الإشراقة
قد يحدث أن بيتًا رائعًا، أو فقرة نثرية محكمة الصياغة بارعة المعنى، أو فكرة بِكْرًا، أو خَاطِرًا جميلاً، أو أملاً مُشْرِقًا، يقفز إلى الذاكرة، فيدور في المخيلة، فيَرْقُص في ثنايا الشعور، فيُضِيءُ داخلَ الإنسان كلَّه، فيُطْرِب كيانَه جميعَه، فيُطِيب نفسَه بشكل يجعله يَفْرَح ويَطْرَب ويَلَذُّ النهارَ كلَّه؛ كأنه جُمِعَت له السعادةُ كلُّها، ومُنِحَ الدنيا بحذافيرها، وأُعْطِيَ من كلّ شيء في الحياة ما كان يتمنّاه وفوق ما كان يتمنّاه؛ فيمضي نهارُه كلُّه من أجل الفرحةِ الغامرةِ، والشعورِ بالسعادة غيرِ القابلِ للوصف، كالبرق الخاطف، كأنه ساعة أو دقائق وثوانٍ.
إن ذلك نعمة من نعم الله الكثيرة التي لاتُحْصَىٰ .. نمعة غالية لا تُقَدَّر بثمن؛ لكن قيمتها لا يُدْرِكها إِلاّ من رُزِقَ سلامةَ الحسنّ، و رقّة الطبع، والشعور المُرْهَفَ بمزايا الكلام، والقدرة الطبيعيةَ اللائقةَ على التمييز بين كلام وآخر، وعلى التفطّن لمواقع الجمال والروعة في الشعر والنثر، وعلى إدراك ما يُعْلِي بيتًا من الشعر أو يُسَفِّله، أو يجعل قطعةً من النثر ساحرة خالدة، وأخرى ساقطةً منسيّةً.
إنّ هذا الشعور بدوره، نعمة كبيرة لايسع من يُكْرَم بها أن يُؤَدِّيَ ولو بعضَ الشكر نحو ربّه الكريم، ولو جُعِلَ كلُّ شعرة في بدنه لسانًا يشكر؛ لأنّه وحده الذي يضع خطّاً فاصلاً بين إنسان عظيم يدرك قيمةَ النطق الجميل، وبين إنسان عاديّ لايدرك أيَّ قيمة لأيِّ نوع من النطق. والنطقُ بنوعيه الملفوظ والمكتوب إنما أُكرِمَ به الإنسانُ دون غيره من الحَيَوَانات والمخلوقات كلّها؛ فمن أَحْسَنَه كان محظوظاً، ومن أساءه حُرِمَ حظّاً لا حظَّ أكبر منه.
قد أعتقد أنّ مقدرةَ تذوّق الكلام هي المفتاح الأساسيّ أو المفتاح الرئيس أو المفتاح الذكي (Basic Key or Master Key or Smart Key) الذي يمكن أن تُفْتَح به كوامن شخصيّة الإنسان؛ فهي الشيء الوحيد الذي يدلّك على أن صاحبه عظيم القدر، جليل المكانة. ولأمرٍ ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من البيان لسحرًا. ولأمرٍ ما نزل على النبي الخاتم سيد الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم كتابُ الله الأخير الذي كان معجزةَ المعجزات – إلى جانب ما فيه من المعاني والمضامين – في الفصاحـة والبلاغــة والتعـبير اللسانيِّ الأمثل الــذي تحَـدَّى اللهُ ربُّ السماوات والأرض به العربَ الذين كانوا أشدَّ الناس مُبَاهَاةً بمقدرتهم الكلاميّة وبراعتهم البيانيّة بأنهم لن يأتوا بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا. ولأمر ما كان أفضلُ الرسل صلى الله عليه وسلم أفضلَ الناس فصاحة وبلاغة ونطقًا وبيانًا، ولم يكن ينطق بلغة عاديّة؛ بل أُعْطِيَ جوامعَ الكلم؛ فلم يكن عربيٌّ أفصحَ منه وأبلغَ قبله ولا بعده ولا في عصره. وكأن الله العليم الحكيم شاء أن يكون أفضلُ البشر أفضلَه في أخص الخصائص الإنسانيّة، وهو النطق والكلام والبيان. النطقُ في أسمى معانيه لم يُعْطَه بشرٌ قبله ولم ولن يُعْطَى بعده؛ فالحسُّ اللغويّ السليمُ، والشعورُ بمحاسن الكلام، والتعاطي معه دائمًا، والصدورُ عنه في كلّ موقع، والانتباهُ لما يُحَسِّن الكلامَ ويُقَبِّحه، والتحسُّسُ لما يجعله مرضيًّا سارًّا مُلَبِّيًا لرغبات القلب، ولما يُحَوِّله مكروهاً مُسْخِطاً مُنَفِّرًا لا يقع من قلب المخاطب أيَّ موقع؛ كان أسوة نبويّةً يجب أن يتأسّى بها كلُّ مسلم، ولاسيّما كلُّ عالم بالدين، وبالأخصّ كلُّ داعية إلى الله يودّ أن يتحرّك في وظيفته الدعويّة المُشَرِّفة بشكل مطلوب، وأن تأتي جهوده بحاصل كبير، وأن لا يُمْنَىٰ بالإخفاقات رغم مساعيه المُتَّصِلة.
