من القذائف التي أطلقها الثوار الباسلون، وأن هناك اشتباكات شديدة تجري بين الجيش الحرّ وجيش النظام حول المطار في مدينة «حلب»وأن عددًا منَ المناطق التي كان جيش النظام قد أعاد سيطرتَه عليها، انْتَزَعها الجيش الحرّ منه مُجَدَّدًا، وأن الجيش الحرّ قد صَعَّدَ عمليّاته بشكل هائل في عدد من أنحاء البلاد، وأن القذيفتين المذكورتين وقعتا على مقربة من قصر «الأسد» المُسَمَّىٰ بـ«قصر تشرين» في مدينة دمشق العاصمة، وأفاد شاهدُ عِيَانٍ أنه سُمِعَت أصوات ثلاثة انفجارات متتالية مما أدّى إلى تحطم زجاجات شبابيك كثير من المنازل ذات طوابق كثيرة. والجدير بالذكر أن «قصر تشرين» هو القصر الذي يجتمع فيه الأسد بالوفود والضيوف القادمين من خارج البلاد، وأن القصر يقع في مكان مُؤَمَّن جدًّا في القطاع الغربيّ من مدينة دمشق.

       إن هذا الحدث يُؤَكِّد أن الجيش الحرّ صارت كفتُه راجحةً حتى في العاصمة دمشق التي كان «الأسد» قد شَدَّدَ فيها الإجراءات الأمنية، حتى يظلّ في مأمن من غائلة الجيش الحرّ لأمد طويل؛ ولكن المؤشرات كلها تقول: إن أيامه معدودة وسقوطه النهائي سيتم في القريب العاجل بإذن الله تعالى.

       وفي خطوةِ تعزيزِ موقعِه في البلاد أرسل الجيش الحرّ تحذيرًا مؤكدًا إلى «حزب الله» – الجناح العسكري لإيران الشيعيّة في لبنان – أن يجتنب كليًّا التدخلَ العسكريَّ في «سوريا» وقد حَدَّدَ له مدةً محدودةً أقصاها 48 ساعة، و أكّد عليه أن لا يتجاوزها وإلاّ فإنه سيُضْطَرُّ لشنّ الهجوم على مواقعه في «لبنان». إن هذا الإنذار الشديد الذي وَجَّهَه الجيش الحرّ إلى «حزب الله» اللبناني الذي يعيث فسادًا في «سوريا» منذ أن اندلعت الثورةُ يُؤَكِّد بما لا يدع مجالاً للشك في أنه قد عَزَّزَ سيطرتَه على كثير من أجزاء البلاد، وأنّ أيام الأسد معدودة في «سوريا» وفي أيّ وقت يجوز أن تُشَنِّف الأنباءُ آذانَ المسلمين في العالم بسقوط هذا المعتدي على الشعب البريء.

       وقد أفادت الأنباء المنشورة في الصحف الهندية يوم الأحد: 24/فبراير 2013م = 13/ربيع الثاني 1434هـ ان الوحدة الوطنية لأحزاب المعارضة في «سوريا» عقدت اجتماعاً هامًّا في القاهرة يوم الجمعة: 11/ربيع الثاني 1434هـ = 22/فبراير 2013م، توصلت فيه إلى إقامة حكومة مستقلة على الأراضي السوريّة التي حَرَّرَتْها من أيدي جيش النظام السورى وأنه سيتمّ الإعلانُ باسم رئيس الوزراء للحكومة المستقلة في مارس 2013م في الاجتماع الذي سيجري عقدُه في مدينة «إستنبول» التركيّة في 2/ منه، والذي ستجري فيه دراسةُ الهيكل التركيبيّ للحكومة المُزْمَعَة إقامتُه على الأراضي المُنْتَزَعَة من أيدي جيش النظام. وقد تمّت في الاجتماع المنعقد في القاهرة دراسةُ ما إذا تمكنت المعارضة من الحصول على إمكانيات مالية ودبلوماسيّة يتيح لها إقامةَ حكومةٍ على نحو نصف أراضي «سوريا». وقد جاء في القرارات الصادرة عن الاجتماع أنّه لابدّ من خلع «الأسد» ومحاكمته هو وقواته وضباطها وجميع رجال الأمن المسؤولين الذين كانوا مسؤولين مُبَاشِرِين عن الانتهاء بالبلاد إلى هذه الحالة المؤسفة وعن تقتيل الآلاف المُؤَلَّفَة من الشعب وتشريده وتعذيبه، وأنّ أيّ قرار بشأن مصير البلاد ستتخذه مستقبلاً اللجنةُ المُكَوَّنَة من الأعضاء الإثني عشر صادرةً عن الرأي المُوَحَّد، علماً بأن الجيش الحرّ قد سَيْطَرَ على المناطق الشمالية والجنوبية من البلاد.

