المظاهرات والمسيرات الاحتجاجيّة المُخَطَّطَة العنيفة المسلحة ضدّ النظام المصري ومسؤولية الأزهر والعلماء والقادة الذين يثق بهم الشعب المصري بطوائفه

كلمة العدد

          عندما عصفت رياح الثورة والتغيير في البلاد العربية بالدكتاتوريات التي ظلت مستبدة بالحكم والسلطة فيها منذ زمن بعيد، بدءًا بدولة «تونس» ومرورًا بمصر العربيّة التي أطاحت فيها الثورة العارمة بحكومة حسني مبارك في مستهل عام 2011م، حاولت القوى المعادية للإسلام – المتمثلة في الصهيونيّة العالميّة والصليبيّة الحاقدة والوثنية بشتى أنواعها وأشكالها، التي تقودها اليوم أمريكا – وعملاؤها وعبيدها من العلمانيين والليبراليين والملحدين والمتنكرين للإسلام بكل صورهم .. حاولت أن تختطفها من وسط الطريق وتنحرف بها عن طريقها، وتجعلها لاتضرّ بمصالحها التي ظلّ الدكتاتوريون يحافظون عليها. ولمّا أدركت أنها – الثورات – أصمّت أذنيها عن الاستماع لأوامرها، حاولت أن تزرع في طريقها متاريس لايمكنها تجاوزها إلى منزلها الصحيح ومحطتها المنشودة؛ لكنها رغم هذه المحاولة الماكرة والتخطيط الخبيث نجحت لحد كبير في تحقيق هدفها، حتى عقدت في بلاد الثورات – وعلى رأسها مصر العربية – انتخابات رئاسيّة وبرلمانية ففاز الإسلاميون في معظم بلاد الثورات – وفي مقدمتها مصر – بالأغلبية، فكان حظّ الإخوان – الذين ظل يقصيهم دكتاتوريوها عن الحكم والقيادة ويزج بأعضائهم إلى السجن – أن انتخب الرئيس المصري من بينهم، فكان الأستاذ «محمد مرسي» رئيساً للجمهورية المصريّة في أول مرة في تاريخ مصر الحديث الذي سعد برئيس إسلاميّ الهويّة.

       ولم يكن بوسع القوى المعادية للإسلام أن تحتمل هذه «المفاجأة» وهذا «الحدث الغريب» في تاريخ مصر التي ظل يحكمها منذ أمد طويل عملاؤها من الملحدين المتنكرين للإسلام المتسمين بالأسماء العربية الجميلة، الذين ظلوا حرباً على الإسلام أكثر من سادتهم الغرب الصليبيّ الصهيوني، وظلوا يحاربون كل فرد وجماعة شمّوا منها رائحة الإسلام وآنسوا منها الميل للدين، وعذّبوا كل منتم إليها تعذيباً كان درساً وعبرة لكل من تحدثه نفسه أن ينطق بالإسلام والحكم بالعدل والشريعة.

       ولكن التجربة جاءت هذه المرة مفاجئةً لهم رغم كل محاولاتهم لصدّ الإسلام والإسلاميين عن الطريق إلى الحكم؛ لأن الشعوب في كل البلاد العربيّة رغم محاولات الغرب لتغريبها وعَلْمَنَتِها وتنصيرها وتهويدها وتوثينها وأَلْـحَدَتِها لاتزال تؤمن بالإسلام وتحبه وتندفع إليه وتودّ أن تعيش في ظل حكمه وعدله وفضله؛ فلم تجلس القوي المعادية للإسلام وأبناؤها مكتوفي الأيدي، وإنما سلك عملاؤها في داخل البلاد كلّ سبيل إلى إزعاج الرئيس المصري السيد «محمد مرسي» وجرّبوا كل حيلة اهتدوا إليها للقضاء على حكمه وانتزاع السلطة من يده وتخييبه في إدارة البلاد، عن طريق إحداث قلاقل وإثارة بلابل، وتدمير مؤسسات الدولة، وتخريب مصالحها ومرافقها وإلحاق أضرار بالغة بالاقتصاد الوطني وإفقار الشعب وزيادة حالته المتردية من ذي قبل سوءًا، ثم الاستدلال بذلك كلّه على أن الحكومة لاتُدَار بطريقة منطقية صحيحة تضبط الأمن، وتنشر السلام، وتكفل للشعب الرخاء، وللبلاد الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتحقق ما صبا إليه الشعب من وراء قيامه بالثورة ضدّ «حسني مبارك» – الذي يعيش اليوم وراء الزنزانة – و بالتالي تحرم على الأجانب طريقَ التدخّل، بحيلة أن «الرئيس الإسلامي» لايقدر ولا يمكنه أن يقدر – لأن التجربة الإسلامية للحكم وإدارة السلطة لايمكن أن تنجح – على زعمهم – في هذا العصر المتنور المتقدم السيّار الذي غزا فيه الإنسان العصري المتحرر الغني عن الإسلام الكواكب والنجوم واكتشف كل ما في البر والبحر والجوّ – على الحكم بنحو يُقْنِع الشعب ويُنَمِّي البلادَ ويُرْضِي المحافل الدوليّة، ويمنع القوى العالمية من التدخّل بحيلة أو بأخرى.

