طريقة مواجهة التحدي الأخطر الذي طرحته الحرب الصليبية الصهيونية المعاصرة

كلمة المحرر

لم تَتَبَيَّنْ كثيرٌ من أفراد الأمة الإسلاميّة – لسبب الغياب الشعوريّ – وكثير من القادة والساسة وطبقة الحكام لدينا – عن عمدٍ وتجاهلٍ مقصود – أنّ الحرب التي بدأتها أمريكا عن طريق نسج وتنفيذ مسرحيّة 11/سبتمبر 2001م ضدّ كل من أفغانستان والعراق والعالم الإسلامي بشكل عامّ، هي في الواقع حربٌ صليبيَّةٌ صهيونيَّةٌ شاملةٌ ضدَّ الإسلام والمسلمين تُوَظَّفُ فيها من قبلها – أمريكا – كلُّ الأسلحة التقليديّة وغير التقليديّة والمرئيّة وغير المرئيّة، وأنّها حربٌ طويلةُ المدى، بعيدةُ الأجل، وهي لن تنتهي مالم تأتِ الصليبيةُ المتصهينةُ على كلّ أخضر ويابس في العالمين الإسلامي والعربي حسبما خطّطته.

       وهي لاتستهدف فقط المُقَوِّمَات المرئيّة لدى الأمة المسلمة، ولا تستهدف أجسامها وأرواحها فحسبُ، والثروة البشريّة والقوى الشبابيّة والعقول المفكرة لديها فقط، وإنما تستهدف كذلك القضاءَ على كلّ ما لديها من المُقَوِّمَات العقديّة والحضاريّة، والثقافيّة والتقليديّة، والتراثية والتاريخية؛ حتى تعود – كما يبدو من تخطيطها – لاتتمسك بالدين الإسلاميّ المحمديّ الأصيل، وإنما تعيش على إسلام أمريكي إسرائيلي غربيّ صليبيّ صهيونيّ سَمَّته «الإسلام المعتدل» «الإسلام المتحضّر» «الإسلام المتماشي مع العصر» «الإسلام المساير لركب التقدم الصهيوني الصليبي» وعملت ولاتزال على إيجاده.

       من ثم إنّ هذه الحرب الصليبية الصهيونيّة لم تُشَنَّ فقط على البلاد الإسلاميّة العربيّة بأسلحة الدمار الشامل التقليديّة وحدها وإنّما شُنَّت على الأمة الإسلاميّة كلها بأسلحة كثيرة مُتَنَوِّعَة غير تقليديّة كذلك: بأسلحة «التسفير» و«نزع الحجاب» بأسلحة «اتهام كل مسلم متدين ملتزم بالشعارات الإسلاميّة بأنّه إرهابيّ» بأسلحة «اعتقال الشباب المسلم حتى في داخل البلاد الإسلاميّة، والزجّ به إلى السجن وتعذبيه فيه بشكل تقشعر من تصوّره فقط جلود كلّ إنسان حيّ» بأسلحة «إلغاء حصص الدراسات الإسلاميّة ولاسيّما مبادئ الدين وأصول الشريعة في المدارس والجامعات والكليات أو تحجيمها» باعتبارها تُخَرِّج «الإرهابيين» وتُصَدِّر «الإرهاب» ، بأسلحة «فرض الحظر على بناء المآذن في المساجد ثم فرض الحظر على بناء المساجد» لأنها يُعْبَد فيها الله وحده وذلك هو أساس «الإرهاب» وتُرْفَع فيها بـ«الله أكبر» وذلك شعار وهتاف الإرهابيين، بأسلحة «زرع الحضارة الغربية الأمريكية الصليبية الصهيونية في البلاد الإسلامية، بشكل أسرع وتخطيط أخطر من ذي قبل، بأسلحة تشجيع التعليم المختلط وترويج السفور والفجور حتى في بعض البلاد الإسلامية التي ظلت تُعْرَف بتزمتها والتزامها وتمسكها بالتقليد الإسلاميّ، بأسلحة «الإساءة البالغة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم».

