دراسات إسلامية
بقلم : الأستاذ صلاح عبد الستار محمد الشهاوي (*)
احتلت الإبل من نفوس العرب مكانةً مرموقةً لا تكاد تعدلها أو تدانيها منزلة أي شيء آخر إذا نحن استثنينا الخيل، وليس أدل على ذلك من أنها كانت تُسَمّى بالمال، فكلمة المال إذا أُطْلِقَتْ في كلام العرب أريد بها الإبل.
وكيف لا تحتل الإبل هذه المكانة، ولا تتبوأ هذه المنزلة، وحتى وقت قريب كانوا يقيسون عز القبيلة وقوتها بعدد الإبل التي تمتلكها، فكلما كثر عددها أصبح للقبيلة شأن كبير.. وكانت في الوقت نفسه ثمناً للأفراح والأتراح، فمهر العروس من النياق، وكلما زاد عدد النوق زاد قدر العروس، وقصة عبلة مشهورة ومعروفة للجميع، حين اشترط والدها على عنترة مئة من النوق المغاتير.
وكانت الإبل في الأتراح ثمناً لوقوف الدم.وتدفع ديةً للقتل الخطأ غير المقصود، حسبما يقرره عقلاء القوم. أو حسبما اتفق عليه الجميع وقتها.
وكانت الإبل رفيقةً للإنسان العربي منذ القدم، فهي سفينته عبرالصحراء، وقد طوى على ظهرها الفيافي والقفار، وأدلج الأصقاع والأمصار، وهي شريان حياته النابض في مواصلاته وتنقلاته، فنجدها طوع أمره، يوجهها بصوته كيف يشاء، ويطربها بغنائه إن غنى، ويجذبها بصوت حدائه، تستجيب لندائه فرحةً مسرورةً، إذا صاح راعي الإبل تجمعت حوله أقاصي مرعاها، وكأنه ينادي جنوداً طيعين، وتحيط به إحاطة السوار بالمعصم فتنتظر أوامره وتوجيهاته.
وكان الجمل للأعرابي قديماً. موضعَ القصيدة والحكاية. بجَلَده وصبره يُضْرَبُ المثل، وكان ملهماً للشعراء في القدرة على الحركة وسط الظروف الصعبة، والصبر على الجوع والعطش، لقد كان أيضاً رفيق الدروب الصعبة، ومشوار الحياة القاسية، وكان الأنيس والجليس، ومصدر الرزق، ووسيلة المواصلات، وعتاد الحرب.
والجمل في المعنى اللغوي يعني الذكر من الإبل، وأنثاه (الناقة) أما (البعير) فيقع على الذكر والأنثى ودليل ذلك قول الشاعر:
لانشتهي لبن البعير وعندنا
عرق الزجاجة واكف المعصار
ورد في «لسان العرب» «أن الإبل لا واحد لها من لفظها وقال «الجوهري»: هي مؤنثة؛ لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين، فالتأنيث لها لازم ، وإذا أدخلت عليها التاء بقصد التصغير، فنقول: «أبيلة» وهو أقل ما يقع عليه اسم الإبل الهرمة وهى التي جاوزت الذود إلى الثلاثين، ثم الهجمة أولها الأربعون إلى ما زادت ثم هنيدة : مئة من الإبل ، وتأبل إبلاً اتخذها»(1)
والإبل – (ناقة وجمل) أما الناقة فهي الأنثى من الإبل وجمعها نوق وأنيق ونياق ، ويقال لها : بنت الفحل وبنت الفلاة وبنت النجائب، وكنيتها أم بو، وأم حائل وأم حوراء، وأم السقب وأم مسعود . أما الجمل فهو من الإبل بمنزلة الرجل يختص بالذكر، وجمعه جمال وأجمال وأجمل وجماله وكنيته أبو أيوب وأبو صفوان.(2)
أصل الإبل وأنواعها :
«دجنت الإبل وتآنست في حقبة الحجر المصقول . كالبقر والضأن والماعز ومهدها الأصلي في آسيا – الجزيرة العربية- ولم تنتقل إلى «إفريقية» إلا فى أوائل النصرانية – القرن الأول الميلادي – وهى اليوم منتشرة في أقاليم الشرق العربي ووسط آسيا وفى فارس وتركيا وشمال إفريقية حتى أقصى حدها الجنوبي، وهى تنسب علمياً إلى الجنس الحيواني المسمى «كاملوس»(3).
