كلمة المحرر
الصهاينة في فلسطين وفي خارجها يعملون بكل ما لايمكن أن يُصَنَّف من خلال أيّ تعريف بالإرهاب إلاّ بالإرهاب ليس إلاّ؛ فهم يؤمنون ويعملون باغتيال أيّ قائد أو كاتب أو صحفيّ أو رجل بارز في مجال من مجالات الحياة، إذا اعترض طريقهم نحو تحقيق أهدافهم العرقية الاستعماريّة؛ فقد ثبت أنّهم اغتالوا الرئيس الأمريكي “كنيدي Kennedy” (1917-1963م) الذي تمّ اغتياله يوم 22/نوفمبر 1963م؛ لأنّه كان يكره تصاعد النشاط الصهيوني في أمريكا؛ وثبت أنّهم ضالعون في اغتيال الملك المؤمن الصالح فيصل بن عبد العزيز آل سعود (1324-1395هـ = 1906-1975م) لأنّه سَيَّسَ المال العربي عندما استخدم النفط العربيّ كسلاح استراتيجيّ فتّاك في الحرب الإسرائيلية العربية 1393هـ/1973م؛ حيث قطع شحن البترول السعودي إلى أمريكا يوم 22/رمضان 1393هـ الموافق 26/ أكتوبر 1973م؛ لأنها كانت ولا تزال تمد إسرائيل جهارًا بالسلاح والمال والرجال ضدّ العرب وضدّ الفلسطينيين ؛ وثبت أنهم ضالعون في اغتيال الرئيس الباكستاني الجنرال محمد ضياء الحق (1343-1409هـ = 1924-1988م) من خلال تحطيم الطائرة الباكستانية التي كانت تقلّه مع السفير الأمريكي؛ فقد صَرَّح أحد كبار الدبلوماسيين الأمريكيين السابقين “جون جونثر دين” طبقًا لما جاء في موقع مجلة “دي نيشن” The Nation الأمريكية أن الأصابع الإسرائيلية كانت أيضًا وراء السقوط الغامض لطائرة الرئيس الباكستاني محمد ضياء الحق عام 1988م، يقول “دين” في مذكرته التي تحمل عنوان: “المنطقة الخطرة: دبلوماسيّ يكافح من أجل مصالح أمريكية” (Danger zone: A Diplomats fight for Americans interests) والتي ستصدر في شهر مايو الجاري 2009م :
“إنّ الموساد الإسرائيلي كان متورطاً في إسقاط طائرة الرئيس الباكستاني الأسبق الجنرال محمد ضياء الحق وعلى متنها السفير الأمريكي لدى باكستان “أرنولد رافي” في أغسطس عام 1988م”. ويضيف “دين” قائلاً: “إنّه بعد مقتل ضياء الحق في تحطم الطائرة أبلغه مسؤولون كبار في دهلي الجديدة أن الموساد كان ضالعًا محتملاً في الحادث”.
كما كشف الدبلوماسيّ الأمريكي أنّه هو نفسه تعرّض لمحاولة اغتيال قرب العاصمة اللبنانيّة “بيروت” في 27/ أغسطس عام 1980م إبّان عمله دبلوماسيًّا في “لبنان” وهو يتّهم إسرائيل صراحةً بالوقوف وراء محاولة اغتياله. ويروى “دين” الأسبابَ التي تقف وراء رغبة إسرائيل في قتله، فيقول: إنه كان قد فتح قنوات اتصال مع منظمة التحــرير الفلسطينية بناءً على تفويض من “واشنطن” [الجزيرة اليومية، الرياض، العدد: 13352، الأحد: 23/ربيع الآخر 1430هـ = 19/ أبريل 2009م].
ولسنا هنا بسبيل تقديم الأعداد والأرقام لمن كانوا ضحايا الاغتيال الإسرائيلي من أجل تحقيق مصالح صهيونيّة، وإنما ذكرنا ذلك على سبيل المثال؛ لكي نؤكد أن الصهاينة يذهبون كلَّ مذهب في سبيل إنجاز مشاريعهم النجسة، وليس خافيًا على العالم ما تنفذه إسرائيل كل يوم من العلميات الوحشيّة ضدّ الفلسطينيين العزّل أصحاب الدار؛ لأنهم يطلبون السماح بالعيش في وطنهم بكل الحقوق التي ينبغي أن يحظى بها أصحاب الدار الحقيقيّون.