       وقد اتخذت الصهيونية الصليبيةُ في كلّ بلاد الإسلام لتحقيق الانتصار في حربها المُقَدَّسَة على الإسلام والمسلمين عُمَلاَء من كثير من قادة المسلمين وساستهم إلاّ من رحم الله، فهم يتعاونون معها عن عمد أو عن غفلة؛ حيث في بعض الأحيان يتعاونون مُسَيَّرين مدفوعين، لا مُخَيَّرين.

       وكانت الطبقةُ الواعيةُ في الأمّة قد تبيّنت منذ اليوم الأوّل أنّ هذه الحرب التي شنتها ضدّ الإسلام أمريكا الصليبية المُتَصْهِيَنة بتعاون من الغرب الصليبي المتصهين، هي حربٌ صليبيةٌ صهيونيّةٌ، وقد صَرَّح بذلك بدورها «بوش» الابن الصليبي المتصهين الرئيس الأمريكيّ الذي خَلَفَه الرئيس الحاليّ «أوباما».. صَرَّح بأنّه يخوض اليوم حربًا صليبية ضدّ الإسلام والمسلمين.

       ولكنّ الطبقةَ غيرَ الواعية في الأمّة ظلّت ولاتزال تُؤَوِّل وتُفَلْسِف هذه الحربَ وتقول: إنّها فقط حربُ سيطرةٍ اقتصاديّة سياسيّة تخوضها أمريكا لكي تُسَيْطر على المواقع الاستراتيجيّة في العالم بما فيه العراق وأفغانستان والبلاد التي تودّ السيطرةَ عليها، حتى تُسَيْطِر على مصادر النفظ وآبار البترول؛ لأنّها هي مواردُ وقودٍ استراتيجيّ في العالم اليوم.

       والواعون في الأمة يقولون ويتأكّدون: إنّها حربٌ صليبيةٌ صهيونيّةٌ شاملةٌ تستهدف كلَّ مُقَوِّمات الأمّة الاقتصادية والاستراتيجية والحضاريّة والعقديّة والتاريخيّة، حتى تُحَوِّل الأمةَ مُفْلِسَةً في كلِّ ما لديها من المال والاقتصاد، والدين والعقيدة، والحضارة والتاريخ، الثقافة والتراث.

       وقد بدأت آثارُ هذه الحرب المُدَمِّرة الشاملة تتبدّى في كلّ مكان، ويتجلّى اليوم حتى للبُلْهِ والصِّبْيَان أنّ الأمّة لَحِقَها من الخسارة ما لا تقدر هي على تلافيها على مدى قرون طويلة آتية، حتى ولو أَنْهَتِ الصليبيةُ الصهيونيَّة حربَها عليها الآن ودونما تأجيل.

       إنّ التحدى عديم النظير الخطير للغاية الذي طرحته هذه الحربُ أمام الأمة، إنما يُمْكِن مواجهتُه والتعاملُ معه إذا وَعَت الأمة أوّلاً مدى خطورة الموقف، وصَحَّحَتْ عزمَها ثانيًا على الاتّحاد والتكافل والتضامن، ورأب الصدع، وكونها كلمةً واحدةً بكل مالديها من الإمكانيات ضد العدوّ الماكر الخبيث الذي لم يَنْسَ الألم الذي لايزال يَشْعُرُ في أعماق ضميره من اللطمة القويّة القاصمة التي لَطَمَه إيّاها بطلُ «حِطِّين» ومُحَرِّر فلسطين: البطلُ الإسلاميُّ المِغْوَار صلاحُ الدين الأيوبي الكُرْدِيُّ (يوسف بن أيوب بن شاذي أبو المُظَفَّر صلاح الدين الأيوبي، المُلَقَّب بـ«الملك الناصر» 532-589هـ = 1137-1193م).

       إنّ الطريق إلى مواجهة التحدي إنما يُفْتَح إذا وَعَتِ الأمة خطورةَ الموقف. أمّا إذا ظلّت مؤمنة بكون الموقف هامشيًّا، كما يعتقد كثير منّا، فإنّ الطريق إليها سيظل مسدودًا، كما هو مسدود اليوم.                                                             

[التحرير]

(تحريرًا في الساعة 11 من صباح يوم الأحد : 22/ ذوالقعدة1431هـ = 31/ أكتوبر 2010م)

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ذوالحجة 1431 هـ = نوفمبر- ديسمبر 2010م ، العدد :12 ، السنة : 34

Related Posts