       رغم أن السيد «محمد مرسي» أكّد ولا زال يؤكد بقوله وفعله، أنه لايريد ولا يدير في مصر حكومة إسلاميّة وإنما يدير حكومة ديموقراطية عصريّة ذات قواعد عريضة، وهو يؤمن ويعمل بمبادلة الرأي مع جميع الأحزاب السياسيّة والحريّة الدينية لجميع طوائف الشعب واحترام حقوق الإنسان، يصرخ بذلك كل يوم في داخل البلاد وفي كل زيارة يقوم بها لأي دولة من دول العالم ولاسيّما الدول الغربية، وآخرها دولة ألمانيا التي زارها في أواخر يناير و مستهلّ فبراير 2013م (الأسبوع الثالث من ربيع الأوّل 1434هـ).

       لكن القوى المعادية للإسلام التي تخاف الإسلام وتحذره لحدّ لا يوصف لا تقتنع بقوله وفعله، وإنما تهدف إلى إسقاطه وإقصائه عن الحكم. وقد ألّبت لذلك ضدّه كل الطوائف والأحزاب التي قاسمها المشترك العداء مع الإسلام، والطوائف والأحزاب هذه تجمع فلولَ حسني مبارك والناصريين والعلمانيين والليبراليين واليساريين الاشتراكيين والمتحررين بأشكالهم.

       وقد ظهرت فيهم منظمة موحدة مكونة من الشباب باسم «الكتلة السوداء» (Black Bloc) وهي – كما كشف اللثام عنها الأستاذ محمد جمال عرفة في آخر عدد من أعداد يناير 2013م من مجلة «المجتمع» الكويتية – مجموعات فوضويّة يساريّة ترتدي ملابس سوداء، وتحمل العصيّ والخناجر وزجاجات المولوتوف، وتسمّي نفسها «الكتلة السوداء المصرية» Black Bloc Egyptian   ، وقد كتبت على صفحتها على «فيسبوك» و «تويتر» ما يجلي الخطّة التدميرية الواسعة المدى التي بَيَّتَتْها لتدمير البلاد وتخريب مؤسساتها، توصلاً إلى الإطاحة بحكم الرئيس المصري الإسلامي الهويّة السيد «محمد مرسي» فقد كتبت فيما كتبت: «وعدناكم من قبل بمحاصرة القصر الجمهوري، ووعدناكم بحرق مقرات الجماعة – جماعة الإخوان – وأوفينا بوعودنا»! وقالت: «إن أفعالها لن تكون مسيرات احتجاجيّة؛ بل ستكون إجراءً مباشرًا ضدّ الحكومة وضدّ الأجهزة الحكوميّة لإلحاق الخسائر المادية بالدولة» وأعلنت صارخاً: «نقف ضدَّ النظام والقانون» و أعلنت أنها مستعدة للتدمير بـ«قنابل الدخان» و «المولوتوف المبتكر» و«مفاجآت أخرى»! وصفحتها على «فيسبوك» و «تويتر» تعهدت بنشر رسومات توضيحية حول تحضير أدوات القتال، مثل: «أقوى أنواع المولوتوف» و«قنابل حارقة» و«قنابل جرثومية» و«قنابل سامّة» و«قنابل دخان» و«قنابل صوت».

       كما تعهدت بتنظيم فرق في كل المحافظات «من أجل إسقاط النظام الحاكم» وكتبت: «نحن المشاغبين في كل الجمهورية، نحن من لا نجعلكم تنامون، نحن من نقلق راحتكم، أيها النظام الحاكم! نحن الذين ننتشر كفيروس في هذا الجسد الذي حكامه خائنون، نحن الداء والدواء»!.

       وهذه المجموعات المشاغبة المسلحة التي قامت ضدّ حكومة الرئيس المصري الإسلامي الهويّة، تباركها جميع الجهات اليسارية والليبرالية والعلمانيّة التي ترى أنها لقيت هزيمة منكرة عندما فاز الإسلاميون مقابلهم رغم أنه كانت وراءها جميع القوى الغربية الأمريكية التي لايعجبها قط أيّ شيء أو شخص ينتمي للإسلام.

