كلمة المحرر
الكراهيةُ العامَّةُ ضدَّ الغرب وأمريكا بالذات، التي تَجَذَّرَتْ في قلب العالم الإسلاميّ، عندما يبحثها الغربُ مُتَمَثِّلاً في مُفَكِّريه وقادته وساسته، ينظر إليها مُجَزَّأَةً أو مفصولةً عن خلفيّاتها الحقيقيّة. وربّما يحاول عن تعمّد أن يُحَوِّل المُسَبَّبَ سببًا؛ فيُرْجِعِ إليه جميعَ مظاهر الكراهية ضدَّه وانعكاساتها السلبيّة وتداعياتها المُتَّصِلة التي تطرح نفسَها بأشكال شتّى .
فمثلاً يُفَسِّرها – الكراهية – بأنّها ناتجةٌ عن الفقر المستشري في العالم الإسلامي؛ وعن الشعور الزائد لديه بالشقاء والحرمان؛ وعن الجهل العامّ بمُعْطَيَات العلم الحديث والتكنولوجيا الحديثة وأحدث ما وصلت إليه من الانتصارات الرائعة والاكتشافات الباهرة والاختراعات التي جعلت الإنسانَ كعفريت من الجن بالنسبة إلى التمتّع بالقوة الخارقة؛ وعن “الأصولية المتشدّدة” و”التصلّب في الدين” وعن ضيق الأفق والانطواء على النفس المُتَوَلِّدين منهما – الأصوليّة والتصلّب – وعن التهديدات التي طرحتها التغيّراتُ المناخيّةُ والأوبئةُ والكوارثُ الطبيعيّةُ التي كثرت أخيرًا، والأزمةُ الماليّةُ العالميّةُ التي أخذت برقاب العالم أخيرًا؛ وعن التعليم الديني الإسلاميّ الذي قوامُه التحريضُ على الكراهية نحو الغير ولاسيّما اليهوديّة والمسيحيّة والوثنيّة بصورها الكثيرة! وعن… وعن…
فالغربُ لدى تفسير وتوجيه أو تعليل الكراهية المُتَصَاعِدة ضدّه يومًا فيومًا في قلوب أبناء العالم الإسلاميّ يجهل – والأصحُّ – يتجاهل العواملَ الواقعيَّةَ ، في محاولة فاشلة لصرف أنظار العالم عن الحقيقة المرة التي تحزّ في ضميره وتختلج في صدره كشوكة مسمومة ذات طرف طويل نافذ .
العواملُ الحقيقيّةُ واراءَ هذه الكراهية هي التدخّلات الغربيّة في العالم الإسلامي بدءًا من الحملات الصليبية إلى الغزو الاستعماريّ له، الذي لايزال مستمرًّا على جميع المستويات العسكريّة والاقتصاديّة والثقافيّة والسياسيّة؛ والكيل بمكيالين غير عادلين تمامًا: كيل للإسلام والمسلمين وكيل لغير الإسلام وأبنائه في جميع القضايا التي تمسّ الوطنَ والدينَ والثقافةَ والتعليمَ والسياسةَ والاقتصادَ.. فإسرائيلُ يجوز لها أن تمتلك قوةً نوويةً، وتصبح ذات قدرة عسكريّة فائقة في قلب العالم العربي، والدولُ العربيّةُ والإسلاميّةُ لايجوز لها ألبتّةَ أن تتقدم عسكريًّا، بل أن تتظاهر بكونها تتمتع بقدرة عسكريّة ما؛ فإذا حاولت دولةٌ إسلاميّةٌ أن تمتلك قوة نووية، تجري المحاولة مُكَثَّفَةً على المستوى العالمي ومن على منبر ما يُسَمَّى بـ”الأمم المتحدة” و”مجلس الأمن” التابع لها لمحاصرتها، فمؤاخذتها، فعقابها، بل اتِّخَاذِ عمليَّة عسكريَّة ضدَّها، لكونها تُشَكِّلُ خطرًا على العالم؛ وكأن الخطر على العالم لايفعل فعلَه إلاّ آتيًا من قبل دولة إسلاميَّة. وإذا امتلكت دولةٌ إسلاميّةٌ ما قوةً نوويةً متواضعةً فإنّها تُفْرَضُ عليها حربٌ بالوكالة عن أمريكا والغرب تخوضها هي ضدَّ أبنائها في محاولة لاستنزافِ مالديها من قدرة عسكريَّةٍ واقتصاديَّةٍ، حتى تتخلّف كليًّا عن ركب الحياة، ولا تتمكن من إنجاز مشاريع تنمويّة أخرى كثيرة لابدّ منها لأبنائها، وإلى جانب ذلك يُعَادُ القول: إنَّ قوتَها النوويَّةَ غيرُ مصونة، وأنّها مخوفٌ عليها من قبل “الطالبان” و”المتشدّدين” الذين قد يسيطرون عليها، ويستخدمونها ضدَّ أمريكا أو إسرائيل أو دولة غربية مثل بريطانيا الذيل الذليل لأمريكا في عدوانها المُتَّصِل على العالم الإسلاميّ. وكأن القدرةَ النوويةَ الهائلةَ لدى أمريكا ليست بأيدي متشدّدين من عملاء الصهاينة والصليبيين أمثال “بوش” الرئيس الأمريكي السابق وزمرته العدوانيّة، قاموا بغزو كلّ من أفعانستان والعراق، واحتلالهما، والآن هم في طريق احتلال باكستان، وشنّ الهجوم على السودان.