أنواع الإبل :
هناك نوعان من الجمال فى هذا الكون أولهما: الجمل العربي أو الوحيد السنام ، وثانيهما: الجمل ذو السنامين وهما نوعان منفصلان يتشابهان كثيراً حتى أن ما يقال عن أحدهما يمكن أن ينطبق إلى حد كبير على الآخر . ويقطن الجمل العربي المناطق الصحراوية لشمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية وتم إدخاله كحيوان مستأنس في الهند وأستراليا ولا يوجد الجمل العربي في الواقع بصورة وحشية على الرغم من وجود ما يعرف بالجمال البرية التي هجرت الاستئناس لتهيم على وجوهها أما الجمل ذو السنامين، فهو حيوان قوى البيان يعيش فى «آسيا» شمال جبال الهمالايا وهو من حيوانات النقل المهمة في الأجزاء الجنوبية من سيبريا ومنغوليا وتعيش في صحراء جوبي جمال ذات سنامين طليقة وهى جمال يعتقد بانتمائها إلى القطعان البرية ويكسو هذا الجمل غطاءً كثيفاً من الوبر الذي يسقط عند نهاية فصل الشتاء(4).
وأماالجمل العربي فأنواعه : يماني وعرابي وبختي . فاليماني هو النجيب، وينزل بمنزله العتيق من الخيل و العرابي كالبرذون والبختى كالبغل(5).
مميزات الجمل العربي :
يستطيع الجمل العربي أن ينقل حملاً وزنه 500 رطلاً لمسافة تبلغ 40 كيلو متر أو لمدة ثلاثة أيام دون أن يشرب قطرة ماء ، وتذكر بعض المصادر أن الجمل العربي هو جمل أكبر وأضخم من الجمل ذو السنامين، والجمال العربية جمال قوية لا تتعب وبإمكانها الارتحال والتنقل إلى أماكن بعيده وعلى ظهورها أحمالاً ثقيلةً دون أن تستريح لمدة 12 ساعة في كل مرة ، أما الجمل ذو السنامين فهو يقاوم البرد ولا يحتمل شدة العطش في الصحراء؛ ولهذا لا يرى في جزيرة العرب والجمل العربي يمكن أن ترتفع درجة حرارة جسمه 10 درجات قبل أن يبردها من خلال التعرق ويستطيع أن يسير دون أن يشرب ماءً مدة 6 أيام، وإذا تناول أي نباتات خضراء طرية «والتي تحتوى على مقدار مناسب أو جيد بعض الشيء من الرطوبة» فإن بمقدورها أن تسير وتنتقل لعدة شهور دون أن تشرب ماء أو تدنو من حياضه»(6).
صفات الشكل الخارجي للإبل:
تجتمع أصابع الإبل في الخف؛ ولذلك سُمِّيَتْ الإبل ذوات الخف، وهى تمتلك أرجلاً طويلةً وأعناق طوال تساعدها على تناول النباتات، وأوراق الشجر مهما كان ارتفاعها كما تمكنها هذه الأعناق من أكل الحشائش والأعشاب القصيرة جداً ولهذه الإبل شعر أو وبر خشن قاس وأذناب مخصله معنقدة ورأسها صغير بالنسبة إلى جسمها وهى من أكبر الدواجن جسماً ولها كرش واسع يختزن فيه الماء(7).
