بقلم : الإمام محمد قاسم النانوتوي المتوفى 1297هـ/1880م

رئيس الطائفة المؤسسة لجامعة ديوبند

تعريب : الأستاذ محمد ساجد القاسمي*

يلقي الباندت ديانند محاضرةً بلغةٍ تشوبها كلمات وجمل من اللغة السنسكرتية:

       على كلٍ فقد عاد الشيخ محمد قاسم إلى مجلسه ، وقام الباندت ديانند إلى منصة الخطابة، وأخذ يلقي محاضرته بلغة تشوبها كلمات وجمل من اللغة السنسكرتية إلا حروف العطف؛ فلم يفهمها إلا بضعة أشخاصٍ من حضور الاجتماع.

مادة العالم قديمةٌ :

       ومما فُهِمَ من محاضرته أنّ الفخّاريَّ – مثلاً – يصنع أواني فخارية ، فلابُدَّ له من الطين، فلولم يكن الطين لما أمكن له صُنْعها. كذلك خَلَقَ الله العالم، فلابُدَّ له من مادة سابقة، ولو كانت المادة مخلوقةً فهذا يعني أنه خلق العالم من غير مادة .

       وبالجملة أنّ مادة العالم قديمة ، ووجود العالم منذ الأزل، ويَسْتَمِرُّ على هذا الشأن أبدًا. وما قاله القسيس من أنَّ العالم خُلِقَ من العدم غير معقول؛ لأنَّ العدمَ ليس بشيء، ولايُخْلَقُ منه شيء.

دَعْوىٰ التناسخ :

       لم يُفْهَمْ من محاضرته سوى هذين الأمرين، ولم يُبَيِّن غرض خلق العالم في محاضرته، وقد عُلِمَ مما قال النّاس: إنّه ادعى تناسخ الأرواح، ولا يُدْرى بمَ احتجَّ عليه .

صُعوبةُ اللغة :

       جملة القول أنّه كان لايُفْهَمُ معنى محاضرته للغته المشوبة بكلمات وجمل من اللغة السنسكرتية، فقال الشيخ محمد قاسم – أثناء إلقاء محاضرته – للمنشئ “إندرمن”: إن كنت لاتريد أن تُلْقِي كلمتك فقم وتَرْجَمْ مايقوله الباندت حتى نفهمه ، وإلا ليس لنا إلى القبول والاعتراض من سبيلٍ، فقال المنشئ: “إنني لم أتعوَّد إلقاء المحاضرة، ومن تعَوَّدوه فهم يفعلونه، فلي العذر”.

القسيس إسكات:

       على كلٍ فقد انتهى الباندت من محاضرته. ووفقًا للبرنامج المرسوم قامَ القسيس “إسكات” وأخذ يلقي كلمته، رغم أن الموعد كان موعد النقاش .

       فلما انتهى القسيس “إسكات” من كلمته، وجاء دور علماء المسلمين، قال الشيخ محمد قاسم للشيخ محمد علي: “إني لم أفهم من محاضرة الباندت شيئًا، فينبغي أن تَتَجَشَّم لإلقاء الكلمة، ولو فهمت محاضرته لما جَشَّمْتك، فقال الشيخ محمد علي: “إني لم أفهم محاضرته كلَّ الفهم”. فقال الشيخ محمد قاسم: “و أنا لم أفهم من محاضرته شيئًا”.

يقوم الشيخ محمد علي بالرَّد على محاضرة الباندت:

       قام الشيخ محمد علي وقال: يبدو من محاضرة الباندت أنَّ العالم أزليٌّ و مادته قديمة، ولم يخلق العالمَ أحدٌ، مما يلزم أنَّ المادة “واجب الوجود” فلزم “واجبان للوجود” ولم يبق التوحيد. إذًا فلم تَبْقَ الحاجة إلى الاعتراف بوجود الله تعالى.

       من الواضح أنَّ العالم مركَّبٌ، والتركيب يستلزم الحدوث؛ فالقولُ بقدم العالم باطلٌ بداهةً.

يُفَسِّر الباندت محاضرته:

       ثم قام الباندت وأعاد – كما روى أولو الفهم والعقل – اعتراضه على القسيس، ثم رَدَّ على ما وُجِّهَ إليه من الاعتراض بما خلاصته: محاضرتي لم يفهمها الخصوم كلَّ الفهم. إنا نقول بقدم مادة العالم، لابقدم العالم، وقد خلق الله العالم بهذه المادة، ولما كان الخالق والموجد هو الله تعالى، مسَّت الحاجة إلى الاعتراف بوجود الله تعالى؛ لأنَّ المادة لم يتكَوَّن منها العالم بشكل آليٍّ؛ بل الموجد والخالق هو الله تعالى.

