إصدارات حديثة
تاليف : سعادة الدكتور يوسف كامل خطّاب
نشر وتوزيع : دار النحوي – الرياض – المملكة العربية السعودية
فهرسة : مكتبة الملك فهد الوطنية
رقم الإيداع : 1342/1430، ردمك: 8-2092-603-978
استعراض و دراسة : نور عالم خليل الأميني
أهدى إلينا الكاتب الإسلامي سعادة الدكتور يوسف كامل خطاب/ حفظه الله (أستاذ بكلية الملك خالد العسكريّة وعضو في هيئة تحرير المجلة العسكرية العلمية الثقافيّة الفصليّة التي تصدر عن الكليّة) نسخةً من كتابه القيّم: «الشهادة والشهداء في الإسلام» الذي أصدرته دارالنحوي للنشر والتوزيع بالرياض بطبعته الأولى عام 1430هـ/2009م في حلّة قشيبة فاخرة من الطباعة والإخراج والورق الأبيض الناصع الغليظ، مما يدعو القارئ لاقتناء الكتاب والانصراف إلى دراسته والاستفادة منه.
يقع الكتاب بمواده في 385 صفحة من القطع الكبير المتداول للتأليفات الوقورة، وفي 426 صفحة بفهارسه الكاملة، من فهرس الآيات، وفهرس الأحاديث والآثار، وفهرس الأعلام، وفهرس المصادر والمراجع، الذي يليه فهرس الموضوعات .
الكتابُ يدرس معنى «الشهادة» و«الشهيد» بأسلوب شامل، لايغادر ما يتعلّق بالموضوع إلاّ يحصيه، ويجلي ما يميز الشهداء في الدنيا والآخرة عمن سواهم من موتى المسلمين، ويبين فضيلتهم في الكتاب والسنّة ومكانتهم عند الله عز وجلّ والأحكام التي يتعلق بهم في الفقه، وما يأمر به الكتاب والسنة نحوهم من التكريم والبر بأقاربهم وأخلافهم و ورثتهم، كما يردّ على ما يثار من شبهات من قبل بعض العلمانيين والمتحررين من الكتاب والمفكرين المزعومين والفئة الضالة التي تزعم أن الموت في سبيل التدمير «شهادة».
ويَتَوَزَّع الكتابُ بين مقدمة و مدخل وخمسة أبواب وخاتمة. والمقدمةُ (ص7-18) بدأها المُؤَلِّف الفاضل ببيان أنّ الأمة المحمديّة – على صاحبها الصلاةُ والسلامُ – شَرَّفَها الله تعالى بأن بَعَثَ فيها خاتمَ الرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم، وكَلَّفَها بالدعوة إلى الله ونشر دينه وإعلاء كلمته، ولتحقيق هذه الغاية أوجب عليها الجهاد، فإن انتصر المجاهد في سبيل الله على عدوّه، فاز برضا الله، وإن قُتِلَ ظَفِرَ بالجنة وصحبة النبيين والصالحين. واستيقنت نفوس الصحابة ومن تبعهم بإحسان وعدَ الله بذلك، فأقبلوا على الموت في سبيل الله غيرَ هيّابين، واستطاعوا أن يسودوا الدنيا ويرفعوا فيها راية الإسلام. وكانت هذه الروح المعنوية العالية العجيبة مبعث إعجاب وانبهار لدى العدوّ والصديق.
وقد أدرك أعداء الإسلام المصادرَ الروحيّة التي يستمدّ منها المسلمون الثبات والصلابة في نصرة دينهم، فطفقوا يبذلون محاولاتهم للحيلولة دون استمرار التواصل بين المسلمين ومُعْتَقَدَاتهم، واتخذوا لذلك أكثر من وسيلة، من بينها التشكيك في كتاب الله وفي سنة نبيه، ومنها ترويج شعارات فصل الدين عن سائر شؤون الحياة؛ فلا دين في الحرب، ولا دين في السلام، ولا دين في السياسة… وأن تدخّل الدين في أمر الحرب يرجع بالبشريّة إلى عصور التخلّف والهمجيّة، وكذلك راح الملحدون منهم ينكرون عالمَ الغيب، فلا ثواب ولا عقاب، فلا وعدَ من الله بالجنة ونعيمها، وما إلى ذلك من الدعوات الهدامة الكيثرة المستهدفة لإخماد جذوة الإيمان في شباب الأمة؛ لأن الأعداء يعلمون أن روح التفاني في سبيل الله هي القوة الغريبة التي يتمتع بها المسلمون، والتي تجعلهم دائمًا لايهابون الموتَ في سبيل الله ويقتمحون الأهوالَ دونما وجل وينهضون لمقاومة أيّ قوة عاتية على وجه الأرض.
وتحت العنوان الفرعي: «لماذا هذا الكتاب؟» لَخَّصَ المؤلف الأهداف التي من أجلها ألَّف الكتابَ، وهي أولاً: إجلاء معنى الشهادة وبيان فضل الشهداء ومكانتهم عند الله، لتعلم الأمة أن الطريق إلى العزة إنما هي إحياء سنة الجهاد بالنفس والمال. وثانيًا: كشف حقيقة الفكر التكفيري المنحرف. وثالثًا: الردّ على ما يثار من شبهات حول الشهادة والشهداء من قبل بعض الكتاب المعاصرين بأن كلمة «الشهيد» و«الشهادة» غامضة ومُضَلِّلَه. رابعًا: تعزية ذوي الشهداء من رجال القوات المسلحة ورجال الأمن وحراس الحدود والثغور ومن في حكمهم. خامسًا: تسلية نفوس أهالي من ماتوا غرقًا أو حرقًا أو تحت الهدم من الميتات الفجائية التي جاء في نصوص السنة ما يدلّ على أن المسلم الذي يتعرّض لميتة منها ينال «أجر الشهداء». سادسًا: بيان ما يتعلق بالشهداء من أحكام شرعيّة من غسلهم وتكفينهم والصلاة عليهم ودفنهم. سابعًا: بيان ما يجب على الأمة – من حكومات وجماعات وأفراد – تجاه أسر الشهداء. ثامنًا: بيان ما كان عليه السلف الصالح من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرعة استجابة وتجاوب مع دينهم وعقيدتهم فيما يتعلّق بشأن الشهادة في سبيل الله.