ولكنهم رغم ذلك لايُصَنَّفون لدى الغرب ولا لدى الأمريكان “إرهابيين” بل لو أقدم أحد على تصنيف الصهاينة إرهابيين لصُنِّفَ هو “إرهابيًّا”؛ لأن أبناء الغرب وأمريكا قَرَّروا أن لن يسمحوا لأحد أن يمسّ أحد هؤلاء الصهاينة “ذوي السلالة الطاهرة والعرق البشري الأرفع” بالانتقاد فضلاً عن أن يمسّه بتوجيه ضربة بسلاح أو بطوب!.
وكذلك المتطرفون من الهندوس هدموا المسجد البابري في ديسمبر 1992م على مرأى ومسمع من العالم كله، وقاد عملية الهدم كبار الساسة والقادة الهندوس الذين اعتلَوا عرش الحكومة الهندية فيما بعد؛ ولكنهم لم يُوْصفْ أحد منهم بالإرهابيّ حتى الآن. وهناك جمعيّات ومنظمات هندوسيّة متطرفة للغاية تقودها منظمة “آر إيس إيس” تعمل ليلَ نهار على تسميم أذهان النشء الهندوسي في مدارسهم التي لاتحصى، ويتخرج هذا النشء الهندوسي على غاية من الكراهية والبغض تجاه الشعب المسلم وكل شيء يتصل به من الدين والثقافة والحضارة ومعالم التقدم العريقة في هذه البلاد التي حكموها ألف سنة أو تزيد؛ ولكنهم لحدّ اليوم لايوصفون بكونهم إرهابيين لا من قبل الحكومة الهندية ولا من قبل وسائل الإعلام المحليّة أو وسائل الإعلام العالميّة التي تديرها عبر العالم العصابة الصهيونيّة العاملة في انهماك تام على تننفيذ وصايا حكماء صهيون المعروفة بـ”بروتوكولات حكماء صهيون” للتغلب على العالم، ولاسيّما على العالمين الإسلامي والعربيّ.
الصليبيون في البوسنة والهرسك قتلوا المسلمين تقتيلاً واغتصوا نساءهم بشكل علنيّ مخطّط بعدد الآلاف؛ ولكنهم لم يوصفوا بأنهم “إرهابيّون”. و”جورج بوش الابن” قتل مئات الآلاف من المسلمين في أفغانستان والعراق وتسبب في قتل مئات الآلاف في باكستان؛ولكنه لايوجد توجّه لحدّ اليوم لمجرّد وصفه بأنه “إرهابيّ” على حين إنه أكبر إرهابي في العالم كلّه اليوم.
إنّ الكيل بمكيالين يجري ضدّ المسلمين في العالم كله شرقًا وغربًا. وذلك هو العامل القويّ في توجّه بعض الشباب المسلم – إذا سُلِّم أنّ هذا التوجّه حاصل فعلاً – إلى ما يسمونه بالإرهاب أو التطرف. عدمُ الأخذ بجانب العدل والإنصاف؛ والعملُ بالازدواجيّة والثنويّة، والكيل بمكيالين: كيل لغير المسلمين وكيل للمسلمين، حَوَّل العالم أخوف مكان وأخطر موضع لسكنى البشريّة. ولايزال العالم بقيادة أمريكا الفاشلة الجائرة المنحازة يعالج الداء بداء أشدَّ وأفتكَ؛ فلا يزول الداءُ وليس ليزول؛ بل هو يَسْتَفْحِل ويَسْتَعْصي على العلاج بشكل أشدَّ من الماضي.
إنّ الكون أراد له الله عزّ وجلّ أن يسوده العدل فيستفرّ ويستقرّ من فيه من الخلق الذي أفضلُه البشر الذين كُلِّفوا بعبادة الله، وزرع العدل وصيانة الأمن، وحراسة مصالح كلّ الخلق الذي أُوْجِد له و أُوْجِدوا هم لعبادة الله.
فكلّما يحصل الخروج على نواميس الفطرة والسنّة الإلهيّة والقوانين التي وضعها الله بمشيئته لإدارة هذا الكون الهائل، يُحْرَمِ الأمنَ والاستقرار اللذين هما أغلى نعمة بعد الإيمان بالله ورسوله.
[التحرير]
(تحريرًا في الساعة 11 من صباح يوم السبت : 6/جمادى الأولى 1430هـ = 2/مايو 2009م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، جمادى الأولى – جمادى الثانية 1430 هـ = مايو – يونيو 2009 م ، العدد : 5-6 ، السنة : 33