الفكر الإسلامي
بقلم: الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي
إنهم في كل ذلك لم يتجاوزوا ما فعله «الأساتذة» المتحضرون.
والدليل على هذه الشهادة التي كتبها موظف كبير في الوكالة اليهودية ومدير دائرة الاستيطان ما بين 1951 – 1973م، في مذكراته الخاصة، ثم نقلها عنها أكثر من مرة فقد كتب يقول(13): (ينبغي أن يكون واضحًا فيما بيننا، أنه لا مكان في هذه البلاد لكلا الشعبين معًا، فبوجود العرب لا نستطيع أن نحقّق هدفنا، في أن نصبح شعبًا مستقلاً في هذه البلاد، والحل الوحيد هو أرض إسرائيل، أو على الأقل الجزء الغربي منها، بدون عرب، وليست هناك طريقة لتحقيق ذلك سوى نقل العرب من هنا إلى الأقطار المجاورة، نقلهم جميعًا، بحيث لا تبقى قرية واحدة أو عشيرة واحدة – هل سمع أحد بمثل هذه الوقاحة؟ – أما جهة النقل فيجب أن تكون العراق وسوريا وحتى شرق الأردن… فبدون عملية النقل والإجلاء هذه، لا يمكن استيعاب الملايين من أشقائنا، وليس هناك أي بديل…)
واطمئن الموظف الكبير، بأن إخوانه مشغولون بأمور هامة أكبر من فلسطين، حيث بيوت الذهب في لندن، وبورصة نيويورك، ومناجم الذهب والماس في جنوب أفريقيا، وعليه وعلى جميع قادة إسرائيل أن يرضوا بالتبرعات والصدقات، فلا هجرة ولا يحزنون. ليلطموا الخدود ويشقوا الجيوب، فالمهاجرون ما أن تحط أقدامهم في أول محطة؛ حتى يفرنقعوا يمينًا وشمالاً، ولا يصل إلى إسرائيل منهم إلا الربع، فلماذا هذه اللهفة على الملايين اليهودية من عباد «الكمبيالة» كما يقول ماركس؟ يحملني الإنصاف على أن أسجل هنا صرخة «مارتن بوير» في قومه(2) (لا تستطيع قوة غير قوة ثورة داخلية أن تشفي شعبنا من مرضه القاتل، المتمثل في كراهية لا داعي لها، فهذه الكراهية قمينة بأن تلحق بنا دمارًا كاملاً، وحين تقوم هذه الثورة الداخلية فقط، يدرك الشباب والمتقدمون في السن مدى جسامة المسؤولية التي نتحملها، بسبب الشقاء الذي سببناه لأولئك اللاجئين العرب البؤساء، الذين أسكنا في مدنهم وقراهم يهودًا، جيء بهم من أماكن نائية، أولئك العرب الذين ورثنا بيوتهم، ونقوم بحراثة حقولهم، وحصد حاصلاتهم، وقطف ثمارهم وكرومهم، ونبني المدارس ودور العبادة، والمؤسسات الخيرية في مدنهم التي نهبناها، في الوقت الذي لا نكف فيه عن الثرثرة بتشنج وهذيان: بأننا شعب التوراة، ونور الشعوب)اهـ.
وينقل د. أدوارد سعيد عن ماركس مفارقه «يهودية» حيث يقول(3) (على الرغم من قسوة الاستعمار البريطاني وشراسته، فإنه يمكن أن يكون مفيدًا للهنود، وأن يحولهم إلى شعب عصري، ويحررهم من تخلفهم الشرقي).
وقياسًا على هذا المنطق «الماركسي» نقول بأن الروس يحررون الأفغان اليوم، ويخففون من كثافة السكان، ويعلمونهم كيفية استخدام الأسلحة الحديثة، فشكرًا للروس في حملتهم الحضارية التقدمية، المعادية للاستعمار.
وقد لخص الدكتور «أدوارد» خصائص الاستعمار الحديث بأربع خصائص:
1 – التوسع الأقليمي.
2 – إرادة الهيمنة على المجتمعات الأخرى.
3 – تصنيف الكائنات الطبيعية والبشرية بطريقة منهجية إلى متقدمة ومتخلفة، ومتطورة وغير قابلة للتطور.