أسماء الإبل العربية وألوانها:
ذكر علماء اللغة للإبل أسماءً كثيرةً ترتبط بعمرها وبيئتها وغير ذلك، وهذه بعض أسماء الإبل منذ ولادتها حتى شيخوختها – إن جاز التعبير – «فولدها حين يسل من أمه» سليل «ثم» سقب «و» حوار «وهو» فصيل «أو» فطيم «إذا» فصل عن أمه وفى الثانية «ابن مخاض»؛ لأن أمه تلقح فتلحق بالمخاض، وهى الحوامل والأنثى بنت مخاض فإذا دخل في السنة الثالثة فهو «ابن لبون» والأنثى «بنت لبون» لأن أمه صارت ذات لبنى وفي السنة الرابعة «خق» لأنه استحق أن يحمل عليه وفي السنة الخامسة «جذع» وفى السادسة «ثنى» وفي السابعة «رباع» وفي الثامنة «سديس» و «سدس» للذكر والأنثى وفي التاسعة «بازل» قال الشاعر :
وابن اللبون إذا مـا لز في قرن
لم يستطع صولة البزل القناعيس
ثم هو بعدها بسنة «مخلف عام» و «بازل عام» ثم «مخلف عاميني» و «بازل عاميني» ثم يعود أي يصير عوداً وهرماً وماحاً. قالوا: والقلوص منها كالجارية من الناس والقعود كالغلام والجمع قلائص وقعدان . والبكر الفتى والأنثى بكره وقيل جمل راش وناقة راشة ورياش إذا كثر الشعر في آذانهما(8).
أسماء ما يركب منها ويحمل عليه:
المطية : اسم جامع لكل ما يمتطى من الإبل، فإذا اختارها الرجل لمركبه لتمام خلقها ونجابتها فهى راحلة فإذا استظهر صاحبها وحمل عليها فهي زاملة :والناس يقولون في الرجل العاقل الثابت في أموره: «رجل زاملة» يريدون مدحه فإذا وجهها مع قوم ليختاروا عليها فهي عليقه : وتدل بعض أسماء الإبل على صفة فيها فهم يقولون «كهاة» و «جلاله» وهى العظيمة و «عطموس» والعيطموس و «دعبله» وهى الحسنة الخلقة التامة الجسم و «كوماء» وهى الطويلة السنام و «وجناء» وهى الشديدة القوية اللحم(9).
ألوان الإبل:
بعير أحمر : لم يخالط حمرته شيء
بعير أورق : أسود يخالط سواده بياض
بعير أدهم : اشتدت ورقته حتى يذهب البياض الذى فيه
ناقة جُرشية : حمراء
بعير أشكل : يخالط سواده حمرة أو غبرة
المَغص: البيض من الإبل
الآدم : الشديد السمرة، وقيل: الأبيض، فإن خالطه حمرة فهو أصهب
الأعيس: الذي خالط بياضه شقرة
الأكهب: من الكهبة وهى غبرة مشربة سواداً
الهجان: البيضاء الخالصة اللون
الأخضر: الذي اغبر حتى يضرب إلى الخضرة
الأحوى: الذي خالط خضرته سواد وصفرة
الأكلف: الشديد الحمرة يخلط حمرته سواد ليس بخالص
الأحسب: الذي في سواده حمرة أو بياض
الأمغر: في وجهه حمرة مع بياض صاف
الأسمر: الذي يضرب إلى البياض في شهبة
الغيهب: المظلم.(10)
وعلى الجملة فإنهم قالوا: إذا لم يخالط حمرة البعير شيء فهو أحمر، فإن خالطها السواد فهو «أرمك» فإذا كان أسود يخالط سواده بياض فهو «أورق» فإذا كان أبيض فهو «آدم»(11).
أسماء الإبل:
العربي حين يستعمل ناقةً أو جملاً لركوبه، فإنه يطلق عليها اسماً محبباً إلى نفسه، وهناك أسماء تطلق على الذكور منها: (غزلان) (شرهان) (حمران) (عبدان) (بويظان)… وأسماء تطلق على الإناث منها: (قمراء) (حلوة) (شرهة) (عبده)(الرهيفة) (الزينة) (الجهامة) (الغزالة). ونظرة عرب البادية إلى الجمل تقوم على الإعجاب بصبره وشدته، ولهذا يحلو للبعض أن يصف الرجل الصبور الذي يصبر على المكاره، بأنه (جمل المحامل) والمحامل هي أقفاص مصنوعة من الخشب تركب فيها النساء في الأسفار وجمل المحامل عادة يكون من أقوى الجمال. وفي كثير من الأحيان فإن المرأة تشبّه أخاها أو أباها، أو زوجها فتقول: (يا جملي)، وفي المقابل يقول الرجل لقريبته مواسياً إياها عند فقد زوجها أو أبيها: (أنا حملك وجملك)، ومعنى ذلك (أنا الجمل الذي يحمل الأعباء عنك)(12).