إنّ الغربَ لايُعَامِل إيرانَ معاملةً عدائيةً تجاهَ محاولتها لامتلاك قوة نوويّة إلاّ لأنّه يُصَنِّفها ضمن “الدول الإسلاميّة” إنّه يستشعر منها المخاوف تجاه مصالحه ومصالح إسرائيل؛ لأنه يودّ أن لاتكون هناك بعد كل من الغرب وأمريكا دولة مالكة للقوة النوويّة إلاّ إسرائيل فقط، حتى تقدر متى تشاء على إحراقِ وإبادةِ جميع الدول العربيّة الإسلاميّة.
“بوش” الإرهابيّ رقم واحد كان يتحكّم – ولايزال هناك وَرَثَتُه من مسؤولي أمريكا رفيعى المستوى – في القوة النووية الكبرى في العالم لدى أمريكا، واسْتَخْدَمَها فعلاً ضدّ العالم الإسلاميّ، ولايزال يستخدمها أخلافُه ضدَّه، ويُدَمِّر الإنسان المسلم كل وقت من الليل والنهار؛ ولكن الغرب – وأحلافه من الشرق من غير المسلمين – لايقول: إنّ القوة العسكريّة النووية الأمريكية بأيدي غير أمينة، تستخدمها لشن العدوان، وتدمير الإنسان، وتخريب جميع مظاهر الحياة في المنطقة الواسعة من العالم الإسلاميّ. أليس ذلك من الكيل بمكيالين.
الغرب جَلَبَ في ظلم عديم النظير اليهودَ من أقطار الدنيا إلى فلسطين، وأَمَدَّهم بالمال والرجال، والخبرة العسكرية، والأسلحة الفتاكة، وحَوَّلَهُمْ قوةً عسكريَّةً كبرى في المنطقة، وتَعَاوَنَ معهم مباشرةً وبشكل سافر في شنّ العدوان على كل من مصر والشام ولبنان والأردن، والعالم العربيّ، واحتلوا مسافةً شاسعةً من هذه الدول، وأقاموا عليها مستوطناتٍ يسكنها أبناءُ القردة والخنازير وعُبَّاد الطاغوت، ولايزال هذا العدوانُ مُسْتَمِرًّا بشكل أسوأَ من السابق، ولكنهم – اليهود – عادلون، معتدلون، متعاملون مع حقوقهم، ولهم حقُّ سلب وطن المسلمين المبارك، واحتلال المسجد الأقصى، وتقتيل الفلسطينيين وتشريدهم؛ ولكن الفلسطينيين العُزَّل لاحقَّ لهم في قذف حجارة إلى يهوديّ؛ لأنهم من أبناء الله وأحبّائه وأرفع ما خلقه الله من جنس البشر!، فإذا قذفوا – الفلسطينيون – حجارةً، وحاولوا مقاومةَ الظلم بالأجسام العارية ، فهم “إرهابيّون” يجوز تقتيلُهم واغتصابُ نسائهم، وإبادةُ شبابهم، والزجّ بهم إلى السجون وتعذيبُهم فيها بأشكال لم تخطر من الشيطان على بال.
إنّ هناك أمثلة لاتُحْصَىٰ حقًّا للكيل بمكيالين تجاهَ العالم الإسلامي، الذي يمارسه الغرب باستمرار وفي وقاحة لم يسبق لها مثيلٌ. ولا أريد أن أطيل على القراء.
ولن تَصْفُوَ قلوبُ أبناءِ العالم الإسلاميّ من العداء والكراهية ضدَّ الغرب مالم يَنْتَهِ هو عن هذا الموقف المشين، والثنويَّةِ في التعامل. وينبغي أن تكون البداية بانسحاب جميع القوات الأمريكيّة والغربيّة عن كل من أفغانستان وباكستان والعراق وجيمع أجزاء العالم الإسلامي، وإعطاء أبنائها حقَّ تقرير المصير على ما يشاؤون؛ وبممارسة الإنصاف مع الفلسطينيين على ما يُطَالِبُه المسلمون؛ وبنفض يديه – الغرب – عن كل جزء من أجزاء العالم الإسلامي؛ والانتهاء من التدخّل فيه بأي أسلوب من الأساليب؛ والانتهاء من تصنيف أبناء العالم الإسلامي بأنهم “إرهابيّون” والتعليم الديني الإسلاميّ بأنه يُخَرِّج “الإرهابييّن” والانتهاء من فرض ثقافته المَاجِنَة، وحضارته الفَاسِدَة، وأسلوبِ حياته المُفْسِد للإنسان والمُحَوِّل له إلى بهائم، على ديارنا وأقطارنا باسم التعليم والتثقيف والأعمال الخيرية التي يستغلّها لتنصير أبنائنا، وتدمير ثقافتنا، وتخريب إرثنا الحضاريّ العريق.
وهنا قد تزول الكراهيةُ المُتَجَذِّرَة المُتَزَايِدَة في قلوبنا نحوَه شيئًا فشيئًا؛ وإلاّ فكلُّ محاولة منه للتحالف بيننا وبينه تعود فاشلةً مائةً في المائة. [التحرير]
(تحريرًا في الساعة 10:30 من ضحى يوم الإثنين : 7/6/1430هـ = 1/6/2009م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، رجب 1430 هـ = يوليو 2009 م ، العدد : 7 ، السنة : 33