4 – إضفاء ستار علمي منطقي على جميع هذه الأفكار والمفاهيم، بهدف إخفاء حقيقة الغزو والاستعمار.
وبالنسبة للصهيونية يقول الدكتور أدوارد سعيد(4) (إن الصهيونيين الأوائل اقتبسوا من الأجواء الأوروبية، التي نشأوا فيها فلسفة الفكر الإمبريالي وأسلوبه وموقفه، من الأقطار والمناطق الشرقية(5).
ومعروف أن الكثير من رجال الأعمال اليهود مثل «بارون هيرش وآل روتشلد»(6) كانوا في طليعة القائمين بتمويل المشاريع الاستعمارية؛ حتى قبل ظهور الصهيونية، ولقد صيغ المشروع الصهيوني بشأن فلسطين، على غرار الأساليب ذاتها التي انتهجها البريطانيون والفرنسيون والألمان والأميركيون والروس، في مشاريعهم الرامية إلى التوسع الاقليمي. وتوجهت الدفعة الأولى من الصهيونيين إلى فلسطين بالروح نفسها، التي كان الأوروبيون يتوجهون بها إلى الأقطار والمناطق، التي اعتبروها خاليةً من السكان والحضارة.
أما السكان العرب الأصليون في فلسطين، فكان الصهيونيون يعتبرونهم متخلفين، أو غير موجودين على الإطلاق(7) وأما الحقوق اليهودية(8) في فلسطين فقد صيغت بلغة قانونية أو حتى غيبية، على غرار ما كانت تفعله الدول الإمبريالية في مستعمراتها المختلفة.. ولعل العمل المأساوي الذي ابتليت به الصهيونية يكمن، في أنها ولدت في أجواء الاضطهاد الأوروبي لليهود؛ بل في أجواء كانت تعتبر اضطهاد اليهود جزءًا من الاضطهاد الأوروبي للشعوب السوداء والصفراء والسمراء والحمراء. ومع ذلك فقد آثرت أن تتحالف لا مع المضطهدين مثلها؛ بل مع مضطهديها بالذات)اهـ.
وكان الأمل أن يتحالفوا مع العناصر – غير البيضاء – التي كانت مضطهدةً. وسبب هذه المفارقة في تصوري راجع، إلى عشق الصهاينة للقوة، وتحالفهم مع الأقوياء، لمجرد كونهم أقوياء، وحيث إن «الأبيض» هو القوي، فما الداعي لمحالفة الضعيف؟؟ مثل هذا لم يحصل من اليهود قديمًا، ولن يحصل من الصهاينة حديثًا، إلا إذا جرى «تشخيص خاطئ» فقط. بعد هذا يقارن الدكتور سعيد بدقة ونجاح بين الطالب وأستاذه، بين الصهاينة والاستعمار، فيما يخص المناطق «الخالية من السكان» والانفصال عمن حولهم، وتشرب العنصرية، والتغني بها، ويخلص في النهاية إلى(9) (… فالصهيونية هي من الناحية النظرية صورة متكررة للإمبريالية الأوروبية(10)، وإن كانت متدنيةً عنها… وهي صورة تدعو إلى السخرية في محاكاتها للإمبريالية الأوروبية، فالصهيونية كالإمبريالية منهج فكري(11)، يحكم كل شيء في الدولة التي تتبنى مفاهيمها، بدءًا بمؤسسات تلك الدولة، ومرورًا بسكانها الذين قد يكونون يهودًا أو لا يكونون، وانتهاءً بسكانها الذين قد يملكون أرضاً أو لا يملكون…) 1هـ
إن الصهيونية نشأت وتكاملت في الغرب، وصادف قيامها توسع الاستعمار وانتشاره، حتى شكل كافة الأقطار والقارات – باستثناء أوروبا – لذا راح الصهاينة يراقبون ذلك، ليأخذوا منه. ما ينفعهم ويصلح لهم، وما يهملوا جانبًا ولا حجةً ولا سندًا حقوقيًا أو عمليًا، إلا فحصوه جيدًا ليستقروه في المستقبل.
