القرى الهنديّة المسلمة ومدى حقيقة اتّهامها بحدوث الجرائم فيها

محليات

بقلم  : الصحافي / شكيل شمسي

تعريب : تنوير خالد القاسمي ، طالب بقسم الإفتاء بالجامعة

قد يغلب صدق صغير كذبًا أكبر من جبل “هملايا” كما كشف ذلك نبأ نُشِرَ في الصفحة الأولى من صحيفة “Times of India” بعنوان “قطاعُ المسجد الجامع أبلغ أمنًا. ومنطقة دواركا أكبر جريمةً” Jama Masjid Safest. Dwarka Most Crime-hit .

       ومن الجدير بالذكر أنّ هذا النبأ المدهش لم يُنشَر من مجلس المجانين والمسكَّرين؛ بل أفادت بذلك شرطةُ دهلي، وكشفت القناعَ عن الحقائق المدهشة التي ملأت قلوبَ المسلمين فرحًا وابتهاجًا، ردًّا على طلب قُدِّم ضمن قانون “R T I” أصدرت شرطةُ دهلي قائمةً تفيد أنّ عشرةً من مخافر الشرطة في دهلي العاصمة، نسبةُ الجرائم فيها منخفضة للغاية، وفي طليعتها قطاعُ “المسجد الجامع” وتليه قطاعات “تشاندني شوك” و”غولابي باغ” و”بارا هندوراؤ” … كما أنّ القائمة تبيّن أنّ قطاع “دواركا” – الذي ترتفع فيه نسبة السكان الهندوس – على رأس مخافر الشرطة التي نسبة الجرائم فيها مرتفعة جدًّا، بينما يتلو “دواركا” مخافر “روهني” و”مالويا نجر” و…

       إنّ تفقّد القائمة المعَدّة من قبل الشرطة يدلّ على أنّ من القطاعات التي نسبةُ الجرائم منخفضة فيها، نسبة سكانها المسلمين فيها 80٪ يعني أنّ الذين يعيشون في مجتمع المسلمين هم مأمونون من شرّ المجرمين. وكشف هذا التقريرُ أنّ بيئة المساكنة التقليديّة في هذه القطاعات تشكل عاملاً قويًّا في قلّة الجريمة. وأنّ عواطف المشاركة في السرّاء والضرّاء التي يتمتّع بها الجيران لها دور كبير في تقليل الجرائم.

       لعلّك لم تتسامع قطّ أنّ القُطّاع دخلوا بيتًا من بيوت دهلي القديمة، وقتلوا شيخًا مفردًا؛ لأنّ سكان هذه القطاعات يراعون الشيوخ المفرَدين دائمًا، ويتعهَّدونهم؛ فبذلك تكون أرواحُ الشيوخ آمنةً في القرى المسلمة إلى حدٍّ كبير؛ وكذلك أنباء النهب والسطو لا تُسمع إلاّ نادرًا من القطاعات التي يسكنها المسلمون بالأغلبيّة؛ كما أنّ النساء في هذه القطاعات يتمتّعن بالأمن والسلامة إلى حدّ كبير؛ ولا تُسمع حالاتُ انتهاك الحرمة والاغتصاب؛ فيُشَاهَدن غاديات ورائحات بالحرية بين أمكنة المناسبات المختلفة التي تستمرّ إلى مؤخَّر الليل في قطاعات المسلمين؛ فهذه المناظر تعكس أنّ النساء في هذه القطاعات يعشن في البيئة الآمنة.

       بينما نرى بدهلي الجديدة أنّ امرأةً إذا تُرى مفردةً بعد التاسعة ليلاً في الحافلة، فهي تواجه لا محالة تحريشات جنسيّةً من الرجال والشباب الشهوانيين، كما تعاني أنّها إذا تكون منفردًا بموقف الحافلات فتستمرّ السيّارات والدّراجات النارية تقف أمامها وترغمها على ركوبها.

       لا أقول: إنّ القطاعات المسلمة لا تشهد حوادث التعرّض السلبي مطلقًا؛ بل هي أيضًا تشهد مثل هذه التعرّضات أحيانًا؛ لكن لا يمكن أن تحصل مثل هذه الحوادث علانيةً؛ لأنّ أمثال المجانين ربما يُضربون على رؤوس الأشهاد بهذه القطاعات .