وفي المقدمة أبان المُؤَلِّف أنه وَزَّع الكتاب بين مقدمة ومدخل وخمسة أبواب، والباب الأول فيه ثلاثة فصول، والباب الثاني فيه أيضًا ثلاثة فصول، والباب الثالث كذلك يضمن ثلاثة فصول، والباب الرابع كذلك يتوزغ على ثلاثة فصول، والباب الخامس ساق فيه سيرة 27 شهيدًا من شهداء عصر النبوة على صاحبها الصلاة والسلام.
وتحت عنوان مدخل (ص 20-25) تحدّث المؤلف عن (الشهادة والشهداء) في اللغة والاصطلاح، فـ«الشهادة» لغةً معناها: الإخبار، والحضور، والعلم، واليمين. و«الشهيد» لغة: من يؤدّي الشهادة، والحاضر، والذي لايغيب عن علمه شيء.
والشهادة والشهداء، جاء معناها الاصطلاحي مُسْتَقىً مما أضفاه الإسلام على كثير من الألفاظ والتعابير العربيّة معاني دلاليّة جديدة تضاف إلى معانيها اللغويّة، فعادت لفظة الشهادة تُعْطِي معنى «السبيل إلى تحقيق المنزلة الكريمة والمكانة العالية التي وعدها الحق تبارك وتعالى لمن قُتِلَ وهو يجاهد في سبيله، نصرةً لدينه، وإعلاءً لكلمته» وصارت لفظة «الشهيد» تعطي معنى «كل من قُتِلَ أو مات وهو يجاهد في سبيل الله، مُقْبلاً غيرُ مُدْبِرٍ، صابرًا ثابتًا، مُحْتَسِبًا أجرَه عند الله تعالى» وكذلك كل من صَرَّحَت السنة النبوية أنه «شهيد» كالحريق، والغريق، والمبطون، والمطعون وغيرهم.
وأول استخدام لمصطلح الشهيد – حَسْبَمَا قال أحد العلماء المعاصرين – بمعناه الإسلامي الاصطلاحي كان في غزوة «بدر»، وإن كان هناك شهداء سبقوا هذه المعركة، مثل «سُمَيَّة» أُمّ عمار بن ياسر – رضي الله عنهما – وهي أول شهيد في الإسلام؛ حيث قتلت قبل غزة «بدر» وقبل الهجرة والإذن بالقتال.
ويلي المدخلَ الباب الأوّل، الذي خصّه المُؤَلِّف بذكر «الشهادة والشهداء في القرآن الكريم» عبر ثلاثة فصول، والفصل الأول (ص31-44) تحدّث فيه المؤلف تحت عنوان «ملاحظات وتأمّلات» عن أمور هامّة لابدّ من ملاحظتها وتأمّلها.
1 – منها: كثرة ورود لفظتي «الشهادة» و«الشهداء» بمعناهما اللغوي والاصطلاحيّ؛ فلفظة «الشهادة» – مفردةً وجمعًا وإضافةً – وردت في كتاب الله تعالى في 26 موضعًا. بينما وردت لفظة «الشهيد»، بصيغ الإفراد والتثنية والجمع والإضافة، في 56 موضعًا، ومما يدعو للتأمّل أن القرآن استخدم لفظة «الشهادة» في جميع مواضعها الستة والعشرين في المعنى اللغوي لا المعنى الاصطلاحيّ، أما الاستخدام القرآني للفظة «الشهيد» بمعناها الاصطلاحيّ، فقد جاء في أربعة مواضع فقط من الـ 56 موضعًا التي استخدم فيها لفظ «الشهيد».
وقد ساق المؤلف المواضع التي وردت فيها لفظة «الشهيد» في القرآن بمعناها الاصطلاحيّ. وذكر أن الموضعين من هذه المواضع يتفق العلماء على أن لفظة «الشهيد» جاءت في المعنى الاصطلاحي أي في معنى «من قتل في سبيل الله صابرًا محتسبًا، مقبلاً غير مدبر». وأن الموضعين من هذه المواضع مختلف فيهما لدى العلماء، فمنهم من قال: إن «الشهيد» بمعنى الشهيد في سبيل الله، ومنهم من قال: إنها في غير هذا المعنى الاصطلاحي.
2 – ومنها ندرة استخدام القرآن لمصطلح «الشهيد»؛ حيث يستوقف الباحثَ عن مفهوم «الشهادة» و«الشهداء» في القرآن الكريم، أنه – فيما عدا المواضع الأربعة، ومنها موضعان قابلان للتأويل – لم يرد لفظ «الشهيد» في القرآن كلّه إلاّ بالمعنى اللغويّ.
على حين إن المعنى الاصطلاحي للفظة «الشهيد» لم يكن من المعاني المعروفة في الاستعمال الجاهلي لهذه الكلمة، وإنما اكتسبت اللفظةُ هذا المعنى الجديدَ مع مجيء الإسلام ونزول القرآن؛ فكان المُتَوَقَّع لدى الدارس لمعنى «الشهادة» في القرآن الكريم، أن لايتحدث القرآن الكريم عن القتل والقتلى في سبيل الله عزّ وجلّ في كل موضع يريد أن يتحدّث عنهما إلاّ بلفظتي «الشهادة» و«الشهداء» اللتين لم تكونا معروفتين لدى العرب قبل مجيء الإسلام ونزول القرآن بمعنى المقتول في سبيل الله، والقتيل في سبيل الله صابرًا محتسبًا، مقبلاً غير مدبر، فالدارس لهاتين اللفظتين في القرآن، يحار ويتعجب؛ حيث يجد القرآنَ على عكس ما يتوقّع فلا يورد لفظةَ «الشهادة» بمعناها الدلالي الجديد في أي موضع من مواضع استخدامها في القرآن، ويكتفي باستخدام لفظة «الشهيد» بمعناها الدلالي الجديد مواضع محدودة، ومن هذه المواضع ما هو أقرب للمعنى اللغوي منه إلى المعنى الاصطلاحي الجديد.