وقد وصل بهم الحال، إلى تبني القوانين البريطانية، التي وضعها الإنكليز خلال انتدابهم على فلسطين، والتي كانوا يصبون عليها وعلى أصحابها اللعنة، يوم كانت تطبق عليهم، وعلى شعب فلسطين، وهم اليوم يطبقونها بأشنع صورها، وعلى أوسع نطاق، على الشعب الفلسطيني، وإذا ما جرى استنكار قالوا: هذه قوانين الإنكليز.
حقًا إن الصهاينة تلاميذ «نجباء» للاستعمار الحديث، عليه تتلمذوا وبه تترسوا، وعلى هداه يسيرون، وما زالوا لمشاريعه يخلصون، يحاولون دومًا الجمع بين مصلحتهم ومصلحته، يثيرونه على أعدائهم، ويستخدمون مخزونه من الكره، وهم بعد ذلك يتملَّقونه ويطرون حضارته، ويصفون عدوهم بأنه من عالم آخر، ومعاد لحضارة السيد المستعمر… الخ.
وقد درس الموضوع عبد الوهاب المسيري(12) فسجل أربع علامات تميز الاستيطان الصهيوني عن الاستعمار الاستيطاني الحديث هي:
1 – إن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، مبني على نقل اليهود من الخارج إلى فلسطين، ويسمي ذلك «عودة» إلى أرض الآباء والأجداد، فالصهيوني عائد ومحرر، وليس كالأوروبي الأجنبي مغتصب. وهو يحاول إفراغ فلسطين من سكانها، ليحل مكانهم صهاينة عائدون، بينما كان الاستعمار الغربي يقوم على سلب قسم من الأرض وإنشاء مستعمرة عليها، ولا مانع عنده من استعمال السكان الأصليين فيها. أما الصهاينة فقد صمموا ابتداءًا على تشريد الشعب الفلسطيني، وعدم استعمالهم أبدًا، وقد نص عقد الوكالة اليهودية، مع كل يهودي يستأجر منها أرضًا، على أن يتعهد بأن لا يشغل أي موظف أو عامل غير يهودي، أو يتعامل مع أي شخص غير يهودي(13).
ووصل الحال بوزارة الزراعة، متعاونةً مع دائرة المستوطنات إلى فرض غرامات على من يشغل عربيًا في مزرعته(14).
وانتهى المسيري إلى القول(15): (… لعل الصهيونية تمثل في ذلك «أصفى» أنواع الاستعمار الاستيطاني، ذلك أن سياسة نقل السكان الأصليين تساعد على ضمان الاستقرار، لمجتمع المستوطنين وفي الوقت نفسه، تدمير البنيان الاقتصادي والثقافي للسكان الأصليين المنقولين تدميرًا كاملاً).
وقد وصف أحد الصهاينة معاملة قومه للعرب، ومحالة تعليلها فقال «آحاد هعام»(16) لقد كان اليهود عبيدًا في بلاد الشتات، وفجأةً يجدون أنفسهم متمتعين بالحرية، وهذا التغيير أيقظ في نفوسهم ميلاً نحو الاستبداد والتحكم، ومن ثم تجدهم يعاملون العرب بعدوان وقسوة، ويحرمونهم حقوقهم، ويسيئون إليهم، بدون سبب، بل إنهم يفاخرون بما يفعلون، دون أن يقوم بيننا من يعارض هذا الاتجاه الخطر، الذي يستحق الازدراء).
وهناك شهادة غريبة «لموشى دايان» جديرة بالتسجيل يقول فيها(17) (ليس صحيحًا أن العرب يكرهون اليهود لأسباب شخصية أو دينية أو عنصرية، إنهم يعتبروننا بحق – من وجهة نظرهم – غربيين وأجانب وغزاة، جاؤوا ليحتلوا بلدًا عربيًا ويحولوه إلى دولة يهودية).
والإِنسان يمكن أن يتفهم لماذا يكره الفلسطيني الصهيوني؛ لأنه اعتدى عليه؛ وسلبه أرضه وأمواله؛ وقتل أولاده؛ ونسف داره؛ ومنعه من إقامة حكومة له…الخ.
أما حقد اليهودي على الفلسطيني فغير مفهوم، إلا إذا نظرنا من وجهة عنصرية وحضارية، فهذا المتخلف الفلسطيني ليس من حقه أن ينازع السمتعمرَ الجديد المتحضر، القادم من أمريكا أو أوروبا.
