الفكرالإسلامي
بقلم : الشيخ الجليل المربي الكبير العلامة أشرف علي التهانوي
المعروف بـ “حكيم الأمة” المتوفى 1362هـ / 1943م
تعريب : أبو أسامة نور
الرجالُ إنما يرون أنّ عليهم الاهتمامَ بالحقوق الدنيوية للنساء، ولايرون أنّ عليهم كذلك الاهتمامَ بالحقوق الدينيّة لهنّ. مثلاً: يسائلونهنّ لدى دخول البيت: هل تمّ إعدادُ الطعام أم لا؟ ولكنّهم لايسائلونهن: هل صلّين أم لا؟ ولو دخلوا البيتَ لتناول الطعام وعلموا أنه لم يتمّ إعدادُه لحدّ الآن لغضبوا؛ أو علموا أنه قد أُعِدَّ ولكنه ليس كما يحبّون، سَخِطوا أيضًا؛ ولكنّهم إذا علموا أنّ زوجاتهم لم يصلِّين لحدّ الآن فلا يثير ذلك استياءهم بشكل ولا يَسْخَطُون عليهنّ؛ بل لو حَدَثَ أنّ زوجة أحد لم تصلّ طوالَ الحياة، ما حَفَلَ بذلك، ولايسترعي ذلك إلاّ انتباهَ من يُعَدُّون مُتَدَيِّنِين؛ ولكنهم أيضًا يكتفون في هذه المناسبة بإطلاق مقالة عاديّة: يا سيّدة! لابدّ أن تُصَلِّي؛ لأنّ ترك الصلاة إثم كبير، فهم يرون أنهم بإطلاق هذه المقالة تَخَلَّوْا عن المسؤوليّة؛ فلو قال رجل لأحد منهم: لماذا لاتُحَذِّر زوجتَك تركَ الصلاة؟ قال: أمرتُها بذلك؛ ولكنّها لاتصلي؛ فماذا عسى أن أفعل؛ ولكني أسائله: هل حذّرتَها من ترك الصلاة كما حذَّرتها عندما أَلْقَتْ في الطعام قدرًا من الملح زائدًا عن الحاجة، ولو كنتَ قد حذّرتَها في شأن زيادة الملح في الطعام، مرة أو مرتين ولم تهتمّ بذلك، فهل تعاملتَ معها مثلما تتعامل معها على ترك الصلاة؛ حيث تسكت بعدما تأمرها بذلك مرة أو مرتين؟ لا، وكلا! إنّك لدى زيادة الملح في الطعام قد تنهض لتهشم رأسَ زوجتك وتبدي من غضبك ما يجعلها تتأكد أنّك غَضِبْتَ غضبًا لا نهايةَ له؛ فهي تهتمّ بأمر الملح جدًّا، وتحاول أن لاتعود لزيادته في الطعام أبدًا.
أيّها السادة ! إنكم لم تأمروا أزواجَكم بالصلاة بشكل يُؤَكِّد لهنّ أنّكم غاضبون على تركهنّ لها غضبًا شديدًا؛ إنكم لو أبديتم في شأنها الغضبَ الذي أبديتموه لدى زيادة الملح في الطعام، لكُنَّ قد عَزَمْنَ أن لايَعُدْنَ إلى تركها أبدًا؛ فلولم يُصَلِّين بعد أمرهن مرّة واحدة، عدتم إلى أمرهن بها ثانيًا وثالثًا، وأبديتم استياءكم الشديد تجاه ذلك، مثلاً تركتم مُضَاجَتعَهُنّ، أو امتنعتم عن تناول الطعام الذي يطبخنه، كما صنعتم في شأن زيادة الملح، التي لم تَصْلُحْ في المرة الواحدة، فواصلتم غَضَبَكم الشديدَ حتى تَمَّ إصلاحُها، وما اكتفيتم بالتفكير في أنّكم أعدتم التحذيرَ؛ ولكنّهن لم يستجبن فماذا عسى أن نفعل؟ الحقُّ أنّنا لم نسترح في شأن الملح في الطعام، كما نستريح في شأن المواظبة على ترك الصلاة.
إنكم لو عزمتم على تحويل نسائكم مُوَاظِبَات على الصلاة لما صَعُبَ ذلك عليكم؛ لأنهن لسن حاكمات، وإنما هن محكومات تحت قَوَّاميَّتكم؛ فأنتم تحكمونهن لأهوائكم؛ ولكنكم لاتحكمونهن في باب الدين.
الأسلوب الأسلم لدَيَّ لتعليم البنات
بعضُ الناس يُعَلِّمون بناتهم عن طريق سَيِّدات مُتَحَرِّرات مُتَجَرِّئات. وقد ثبت بالتجربة أن الجليس يؤثر في الجليس بأخلاقه وعواطفه، ولاسيّما إذا كان الجليس مُعَظَّمًا متبوعًا، ولاشك أن الأستاذ أجدر بالتعظيم والاتباع؛ فلو كانت المُعَلِّمات مُتَحَرِّرَات مُتَجَرِّئات لانتقلت جراءتهن وأساليبُ تحررهن إلى البنات المتعلمات. وعندي أنّ الحياءَ الطبيعيَّ لدى المرأة هو مفتاح كل خير؛ فإن فقدته، فلا خير يرجى ولا شرَّ يُسْتَبْعَد منها. وقد اشتهر أنه “إذا فاتك الحياء فافعل ماشئتَ” وعندي أن “ماشئتَ” معنى الكلمة تعمّ النساءَ أكثر من الرجال؛ لأنّ الرجال لديهم العقل الذي يمنعهم عن الشرّ لحدّ ما حتى لدى فوتهم الحياء، أمّا المرأة فيَنْقُصها العقلُ، فلا يعود لديها مانع من ممارسة أي فساد فيما إذا فاتَها الحياءُ .