3 – منها: أن القرآن الكريم عرض «الشهادة» في صيغة القتال والقتل والموت، وتَنَحَّىٰ عن ألفاظ «الشهادة» و«الشهداء» واشتقاقاتها. اقرأ الآية 154 من البقرة، والآية 169 من آل عمران، والآية 157 من آل عمران والآيات 4-6 من محمد، والآية 47 من النساء، والآية 74 من النساء، والآية 195 من آل عمران، والآية 111 من التوبة، والآية 143 من آل عمران. على حين إنّ الفظة «الشهادة» بمعنى القتل في سبيل الله، ولفظة «الشهيد» بمعنى المقتول في سبيل الله ذواتا مضمون دلاليّ لم يُعْرَفْ إلاّ مع الإسلام ونزول القرآن.
ولا يمكن أن يُفَسَّر هذا الأمرُ إلاّ بأن الله تعالى إنّما آثر استخدام ألفاظ القتل والموت في المواضع التي عرض فيها موضوعَ «الشهادة» وألفاظ الإيذاء والتعذيب والتهجير والتغريب في بيانه للسبل المُؤَدِّيَة إليها وتَبِعَةِ تحقيقها والفوز بها، حتى يكون تصوُّرُ المؤمنين لمضمون الشهادة في سبيل الله تصوُّرًا واقعيًّا مألوفًا معروفًا، لا مجازَ فيه، ولا مجالَ لتأويل ألفاظه والاشتباه في معانيه؛ لأن العربَ في جاهليّتهم كانوا يعرفون القتال، ويُدْرِكُون ما يترتّب عليه من قتل و وجراح وإيذاء وإيلام؛ فجاء عرضُ القرآن للشهادة والشهداء بألفاظ القتل والقتال والإيذاء، لتظلّ هذه المعاني والتصوّراتُ ثابتةً قائمةً في أذهان المخاطبين كما هي، وتكون مُسْتَحْضَرَةً في عقول المؤمنين التوّاقين إلى الشهادة في سبيل الله. ولاشكّ أن منهج القرآن الكريم في عرض «الشهادة» و«الشهداء» على هذا النحو الصريح أعظم أثرًا، وأحمد عاقبةً في إعداد المؤمن المجاهد ليوم القتال. كما أن ربط المنهج القرآني في عرضه للشهادة والشهداء بين القتال والغاية منه وحصر الغاية في «سبيل الله» قد حَدَّدَ للمسلم الرايةَ التي يقاتل تحتها، وحَصَّنَه من الانخداع بالرايات الزائفة المُضَلِّلَة.
الفصل الثاني: منهج القرآن في ربط الشهادة بالإيمان بالغيب (ص 47-57).
بَيَّنَ المؤلف في هذا الفصل أنّ الصحابة رضي الله عنهم بعد ما آمنوا بنبيهم، اندفعوا إلى الشهادة والموت في سبيل الله في استجابة سريعة لاتزال تدهش العقول، رغم أن العرب في جاهليتهم كانت لديهم مُعْتَقَدَاتٌ عن الموت والحياة، والدنيا والآخرة، كانت تدفعهم إلى التعلّق بالدنيا، والركون إليها، والتشبّث بحب لها، والهروب من مظانّ الموت ومواقعه، وساحاتُ القتال أفسحُ ساحاتِ الموت وأرحبُ مواقعِه.
فلماذا اندفع المؤمنون إلى الموت في سبيل الله عندما تركوا الجاهليّة وراءهم ظهريًّا: للإجابة عن هذا التساؤل أبان المؤلف المنهج القرآني في تربية المسلمين، والسموّ بأفكارهم وعقائدهم، الذي أكّد لهم وزيّن في قلوبهم أن الحياة الدنيا ليست هي نهاية المطاف، بل هناك حياة أخرى لها من المواصفات ما ليس لهذه الحياة؛ لأنها الحياة الأبدية، وأن الموت نقلة إلى تلك الحياة الخالدة، وأن البعث بعد الموت حقّ. ومن خلال هذه الحقائق التي عرضها القرآن الكريم عن عالم الغيب والشهادة، والموت والحياة، والدنيا والآخرة، والبعث بعد الموت، والثواب والعقاب، صَحَّحَ عقائد المسلمين عن العالم الأخرويّ؛ فانطلقوا راشدين إلى الموت في سبيل الله، والقتال لإعلاء كلمة الله.
الفصل الثالث: فضل الشهداء وأجرهم كما بَيَّنَه القرآن الكريم (ص 61-76).
بما أنَّ الشهداء استرخصوا أنفسَهم دفاعًا عن دين ربّهم، وإعلاءً له، فَامْتَنَّ الله عليهم بالأجر العظيم، والفضل العميم، وأوضحت بعضُ آيات القرآن الكريم فضلَ الشهداء وأجرهم. من ذلك:
أولاً: اختيارهم للشهادة؛ لأنّها لاتُنَال بالتمنّي، وإنما باصطفاء الله واختياره.
ثانيًا: استمرارُ حياتهم (الشهداء) بعد الموت .
ثالثًا: عِظَمُ الأجر، ويتمثل في (الف) غفران الذنوب (ب) تنمية الأعمال، والهداية، وصلاح البال (ج) دخول الجنة (د) حسن الرفقة. ومن ذلك يتبيّن أن أجر الشهداء من أجزل الأجور وأوفاها، وأن منزلتهم في أرفع المقامات وأعلاها.
الباب الثاني: الشهادة والشهداء في السنة النبوية (ص 79-82).
وصَدَّر المؤلف هذا البابَ بأبحاث عن السنة وثيقة الصلة بمباحث موضوع «الشهادة» و«الشهداء».
فأولاً: السنة النبوية هي المصدر الثاني للدين الإسلامي بعد القرآن الكريم.
ثانيًا: السنّة النبويَّة القوليَّة – خصوصًا الأحاديث المتواترة – إلهيّة المصدر كالقرآن الكريم.
ثالثًا: السنة النبويَّة تُمَثِّل مع القرآن الكريم وحدةً واحدةً؛ فكلاهما وحيٌ من الله تبارك وتعالى، فلا يمكن الاستغناء بأحدهما عن الآخر أو فهم مُرَادِ الله من مصدر دون الآخر.
رابعًا: السنّة النبويّة – بحكم التصاقها بالأحداث والوقائع التي كانت تحدث في حياة المسلمين في عصر النبوة، وبحكم المهمة التي كُلِّفَ النبيُّ إِيَّاهَا من التبليغ باللّسان – كانت قابلة لأن تكون أكثر تفصيلاً وتوضيحًا وتعليلاً من القرآن الكريم الذي غلب عليه طابع الكليّة والتعميم.