       هذا، ولم يكن الثوار الباسلون ليتأخروا هذا التأحرَ الكبيرَ في الإطاحة بنظام «الأسد» لولا مناصرة «إيران» له ومناصرة «روسيا» و«الصين» و«حزب الله» اللبناني؛ لأنّ هذه القوى وقفت بجانب «الأسد» علنًا وجهارًا، وسبَّبَت هذه الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات. وقد تكشفت نوايا «إيران» التوسعيّة بهذه المناسبة؛ لأنها أرسلت كثيرًا من حرسها الثوريّ إلى «سوريا» خاضوا الحرب ضد الشعب متكاتفين مع جيش النظام، كما أَمَدَّتْ إيرانُ الأسد بالمُعَدَّات الحربيّة وبالمساعدات الماديّة معاً، إلى جانب منظمة «حزب الله» اللبناني التي شاركت بشكل علني في الحرب ضد الشعب. و«حزبُ الله» هذا جناحٌ عسكريٌّ لإيران الشيعيّة، ومُمَدٌّ منها بالمال والمُعَدَّات والمساعدات المادّية والمعنويّة.

       وإنما وقفت إيرانُ دائماً مع «الأسد» العلوي، لأنها تودّ إقامةَ طوق شيعيّ قويّ حولَ أهل السنة في الخليج العربي؛ فهي تناصر كذلك علناً الشيعةَ في البحرين، وتُحَرّضُهم على الثورة ضد حكومة أهل السنة القائمة فيها، وتُمِدُّهم بالمال والرجال وبجميع الإمكانيات التي تساعدهم على تعزيز الثورة ضدَّ الحكومة السنيّة؛ كما تنتصر من حين لآخر للشيعة في الكويت، وتهمس في آذانهم أن يثوروا ضدّ الحكومة الكويتية التي يَغْلِبُها أهلُ السنة؛ ولكنّهم لايثورون لحدّ الآن في الكويت ضدّ حكومتهم؛ لأنهم مرتاحون لايشكون امتيازًا مذهبيًّا يؤدي إلى التفريق في توزيع الوسائل الوطنية بين المواطنين، وكذلك تقف «إيران» منذ اليوم الأول بجانب الشيعة في دولة اليمن ويُعْرَفُون فيها بـ«الحوثيين» وتُمِدُّهم بكلّ ما يحتاجون إليه، حتى يَتَقوَّوْا ويكونوا صداعَ رأسٍ للمملكة العربية السعودية.

       إن «إيران» لديها مطامع توسعيّة ضدّ الحكومات السنّية في الخليج، وتكاذ تكون قوةً ذريّةً جديرةً بألف حساب، فأين هذه الحكومات من هذه المُخَطَّطَات الإيرانية الشيعيّة التي يتيح لها دولُ الغرب من وراء الستار الفرصةَ لتتحقق، وتُشَكِّل النّهايةَ لها: الحكومات السنيّة في الخليج!.

(تحريرًا في الساعة 11 من صباح يوم الأحد: 13/ربيع الثاني 1434هـ = 24/فبراير 2013م)

نور عالم خليل الأميني

nooralamamini@gmail.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، جمادى الاولى 1434 هـ = مارس ، أبريل 2013م ، العدد : 5 ، السنة : 37

Related Posts