وإذا لم تكن المُعَلِّمات فاقدات للحياء متحررات متجرئات، وكانت في الزميلات المتعلمات مع البنات من هي متحررة، فإن المفاسد لايُرْجَى اتّقاؤها في هذه الحالة أيضًا؛ حيث تبقى مَخَاوِفُ للتورّط فيها.
ومن حديثي هذا اتَضَّحَ أمران تَفَشَّيَا اليوم بشكل عفويّ . الأول إقامة مدارس مُخَصَّصَه للبنات، وتجمُّع البنات ذوات الأفكار المختلفة من شتى الفئات فيها كالمدارس العامّة للبنين، وإن كانت المُعَلِّمات مسلمات، وكان ذهابُ وإيابُ البنات فيما بين البيوت والمدارس في مراكب مزوّدة بنظام الحجاب، وكان سكناهن في المدارس محتجبات؛ لكن التحارب أكّدت أن هذه المدارس تتجمّع فيها أسباب ودواع تؤثر على أخلاقهن سلبًا، وأن هذا التجمَّع يؤدي في الأغلب إلى فقد الحياء والتجرد من الحشمة، ويزيد الطينَ بلّةً إذا كانت المُعَلِّمات مُتَحَرِّرَات فاسدات مفسدات. والأمر الثاني أنه إذا كان هناك نظام يدعو لاختلاط البنات مع سيدة من سيّدات التبشير المسيحيّ للإشراف على التعليم أو لتعليم بعض الفنون والحرف، فهناك مخاوف واقعيّة على الحياء والإيمان معًا.
ولكنّ المؤسفَ للغاية أنّ بعض الناس يرون هذه الآفات مفخرةً، فيدعون أمثالَ هذه السيّدات إلى بيوتهنّ،وإنى أرى أن البنات الصغيرات المطيعات للمعلمات لاحيلةَ لاجتنابهن أخطارَ أمثالهنّ؛ بل إني أرى أنّ المسلمات العجائز أيضًا لو تكلمن معهنّ ولو مرة واحدة، لكان ذلك خطرًا عليهنّ .
والطريق الأسلم في تعليم البنات هو ما ظلّ مُتَّبَعًا لدينا منذ العصور، وهو أن تتعلم بنات عديدة مجتمعات في مواضع قرابتهنّ. ولو وُجِدَت مُعَلِّمَة لا تأخذ راتبًا لكان ذلك أدرّ بركةً كما تؤكد التجربة، ولا بأس أن توجد مُعَلِّمَة تأخذ راتبًا. ولو لم توجد المُعَلِّمَة من هذا النوع أو ذلك ، فهناك ينبغي اللجوءُ إلى رجال مُتَعَلِّمِين من الأهل وذوي القرابة. أمّا المنهجُ في التعليم الدينيّ، فينبغي أن يبدأ بتعليم القرآن الكريم بصحة الحروف، ثم الكتب الدينية المُؤَلَّفَة باللغة السهلة التي تستوعب تعليمَ أجزاء الدين وأحكامه. وإلى جانب ذلك يجب أن تجري مراقبةُ أعمالهنّ، واتّخاذُ تدابير لترغيبهنّ في التعلّم، حتى يهتممن بالدراسة طيلةَ أعمارهنّ، وينبغي الهمس في آذانهنّ أن لايغفلن أبدًا عن قراءة الكتب النافعة، وقد أثـْبَتُّ قائمةً بكتب ورسائل نافعة لهنّ في نهاية كتابي الذي وضعتُه لهنّ خصيصًا وهو “بهشتي زيور” (Bahishtizewar) (حلى الجنّة).
وبعد إنهائهن للمنهاج الدراسي اللازم، ينبغي تحريضهن على دراسة العلوم العربيّة إذا آنسوا فيهنّ أهلية لذلك، حتى يتأهّلن لفهم الكتاب والسنّة والفقه باللغة الأصليّة. أما الترجمة الأردية لمعاني القرآن الكريم التي تُمَارِس بعضُ البنات قراءتَها، فإنّي أعتقد أنّ معظمهنّ يخطئن إساغتَها بشكل صائب؛ فقراءةُ ترجمة معاني القرآن، غيرُ جديرة بالأغلب منهنّ. أمّا إجادتُهنّ للكتابة فإن آنسوا أنهنّ لايَمِلْن طبيعيًّا إلى الجـراءة والتحرر فلا بأس بها؛ لأنهنّ في حاجة إلى الكتابة حتى للحوائج العائليّة أيضًا. أما إذا خافوا المفاسد، فإن “اجتناب المفاسد خير من جلب المنافع غير الواجبة” فمنعهن إذًا من إتقانها واجب. وذلك ما أجمع عليه الحكماء .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، شعبان 1430 هـ = أغسطس 2009 م ، العدد : 8 ، السنة : 33