من هنا كان التذوّق اللغويّ نعمةً إلهيّةً كبيرةً لا يُكْرِم بها الله تعالى إلاّ من يريد به خيرًا، فمن أُكْرِمَ بها وَجَبَ أن يحمد الله كثيرًا، ويُؤَدِّي حقها، ويدرك قيمتها ؛ لكي تظلّ مُبَارَكَةً، ولكي يستخدمها في مكانها، ولكي يستثمرها في مواقع الخير، ويُجَنِّبها مواقعَ الشرّ. وله أن يقول لدى مصادفته محرومًا إيّاها – نعمةَ التذوّق اللغويّ – : «الحمد لله الذي عافاني فمن ابتلاك به»؛ لأن حرمانها داء عضال يجب أن يحمد الله من لم يُبْتَلَ به.
ومن رُزِقَ هذه النعمة، فهو الذي يعلم عن تجربة كيف يُسَيْطِر بيتٌ من الشعر بل مصرعٌ منه، أو كلمةٌ من الحكمة، أو فقرةٌ من الكلام مُفْعَمَةٌ رأياً حكيمًا، أو مُرَكَّبَةٌ تركيبًا لافتًا، أو مَحْشُوَّةٌ معنى بارعًا، أو تجربةً في الحياة لاغنى عنها لإنسان يمشي على الأرض، أو مُكَوَّنة من كلمات مُشْرِقَة الديباجة تأخذ بحجز قلب القارئ أو المستمع.. يسيطر على قلب المُتَلَقِّي وعقله، ويُسْكِرُه إسكارًا لا تعرفه كُمَيْتُ الخمر صافيةً؛ فيظلّ طوال النهار يُلِذُّه ويُطْرِبُه ويُدَغْدِغُه ويستولي على مشاعره، ويصبح له محطّةَ إلهام، ومُنْتَجَع تفكير، ومصدرَ خواطر جميلة، وأفكار مُبْتَكَرة، ورُؤًى رائعة لم يهتدِ إليها من ذي قبل رغم كل إجهادٍ للعقل والقوة المفكرة.
كثيرًا ما يحدث للمُتَذَوِّق للغة ومواضع السحر في الكلام: الشعر والنثر، أنّهُ يُجْزِي النهارَ كلَّه أو الليلَ مُعْظَمَه يقلب أعطافَ معاني بيت رائع أو جملة نثريّة ذات معانٍ رقيقة، يرجع إليها ويصدر عنها، ويتغَنى بها، ويُفَكِّر فيها، ويُعْجَب بها، وفي قلبه لذة وسرور لا يكاد يصفهما، وعواطف شكر وتقدير لصاحبها الذي جرت على لسانه، وتفتّقت بها قريحته، يدعو له بالخير، ويذكره بالثناء، ويشيد بذكره في كل مجلس يغشاه، ويتحدث عن عظمته ومزاياه إلى كل من يجتمع به ويجلس إليه.
