كلمة المحرر
إلقاءُ نظرة واحدة على سلوك العالم البشريّ – الذي يمارس الوصايةَ عليه اليوم الغربُ المتنكّر لنعم الله والمتكبّر على المسلمين والعرب – أنّه صَنَّفَ العالم ضمن مسلم وغير مسلم. إنّ جميعَ ممارساته في الحياة الفرديّة والجَماعيّة تُؤَكَّد ذلك، وسلوكُه هذا لايحتاج إلى بيان أو دليل؛ لأنه يتعرّى كلَّ وقت، على كلّ خطوة، وفي كلّ موقف؛ فهو عندما يتّخذ موقفًا تجاهَ ضرر يمسّ أيَّ فرد ينتمي إلى “العالم غير المسلم” يصدر فيه عن “مبادئه الإنسانيّة” و”ضميره الحيّ” و”إنسانيّته المتحضّرة”. إنّ شوكةً تشوك آدميًّا مُوَاطِنًا في “العالم غير المسلم” تجعله ينقلب على أحرَّ من الجمر ويقلق بشكل لايصفه بشر؛ لأنّ الإنسان الحامل لجنسيّة “العالم غير المسلم” في اعتقاده كائن ماورائيّ، خُلِقَ من الذهب والفضّة، وصُنِعَ من اليواقيت التي لاتقبل حتى ثمنًا خياليًّا .
أما الإنسان المنتمي إلى “العالم المسلم” فهو لديه – كما يؤكّد ذلك سلوكُه الدائم، وممارستُه المتّصلة، وموقفُه الثابت – أحَطّ من الحيوان، وأرذل من البهائم، وأردأ قدرًا من أيّ سبع ضار وجماد تافه. هذا الاعتقادُ المتطرف للغاية خَلَقَه لديه تقدّمُه المادّي وإمكانيّاته المتطوّرة، وتمكّنُه من السيطرة على مقومات الحياة في العالم كلّه، ولاسيّما في العالم الذي يسميه “العالم الثالث” وهو عنده في الواقع “العالم المسلم” الذي يعامل معه معاملة العالم الذي لايجوز عنده أن يُصَنَّف ضمن أي رقم حتى فوق “الرابع” أو “الخامس” أو “السادس” الخ .
الغرب الذي يمتلك عينًا كعين الغراب وشامّة كشامّة النمل لدى أيّ أذى ينال فردًا أو أفرادًا من حاملي جنسيّة “العالم غير المسلم” هو نفسه الذي يصبح أعمى وأصمّ وأخرس وأعرج وأفقد للوعي والرشد لدى كل ضرر بالغ وأذى خطير يصيب الإنسانَ من سكّان “العالم المسلم”.
وأوضح وأحيى وأمثل مثال لذلك هو الإنسان الفلسطيني المسلم العربيّ الذي يعيش في “غزّة” بعدد نحو المليونين، مُحَاصرًا من كلّ جانب منذ ثلاث سنوات، ممنوعًا عنه الدواءُ والماءُ والغذاءُ والكساءُ وجميعُ الوسائل التي لابدّ منها لكي يبقى ذوكبد رطبة حيًّا، مُحَارَبًا حربًا شعواء مجنونة من قبل الغرس الخبيث النتن “إسرائيل” التي تمدها القيادة الغربيّة جمعاء – بقيادة أمريكا الصليبيّة المُتَصَهْنِية – بكل نوع من الأسلحة والعتاد، والخبراء والرجال، وآلات الحصار والضغط على الإنسان الفلسطينيّ.
الغرب الحامل لجنسيّة “العالم غير المسلم” لاينتبه ضميرُه الإنسانيّ، ليتعامل مع الفلسطينيين صادرًا عن “المبادئ الإنسانيّة” و”إنسانيته المتحضرة” و هم يفتك بهم الأمراض والأوبئة جرّاء الحصار الذي حرمهم حتى المياه النظيفة. إن الغرب لاتثور لديه الإنسانيّة أو عواطف شفقة تجاه العدد الهائل من النساء والأطفال والشيوخ من أهل فلسطين الذين يُعَذّبون لأنّهم مسلمون .
“غزة” المُحَاصَرَة منذ ثلاث سنوات محكُّ اختبار لحياة الضمير لدى الغرب الذي لازال يتعامل منذ وقت طويل مع سكّان “العالم المسلم” بعكس ما يتعامل به مع سكان “العالم غير المسلم”. إغاثةُ الشعب الفلسطيني المُحَاصَر في “غزّة” وفكُّ الحصار الجائر عنها مطلب إنسانيّ لدى كلّ من يدّعي الإنسانيّة، ويتظاهر بالعمل بنداء الضمير، ولاسيّما الغرب الذي يسارع إلى الدفاع حتى عن “حقوق الحيوان” ويتألم ضميرُه لدى أي أذى يصيب كلبةً أو قردةً و يصرخ للإبقاء على فصيلة الناموس والذباب، وحشرات الأرض وجراثيم الأمراض، والحيلولة دون انقراض جنسها، لأنها تساعد على بقاء “التوازن الحياتي” في الكون!.
أما آن للغرب لكي يُثْبِت بسلوكه العادل، أنّه ذو ضمير حيّ وعامل بالمبادئ الإنسانيّة حقّا، وأنه لايفرّق بين المسلم وغير المسلم لدى ايّ كارثة طبيعيّة أو بليّة من صنع البشر تصيب فردًا أو مجموعة من البشر، وأنه يأخذ بيد الظالم دون نظر إلى جنسيته أو دينه أو ميوله السياسيّة أو عرقه أو لونه.
[التحرير]
(تحريرًا في الساعة 11 من صباح يوم الثلاثاء : 15/ربيع الأول1431هـ = 2/ مارس 2010م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ربيع الثاني – جمادى الأولى 1431 هـ = مارس – مايو 2010م ، العدد :4-5 ، السنة : 34