       هذا التقرير الإيجابيُّ السارُّ لقرى المسلمين ملأهم غبطةً وفرحًا، كما سرّهم نبأُ إلقاء القبض على رجال “أسرة سانغ” بشأن الانفجارات التي شهدتها مدينة “ماليغاؤون” وكشفُ القناع عن حادثة “بتلا هاؤوس/ دهلي”. إنّ هذه الاعتقالات وضعت عن المسلمين شيئًا من أوزار اتهاماتهم بالإرهاب. فهذا التقرير الصادر عن شرطة دهلي فنّد اتهامًا آخر؛ بأنّ القرى المسلمة تحدث فيها الجرائمُ كثيرًا؛ ومن قبل هذا التقرير كانت القرى المسلمة تلاقي الدعايات المسمومة على الصعيد الأكبر. وما كانت الدعايات مقتصرةً على مدينة دهلي؛ بل تتعدى إلى مدن “مومباي” و “أحمد آباد” و”كولكاتا” و”بنغلور” و”حيدرآباد” و”لكناؤ” و”كانبور” و”بهوفال” وما إلى ذلك من المدن التي يسكنها المسلمون بعدد كبير؛ فبحجّة هذه الدعايات المذمومة جعلت المصارف المختلفة – وطنيةً كانت أو أجنبيةً – القطاعاتِ المسلمة مناطقَ سلبيةً (Negative Area) وامتنعت المصارف عن توفير تسهيلات القروض وتقديم بطاقة شراء للمسلمين في مثل هذه القطاعات .

       أعتقد أنّ مثل الإحصاءات الإيجابيّة ستظهر إذا أجرى المسح في قرى المسلمين في أرجاء البلاد الهنديّة؛ حيث يتضح أنّها قليلةُ الجرائم، لا يحدث فيها اغتصابُ امرأة، وهي بعيدة عن النهب والسلب. وفي غضون ذلك يجدر ذكرُ قرية “علي فور” المسلمة التي تقع في مديرية “كولار” على بعد 70 ك م من مدينة “بنغلور”؛ حيث لم تدخلها الشرطةُ ولا مرةً في التاريخ الذي يمتدّ إلى 250 سنةً كما أفاد بذلك أهل “علي فور”. وذلك؛ لأنّه لم يحصل هناك أيّ جريمة تؤدّي إلى تدخّل الشرطة، يعني أنّ هذه القرية لم تشهد سرقةً، ولا قتلاً، ولا سطوًا عبر 250 سنةً. أمّا ما حدث من الخصومات الصغيرة العادية، فحسمتها رجالُ الأندية والقبائل عن طريق المفاوضات والمشاورات فيما بينهم. إلاّ أنّ الشرطة دخلت القرية بعد 250 سنةً حينما وقع النزاعُ مع هنادك القرية المجاورة حول معبدٍ؛ فهذه الأمثال تنمّ عن أنّ المسلمين مسالمون في جوهرهم وهم يجتنبون الجرائمَ طبيعيًّا.

       ولكن إلصاق تهم الجرائم بالمسلمين أصبح أمرًا عاديًّا، ولا ينحصر الأمرُ في ذلك؛ بل إنّ المشاغبين الأشرار الحاملين لأسماء إسلاميّة تُشهر بهم لحدِّ أنّه يحفظ أسماءَهم كلٌّ من الصغار والكبار – وعلى عكس ذلك لاتُثار أسماءُ الفرقة غير المسلمة إلاّ قليلاً – ومن أهمّ نواحي المؤامرة أن يُعَدّ الأشرارُ والمشاغبون المُتَسَمُّون بالأسماء الإسلامية أعداءَ البلاد أيضًا، بيد أنّ نظراءهم من الأشرار والمشاغبين من غير المسلمين يُوصَفون بـ”محبي البلاد”، فنرى أسرة سانغ تبرّر انفجارات “ماليغاؤون” قائلةً: إنّ تفجير القنابل جرى حبًّا للبلاد؛ فـ”فرغياتهاكر” وإخوانها – الذين قاموا بهذا التفجير – هم “محبّو البلاد” مثلما ترتدي الفئاتُ الهندوسيّة المجرمة (بما فيها: فئات “شوتا راجن” و”أرون غاولي” و”ببلو شري واستو” و”روي فجاري”) جرائمَهم ومشاغباتهم شعار حبّ البلاد .

       على كل حال، الصدق صدق يظهر يومًا ما؛ فالردّ على سؤال عادي وُجِّهَ ضمنَ قانون “RTI” قد قدّم الحقائق التي طرحها أمام العالم وفنّدت كثيرًا من الاتهامات اللاغية من أصلها.