       فهي تؤيد هذه التنظيمات في صحفها ومجلاتها ووسائلها الإعلاميّة كلها، وتهلّل لها وتُرَوِّج للشعارات المضللة التي ترفعها هذه المنظمات، فقد حبَّذتها كل من «الفجر» و«الوطن» و«بوابة الوفد الإلكترونية» بالكلمات الآتية: «المجدُ للمشاغبين» «رسالة للاستعمار» «سلمية ماتت ولن تعود».. وبدأ النضال المسلّح» «الكتلة السوداء.. آخر عنقود الحركات الثوريّة».. وإنّها ظهرت ردًّا على عمليات مليشيات الإخوان في الاتحاديّة».

       والتكتيك الذي تبنّته هذه الجموعات الشبابيّة التخريبية المشاغبة في مصر، التي نهضت مُدَرَّبَةً مسلّحةً ضد نظام الرئيس المصري الحالي السيد «محمد مرسي»، هو تكتيك ظهر منذ 40 عاماً في أوربّا، ويُعَدُّ طريقةً يساريّةً – ولكنه في مصر تحبذها اليوم جميع القوى المعادية للإسلام – للتعبير عن الاحتجاج، والهجوم، وتدمير المنشآت الحكوميّة، بزعم الدفاع من وحشيّة النظام، والمراد لديها اليوم سيطرة الإخوان على السلطة، التي تراها الموت الزؤام لها، إذا نجحت في البقاء وقيادة البلاد.

       ففي كل المظاهرات والمسيرات الاجتجاجيّة ضدّ الحكومة المصرية التي يقودها السيد «محمد مرسي» الإخواني يرى المشاهدون شباباً ملثمين يرتدون ملابس سوداء وأقنعة، متدربين على استخدام الألعاب الناريّة والمولوتوف في المظاهرات والاحتجاجات، لديهم قدرات عالية على أعمال الشغب، ويُطلقون على أنفسهم – كما أسلفنا – اسم «البلاك بلوك» Black Bloc .

       وهم يدأوا الإعلان عن أنفسهم، والظهور على الساحة السياسيّة أيضاً مؤخرًا على موقع التواصل الاجتماعي على «فيسبوك». واتجاهُهم السياسي هو المعارضة العنيفة المسلحة للنظام الحاكم، المتمثلة في أعمال تخريبية تستهدف المنشآت الحكوميّة، ويعتبرون ذلك تعبيرًا عن صدهم لوحشيّة النظام.

       في يناير الماضي 2013م دَشَّنَت الكتلة السوداء صفحتها على موقع «فيسبوك» كأوّل ظهور لها، وكتبت عليها معلومات خاصّة بها، بأن مشاركتها ستكون في التكتيك الهجومي وتدمير المنشآت الحكوميّة؛ لكن الغرض الحقيقي – حسب تبريرهم للعنف – «هو الدفاع عن النفس من وحشيّة النظام».

       يقوم تكتيكهم على كتلة من المتظاهرين الذين يرتدون رداءً أسود موحدًا، ويصدّون هجمات الشرطة باستعداداتهم من الدروع والخوذ، متسلحين بالمولوتوف والألعاب الناريّة والحجارة، ويقلدون أسلوب بعض الجماعات الأناركيّة الفوضويّة اليساريّة في أوربّا وأمريكا، في استهداف وتحطيم واجهات المحلاّت الشهيرة، مثل «ماكدونالد» و«ستاربكس» باعتبارها رموزًا للرأسماليّة إلى جانب تدمير زجاجات المولات التجارية وسيارات الشرطة.

       الشباب المصري المشاغب ضدّ النظام يتبعون نفسَ الأسلوب، داعين أنصارهم إلى تجهيز إطارات سيارات قديمة لحرقها ومولوتوف وقنابل دخان وقنابل صوت، ويهاجمون ما أسموه «ممارسات جماعة الإخوان المسلمين لوضعها قواعد اللعبة السياسيّة» على حدّ قولهم، ناشرين العديد من الصور والفيديوهات التي توضح قدراتهم وأساليبهم المتنوعة في مقاومة الشرطة، وافتعال حالات الفوضى.

       ويهددون بقولهم: «سنتوجّه إلى محطات القطارات، وسنمنع القطارات من التحرك، سنجمع أي معوقات نجدها في المحطات لنضعها في طريق القطارات، إذا تمّ احتجازُ أيّ فرد في أيّ محطة في أيّ محافظة فسنشعل النار في محطات الجمهورية، ونحتجز فردين من الجهة التي ستقوم باحتجازه في أي محافظة أخرى».