و«لإِسحاق دويتشر» وجهة نظر يقول فيها(18): (إن الإِسرائيليين ليسوا عملاء مستقلين، ذلك أن عوامل تبعية إسرائيل هي إلى حد ما، كامنة في تكوينها بالذات، في تاريخها على مدى عقدين من السنين، فكل الحكومات الإِسرائيلية قد ركزت وجود إسرائيل على «التوجهات الغربية» ولقد كان هذا وحده كافيًا لتحويل إسرائيل إلى قلعة حدودية غربية في الشرق الأوسط، وبالتالي إدخالها في النزاع الكبير، الناشب بين الإِمبريالية، وبين صراع الشعوب العربية في سبيل تحررها).
وأختم بما قال «يهودا ماغنس»(19): (هل يصبح اليهود هنا (في فلسطين) من أنصار اللجوء إلى القوة الشرسة والروح العسكرية، وهم يعملون على إقامة جسم عضوي سياسي، كما كان يفعل بعض الحشمونيين؟ يبدو أننا فكرنا في كل شيء إلا في العرب، فلئن كانت لدينا قضية عادلة، فإن لديهم هم أيضًا قضيةً عادلةً، وإذا كانت قد قُطِعت لنا وعود، فقد قُطِعت للعرب أيضًا وعود، وإذا كنا نحب أرض فلسطين، ولنا ارتباطات تاريخية بها، فللعرب مثل ذلك، وإذا كنا نرغب في أن نعيش في هذه البقعة من الأرض، فإن علينا أن نعيش مع العرب، ونحاول مصالحتهم.
فنحن نعيش متطفلين على الديمقراطيات الغربية، ولا بد لنا من أن نسعى إلى إقامة كيان ودي صديق، لا يقوم على أساس القوة، بل على أساس التضامن والتفاهم الإِنسانيين) اهـ.
وهذه الأفكار والأماني أبعد ما تكون عن الصّهاينة، فهم يعتقدون أن القوة وحدها ستحمل العرب على الركوع أمامهم، وما داموا يرفضون ذلك، فيجب ضربهم بكل قوة. ولا عجب في هذا المنطق ما دام صاحبه ممن يعشق القوة، ومن يرضى أن يصارع «يعقوب» الله تعالى ويصرعه.. فالقوة هي الدين الجديد لإسرائيل، وهي تجد في العالم من يشجعها، ويمدها بأسباب القوة، فلماذا تفكر بالتفاهم أو التضامن كما يريد ماغنس؟؟.
1 – الاستقلال الصهيوني والتبعية في آن واحد
حين قام الاستعمار الغربي بإنشاء مستعمرات خارج وطنه، كانت مرتبطةً بالوطن الأم، لذا ما أن واجه البيض الضغط، حتى تركوا المستعمرات كليًا، ورجعوا إلى أوطانهم، واليوم لا يوجد منهم إلا بضعة ألوف في روديسيا (زمبابوي)، والاستثناء الوحيد هم العنصريون في جنوب أفريقيا، أما من عداهم في أفريقيا وأسيا فلا وجود له. في إسرائيل حصل العكس، يُضايق الفلسطيني ويرهب حتى يهاجر، وإلا طرد وأبعد، وهذا لا نظير له، وفي نفس الوقت تسعى إسرائيل للاستقلال عن الدول الحامية لها، مع الاحتفاظ بالعلاقات المفيدة، كتبادل المعلومات والاستخبارات، وتنقل رؤوس الأموال وما أشبه، مما يعود على الدولة اليهودية بالفائدة، أو يمنحها وضعًا أفضل.
وهنا يتطابق الموقف مع العنصريين في جنوب أفريقيا، إذ استقلوا منذ عام 1910، وقطعوا صلتهم بالوطن الأم، لذا فهم يرددون: لا وطن لنا، ولن نخرج حتى نموت أو نموّت غيرنا.
وإسرائيل ما زالت تسير في الاتجاهين معًا: تعميق الاستقلال، وتمتين الروابط مع الدول الحامية.
ولعل السبب أن الصهاينة جاؤوا من عدة دول – كما هو حال العنصريين في جنوب أفريقيا – واليهودي ليس له ولاء لأحد، فكلهم «أغيار» أشرار، لا خير فيهم.