والفصل الأول من هذا الباب: مفهوم الشهادة وأنواع الشهداء في السنّة النبويّة (ص85-93).
السنة النبويّة بسطت القولَ في موضوع الشهادة والشهداء؛ فبَيَّنَتِ المرادَ بالشهداء، وأوضحت ما ينتظرهم من مكانة عند ربّهم، وفَصَّلَت مراتب هذه المنزلة. فبينما القرآن يحصر الشهيدَ فيمن قُتِلَ لإعلاء كلمة الله، نجد السنّةَ النبويّة تجعل كثيرًا من الميتات «شهادة» ويُسْبِغ على من مات فيها اسم «الشهيد»، حتى إن الإمام السيوطيّ في رسالته: «أبواب السعادة في أسباب الشهادة» عدّد بضعًا وثلاثين شهيدًا، جاء ذكرهم في 46 حديثًا عن الشهادة والشهداء، وأضاف إليها مُحَقِّق الرسالة 42 حديثًا آخر تضمنت فئةً أخرى من الشهداء الذين لم يرد ذكرهم في رسالة السيوطيّ، وهؤلاء على وجه الإجمال 36 نوعًا من الشهداء، ذكرهم المؤلف مُرَقَّمِين.
كما اشتملت دائرةُ الشهداء في السنّة على فئة أخرى من الموتى الذين يُعْطَوْن من جنس أجر الشهداء، وهم من داوموا على فعل بعض الطاعات، والمحافظة على صلاتي الوتر والضحى، والمداومة على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، والحرص على أن يكون المرأ دائمًا على وضوء وما إلى ذلك.
الفصل الثاني: تفاوت منازل الشهداء كما أوضحته السنّة النبويّة (ص 97-105).
إن أهل العلم من المُحَدِّثين والفقهاء يؤكّدون على أنّ الشهداء ليسوا في منزلة واحدة عند الله تعالى، وإنما تتفاوت منازلهم بتفاوت الصورة التي استُشْهِدُوا عليها؛ حيث إنه لاخلاف بينهم على أن الشهيد الذي قُتِلَ وهو يجاهد في سبيل الله بسيفه وسنانه، مقبلاً غير مدبر، صابرًا محتسبًا، لا يتساوى معه غيره من الشهداء في الأجر والمنزلة عند الله. والشهداء الذين عدّدتهم السنة النبوية يُعْطَون من جنس أجر شهيد المعركة، لا الأجر نفسه الذي يُعْطَاه.
كما أن التفاضل سيكون بين شهداء المعارك أيضًا، كما تؤكد ذلك السنة النبويّة، فهم ليسوا عند الله في درجة واحدة. وقد ساق المؤلف الأحاديث التي تدلّ على هذه الحقيقة.
الفصل الثالث: أجور الشهداء كما أوردته السنة النبويّة (ص109-128).
دواوين السنة النبوية تزخر بالعديد من الأحاديث التي تبيّن ما يناله الشهداءُ من الأجر والفضل والرزق والخير عند الله تعالى، جزاءً منه تعالى على ما قدّموه من أرواحهم ودمائهم وأنفسهم.
و ذكر المؤلف من ذلك ما يلي وساق حول بيانه الأحاديث:
1 – تخفيف آلام الشهيد عند قتله.
2 – استقبال الحُوْرِ العِيْنِ له عند شهادته.
3 – مصاحبة الملائكة له حتى يُرْفَعَ .
4 – أمن الفتنة في قبره .
5 – غفران ذنوبه .
6 – دخول الجنّة .
وقد تعدّدت الأحاديث، التي تُعَيِّن مكانَ الشهداء في الجنّة، وتُصَوِّر حياتَهم فيها:
(أ) أنهم في الفردوس الأعلى.
(ب) أن أرواحهم تسرح في الجنة حيث شاءت.
(ج) أن الله يكلمهم ويُمَنِّيهم ويضحك إليهم.
(د) أنهم يُزَوَّجُون من الحور العين.
(هـ) تمتعهم برزق الله صباحَ مساءَ .
- تخصيصُ دار لهم تُسَمَّىٰ «دارالشهداء».
7 – الأمن يوم الفزع الأكبر.
8 – يوضع على رأسه تاجُ الوقار ويُحَلَّىٰ بحلّة الإيمان.
9 – يُشَفَّع في سبعين من أقاربه.
10 – يُطْبَع بطابع الشهداء.
11 – حفظُ جثّته من أن تَبْلَىٰ .
الباب الثالث: الشهادة والشهداء في الفقه الإسلامي (ص 131-133).
عقد المؤلف أولاً «تمهيدًا» عَرَّفَ فيه الفقهَ، وأنّ الأحكام الفقهيّة اجتهادات بشريّة تتصف بالصواب والخطأ في تحديد مراد الشارع وموافقته أو البعد عنه ومخالفته. والفقه بهذا المعنى هوالميراث الذي تركته الشريعة لهذه الأمّة؛ ليكون لها حظُّ المشاركة في إقامة الدين.
وقد تناول الفقهاء أحكامَ الشهادة والشهداء في الإسلام عبر ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: تتعلق بتصنيف الشهداء في الفقه؛ إذ ليس كلّ من نصّ الشارع على أنهم «شهداء» تنطبق عليهم الأحكام الفقهيّة.
المسألة الثانية: تتعلق بتعريف «الشهيد» الذي تنطبق عليه الأحكام الفقهيّة الخاصّة بالشهداء؛ فليس كل من قُتِلَ في المعركة تُطَبَّق عليه أحكامُ الشهداء.
المسألة الثالثة: تتعلق بالأحكام الخاصّة بالشهداء من حيث تغسيلهم وتكفينهم والصلاة عليهم ودفنهم.
الفصل الأول: تصنيف الشهداء عند القهاء (ص137-144).
يُصَنِّف الفقهاءُ الشهداءَ وفقًا لعدّة اعتبارات، منها سبب الشهادة، والمكان الذي استُشْهِدوا فيه، والراية التي كانوا يُقَاتِلون تحتها قبل الشهادة، والعدوّ المُقَاتَل، والباعث على خوض القتال، والمخالفات التي ارْتُكِبَتْ قبل الشهادة، إلى غير ذلك من الاعتبارات التي اتضحت من البحث المفصّل الذي أورده المؤلف.