الإبل في الحضارات الأولى:
عَمرت الإبل الأرض قبل خلق الإنسان بحوالي الخمسين مليون سنة وازدهرت ازدهاراً هائلاً في عصر الإيوسين المعروف باسم فجر الحياة الحديثة. والجمل العربي الذي يعيش في المناطق الصحراوية الجافة القاحلة الشديدة الحرارة في نهار الصيف والشديدة البرودة في ليل الشتاء قد تم استئناسه من قبل أربعة آلاف إلي خمسة آلاف سنة في شبه الجزيرة العربية من مجموعة برية كانت تعيش فوق هضاب حضرموت.وقد ثبت للدارسين والمراقبين أن الجمل العربي هو بحق سفينة الصحراء وأنه أصلح الوسائل الفطرية للسفر والحمل والتفضل في الأراضي الصحراوية الجافة فهو يستطيع قطع مسافة تصل إلي الخمسين ميلاً في اليوم متحملاً الجوع والعطش لعدة أيام متتالية في شدة حرارة نهار صيف الصحراء ويستطيع حمل أكثر من نصف طن من المؤن والركاب والسير بهم وبها لأكثر من عشرين ميلاً في اليوم دون طعام أو شراب لعدة أيام متتالية؛ وذلك لما خصّ الله تعالي به هذا الحيوان من ميزات جسدية وتشريحية، ووظائفية لاتتوافر لغيره من الحيوانات ومن الجزيرة العربية انتشرت الجمال العربية إلي كل من إفريقيا وآسيا وجنوب أوروبا عبر الوجود الإسلامي في تلك البلاد خاصة في شبه الجزيرة الأيبيرية( بلاد الأندلس )(13).
وقد ورد ذكر الإبل في الكتب السماوية السابقة ففي الكتاب المقدس نجد أن ملكة سبأ التي أتت سليمان عليه السلام في موكب عظيم جدا بجمال محملة أطيابا وذهباً وحجارة كريمة. ويرد أيضاً في الكتاب المقدس أن البدو بصورة عامة يحملون على أكتاف الحمير ثروتهم وعلى أسنمة الجمال كنوزهم. وجاء في إنجيل متى:(أن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني ملكوت الله) وذلك لأن الأغنياء- وهم من أفسد في الأرض وشاع فيها الظلم والعداوة- يستحيل عليهم دخول الجنة- ملكوت الله- كاستحالة مرور الجمل من ثقب الإبرة.(14)
الإبل في التراث العربي والإسلامي:
القرآن الكريم :
أول ما يلفت النظر عند ذكر الإبل في القرآن الكريم مقارنة خلقها برفع السماء وما ذلك إلا دلالة على عجيب الإبداع في هذا المخلوق – الإبل – إذ هو شيء بديع في تكوينه الجسمانى ومع قوته ينقاد للصبي الصغير والشيخ الكبير ولا يمل من حمل الأثقال ولا يئن ولا يشكو كما يفعل بنو آدم ، يقول تعالى : «اَفَلا يَنْظُرُونَ الَى الاِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَاِلَى السَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَاِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَاِلَى الاَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ» (الغاشية: 17- 20).