والملاحظ أنه كلما زاد الضغط على الصّهاينة ودولتهم، إزدادت تبعيتهم «للأسياد» وقد تكهن الإرهابي «جابو تفسكي»(20) بهذا الارتباط نظرًا للعداء المحيط بإسرائيل، إلا أنه تصور التحالف سيكون مع بريطانيا، فاخطأ في ذلك؛ لأن اليهود طلقوا بريطانيا وتزوجوا أمريكا، ولا يعرف أحد من يتزوجون غدًا.
* * *
الهوامش:
الصهيونية حركة عنصرية ص 96.
الصهيونية حركة عنصرية ص 221.
مارتن بوير: 1878 – 1965م صهيوني ومن مفسري التوراة، ولد في فيينا، وانضم للحركة الصهيونية عام 1898م وترأس تحرير (دي فيلت) ثم اختلف مع هرتزل فقد كان رومانسيا، بينما كان هرتزل سياسيًا. من كتبه (موسى وإسرائيل والعالم) موسوعة المفاهيم ص 109.
الصهيونية حركة عنصرية ص 134.
ماركس: 1818 – 1883م يهودي ألماني درس القانون لكنه آثر الاقتصاد والفلسفة الاجتماعية، جرى اضطهاده بسبب نشاطه السياسي، فذهب إلى باريس، وهناك التقى بأنجلز وتعاونا على إصدار البيان الشيوعي الأول (المنشور الشيوعي) هاجر يصحبه أنجلز إلى أنكلترا، وأسس مارك المؤتمر الاشتراكي العالمي، وأخرج الجزء الأول من كتابه (رأس المال) وبعد وفاته أخرج أنجلز الجزأين التاليين. رأى فورة الاستعمار وتكالب الدول على المغانم فتصور أن المادة هي كل شيء، الموسوعة الميسرة ص 1615.
المرجع السابق ص 134.
د. أدوارد سعيد: فلسطيني الأصل، أمريكي الجنسية، أستاذ في الأدب الإنكليزي عضو في المجلس الوطني الفلسطيني، صاحب عدة كتب، منها (الاستشراق) وقد فضح المستشرقين وعرّى الاستشراق بما كشف من كذب واحتيال ومغالطات لكبار المستشرقين. وقمت بالتعريف به في مجلة عالم الكتب.
قامت في أوروبا عند اشتداد البطالة (في القرن التاسع عشر) مدرسة (الإصلاح الاستعماري) دعت إلى تحويل الفائض من سكان أوروبا إلى المستعمرات واستخدامهم في الزراعة، وتحقيق المشروع في ظل حماية دستورية وسلطة استعمارية، ثم الانتقال للحكم الذاتي، وكان في بريطانيا وحدها (103) جمعيات لهذا الغرض. وتلقف الصهاينة ذلك، وأعادوا تطبيقه كاملاً في فلسطين حتى لقد صرح النائب اليهودي يوري أفنيري بأنه يوجد في إسرائيل نظام استعماري فيما يتعلق بالسكان العرب. (الصهيونية والعنصرية ص 41).
آل روتشلد: أسرة يهيودية من أصحاب الملايين تعود للقرن السادس عشر، كبير العائلة هو (ماير روتشلد) خلف خمسة أولاد، ذهب أحدهم إلى لندن والثاني لفرنسا والثالث لإيطاليا والرابع لالمانيا، وإلى (والتر ليونيل) وجه وعد بلفور، وكان لنفوذ هذه العائلة وأموالها تأثير كبير في نكبة فلسطين وهم أول من أقام فيها مستوطنة زراعية كان جل عمالها من العرب.
من هنا أطلق الصهاينة شعار (وطن بلا شعب، لشعب بلا وطن) وهو من أكبر وأعظم الكذب.
الحقوق الصهيونية في فلسطين.
الصهيونية حركة عنصرية ص 135.
الحقيقة أن الصهيونية قد وعت الدرس فقامت بإحداث تغييرات تناسب وضعها فقط، وهذا سيتضح قريبًا إن شاء الله.