والتصنيف الشائع لدى الفقهاء هو تصنيفهم ضمن ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: شهيد الدنيا والآخرة، ويُعْرَفُ بالشهداء حقيقة وحكماً، أو الشهيد المطلق. وهو الذي يُقْتَل في قتال مع الكفار مقبلاً غير مدبر، لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى دون غرض من أغراض الدينا. وقد أورد المؤلفُ تعريفَ هذا الصنف بمختلف الأساليب التي اختارها العلماء في تعريفه.
الصنف الثاني: شهيد الدنيا، وهو من قُتِلَ من المسلمين أثناء القتال مع الكفار في المعترك؛ ولكنه ارتكب ذنبًا يُفْسِد شهادتَه. وهذا الصنف تُطَبَّقُ عليه الاحكامُ التي تُطَبَّقُ على شهداء الصنف الأوّل؛ لأنّه أشبهه في ظاهره.
الصنف الثالث: شهيد الآخرة: وهو كل من ورد ذكره في السنة النبويّة من الشهداء غير المقاتلين في سبيل الله. كالغريق والحريق وغيرهما.
الفصل الثاني: تعريف الشهداء عند الفقهاء (ص147-164). وقبل أن يعرض المؤلف تعريفات الفقهاء حسب مذاهبهم الفقهيّة أشار إلى أمور هامّة تتعلق بتعريف «الشهداء» عند الفقهاء؟ وهذه الأمور هي:
أولاً: تعريف الفقهاء للشهداء لايدخل فيه شهداء الصنف الثالث: «شهداء الآخرة» وإنما ينصبّ على شهداء الصنفين: الأوّل والثاني.
ثانيًا: قصرُ الفقهاء الأحكامَ الشرعيّة التي تخصُّ «الشهيد» على من قُتِلَ في المُعْتَرَك على يد الأعداء فقط، لايعني أن من سواهم – ممن نصّت السنة على كونهم شهداء كالغرقى والحرقى وغيرهم – ليسوا شهداء، وإنما يعني أنّهم لا تُطَبَّق عليهم أحكام الشهيد الدنيويّة.
ثالثًا: التعاريف التي أوردها الفقهاء للشهداء، تعدّدت واختلفت فيما بينها. وذلك لاختلاف المذاهب الفقيهة من جهة، ولاختلاف الرأي الفقهيّ داخلَ المذهب الواحد من جهة أخرى.
رابعًا: هذه التعاريف تَتَّسِم بالإطالة لا الإيجاز. وذلك لحرص الفقهاء على أن تكون تعاريفهم جامعة ومانعة.
خامسًا: أكثر المذاهب الفقهيّة اتَّخَذَ من شهداء غزوة «أحد» وما طَبَّقَه الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم من أحكام، دليلاً فقهيًّا لكل ما يتعلّق بفقه الشهادة.
ثم أَوْرَدَ المؤلفُ تعاريفَ الشهيد لدى الفقهاء حسب مذاهبهم، وبدأ ذلك بإيراد تعريف الشهيد في المذهب الحنفي بجميع التفاصيل اللازمة، وأشار إلى الخلاف الفرعي الذي يُوجَد في داخل المذهب أحيانًا. وخلص إلى أن المذهب الحنفي يشترط في «الشهيد» سبعة شروط، لتنطبق عليه أحكام «الشهادة»، وهي كما يلي:
1 – أن يكون مقتولاً وبه أثرالقتل .
2 – أن يكون مظلومًا، أي قُتِلَ بغير سبب يستحقّ عليه القتل.
3 – ألاّ يخلف عن نفسه بدلاً هو مال يُدْفَع لورثته.
4 – أن لايكون مُرْتَثًّا في شهادته. والمُرْتَثُّ: من حُمِلَ من المعركة حيًّا، ثم مات على أيدي الرجال، وكذلك إذا أكل، أو شرب، أو ابتاع، أو تكلّم بكلام طويل، أو قام من مكانه ذلك، أو تحوّل من مكانه إلى مكان آخر وبقي على مكانه ذلك يومًا كاملاً أو ليلة كاملة وهو يعقل. إذا حدث معه أيّ شيء من ذلك فهو مُرْتَثٌّ .
5 – أن يكون المقتول مسلمًا.
6 – أن يكون مُكَلَّفًا، أي بالغًا عاقلاً خلافًا لمحمد وأبي يوسف.
7 – الطهارة، خلافًا لمحمد وأبي يوسف.
ثم أوردَ المؤلفُ تعريفَ «الشهيد» في المذهب المالكيّ، وأعقبه بتعريف «الشهيد» في المذهب الشافعيّ، وتلاه بتعريف الشهيد عند الحنابلة.
الفصل الثالث: أحكام الشهيد عند الفقهاء (ص167-205) الخاصّة بالشهيد.
الأحكامُ التي اسْتَنْبَطها الفقهاء من نصوص الكتاب والسنة كما يلي:
1 – الغسل
ويُقَسِّم الفقهاءُ الشهداء بخصوص حكم الغسل إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: المُتَّفَقُ على ترك غسلها، وهي «شهداء الدنيا والآخرة» و«شهداء الدنيا» وهم من قُتِلُوا في معارك المسلمين ضدّ أعدائهم.
الفئة الثانية: المُتَّفَقُ على غسلها، وهي «شهداء الآخرة» وهم كل من نصّت السنة على شهادتهم من غير قتلى المعارك، كالحرقى والغرقى وغيرهم.
الفئة الثالثة: المُخْتَلَف في غسلها، وهي بعضُ أصناف «شهداء الدنيا والآخرة» و«شهداء الدنيا» أي قتلى المعارك. فمن الفقهاء من قالوا: إنهم يُغْسَلُون، ومنهم من قالوا بترك غسلهم.
والأصناف المختلف في غسلها، هي:
(أ) الشهيد الجنب، وقد فصّل المؤلفُ مذاهبَ الأئمة فيما يتعلق بغسل أو ترك غسل الشهيد الجنب.
(ب) المرأة الشهيد على غير طهر. وأورد المؤلفُ تفاصيلَ الخلاف بين الأئمة.