وردت الإبل في القرآن الكريم بأسمائها، وذكرت بلفظها في آيتين كريمتين أولهما في معرض الحديث عن جهل العرب قبل الإسلام فيما كانوا حرموا من الأنعام، وجعلهم لها أجزاء وأنواع من بحيرة وسائبة ووصيلة وحام وغير ذلك من الأنواع التي ابتدعوها في الأنعام قال تعالى: «وَمِنَ الاِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ البَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ ءٰالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ اَمِ الْاُنْثَيَيْنِ» (الأنعام: 144)
وثانيهما الآية «اَفَلَا يَنْظُرُوْنَ اِلَى الْاِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ»(الغاشية: 17)
ووردت في القرآن مسماة بأسماء اشتقت من صفاتها الخاصة بها الدالة عليها المميزة لها عن سائر البهائم والسوائم مثل حمولة وفرش وبدن وركاب وعشار وهدى ففي الأنعام الآية 143 «وَمِنَ الْاَنْعَامِ حَمُوْلَةً وفَرْشاً» فالحمولة ما يحمل عليه من الإبل والفراش الصغار منها ، وفى سورة الحج الآية 36 «وَالْبَدْنَ جَعَلْنٰهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيْهَا خَيْر» فالبدن جمع بدنة وهى الإبل خاصةً، سمّيت بذلك لعظم بدنها وفى سورة الحشر الآية 6 «وَمَا اَفَاءَ اللهُ عَلٰى رَسُولِه مِنْهُمْ فَمَا اَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَّلَا رِكَابٍ» فالركاب هي الإبل أو الرواحل منها ، وفى سورة التكوير الآية الرابعة «وَإذَا العِشَارُ عُطِّلَتْ» العشار جمع عشراء وهي الناقة التي أتى عليها من يوم أرسل عليها الفحل عشرة أشهر، والهدى ما يهدى إلى البيت الحرام من النعم لتنحر، فأطلق على جميع الإبل وإن لم تكن هدياً وقد وردت كلمة الهدى في القرآن الكريم في سبع آيات ثلاثة في سورة البقرة الآية 196 وثلاثة في سورة المائدة الآيات 2 ، 95 ، 97 ومرةً واحدةً في سورة الفتح الآية 25 ، كما ورد ذكر الإبل بصفاتها التي أضفاها أهل الجاهلية، وخلعوها على ما حرموه منها جهلاً منهم وضلالاً عن الهدى وافتراءاً على الله مثل الـبحيرة والسائبة والوصيلة والحام في سورة المائدة الآية 103: «مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيْرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَّلَا وَصِيْلَةٍ وَّلاَ حَامٍ»(15).
وورد ذكر الناقة في القرآن الكريم في سبع آيات: ثلاثة منها مضافة إلى الله إضافة خلق إلى خالق تشريفاً وتخصيصاً في سورة الأعراف الآية 73 وسورة هود الآية 64 وسورة الشمس الآية 13 وثلاثة منها معرفة- بآل – في صورة الأعراف الآية 77 وفى سورة الإسراء الآية 59 وفى سورة القمر الآية 27 وواحدة منكرة فى سورة الشعراء الآية 155 والمراد بها في جميع هذه الآيات ناقة صالح عليه السلام (16) .
أما الجمل فقد ورد مفرداً مرةً واحداً في القرآن في سورة الأعراف الآية 40: «وَلَا يَدْخُلُوْنَ الجَنَّةَ حَتّٰى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الخِيَاط» فالمراد به الحيوان المعروف؛ لأنه أعظم الحيوانات المتداولة للإنسان العربي جثه، فلا يلج إلا في باب واسع، وسم الخياط هو خرق الإبرة فكأنه تعالى يقول ولا يدخلون الجنة أبداً ، وورد مجموعاً بلفظ جماله مرةً واحدةً في سورة المرسلات الآية 32 «انَّهَا تَرْمِيْ بِشَرَرٍ كَالْقَصْر كانَّه جِمٰلَتٌ صُفْر» أي كالإبل السود(17).
الإبل كيف خلقت:
عندما يختار الله سبحانه وتعالى الإبل، ليتدبرها البشر، فلابد أن يكون فيها من الأسرار والمواعظ الكثيرة التي تدل على عظمة الخالق جلّ شأنه حين قال: «اَفَلَا يَنْظُرُوْنَ اِلَى الاِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ»(الغاشية :17) خلق الله الإبل فجعل منها الناقة آية للناس فقال: «قَالَ هٰذِه نَاقَة لَهَا شِرْبُ ولَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُوْم وَلَا تَمَسُّوْهَا بِسُوْءٍ فَيَاْخُذكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيْم» (الشعراء :155) والله الذي أحاط بكل شيء علماً جعل الآية من الإبل (الناقة) لقوم صالح وقال: «انَّا مُرْسِلُوا النَّاقَة فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ» (القمر:27)
وتشير هذه الآية القرآنية الكريمة: «اَفَلَا يَنْظُرُوْنَ اِلى الْاِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» إلي مافي خلق الإبل من إعجاز يشهد للخالق- سبحانه وتعالي- بالألوهية، والربوبية والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه، كما يشهد له- سبحانه- بالقدرة علي إفناء ماقد خلق وعلي إعادة خلقه من جديد-أي بعثه- والإبل تنتمي إلي مجموعة من الحيوانات الثديية المشيمية المجترة وإلي قسم خاص منها يعر ف باسم ذوات الحافر- الخف- مزدوج الأصابع، وهي من آكلات العشب التي يجمعها القرآن الكريم تحت مسمي الأنعام؛ لما فيها من نعم الله العظيمة علي الإنسان، وتشمل كلاً من الإبل، والبقر، والضأن، و الماعز، وتضم الإبل بالإضافة إلي الجمال مجموعة الغزلان، وكلاهما يصنف في عائلة واحدة تعرف باسم عائلة الإبليات أو الجمليات والإبل بأنواعها تتميز عن جميع الأنعام بميزات بدنية، وتشريحية، ووظائفية عجيبة ألمح إليها القرآن الكريم بقول الحق تبارك وتعالي: «أَفَلَا يَنْظُرُوْنَ إلى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ».