يتمثل هذا المنهج بدرس المشاكل وإدراك طبيعتها، ثم طرح حلول يسهل على العقل الغربي تقلبها، من ذلك مثلاً: مشكلة التشتت، فاليهود منذ ألوف السنين وهم مشتتون في العالم، مما جعل الفروق بينهم كبيرة جدًا، بحيث لايمكن تجاوزها؛ فجاء الحل بأن ألهب الصهاينة مشاعر «الوحدة»، فهم شعب واحد، يؤمن بإله واحد، ويتبع كتابًا واحدًا، بل راحوا يقولون بأنهم «جنس» واحد – مع أن ظاهر الحال يرفضه – وبالرغم من قيام الدولة، فما زال هذا الصراخ على أشده.
ونظراً لأن «التشتت» ما زال؛ فقد وجدوا أن خطر الامتصاص والاندماج يهددهم، وهو خطر يمكن أن يضيع عليهم ملايين من اليهود، لذا خرجوا يمقوله «خصوصية اليهود» فهم كأمه وشعب متحدون موحدون، إلا أنهم يختلفون في الثقافة وقيم الحضارة، وهم في نفس الوقت متميزون عن سواهم، لذا فمن المتعذر إدماجهم أو اندماجهم في المجتمعات والشعوب الأخرى، وكل هذا من خصوصياتهم.
وبسبب هذه الخصوصية كان تعرضهم للاضطهاد الآخرين، ولما كان هذا الشعور مختزنًا لدى الأمم، ولا مجال للتخلص منه، لذا لا خلاص لليهود إلا بقيام مجتمع خاص بهم، ودولة تحمي هذا المجتمع.
ونظرًا لبحث الغرب عن جذور له في الثقافة اليونانية، فقد تلقف الصهاينة ذلك، وراحوا يرجعون إلى تاريخهم في فلسطين، يوم كانت لهم دولة تجمعهم؛ حتى هاجمهم الآخرون وقضوا على تلك الدولة، وأخرجوا شعبها من فلسطين، ومع الشتات كان التطلع على الدوام للعودة إلى أرض الآباء والأجداد. علمًا بأن الثابت أن ثلاثة أرباع اليهود كانوا خارج فلسطين قبل سقوط القدس. (المشكلة اليهودية الحركة الصهيونية/ بديعة أمين ص 19).
والشيء الذي يخفونه ولا يذكرونه، هو أن حروبهم الداخلية، وقتلهم لعشرات الألوف من إخوانهم، كما تذكر ذلك التوراة بالأرقام، وحربهم الشرسة بين دولتيهم في الشمال والجنوب، كل ذلك وغيره مكن للآخرين من غزوهم، وتدمير دولتهم، ثم تشتيتهم، وإلا لماذا كان هذا نصيبهم، دون مواطنيهم الآخرين؟؟.
حتى إذا استقروا واغتنوا أصبحت فلسطين قضيةً عاطفةً، وترف فكري، يقول المؤرخ الأمريكي أ. ت. أولستد (كان من الصعب التوقع أن يترك اليهود، بعد أن اغتنوا بابل الخصبة من أجل هضاب اليهودية الجرداء) وحين دعاهم «قورش» ابن اليهودية، إلى العودة إلى فلسطين، فضل جمهورهم البقاء وعدم الرحيل، ولو قامت ألف حرب فلن يترك اليهود نيويورك والبورصة، ولن يترك يهود جنوب أفريقيا مناجم الذهب والماس أبدًا. وقد بح صوت اسرائيل بالدعوة للهجرة ولا من مجيب.
المهم إن وضع القضية، بالصورة التي يرسمها الصهاينة، توصي بأن حل قضية اليهود هو بوجود مجتمع خاص، ودولة تحميه في فلسطين، ولا حل غير ذلك. وقد حاولوا البحث عن مبررات يقبلها العالم فكان مما داؤوا به:
1 – كل شعب من شعوب العالم له دولة ترعاه وتنظم شؤونه، واليهود شعب، وفلسطين أرضه، وهو مرتبط بها تاريخيًا، وقد خرج من هناك بفعل بعض الأمم المعادية له، ومن حقه أن يعود إلى أرض أجداده.
