كلمة المحرر
بمناسبة شهر رمضان المبارك أرى لزامًا أن أُسَجِّل أنّ العالم كلَّه اليومَ يُدَوِّي بالهتاف الصارخ ضدَّ الإسلام ، والعمل المُتَّصِل لمكافحة مدِّه . والعالمُ شرقُه وغربُه يسعى جاهدًا لسحق الإسلاميِّين ، ويَتَكَتَّل الشيوعيُّون والرأسماليُّون والصهاينة والصليبيّون ، لمحاربة المحافظين على دين محمد صلى الله عليه وسلم ، والمتديِّنين من المسلمين، والداعين إلى العمل بالشريعة الإسلاميَّة ، والهاتفين بالله وحده . إنَّ الأعداءَ المتحاربين يتَّحدون على نقطة محاربة الإسلام على كلِّ جبهة ، وبكلِّ سلاح ، وبكل من الأساليب التقليديَّة والحديثة .
إنّ أعداءَ الإسلام ظلُّوا مُتَخَاصِمِين مُتَنَاحِرِين مُتَقَاتِلِين فيما بينهم ، ولم يجدوا قطُّ في الماضي قاسمًا مشتركاً يُوَحِّدهم ويجمع شملَهم ، بهذا الشكل المُدْهِش الذي وجدوه في شكل عداء الإسلام ومحاربته ؛ فاتَّخذوا أساليبَ وحيلاً كثيرة ذكيَّةً للانقضاضِ على الإسلام والمسلمين ، باعتبارهم إيَّاهم – المسلمين – عدوَّهم المشترك الوحيدَ الألدَّ الذي كأنّهم لئن غلبوه غلبوا كلَّ مشكلة في الحياة . وجعلوا كلَّ حسنة فيهم عيبًا كبيرًا يُشَكِّل خطرًا أكيدًا ليس على مصالحهم فقط ؛ بل على مُسْتَقْبَل الكون ومصلحة العالم ؛ فعادوا يحاصرون المسلمين ، ويضيقون عليهم الخناقَ ، ويطاردونهم في كلّ مكان ، ويلاحقونهم على كلِّ درب ، وجعلوهم تضيق عليهم الأرضُ بما رَحُبَتْ ، حتى جعلوا العالمَ كلَّه في هرج ومرج ، وحَوَّلوه أخطرَ مكان للبشر وليس للمسلمين وحدَهم، وسلبوه السكنيةَ والهدوءَ؛ فعاد يُفَكِّر في مغادرته إلى كوكب آخرَ إذا أمكنه ذلك و وجد سبيلاً إليه بحيلة أو بأخرى . ولاشكَّ أن الصهيونيَّةَ العالميَّة تلعب في هذا الصدد دورًا أساسيًّا قياديًّا في محاولتها الجادَّة لتسخير العالم لصالحها، حتى جعلتِ الصليبيَّةَ الحاقدةَ ذيلاً ذليلاً لها ، لاتجد فكاكاً من ملازمتها لها في أيّ من مُخَطَّطَاتها ، مهما كان رهيبًا ليس فقط بالنسبة للأمم والأقوام ؛ بل بالنسبة لها – الصليبية – أيضًا .
وقد أكَّدَتْ دراساتٌ جادَّةٌ صادرةٌ عن التعمُّق الواعي والتوسّع البنَّاء أنّ العالم اليومَ مُسَيَّرٌ وفق المُخَطَّط الصهيونيّ المُدَعَّم بالصليبيَّة المُتَصَهْيـِنَة ، وأنَّها تديره وفقَ ما تشاءُ لتحقيق مشروع إقامة دولتها العُظمى ، والانتصار على الأمم بكلِّ أسلوب ، دونما تفريق بينَ الحلال والحرام ، ودون احترام لأيِّ شرعيَّة دوليَّة؛ لأنَّها حسبَ تلمودها – مجموعة تعاليمها الدينيَّة – تؤمن بأن الشعبَ اليهوديَّ أحبُّ خلق الله إليه ، وأنَّ الشعوبَ كلَّها إنما خُلِقَتْ لخدمته ، وأنه يجوز له أن يَتَصَرَّف معها كيفما يشاء ؛ لأنّ مكانتَها بالنسبة إليه مكانةُ البهائم .
