إلي رحمة الله
استأثرت رحمة الله تعالى يوم الخميس 28/ محرم 1426هـ الموافق 10/ مارس 2005م أحد حراس اللغة العربية الغياري الدكتور شوقي ضيف المصري رحمه الله ، عن عمر يناهز 95 عامًا بالسنين الميلادية و 98 عامًا بالسنين الهجرية . فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
لقد كان شوقي رحمه الله منقطعًا إلى خدمة العربية منذ شبابه ، وأثرى مكتبة العربية بمؤلفاته القيمة التي بلغت أكثر من مائة مؤلف . كما درّس اللغة والأدب في عدد من جامعات مصر وغيرها من من الدول العربية . وظلّ رئيسًا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة عبر أعوام ورئيس اتحاد المجامع اللغوية العربية . وكان لكتبه وكتاباته دويّ في العالم العربي لقيمتها وغنائها وثرائها واستقامتها ؛ حيث كان يؤمن إيمانًا جازمًا بأنّ العربية جزء من الدين الإسلامي وهي قيمة من قيم المسلمين التي لاغنى لهم عنها ؛ فالعدوان عليها عدوان على الدين ، ومحاولة تقويضها أو تهميشها تنصبّ في الواقع في قناة تقويض الإسلام وتوهين عراه .
ومؤلفاتُه كلها عمدة اليوم في الدراسة الحديثة للغة العربية ، وقد وضع لها الله القبول والإعجاب فتلقاها قراء العربية بنهم وشغف بالغين . وكان مؤلفه «الفن ومذاهبه في الشعر العربي» ومؤلفه «الفن ومذاهبه في النثر العربي» وكذلك سلسلته في تاريخ الأدب العربي باسم «تاريخ الأدب العربي» كثير التداول والطبعات .
وقد أُكْرِم لخدماته النبيلة في مجال الدراسات الأدبية واللغوية الغنية بجائزة الملك فيصل العالمية ، كما أكرمته حكومة بلاده بعدد من الوسامات ، إلى جانب إعجاب وحبّ تلاميذه المباشرين والمتخرجين على كتبه وكتاباته في العالم العربي والعالم الإسلامي، الذين كانوا ولازالوا ويظلون – إن شاء الله – يرونه خادمًا وفيًّا للغة العربية وجنديًّا مرابطًا على ثغرها ، صامدًا على جبهاتها التي كثيرًا ما حاول الأعداء اختراقها ؛ ولكنهم لم يفلحو ولن يفلحوا إن شاء الله.
بموت شوقي العظيم بدراساته وخدماته وحبّه لدينه ولغته الرسمية ، فقدت اللغة العربية رجلاً عبقريًّا فذًا ترك بعده فراغًا لا يُعَوَّض بسهولة . وإلى جانب مكانته العلمية كان كريم الأخلاق ، حليم الشخصية ، حلو اللسان ، عفّ الحديث ، حسن المحاضرة . ولم يعرف في حياته الجفاف الذي يصاب به المصابون بالأنانية من العلماء والمثقفين ، ولم يمسّه قط الحسد والحقد بسوء رغم كثرة حساده والحاقدين عليه ، كنصيب كل عالم ومثقف عبقريّ مثله .
بموت الأستاذ الدكتور شوقي ضيف رحمه الله فقدت اللغة العربية واحدًا من أهم روّادها ، وكان آخر الموسوعيين اليوم فيما يتعلق باللغة العربية والأدب العربي والبلاغة والن الله فقدت اللغة العربية واحدًا من أهم روّادها ، وكان آخر الموسوعيين اليوم فيما يتعلق باللغة العربقد والنحو والحضارة الإسلامية والشعر والنثر والمذاهب الفكرية العديدة وتفسير القرآن والتراجم والسيرة الذاتية . وأنجز موسوعتين عن الأدب العربي في عشرة أجزاء .
لقد كان حقًّا علمًا من أعلام الثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي والأدب الإسلامي ، عامر القلب بالحبّ الغامر لقومه وحضارتهم ومنهج حياتهم وطريقة تفكيرهم ، وكان أديبًا إسلاميًّا بمعناه الشامل، يرى الأسلوب الإسلامي في التعبير والتثقيف سفينة النجاة الوحيدة ، ويرى الانحرافات الفكرية والانبهار بثقافات أجنبية سمًّا قاتلاً لأمته ونهضتها الفكريّة .
ورغم أنه حاز جوانب العظمة العديدة ؛ ولكن هذا الجانب المشار إليه من شخصيته كان يميزه عن كثير من أقرانه . ولئن مات رحمه الله فإن تراثه العلمي سيبقى بعده صدقة جارية يصله ثوابها بإذن الله عزّ وجلّ ، إلى جانب كثير من تلاميذه ومحبيه الذين سيواصلون له الدعاء . رحمه الله وأدخله فسيح جنّاته .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الأول – ربيع الثاني 1426هـ = أبريل – يونيو 2005م ، العـدد : 4–3 ، السنـة : 29.