2 – إن قيام دولة يهودية هو الحل الأمثل لمشاكل اليهود؛ فهم يختلفون عن غيرهم، الذين ما زالوا يكرهونهم، ولا يستطيعون أن يتخلصوا من هذا الكره، وقيام الدولة يخلص اليهود، ويضع حدًا لمعاناتهم، ويخفف الاحتكاك بينهم وبين هؤلاء «الأغيار».
3 – إن عودة اليهود إلى فلسطين لن تثير شيئًا، ففلسطين أرض بلا شعب فما المانع أن تُعطىٰ لشعب بلا أرض؟.
فإذا قيل بإن فلسطين مسكونة بشعب منذ ألوف السنين، استعاروا من الاستعمار منطقه وقالوا: ليس فيها سوى مجموعة من البدو يمكن أن يهاجروا إلى البلاد العربية المجاورة التي بإمكانها أن تستوعبهم وملايين أخرى معهم.
4 – إن عودة اليهود لفلسطين ستنقل للمنطقة المتخلفة عنصرًا حضاريًا جيدًا يبث فيها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وعلى العموم سيقوم تعاون بين الطرفين، هؤلاء بأموالهم وهؤلاء بخبراتهم وعقولهم، حتى تفيض الأرض ذهبًا وعسلاً. والنتيجة معروفة: حروب متصلة أكلت كل شيء.
5 – لما كانت الصهيونية حركة اشتراكية، فهي ترفض كل استغلال من الإنسان لأخيه الإنسان، وستكون نقطة إشعاع للعدالة الاجتماعية الديمقراطية، وهذا المنطق يستهدف هجرة اليهودي كما يستهدف الإنسان الغربي كي يمنح دعمه وتأييده ورضاه.
وإلا فالإشعاع العنصري هو الذي رأيناه حتى اليوم.
وغدًا سيكون الإشعاع القاتل، من ذلك المخزون النووي الذي لا يعلم أحد متى ينطلق ليقتل البشر والحيوان في المنطقة.
قدم لمؤتمر طرابلس بحثًا بعنوان «علامات مميزة للاستعمار الاستيطاني الصهيوني» حاول فيه تلمس الفروق بين الاستعمارين (الصهيونية حركة عنصرية ص 151).
الصهيونية حركة عنصرية ص 71.
الصهيونية حركة عنصرية ص 78.
الصهيونية حركة عنصرية ص 152.
المرجع السابق ص 221.
المرجع السابق ص 28.
المرجع السابق ص 228.
يهودا ماغنس: 1877 – 1948 حاخام أمريكي صهيوني، رأس الجامعة العبرية بالقدس وحين قامت الحرب العالمية الأولى كان من دعاة «الموقف السلمي» فغضب عليه «الاتحاد الصهيوني» فاستقال عام 1915 من الحركة، هاجر إلى فلسطين 1922 وقد أحس بالمخاطر التي تترتب على إنشاء الوطن اليهودي على الشعب الفلسطيني لذا قام بتكوين جماعة «عهد السلام» ثم جماعة «الاتحاد» وكان ينادي بدولة مستقلة مزدوجة الجنسية لذا أصدرت الجامعة العبرية تعلن أن لا علاقة لها بنشاط ماغنس، لذا ترك إسرائيل ومات في نيويورك. (موسوعة المفاهيم 348).
جابو تنسكي: فلادمير جابوتنسكي 1880 – 1940 زعيم الصهيونية التنقيحية، وُلِدَ في روسيا، وشارك في تأسيس «الصندوق القومي اليهودي»، واللواء اليهودي الذي حارب في الحرب العالمية الثانية، كما شارك في مقاومة المظاهرات العربية في القدس عام 1920م.
في عام 1923 أسس في بولندا حركة (بيتار) بهدف الدفاع عن اليهود، وإعداد الشباب للحياة في فلسطين. وفي عام 1925 أسس (الاتحاد العالمي للتنقيحيين) حيث كان يطالب بالحديث الصريح عن إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، بينما كانت الصهيونية تواري وتنافق. وفي عام 1935 أسس (المنظمة الصهيونية الجديدة) وكان يدعو إلى سياسة القوة ضد العرب، وهو رائد الإرهاب الصهيوني، وخليفته وتلميذه «بيغن» موسوعة المفاهيم ص 147.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، محرم – صفر 1432 هـ = ديسمبر 2010م – يناير 2011م ، العدد :1-2 ، السنة : 35