(ج) الصبيّ الشهيد. ذهب الإمام أبوحنيفة أن الصبيّ الشهيد يُغْسَل، وجمهورُ الفقهاء من المالكية والشافعيّة والحنابلة والأحناف سوى الإمام أبي حنيفة يقولون بغسل الشهيد الصبيّ.
2 – الكفن .
لاخلاف بين الفقهاء أن كفن الشهيد هو ثيابه التي قُتِلَ فيها. وإنما الخلاف بينهم في حكم تكفين الشهيد في ثيابه التي قُتِلَ فيها: هل هو أمرٌ واجب لا خيار فيه، أم هو أمر مُسْتَحَبٌّ .
يرى الأحنافُ أنه لايجوز نزع الثياب التي اسْتُشْهِدَ فيها، نعم يجوز أن يزاد عليها أكفانٌ أخرى. و وافقهم المالكية في القول بوجوب دفن الشهيد في الثياب التي استُشْهِد فيها.
ويرى الشافعيّة أن تكفين الشهيد في ثيابه أمرٌ مستحب؛ فيجوز نزعُها وتكفينه في غيرها.
وكذلك يرى أكثر الحنابلة استحبابَ لاوجوبَ دفن الشهيد في ثيابه التي قُتِلَ فيها.
3 – الصلاة عليه.
اختلف الفقهاءُ في الصلاة على الشهداء المقتولين في المعركة، فقال المالكيّة وأكثر فقهاء الشافعيّة والحنابلة – عدا رواية عن الإمام أحمد: إن شهداء المعركة لا يُصَلَّى عليهم.
وذهب الأحنافُ وبعضُ فقهاء الشافعيّة والإمام أحمد في رواية له إلى أن شهداء المعارك يُصَلَّى عليهم كغيرهم من موتى المسلمين.
وقد ساق المؤلفُ التفاصيَل اللصيقة بالبحث ومستدلاّت الفريقين.
4 – الدفن
ناقش الفقهاءُ عبر مذاهبهم مسألةَ دفن «الشهيد» من جانبين: الأوّل: المكان الذي يُدْفَن فيه، وهل يجوز نقله من المكان الذي قُتِلَ فيه إلى مكان آخر. والثاني: دفن أكثر من شهيد في قبر واحد (المقابر الجماعيّة) ومن الذي يُقَدَّم في الدفن، وما هي الصورة الشرعيّة التي تكون عليها المقابر الجماعيّة؟.
وقد أورد المؤلفُ جميعَ التفاصيل في هذا الصدد حسب مذاهب الأئمة ودلائلهم في كل مسألة من هذه المسائل عبر عنوانين فرعيين هما:
(أ) حكم نقل الموتى قبل دفنهم.
(ب) حكم نقل الموتى بعد دفنهم.
ثم ساق أحكام دفن الشهداء حسب المذاهب الفقهية المختلفة، من خلال عنوانين فرعيين:
(أ) دفن الشهداء حيثما قُتِلُوا.
(ب) دفن أكثر من شهيد في قبر واحد.
ثم بيّن التصوّر الشرعيّ للمقابر الجماعيّة.
الباب الرابع: تكريم الأمة الإسلاميّة للشهداء وتطبيقاته في المملكة العربيّة السعوديّة.
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأوّل: تكريم الأمم والشعوب لقتلى الحرب دوافعه ومظاهره (ص211-230).
هناك دوافع مُتَعَدِّدَة تقف وراءَ حرص الدول على تكريم قتلاها، وتقديرها للدور الذي قاموا به من أجل الوطن. وعن دوافع تكريم الدول لقتل المعارك ومظاهره، تحدّث المؤلف عبر مبحثين تاليين:
المبحث الأول: دوافع تكريم الأمم لقتلى الحروب.
الدوافع التي تقف وراء تكريم الدولة لقتلاها في المعارك متعددة، إلاّ أن هناك ثلاثة دوافع رئيسة تقف خلف هذا التقدير والتكريم. وهي:
أولاً: الدافع الديني أو الأيديولوجيّ.
وقد فَصَّلَ المؤلفُ هذا الدافعَ لدى الأمم، واستخدامه لتهدئة مشاعر الشعوب المتأججة على قتلاها في الحروب والأزمات .
ثانيًا: الدافع النفعي.
أكد المؤلفُ أن النفعيّة هي أحد المذاهب التي سادت أوربّا منذ القرن 18 الميلادي، وأصبحت الدافعَ لكل عمل يقوم به الإنسان الغربي، فالعمل الذي يُحَقِّق للإنسان نفعًا أو مصلحةً عاجلةً، يُعَدّ عملاً إيجابيًّا مطلوبًا، أما العمل الذي لامنفعة عاجلة منه، فهو غير مُجْدٍ ولا قيمة له.
وتحدّث عن الأساليب التي اعتمدها الغربُ لاستخدام هذا الدافع لدى الحروب والمعارك نحو قتلاه الذين سقطوا فيها.
ثالثًا: الدافع الاجتماعيّ.
تنعكس آثارُ الدافع الاجتماعي على مواطني أيّ دولة في الاندفاع الجماعيّ إلى الحرب، وهي حالةُ وجدان جماعيّة، على مقتضاها تسود الغالبيّةَ الرغبةُ في الحرب أو قبول فكرتها؛ ومن ثم فهي حالة باطنة دائمة. وهي غاليًا ما تتمثل في حالة القبول العامّ لفكرة الحرب، لفكرة القتل المستقبل، أكثر من تمثُّل حدث القتال نفسه. وهذه الحالة هي التي تُوَكِّد لدى الفرد – فيما يبدو – الاستعدادَ للتضحية بالنفس من أجل الجماعة.
وقد فَصَّلَ المؤلفُ هذه القضيّةُ وأوضحها بأسلوبه المشرق.
المبحث الثاني: مظاهر تكريم الأمم لقتلى الحروب.
عَرَضَ الْمُؤَلِّفُ هذه المظاهرَ بما يلي:
أولاً: تحديد يوم مُعَيَّن من أيام العام كيوم الانتصار في معركة ما، أو الهزيمة والانكسار في حرب ما، واتخاذه عيدًا قوميًّا لإحياء ذكرى قتلى المعارك والحروب التي خاضتها الدولة.
