دراسات إسلامية
بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)
قال تعالى في سورة آل عمران آية 196-197 ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوٰـهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ فالمال وغيره من سائر النعم سواء كان مع المؤمن أو الكافر فإنه متعة قليلة من متع الدنيا الزائلة، ولكن المتاع الحقيقي للمؤمن يكون في الآخرة عندما يفوز بالجنة، قال تعالى في سورة البقرة آية 126 ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيْلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ﴾ كما قال ﴿وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ سورة هود آية 48 كماقال عز وجل في سورة لقمان آية 24 ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيْلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ وفي سورة الحجر آية 3 قال تعالى ﴿ذَرْهُمْ يَأكُلُوْا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُوْنَ﴾ وهذه الآية منسوخة بآيات السيف ولكنها وصف الحال الكافرين وما ينظرهم من عذاب، وهذه المتع لرخصها ولعدم عودتها على الإنسان بأية فائدة أو قيمة حقيقة فقد وصف الله تعالى هؤلاء المتمتعين بالأنعام، قال تعالى في سورة محمد آية 12 ﴿وَالَّذِيْنَ كَفَرُوْا يَتَمَتَّعُوْنَ وَيَأكُلُوْنَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ﴾ ليس لهم هم إلا بطونهم وفروجهم، ساهون عما في غدهم، وقيل: المؤمن في الدنيا يتزوّد والمنافق يتزيّن والكافر يتمتّع. ولصغر حجم هذا المتاع وتحديده وتحجيمه بفترة معينة أي: متاع موقوت، قال تعالى في سورة البقرة آية 36 ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلىٰ حِيْنٍ﴾ وفي سورة آل عمران آية 185 ﴿وَمَا الحَيٰوةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُوْر﴾ وفي سورة النساء آية 77 ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيْلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقٰى﴾ وبمقارنة متاع الدنيا بمتاع الآخرة يقول الله تعالى في سورة التوبة آية 38 ﴿فَمَا مَتَاعُ الْحَيٰاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيْلٌ﴾. والمتاع هو ما يعجل الانتفاع به، وسماه قليلاً؛ لأنه فان، وكل فان وإن كثر فهو قليل، وفي صحيح الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: «ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بماذا يرجع». قال تعالى في سورة محمد آية 12 ﴿وَالَّذِيْنَ كَفَرُوْا يَتَمَتَّعُوْنَ وَيَأْكُلُوْنَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَّهُمْ﴾ فالكفر هو الذي جمع الكافرين مع الأنعام وشابه بينهم في أكلهم وتمتعهم، وبالتالي فالعكس وهو الإيمان يرفع المؤمن عن مرتبة البهمية أو الحيوانية في أكله وشربه ومتعته، ولكن كيف؟. وبالطبع ليس المقصود أن يتناول الطعام بالشوكة والسكين أو استخدام مقادير معينة ومختلفة لتجميل الطعام، ولكن المقصود به هو أن المؤمن يتحرى الحلال في المأكل والمشرب وفي التمتع بنعم الدنيا، أما الكافر فلا يبحث عن مصدر طعامه من سحت أو ربا أو رشاوى أو خلافه من المحرمات، كذلك البهائم فهي تأكل ما يوضع لها، لا تتعفف عنه، ولا تبحث عن مصدره، وفي سائر المتع تجد البهائم لا ضابط عليها حتى في ممارساتها الجنسية، وهذا ما ذهب إليه الغرب الكافر، بعد ما باتوا يحللون زواج الرجال بعضهم بعضاً، وكذلك النساء بعضهن بعضاً، وممارسة الجنس مع ذوات الرحم الواحد. قال تعالى ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا إنَّمَا نُمْلِيْ لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِيْ لَهُمْ لِيَزْدَادُوْا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِيْنٌ﴾ سورة آل عمران آية 178 والإملاء هو طول العمر ورغد العيش، والمعنى لايحسبن هؤلاء الذين يخوفون المسلمين فإن الله قادر على إهلاكهم، وإنما يطول أعمارهم ليعملوا المعاصي لا لأنه خير لهم. في هذه الآية يصل السياق إلى العقيدة التي تحيك في بعض الصدور الشبهة، التي تجول في بعض القلوب، وهي ترى أعداء الله، وأعداء الحق، متروكين لا يأخذهم العذاب، متمتعين في ظاهر الأمر بالقوة والسلطة والمال والجاه، مما يوقع الفتنة في القلوب، ومما يجعل ضعاف الإيمان يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، يحسبون أن الله – حاشاه – يرضى عن الباطل والشر والجحود والطغيان، فيملي له، ويرخي له العنان، أو يحسبون أن الله سبحانه وتعالى لا يتدخل في المعركة بين الحق والباطل، فيدع للباطل أن يحطم الحق ولا يتدخل لنصرته، أو يحسبون أن هذا الباطل حق وإلا فلم تركه الله ينمو ويكبر ويغلب؟. أو يحسبون أن من شأن الباطل أن يغلب على الحق في هذه الأرض؛ لأن ليس من شأن الحق أن ينتصر. ثم يدع المبطلين الظلمة الطغاة المفسدين يلجون في عتوهم وطغيانهم ويسارعون إلىٰ كفرهم ويظنون أن المرقد استقام لهم، وأنه ليس هناك قوة تقوي على الوقوف في وجههم، وهذا كله وهم باطل وظن بالله غير الحق، والأمر ليس كذلك، وها هو ذا الله سبحانه وتعالى يحذر الذين كفروا أن يظنوا هذا الظن، وإذا كان الله لا يأخذهم بكفرهم الذي يسارعون فيه، وإذا كان الله يعطيهم حظاً في الدنيا يستمتعون به ويلهون فيه، وإذا كان الله يأخذهم بهذا الابتلاء، فإنما هي الفتنة، وإنما هو الكيد المتين، وإنما هو الاستدراج البعيد، قال تعالى ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا إنَّمَا نُمْلِيْ لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِيْ لَهُمْ لِيَزْدَادُوْا إِثْمًا﴾ ولو كانوا بالإيمان، وسارعوا في الكفر واجتهدوا فيه، فلم يعودوا يستحقون أن يوقظهم الله من هذه الغمرة «غمرة النعمة والسلطان» بالابتلاء، وهذا كله استدراج لهم لينالوا العذاب المهين (وَلَهُم عَذَابٌ مُهِيْن) والإهانة هي المقابل لما هم فيه من مقام ومكانة ونعماء. استدراج كقوله تعالى ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾ سورة القلم آية 44 وكقوله عز وجل ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ* نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرٰتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ﴾ سورة المؤمنون آية 55-56 وكقوله سبحانه وتعالى ﴿وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كٰفِرُونَ﴾ سورة التوبة آية 85 وقوله تعالى ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّٰى إِذَا فَرِحُوا بِمَآ أُوتُوآ أَخَذْنٰهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ سورة الأنعام آية 44 وروي عن «عقبة بن عامر» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم الله تعالى يعطي العباد ما يشاؤون على معاصيهم فإنما ذلك استدراج منه لهم» وفي الخبر: أن الله تعالى أوصى إلى «موسى»: إذا رأيت الفقر مقبلاً فقل مرحباً بشعار الصالحين وإذا رايت الغنى مقبلاً فقل ذنب عجلت عقوبته).
المراجع :
- كتاب الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج4 ص320، ج4 من ص 28 إلى ص 87، ج6 ص 426.
- كتاب في ظلال القرآن سيد قطب ج1 ص 524.
* * *
(*) 6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل، وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.
الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451
الجوّال : 0101284614
Email: ashmon59@yahoo.com
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ربيع الأول 1432 هـ = فبراير 2011 م ، العدد : 3 ، السنة : 35