وفي تأمل مجمل الآيات الكريمة التي أوردت الإبل، نتيقن أن الإبل آية من آيات إعجاز الله سبحانه في خلقه؛ ولهذا مازالت مثار دراسات علمية وطبية على أرفع المستويات الأكاديمية والعلمية التي تحاول معرفة ما في هذا المخلوق من أسرار، وعلى الرغم من كل الأبحاث العلمية التي أجريت على الإبل وتركيبها الفيزيولوجي، فما زالت أسرار كثيرة في تركيب الجمل غير معروفة، وهي بحاجة إلى مزيد من الدّراسات والأبحاث وخصوصاً حول الأجزاء الداخلية في جسمه.(18)
الإبل في السنة المطهرة:
عندما جاء الإسلام الحنيف اعتبر الإبل ثروةً عظيمةً وعزّ لأصحابها فقد قال صلى الله عليه وسلم: «الإبل عز لأهلها».
وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاهتمام بالإبل والمحافظة عليها بقوله: «إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظَّها من الأرض، وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها السير».
فهذا أمر صريح بتخير أماكن الرعي وقت الخصب أما في الجدب- الجفاف والقحط- فيسرع عليها لتصل إلى غايتها في مدة قصيرة.
وورد في الحديث: «لا تسبوا الإبل فإن فيها رقواء الدم ومهر الكريمة» أي أنها تعطى في الديات، فتحقن بها الدماء، وتمنع من أن يراق دم القاتل.
وكذلك ورد: «لا تسبوا الإبل فإنها من نفس الله تعالى» أي مما يوسع الله تعالى به على الناس، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة يقال لها «القصواء» وهي التي هاجر عليها النبى صلى الله عليه وسلم وكانت رباعيةً والعضباء و الجدعاء ولم يكن بها عضب ولا جدع، والعضباء هي التي كانت لا تسبق، فلما كانت سنة 6 من الهجرة جاء أعرابي على قعود، فسبقها فشق ذلك على المسلمين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن حقاً على الله ألا يرفع من الدنيا شيئًا إلا وضعه»(19).
الإبل في الفقه الإسلامي:
نظراً لمكانة الإبل ومنزلتها التي احتلتها من نفوس العرب إذ كانت المال المعتبر عندهم المعتد به لديهم، فإننا لا نكاد نجد باباً من أبواب الفقه لم يعرض للإبل مثل نقض الوضوء من أكل لحمها، فقد تطرك إليه الفقهاء في باب الطهارة والصلاة بمعاطنها، فقد بحث في الصلاة عند الحديث عن شروطها، وأبوال الإبل وأرواثها بحثاً في باب النجاسات وزكاتها في الزكاة والتضحية بها في الأضاحي وإهداؤها في الحج وتزكيتها في الذبح وإعطائها في الدية عند الحديث عن مقادير الديات، والمسابقة بينها في السبق والرمي والإسهام لها في الغنيمة في الجهاد إلى غير ذلك من الأحكام والأمور المتعلقة بها(20).
مكانة الإبل في تراث العرب:
تزخر الثقافة العربية بالكثير من الأدبيات المرتبطة بالإبل من مؤلفات وقصص وأشعار؛ ذلك أن الإبل ارتبطت (كما ارتبطت الخيل) بإنسان الجزيرة العربية ارتباطاً عضوياً تحتمه طبيعة البيئة التي يعيش بها هذا الإنسان، فكان للإبل كما للخيل مكانة خاصة لديهم، فالإبل ترتبط بمناحي حياتهم ارتباطاً وثيقاً، فعليها يركبون ويرحلون وينقلون متاعهم، ومن حليبها يتغذون وعلى لحومها يقتاتون، ومن وبرها يلبسون .