       هؤلاء الشباب يدعون إلى هدم المؤسسات الحكوميّة، وكسر هيبة الجيش وتحطيمه وتدمير أجهزة الدولة كافة. و«الأناركية» كلمة يونانية تتكون من كلمتين: «أنا» و «آركي» وكلمةُ «أنا» تعني «دون» وكلمةُ «آركي» تعطي معنى «رئيس» أو «سلطة» فالأناركية تعني وتدعو إلى مجتمع دون رئيس أو دون سلطة، فالمتبنون لها يؤمنون بأن المجتمع يجب أن يدير نفسه بنفسه من خلال منظمات تطوعيّة بلا حكومة أو رئيس أو سلطة أي يجب أن تكون هناك فوضويّة (Anarchism) وحالة «اللادولة».. ولذلك فإن الشباب المصري المؤمن بهذه الفكرة والعامل بها والصادر عنها في عملياته التدميرية يقول: «سنقمعهم ونقهرهم، ونستغلبهم ونخدعهم، ونتعالى عليهم، ونستعبدهم، وننفصل عنهم، ونعيش على حسابهم، ونقرر لهم كلَّ ما يؤثر على حياتهم». ويؤكدون أن لجوءهم للفوضى والعنف ناتج عن ضعفهم وعجزهم عن مقارعة التيار الإسلامي عبر صناديق الانتخابات؛ ولهذا بدأت رموزهم – التي تدعو للمواطنة – تصف الشعب المصري بأنه جاهل، وتطالب بالحجر على ربع المصريين ومنعهم من التصويت في الانتخابات؛ لأن الشعب «أمّيّ» يصوّت لصالح الإسلاميين!.

       وقد هجم هؤلاء الشباب – المؤمنون والعاملون بالعنف الذي حرّضهم عليه القوى المعادية للإسلام والكارهة للنظام الإسلامي والشريعة الإسلاميّة ولكل شخص ينتمي للإسلام – على القصر الجمهوري كما أفادت الأنباء المنشورة في الصحف الهندية اليوم: الأحد 21/ربيع الأول 1434هـ = 3/فبراير 2013م أنه يوم الجمعة 19/ربيع الأول = 1/فبراير هجم هؤلاء على القصر الجمهوري بالمولوتوف وزجاجات حارقة وقنابل بنزين واشتبكوا مع الشرطة ورجال الأمن، مما أدى إلى إصابة عشرات الأشخاص، وقد نظموا مظاهرة كبيرة شاركها آلاف من المتظاهرين. وقد صَرَّح الرئيس المصري «محمد مرسي»: إن قوات الأمن ستقوم بما يجب عليها نحو الحفاظ على مؤسسات الدولة والأجهزة الحكوميّة. وإن القضاء سيحاسب أولئك الذين يقفون بجانب هؤلاء المتظاهرين محاسبة سياسيّة؛ لأن المتظاهرين مُسَيَّرون وليسوا بمخيّرين، وهم يستهدفون إسقاط حكومة جاءت نتيجة عمليّة ديموقراطية شرعيّة. وكان المتظاهرون يهتفون: «لا لحكومة مرسي».

       إن الوضع صار متفجرًا للغاية في مصر، لمجرد أن القوى العلمانية الليبرالية اليسارية الموالية للغرب ومنهج حياته لا ترضى حكومة يقودها رجل من جماعة إسلاميّة رغم أنه يقول صارخاً: إن حكومته ديموقراطية ذات قاعدة عريضة ولا يريدها إسلامية دينية ضيقة على أي طائفة من طوائف البلاد، وهو يدعو قادة جميع الأحزاب لتبادل الرأي والحوار الوطني وإسداء المشورة لإدارة الحكومة؛ ولكن هؤلاء المبغضين للإسلام والموالين للدكتاتوريين السابفين يخافون حتى شبح الإسلام الذي يرتعدون منه كالأطفال يرتعدون من السعالي.

       والحاجة ماسّةٌ إلى أن يخرج الأزهر من قمقمه ويكسر سكوته، وأن ينهض العلماء والقادة المخلصون المحبون لوطنهم مصر العربية الإسلاميّة الذين يثق بهم الشعب المصري بجميع طوائفه، ويبذلوا قصارى مجهوداتهم لإيجاد وحدة وطنيّة، وجمع هؤلاء الخائفين من «المارد الإسلامي» على رصيف الوطنية، والتأكيد لهم أن حكومة الإسلاميين لا تلدغهم ولا تميتهم، ولا تبطش بهم، وإنما هي بإذن الله ستكون رحمة لهم، تدر لهم الرخاء المادّي والأمن والسلام اللذين ظلوا يبحثون عنهما طوال عهود حكومات الدكتاتوريين العلمانيين اليساريين الليبراليين كلهم.

(تحريرًا في الساعة 11 من ضحى يوم الأحد: 21/ربيع الأول 1434هـ = 3/فبراير 2013م)

نور عالم خليل الأميني

nooralamamini@gmail.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، ربيع الثاني 1434 هـ = فبراير ، مارس 2013م ، العدد : 4 ، السنة : 37

Related Posts