وليس العجيبُ أن تتصرَّف الصهيونيَّة هذا التصرُّفَ الأسوأَ مع العالم البشريّ كلّه وأن تحلم بأن تُمَارِس تصرُّفًا أشنعَ معه من تصرُّفها هذا الحاليّ ؛ ولكنَّ العجيبَ الأعجبَ هو رضاه – العالم البشريّ – بما يُصْنَع معه من قبلها – الصهيونيَّة العالميَّة – لا لشيء ، وإنّما للتشفِّى من الإسلام ، ولإشباع عدائه مع أبنائه ؛ فيَتَكَاتَف معها – الصهيونيَّة – للانتقام من العدوّ المشترك : الإسلام ، ويسير معها حيثما سار في ذلّ لايُوْصَف للانتصار على أبنائه ، وإيقاع شرِّ هزيمة عليهم ، وإرغامهم على أن يَرْضَوا باتّباع ملَّته المشتركة ، وهي الكفر بالله وحده ربًّا ، وبالإسلام وحدَه دينًا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ونبيًّا خاتمًا ، أو يرضوا بحياة الذلّ والخنوع، والاستسلام والانقياد ، الذي يريد أن يفرضه عليهم بقيادة الصهيونيَّة العالميَّة العاملة جهدَها وطاقتَها على فرض نفسها على العالم ولاسيّما المسلمين باعتبارهم المُمَثِّلِين الوحيدين لدين الحقِّ الذي أعلنَه ربُّ العزَّة والجلال في كتابه الخاتم المُهَيْمِن على الكتب السماويَّة كلِّها أنّه من يَبْتَغِ غيرَه ، فلن يُقْبَل منه ، وهو في الآخرة لمن الخاسرين .
إنّ هذا الوضعَ أَوَ ليس يدعونا – نحن المسلمين – أَوَ ليس يَتَحَدَّى غيرتَنا ، أَوَ ليس يهيب بنا شعوبًا وحكومات أن نَتَّحِد قلبًا وقالبًا، وأن نقول للعالم كلِّه بِملْءِ أفواهنا دونما تَلَكُّأ وخجل ، وضاربين عُرْضَ الحائط كلَّ حاجز نفسيّ ، وبكل صراحة : أجل ، إنّنا جميعًا مسلمون ، وخيارُنا الوحيد هو المنهج الذي جاءَ به سيِّدُنا ونبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم من عند ربِّه ، ونحن جميعًا لن نرضى إلاّ بأن تسود شريعتُنا وأن يكون كتابُ الله وسنّة رسوله لهما المرجعيَّة و يكونا هما المصدر ولهما الحكم الأعلى والكلمة المسموعة ؛ فها نحن أولاء جميعًا “أصوليُّون” و”مُتَشَدِّدون” و”إحيائيّون” و”رجعيُّون” وما شئتَ أيُّها العالَم ! من الصفات السلبيَّة التي نَحَتَّها لإلصاقها بنا ، وعيبنا بها حتى تجعلنا كالكلاب المجنونة التي يجب قتلُها حمايةً لبني البشر!؛ فتعالَ ! إذا تودّ أن تُقَاوِم ، فقَاوِمْنَا جميعًا ؛ وإذا تودّ أن تُحَارِب ، فحَارِبْنَا جميعًا . إنّنا جميعًا قلب واحد ، وقالَب واحد، ورأي واحد ، وعقيدة واحدة . إنّه لقد وَلَّى العهد الذي استطعتَ فيه أن تُفَرِّقَنا وتسود .
إنّ موقف العالم كلَّه سيختلف فجأةً عن موقفه معنا الآن في اللحظة التي نتَّخِذ فيها قرارَ هذا الاتحاد الصادق والائتلاف الذي لاتخترقه المؤامرةُ الماكرةُ . فهل سيتحقق هذا الحلمُ ؟ إنّ المسلمين في العالم ينتظرون تحقُّقَه بفارغ الصبر . [التحرير]
(تحريرًا في الساعة 12 من ظهر يوم الأحد : 7/8/1429هـ = 10/8/2008م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . رمضان – شوال 1429هـ = سبتمبر – أكتوبر 2008م ، العـدد : 10-9 ، السنـة : 32