المُدْرِك لمواضع الحسن والقبح في الكلمات والكلام هو أعرف بقيمة بلاغة الكلام وفصاحة الكلمة وروعة الحديث بالنسبة إلى الداعية إلى الله. وكلُّ مسلم وظيفتُه أصلاً بعد الإيمان بالله والعمل الصالح هو الدعوة إلى الله بموجب قوله عليه الصلاة والسلام: «ألا كُلّكم راعٍ، وكلّكُم مسؤولٌ عن رعيّته» وبموجب قوله تعالى: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وتُؤْمِنُونَ بالله»(آل عمران/110) فكلُّ فرد من الأمة المحمدية – على صاحبها الصلاة والسلام – مُكَلَّف أن يأتي على مستوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مؤمنًا بالله، ليثبت أنه فرد من خير الأمة التي أخرجها الله تعالى لنفع الناس وزرع الخير للمجتمع الإنساني. وعمليةُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي خلاصةُ العمل النبويّ والرسالة الإلهيّة التي كُلِّف القيامَ بها الأنبياءُ والرسلُ وعلى رأسهم سيدُ الرسل وإمامُ الكل النبيُّ الأعظمُ محمد صلى الله عليه وسلم الذي لَقَّنَ أصحابَه المنهجَ الأمثلَ للدعوة إلى الله قائلاً: «بَشِّرا ولا تُنَفِّرا» واضعًا المبدأ الأصيلَ الثابتَ المستقر لكل داعية من بعده. والتبشيرُ والتنفيرُ معنيان ينبعان عن كيفيّة أسلوب الخطاب الدعويّ قبل أن ينبعا من المواد التي يشتمل عليها الخطاب من الترغيب والترهيب.
الأسلوب الناعم الملمس، اللين الجانب، المُضَمَّخ بالتفاؤل والتشجيع، والحلم والأناة، والثقة بالله، وإحسان الظنّ به تعالى، في كل حال من الشدة والبؤس، وما إلى ذلك من المعاني الإيجابيّة، اسلوبٌ مُبَشِّرٌ يبعث على الرجاء والأمل اللامحدود، ويقطع على المخاطب كلَّ طريق إلى اليأس والإحباط، والتحطّم النفسي، والهزيمة الداخليّة. والأسلوبُ الخَشِن المضّ، القارع الزاجر، الباري للعظامِ، الداعي للتشاؤم، العاري من معاني الحلم والكرم، المُؤَدِّي – ولا قدّر الله – إلى طرح الثقة عن الله تعالى، وإلى إساءة الظن به سبحانه وجلّ ثناؤه وتعالى كبرياؤه، وما إلى ذلك من المعاني السلبية، أسلوب مُنَفِّر يقطع على المخاطب كلَّ خيط من الرجاء، ويسدّ دونه كلَّ باب من الأمل، ويفتح عليه منافذَ اليأس واسعةً.
انتقاءُ الكلمات، واختيارُ الأسلوب اللَّبِق الأمثل، الأنفذ في قلب المخاطب، الخاطب لودّه، الكاسب لقلبه، الآخذ بلبّه، مطلوب في الشريعة الإسلاميّة. والداعيةُ المتعامل مع هذا المنهج الدعويّ هو الداعيةُ الناجحُ، الداعيةُ البصير بضرورات الدعوة، العاملُ بالآليّة الدعويّة الفاعلة في المجتمع الإنساني. أمّا الداعيةُ الجاهل بذلك، المتغافل عن المقتضيات الدعويّة الأرضيّة الحقيقية، فهو الفاشل في مهنته الدعويّة، مهما ظنّ أنّه يكسب النجاح.
لايغيبنّ عن البال أبدًا أنّنا نحن أمة النبيّ الذي نَطَقَ بالحكمة وفصل الخطاب، ونزل عليه القرآن بلسان عربي مبين مُعْجِزٍ خالد مُتَحَدٍّ للبشرية كلّها ليوم الساعة أنها لن تأتي بمثله، ولو كان بعضُها لبعض ظهيرًا؛ فوجب على كل من ينصب نفسه داعية من أمته صلى الله عليه وسلم أن يتأسّى بأسلوبه الدعوي الرفيع المستوى، ويحاول جهدَه أن يأتي على مستواه الأفضل الأول كما يجب أن يحاول جهده أن يأتي على مستوى صلاحه وتقواه وصلته بربّه وإنابته إليه تعالى. ليحاول كل داعية أن يكون أسلوبه أحسن ما يكون وأبلغ ما يكون وأروع ما يكون، ولا يكون أبدًا أسلوبًا عاديًّا عامّيًّا لايغني غناءً، ولا يكسب مدعوًّا، فضلاً عن أن يكون مرذولاً ساقطاً مرفوضاً، ينفر المدعوين، ويجعلهم ينفضّون من حوله.