       ثمّ إنّ القرى المسلمة لا تتمتّع بتسهيلات مدنية؛ حيث تُشاهَد هنا وهناك أكوام من القاذورات؛ وتُرى مياه الصرف الصحيّ في الطريق؛ وزبالات وكناسات الطريق تطفو في البالوعات. كلّ ذلك صار كأمر عاديّ على حين إنّ مسؤولية تنظيف القرى تعود على كواهل المؤسَّسات البلديّة – وإن كان المسلمون يُحَمَّلون مسؤولية التقذير والتعفين أيضًا – إنّ هذه القاذورات في القرى المسلمة هدية من سوء النظام للبلدية؛ لأنّ الإسلام يفرض على المسلمين التقيد بالنظافة والطهارة. إنّ الإسلام وحده هو الدين الذي يلزم استخدامَ الماء والحجر بعد البول في الاستنجاء. فجدير بأن يُقال: إن كان التقذير والتعفين هما عادة المسلمين فلا بُدَّ أن يُشَاهد ذلك في المملكة العربية السعودية وبلاد إيران وتركيا وغيرها من الدول الإسلامية.

       ينبغي أن يتمّ التشهير بالإحصاءات التي قدّمتها شرطة دهلي؛ كي يرتفعَ سوء الفهم الذي يعمّ فيما يتعلق بالمسلمين وتتمتّعَ القرى المسلمة بالتسهيلات المدنية التي حُرمتها حتى الآن .

*  *  *

الشرطة تهدم مسجدًا.

وتنصب مكانَه لافتة: هذا مخفر الشرطة

       هدمت الشرطةُ مسجدًا في قرية “فورباليان” من منطقة “منصورفور” بمديرية “مظفرنجر” بولاية “أترابراديش” خلال الليل، ونصبت مكانه لافتة مخفر الشرطة، وتمّ ذلك بشكلٍ سرّيٍّ للغاية لم يكن أحدٌ يشعر به من أبناء القرية؛ فلمّا وصل مسلمو القرية المسجدَ لأداء الفجر صباحًا، فإذا بهم يرون المسجدَ محوَّلاً إلى أنقاض عُلِّقت عليها لافتة باسم مخفر الشرطة، مما أثار سخطَهم حتى بدؤوا يردّدون التهافات ضدّ كلّ من الشرطة والإدارة.

       المسلمون يؤكّدون أنّ هذه القطعة من الأرض – التي كان عليها بناءُ المسجد – كان قد اشتراها رجل مسلم مدعوّ بـ”شريف أحمد” من عمدة القرية الأسبق عام 1967م وبالتالي وقفها أولاده لبناء “مسجد عمر”. ثمّ بنى مسلمو القرية المسجدَ بهذه الأرض. وظلّ المسلمون يصلّون فيه منذ عام 1967م .

       ولكن رغم ذلك قام رجالُ الشرطة بهدم المسجد بضغطٍ من مدير الشرطة العام “راجو مالهوترا” ليلة 6/4/1431هـ = 23/3/2010م. وحدث ذلك على مرأى من العدد الهائل للقوّات، جريًا وراء الدعاية الكاذبة المزوَّرة التي أثارها المشاغبون الطائفيّون.

       فيما تزعم الشرطة أنّ هذه القطعة من ممتلكات البلدية؛ فلن يُسمح لأحد بأن يبني عليها معبدًا .

       وفي غضون ذلك رفع رئيسُ لجنة الأقليّة الإقليميّة SMA” الكاظمي” إلى حاكم المديريّة كتابًا يطالب فيه بالتقرير الوافي عن القضيّة قبل مضيّ أسبوع. كما اتصل بسكرتير الداخليّة عن طريق الهاتف حول الموضوع. وأوضح حاكمُ المديريّة “سانتوش” أنّه لايتمّ إصدار حكم حتى يتمّ تفقّد الوثائق المعنيّة .

       أكّد الشيخ “جواد القاسمي” أنّ المسجدَ لدية وثيقة شراء الأرض. وأنّ المسجدَ قد تمّ بناؤه بعد الحصول على الفتيا من قبل الجامعة الإسلامية “دارالعلوم/ ديوبند”: بأنّه يجوز بناءُ المسجد من منظور شرعيّ في هذا المكان. واتّهم الشيخُ أنّ الشرطةَ بصفة عامة. ومديرَ الشرطة العام “راجو مالهوترا” بفصة خاصية يتبنّيان الموقفَ الطائفيَّ منذ ماتولّى حزب “B.S.P” السلطةَ في ولاية “أترابراديش” وأكّد الشيخ أنّ المسلمين قد اعتزموا أنّهم لن يتنفّسوا الصعداءَ حتى يتمّ إعادة بناء المسجد على هذا الموقع (صيحفة “راشتريه سهارا الأرديّة اليومية” الصادرة بدهلي الجديدة. العدد: 3804، السنة: 10).

*  *  *

*  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، رجب 1431 هـ = يونيو – يوليو 2010م ، العدد : 7 ، السنة : 34

Related Posts