ثانيًا: نعتُ القتلى بنعوت ذات مدلول مُقَدَّس لدى بعض الأمم، واعتبارهم رموزًا للفداء والتضحية في تاريخ تلك الأمّة.
ثالثًا: إقامة مقابر خاصّة لقتلى المعارك، واتخاذها رمزًا في المناسبات الوطنيّة، لوضع أكاليل الزهور عليها، وإضاءة الشموع عندها، والوقوف أمامها بعضَ الوقت حدادًا. وتُعَدّ الهند من كبريات الدول التي تُعَظِّم قتلاها عبر هذا المظهر.
رابعًا: إطلاقُ أسماء قتلى المعارك – خصوصًا القادة منهم – على الميادين والشوارع، والمدارس والجامعات، ودور العبادة وغيرها من الأماكن.
خامسًا: الحرصُ على استعادة رفات القتلى من ساحات الحرب التي قُتِلُوا فيها – ولو بعد زمن طويل من مقتلهم – لدفنهم في أرض الوطن، وإبراز هذا المظهر إعلاميًّا.
سادسًا: إقامة مراسم عسكريّة خاصّة لجنائز بعض القتلى قبل دفنهم؛ حيث يتمّ لفُّ النعوش بعلم الدولة، وتُحْمَل على أكتاف عدد من الجنود في زيّهم العسكريّ.
سابعًا: منح قتلى المعارك جنسية الدولة التي قاتلوا في جيشها وقُتِلُوا من أجلها، إن لم يكونوا من مواطنيها الأصليين. وهذا المظهرُ ابتدعته أولاً الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا.
وهنا نبّه المؤلف – عن حقّ – إلى أن تقليد كثير من الدول العربية المسلمة لغيرها من الدول في تطبيق هذه المظاهر أو بعضها ليس دليلاً على مشروعيتها أو موافقتها للنهج الإسلامي لتكريم الشهداء.
الفصل الثاني: تكريم الأمة الإسلامية للشهداء وأدلته من الكتاب والسنة (ص233-263).
وصَدَّر المؤلفُ الفصلَ بتمهيد أوضح فيه الدوافعَ من وراء ما رصد الإسلام نحو الشهداء من التكريم المتمثل في الأجر والفضل من الرب الكريم اللذين سبق الحديثُ عنهما في البابين الأوّل والثاني؛ ومن الاعتناء والرعاية لشؤون من يخلفون – الشهداءُ – من الأزواج والذريَّة، والآباء والأمّهات.
وهذا الأجر والفضل أولاً، ورعاية أخلاف الشهداء ثانيًا لو لم يكونا مضمونين لكان للمسلم أن يتصوّر هذه الحالَ من ضياعهم وفقرهم وحرمانهم الذي ينالهم من بعده إذا استُشْهِدَ، فيصرف هذا التصوّر همتَه عن الجهاد في سبيل الله. ولو عَمَّ هذا التصوّر بين المسلمين، لترتب عليه سلوكٌ سلبيّ أدّى إلى تعطيل فريضة الجهاد.
وحتى لا تخالط المسلمَ تلك التصوّراتُ المفزعة عن أهله وذويه فيما لو قُتِلَ في سبيل الله، وحتى يُقْبِل على الجهاد غير هيّاب للموت، فرض الله على الأمة الإسلاميّة حقوقًا أدبية ومادّيّة يجب تأديتها إلى أسر الشهداء تقديرًا من الأمة وتكريمًا لتلك الأسر التي قدّمت للإسلام أغلى ما لديها.
وقد جاءت هذه الحقوقُ التكريميّةُ لأسر الشهداء في كتاب الله تعالى وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليها الصحابةُ والتابعون، وتعارفت عليها الأمةُ على مدى عصورها المتعاقبة؛ فتكريم الإسلام للشهداء وأسرهم في الإسلام جزءٌ من منظومة متكاملة تتداخل فيها عوامل عديدة.
وقد عرض المؤلفُ ضوابطَ ومظاهرَ تكريم أسر الشهداء في القرآن وضوابط ومظاهر تكريم الشهداء وأسرهم في السنة النبويّة.
أولاً: في القرآن الكريم:
ومن أبرز القواعد والضوابط التي وضعها القرآن الكريم في هذا الشأن:
1 – نهى الأمةَ عن إشعار أسر الشهداء بفقدان شهدائهم ولو بمجرد القول.
2 – تعزية الله تبارك وتعالى لأسر الشهداء، وتبشيرهم بما يلقاه شهداؤهم عنده من رزق وفضل وفرح ونعيم.
3 – تثبيت يقين ذوي الشهداء بالتأكيد على أن قتل ذويهم في سبيل الله لم ينقص من أعمارهم شيئًا، ولم يُعَجِّل بموتهم – كما يزعم المنافقون والمرجفون والمضلّون؛ ليثيروا مشاعرَهم، ويُبَلْبِلُوا أفكارَهم، ويُزَعْزِعُوا قناعتَهم بالقيم بالمبادئ التي بذل الشهداء أرواحهم فداءً لها.
4 – حثُّ المسلمين على رعاية أسر الشهداء وكفالتهم.
ثانيًا: مظاهر تكريم الشهداء وأسرهم في السنة النبويّة.
ولها بُعْدَانِ: البعدُ الدينيّ، والبعدُ الإنسانيّ أو الاجتماعيّ.
وأبرز هذه المظاهر:
(أ) إخباره بما أعدّه الله لهم من أجر وفضل.
(ب) الفخرُ بهم وإظهار عظم ما قدّموه من أرواحهم ودمائهم، دفاعًا عن دينهم وعقيدتهم، وإعلاءً لكلمة الله.
(ج) قيامه صلى الله عليه وسلم بتفقّد الشهداء بعد انتهاء المعارك، وإشرافه على تكفينهم ودفنهم بنفسه.
(د) سداده لديون الشهداء، حتى لاتحول دون دخولهم الجنة، وحتى لاتكون عبئًا على ورثتهم.
(هـ) حرصه صلى الله عليه وسلم على أن يجعل للشهداء حضورًا دائمًا في وجدان الأمة، حتى لايغيبوا عن ذاكرتها، وحتى يعلموا قدرهم عند الله، فتسير على دربهم جهادًا في سبيل الله.
مظاهر تكريم الرسول صلى الله عليه وسلم لأسر الشهداء:
(أ) بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم لذوي الشهداء بما يلقاه شهداؤهم من تكريم عند الله.