كثيرًا ما يُرَكِّز القومُ على صلاح الداعية، وغزارة علمه، وتعمّقه في علوم الكتاب والسنة، وتوسّعه في المعلومات، واطلاعه على الحديث الأحدث من الأنباء والأوضاع، وعلى طبائع الناس والأقوام الذين يريد أن يتصدّى لدعوتهم إلى الله، حتى يأتيهم من المأتي الذي ينبغي أن يأتيهم منه، حتى تأتي دعوتُه بحاصل مطلوب، ولا تذهب جهوده هباءً؛ ولكن قلما يكون أنهم يُرَكّزو ن على براعة الداعية في اللغة وأسالبيها، وأفانين الكلام وطرائقه، وتذوّقه اللغوي، وشعوره السليم المرهف بجمال اللغة و روعتها، وكونه بصيرًا بمواقع الكلمة من الحسن والقبح، والنعومة والخشونة، والمتانة والركاكة، والبلاغة والنبوّ، والجزالة والفخامة، والرفعة والضعة؛ فيكون بحيث يَطْرَب للكلمة يقع موقعَها، ويتألّم منها تنبوعن موقعها، ويرقص للجملة إذا فاضت معانيَ، ويتأذى منها إذا أُطْلِقَتْ في غير موضعها، أو كانت مجرد مبنى لايحمل معنى.
على حين إن الداعية – بالنسبة إلى أن الدنيا دار الأسباب والوسائل ولا ينفع فيها مجرد النية وإنما النافع فيها هو النية المُتَرْجَمَة إلى الفعل والتحرّك – لايصنع شيئًا بمجرد صلاحه وتقواه وزهده وعبادته، وإنما يصنع – إذا صنع – بالوسائل الدعويّة والإمكانيّات التبليغية التي على رأسها امتلاكُه لناصية الكلام، ومعرفتُه الصادقة بأساليبه المتنوعة، وعلمُه المثمر بالخطاب المُؤَثِّر، الذي يتوقّف على بصيرته بمناسبات الخطاب، وبالمنافذ التي يدخل منها إلى القلوب مباشرة، فيهزّ الوجدان، ويُحَرِّك المشاعر، ويمتلك على الناس عقولهم وقلوبهم، ويجعلها تُلَبِّي ما يقول، وتستجيب لما يدعو إليه، وتتقبل إملاءاته، وتظنّها تصادف هواها. وذلك لايتحقق إلاّ إذا كان الداعية عليمًا خبيرًا بصيرًا بالقول ومواقعه، والكلام وأصنافه، وما يُؤَثِّر منها وما لا يُؤَثِّر، ومتى يُؤَثِّر ومتى لا يُؤَثِّر، وكيف يُؤَثِّر وكيف لا يُؤَثِّر.
ما دام الداعية مُؤَدِّيًا الوظيفةَ النبويّةَ، وجَبَ عليه أن يتصف بالسيرة النبوية الشاملة، التي إذا كان جانبٌ منها يعني أن يكون صالحاً، صَوَّامًا قوّامًا، وقّافا عند حدود الله، فإن جانبًا آخر منها يعني أن يكون عالماً عاملاً بمحاسن الكلام ومساوئه، حتى يأخذ بالأولى، ويتجنب الأخرى، في حياته الدعوية كلها – وهي حياته المُكَلَّفة كلُّها إلى الموت – تَأَسِّيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لم يُؤْثَرْ عنه – وقد أُثِرَ عنه كلُّ دقيق وجليل – أنه أَطْلَقَ ولو مرةً ولو عن غير قصد، كلمةً في غير موضعها، أو استخدم كلمةً نابيةً، أو استعمل تعبيرًا عاديًّا لايتفق ومستوى جوامع الكلم ومحاسنها. إنها محطةٌ عظيمةٌ يجب أن نقف عندها طويلاً: لماذا لم يقم النبي بالدعوة التي كُلِّفَ تبليغَها بأسلوب لسانيّ عاديّ، ولماذا جرى على لسانه دائمًا، وطَوَالَ حياته، وفي كلّ مناسبة، أسلوبٌ لغويٌّ رفيعٌ، لا يُتَصَوَّر أحسنُ منه، ولا أبلغُ ولا أفصحُ، ولا أدعى إلى التأمّل والتفكير.