أشهر الإبل في تاريخ العرب:
احتفظ لنا التاريخ بأسماء عدد من الإبل الشهيرة منها :
(1) ناقة الله لثمود: فقد اشترط قوم صالح عليه أن يقدم لهم آيةً، عبارة عن ناقة عشراء تتمخض من صخرة ، فاستجاب الله لهم وكانت ترد يوماً وهم يردون في يوم آخر، ثم أنهم عقروها فكان هذا سبب وقوع العذاب عليهم.
(2) ناقة البسوس: والبسوس إمرأة استجارت بجساس بن مرة، وحين رآى ناقتها «كليب بن ربيعة» ترعى في حماه قتل فصيلها، فثارت الحرب بسببها بين قبيلتي بكر وتغلب لأربعين عاماً.
(3) ناقة رسول الله القصواء: وهي التي هاجر عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال للإنصار حين استقبلوه اتركوها فهي مأمورة.
(4) الحمراء ناقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه والتي نقلته إلى بيت المقدس.
(5) خلوج ابن رومي: ولها قصة مشهورة يتناقلها أبناء الجزيرة العربية .(21)
* تلك كانت وقفات قصيرة مع – سفائن البدو ومهور الحرائر- الإبل في تراثنا، التي وصفها العرب بقولهم:
«إذا حملت ثقلت، وإذا مشت أبعدت، وإذا نحرت أشبعت، وإذا حلبت روت»
وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول : «الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة».
المـراجع:
1- ابن منظور- لسان العرب «إبل» ج13 الهيئة العامة المصرية للكتاب بدون تاريخ ص 312 .
2- محمد فريد وجدي- موسوعة القرن العشرين المجلد الأول الطبعة الثالثة دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت 1971م ص 320
3- د./ محمد سلامة يوسف رحمه – الإبل في تراثنا ، مجلة الكويت العدد 50 أكتوبر 1986م ص 95 .
4- شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري – نهاية الإرب في فنون الأدب ، دار الكتاب المصري الجزء العاشر ص 104 .
5- رمضان عبد العال – الإبل بعض معجزات العلى القدير، مجلة الفيصل العدد 281 ص 34
6- منير مصطفى البشعان – أفلا لا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت المجلة العربية العدد 297 ص 110
7- النويرى – مصدر سابق ج10 ص 109 .
8- رمضان عبد العال – مصدر سابق ص 35
9- السيد عبد العزيز سالم – تاريخ العرب قبل الإسلام- الهيئة العامة لقصور الثقافة 2000 م ص 214
10- ابن سيدة- المخصص كتاب الإبل، دار التراث 1987م ج7 ص 76
11- د./ مصطفى الشهابي – الدواجن في الخيل والبغال والإبل المكتبة العلمية ص215 .
12- ابن قتيبيه-الشعر والشعراء الجزء الأول مكتبة الإيمان 1970م ص 23.
13- منير البشعان – مصدر سابق ص 111.
14- ياسين صويلح- سفينة الصحراء في تراث البادية، مجلة الحرس الوطني العدد252 يونيو 2003ص 120
15- أحمد محمد الحوفى -الحياة العربية من الشعر الجاهلي- القاهرة 1956م ص 278
16- ياسين صويلح – مصدر سابق ص 121
17- د./ محمد سلامه يوسف رحمه – مصدر سابق ص95 .
18- المصدر السابق ص 96.
19- عبد الغنى زيتوني – الناقة في الشعر الجاهلي، المجلة العربية رمضان 1411هـ ص 97.
20- د/ زغلول النجار- من أسرار القران الكريم 118 جريدة الأهرام المصرية2 فبراير 2004 ص 12.
21- أحمد أبوزيد- الإعجاز الإلهي في خلق الإبل، المجلة العربية صفر 1425هـ ص 67.
(*) مصر – طنطا – دمشيت.
هاتف محمول : 0109356970(002)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ربيع الأول 1433 هـ = فــــبرايـــر 2012م ، العدد : 3 ، السنة : 36