(ب) تعزيته صلى الله عليه وسلم لأسر الشهداء فور انتهاء المعارك للتخفيف عنهم.
(ج) حثُّ الأمة على العناية بأسر الشهداء ورعايتها وصيانة أعراض نسائهم وعدم التساهل في أداء ما يحتجن إليه.
(د) زيارته صلى الله عليه وسلم لأسر الشهداء وتفقّد أحوالهم، وإظهار المودة والرحمة لأبنائهم، خصوصًا إذا كانوا صغارًا.
ثالثًا: تكريم الأمة للشهداء وأسرهم بعد عصر النبوة:
(أ) المواظبة على زيارة الشهداء في قبورهم، والدعاء لهم، وتذكّر فضلهم، وتقدير تضحيتهم.
(ب) المواظبة على تكريم أسر الشهداء، وتذكير الأمّة بما قدّم شهداء هذه الأسر من تضحية للأمة بأسرها.
واستمرار تكريم الشهداء وأسرهم من السنن التي حافظت عليها الأمة عبر تأريخها الطويل وصولاً إلى العصر الحديث.
وحَبَّذَ المؤلف ما استجدّ من مظاهر تكريم الشهداء، من الأساليب التي تلائم ظروف العصر، مما لايتعارض مع سنّة الإسلام وعقيدته وثقافة الدين وما توارثته الأمة من خير قرنها.
الفصل الثالث: تكريم الشهداء وأسرهم في المملكة العربية السعودية، أصوله الشرعيّة ومظاهره الاجتماعيّة (ص267-299).
تهتم المملكة حكومة وشعبًا اهتمامًا كبيرًا بتكريم شهدائها وتقديرهم ورعاية أسرهم ومتابعة شؤونهم، صادرةً في ذلك عن المنهج السلفي القويم في الفكر والعمل، وباعتبارها إيّاه أمرًا دينيًّا، له سنده الشرعيّ من القرآن الكريم، والسنّة النبوية الشريفة، وإجماع الأمة، وهذا ما تتميّز به المملكة العربيّة السعوديّة عن غيرها من دول العالم العربي والإسلامي في تعاملها مع تكريم الشهداء ورعاية أسرهم.
وقد فَصَّلَ المؤلفُ الحديثَ عن صنيع المملكة فيما يتعلق بتكريم الشهداء وأسرهم. بادئا الحديثَ عن التأصيل الشرعي لذلك وأهميته وقيمته، والروافد التي تصدر عنها المملكةُ حكومةً وشعبًا في ذلك بدءًا من الواقع الإسلامي المعيش، ومرورًا بالوعي الإسلامي والثقافة الإسلامية وانتهاءً إلى الرصيد التأريخي للأمة في مجال الجهاد في سبيل الله.
ثم عرض صفحات من سجّل تكريم الشهداء وأسرهم بالمملكة، بدءًا من تكريم شهداء حرب فلسطين وأسرهم، ومرورًا بتكريم شهداء حادث الحرم المكيّ عام (1400هـ) وأسرهم، وانتهاءً إلى تكريم شهداء المواجهات الأخيرة مع الفئة الضالّة. وكتب المؤلفُ في هذا الصدد بحثًا ضافيًا طويلَ النفس ودرس جوانب عديدة لهذه المظاهر وصور التكريم وأساليبه المتنوعة التي اقتضته الحالات الحاضرة والمتطلبات المعاصرة.
الباب الخامس: نماذج من شهداء عصر النبوة (ص303-377).
إنّ في قصّه استشهاد الصحابة رضي الله عنهم رغم قلّتهم؛ حيث لم يتجاوز عددهم في عصر النبوة كلّه 150 شهيدًا، إلاّ أن في قصّة استشهاد كل واحد منهم آية وعبرة توجب الوقوف أمامها والتعلّم منها، كما أن في شهادة كل واحد منهم قدوةً يستفيد منها المسلم في كل عصر وجيل دروسًا نافعة في قوة الإيمان وأطر النفس على طاعة الله، فبمن يكون التأسّي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يكن بصحابته رضي الله.
من ثم أورد المؤلف في كتابه في هذا الباب الخامس الأخير نماذج من شهداء عصر النبوة، عبر 27 شهيدًا، على رأسهم سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
وفي الخاتمة لخّص المؤلف ما عرضه في الكتاب من أبحاث بأسلوبه المتقن، ونهجه المستوعب.
وذَيَّلَ الكتابَ بالفهارس المفصّله، وبدأها بفهرس الآيات الواردة في الكتاب، وثنّاه بفهرس الأحاديث والآثار، وثلّثه بفهرس الأعلام، وربّعه بفهرس المصادر والمراجع التي بلغ عددُها 116 مصدرًا ومرجعًا. وخمَّسه بفهرس الموضوعات.
* * *
وبقي أن نقول: إنّ الكتاب قيّم من عدّة وجوه، فالمؤلف لغته رشيقة متينة، وأسلوبه رائع بليغ، ومنهج طرحه للموادّ وعرضه للموضوعات جذّاب يدعو القارئ للقراءة والمثابرة عليها حتى نهاية الكتاب. وتلك هي الميزة الكبرى التي لايحظى بها إلاّ القليلون من الكُتَّاب والمُؤَلِّفِين البارعين المتفنين، الذين يكثر قراؤهم، وتُتَلَقَّى كتاباتُهم بقبول عامّ، ويعمّ ثناؤهم، والدعاءُ لهم بخيري الدنيا والآخرة.
واهتمّ المؤلف بتوثيق المصادر والمراجع، وتأكيد كل ما أورده من موضوعات وأبحاث بالإحالة على كتب التفسير والحديث والفقه والسيرة التي استفاد منها بتحديد الصفحة والمجلد وسنة الطباعة.
والكتاب جاء إصداره جميلاً جدًّا، بورقه الجيّد، وحروفه الجليّة، وطباعته الفاخرة، وإصداره البارع.
فجزى الله المؤلف، وأدام له التوفيق، وأطال عمره مع الصحة، وجزى كلّ من ساهم في إصدار الكتاب بشكل من الأشكال.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ذوالقعدة 1431 هـ = أكتوبر – نوفمبر 2010م ، العدد : 11 ، السنة : 34