فهنيئًا لمن رُزِقَ البصيرةَ اللغويّةَ، والتذوقَ اللسانيَّ، حتى يَطْرَب إذا وقع في مِسْمَعَيْه كلمةٌ جميلةٌ رائعةٌ ذاتُ معنى فَيَّاضٍ وصياغةٍ بارعةٍ ونسجٍ مُحْكَمٍ: نثرية أو شعرية. وبقي أن نُوَجِّه إليه الرجاءَ، وهو أن يستخدم هذه النعمةَ في موضعها: في نفع الناس؛ في حلب الخير لهم؛ في إصلاح المجتمع البشريّ الذي اصطلحت شياطينُ الإنس والجنّ اليومَ على إفساده بأساليب سريعة المفعول للغاية، لم يتفطّن إليها الشيطان بدوره؛ في الدعوة إلى الله، وأساليبُها كثيرة لاتُحْصَىٰ؛ فهي لا تنحصر في مجالس معقودة وحفلات مقامة في المساجد وفي الميادين لإلقاء المواعظ والمحاضرات الدينية، وإنما تتعدّاها إلى مجالات تتجدّد بتجدّد الوضع وتتغيّر بتغير الحاجات، من تاليف الكتب الدينية بموضوعاتها اللامحدودة، إلى كتابة بحوث ودراسات ومقالات وكتابات، إلى الحديث الطويل أو القصير في وسائل الإعلام المتنوعة، إلى كتابة قصص قصيرة وطويلة بأسلوب عصري يبني الإنسانَ ويُخَرِّجه على الصّلاح وعلى الإنسانيّة بأعمق و أوسع معانيها، إلى جولات دعوية تمسح كلَّ بيت وكلَّ عائلة، في كلّ قرية ومدينة، في كلّ بلد من بلاد العالم، إلى خطاب عصريّ بشتى لغات الدنيا، وعلى رأسها لغة الإسلام الرسميّة: اللغة العربية التي أكرمها الله من بين اللغات بأن جعلها لغةَ كتابه الخاتم، ولغةَ نبيه الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، ولغةَ شريعته الخالدة، ورسالته الباقية، ولغةَ صحابته رضي الله عنهم؛ فجعلها خالدةً خلودَ كتابه، وباقيةً بقاء رسالته، وحيّةً حياةَ شريعته، ومُسْتَخْدَمةً كلَّ وقت من خلال التلاوة لآياته، وأداء عباداته، والعمل بأحكامه.
ما أَسْعَدَ من أتقن هذه اللغةَ التي هي أَسْعَدُ اللغات التي خلقها الله تعالى بعلمه ومشيئة، أو أتقن غيرها من اللغات، و وَظّفها في مجالات الخير له وللناس كافّة، وفي الدعوة إلى الله بمعناها الأشمل، وفي خدمة الدين بأوسع مجالاته. إنّه لذو حظ عظيم.
مجردُ إتقان لغة ما غير اللغة العربية ليس بشيء إذا لم تُصاحِبْه نيةٌ وعملٌ للخير والدعوة؛ ولكن إتقانَ اللغة العربية فضيلةٌ من الفضائل بدون أيّ نية – كما أعتقد شخصيًّا – لأن ذلك مُساهَمَةٌ في الإبقاء على لغة كتاب الله تعالى ولغة نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا صاحبَ إقتانَها نيةُ الإبقاء عليها، والحفاظ عليها من الضياع، والسعادة بخدمتها، فلصاحب الإتقانِ أجرٌ جزيلٌ مذخورٌ وتجارةٌ لن تبور، وسعادةٌ كبيرةٌ لا تعدلها سعادةُ تعلّمِ وإتقانِ أيِّ لغة من لغات الدنيا.
(تحريرًا في الساعة :305 من مساء يوم الأحد: 23/ رجب 1432هـ الموافق 26/ يونيو 2011م) .
أبو أسامة نور
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، رمضان وشوال 1432هـ = أغسطس- سبتمبر 2011م ، العدد : 9-10 ، السنة : 35