       تلك خلاصة ما قال الباندت، وما إن قال حتى انقضت عشر الدقائق المحدّدة، فجلس، وقام أحد القساوسة وفقًا للترتيب المسَبَّق، ولا أذكر ماذا قال في كلمته .

يرد الشيخ محمد قاسم النانوتوي على الباندت ديانند:

       في هذه الأثناء وقف الشيخ محمد قاسم وقال: إن كان الوجود المذكور الذي سميتُه مادة العالم يسميه الباندت مادةً قديمةً فنِعْمَ رأيه، فهو يوافقنا في رأينا. وإن كان الوجود شيئًا آخر غير صفة من صفات الله وانعكاسٍ من انعكاساته، وكان أمرًا مستقلاً عن ذات الله ومنفصلاً عنها؛ فإن لم يكن مخلوقًا بل كان موجودًا بنفسه، كانَ إلـٰـهًا؛ لأنَّ الإله هو مايكون موجودًا بنفسه، ولايحتاج في وجوده إلى خالقٍ. وإن كان الوجود أمرًا مخلوقًا، فلايكون قديمًا؛ لأن مالم يكن موجودًا بنفسه؛ بل كان محتاجًا إلى شيء آخر في وجوده، لايكون وجوده من صنع ذاته، بل كان عطاءً من غيره. وكان مثله كمثل الأرض التي لاتشرق بنفسها، وإنما تشرق بنور الشمس، فيكون نور الأرض عطاءً من نور الشمس، لامن صنع ذاتها كنور الشمس .

       فإن كان الوجود المذكور – المادة المذكورة – مخلوقًا فمعنى ذلك أنه أوجده الخالق، وليس موجودًا بذاته؛ بل عطاءً من الخالق، ولما كان عطاء الوجود – كعطاء نور الشمس – لايتصور إلا أن يأتي الوجود من جانبٍ ويقع على الموجود وقُوْعَ الشمس على الأرض، فوجَبَ أن نعتبر حركةً مبدؤها في جانبٍ، ومنتهاها في جانبٍ آخر. وما يحصل بالحركة يكون فيه العدم أولاً، والحركة ثانيًا شأنَ الحركات في الأمكنة. فمثلاً: أن المكان كان شاغرًا قبل أن يشغله شخص، فلما تحرّك إليه شغله وتمكَّن فيه ؛ فلزم أن نقول: إنَّ المادة لم تكن موجودةً أولاً، ثم وُجِدَتْ بفضل العطاء. وطبيعي أنَّ هذا يخالف القدم، بل هذا هو الحدوث .

كلُّ انقلاب يستلزم حركةً :

       على أنَّ كل انقلابٍ يستلزم حركةً؛ فانقلابات طلوع الشمس وغروبها تؤكِّد لنا أنَّ الشمس أو الأرض متحركة، وإلا حركة الشمس أو الأرض – بغض النظر عن الانقلاب المذكور – لم تُشَاهَد بالعين ولم تُدْرَكْ بطريقٍ آخر. ولذلك اختلف علماء الهيئة أيهما – الشمس أو الأرض – متحركة . لوكانت الحركة مُدْرَكةً ومحسوسةً لما وقع هذا الاختلاف ولاتفقوا على حركة أحدهما.

كما يكون الانقلاب تكون الحركة:

       فالانقلاب يتوقف على الحركة، ولايُتَصَوَّر بدونها، وإلا لما أكَّدَ لنا الانقلاب الحركة. على أنَّ كل انقلاب يستلزم حركةً مجانِسَةً له، ويتبادر الذهن إليها، ولما كانت انقلابات طلوع الشمس وغروبها من جنس الانقلاب المكاني، يتبادر الذهن إلى الحركة المكانية، فمثلاً: أنَّ الشمس لما طلعت صباحًا فمعنى ذلك أنها كانت في مكانٍ، ووصلت إلى الأفق الآن، وهكذا، فلما جاوزت الأفق ووصلت إلى كبد السماء فمعنى ذلك أنها فارقت المكان الأول الذي نسميه الأفق إلى حيث نسمي نصف النهار.

       ولما كان هــذا الانقلابُ انقلابًا مكانيًا يتبادر الذهن إلى الحركة المكانية، لا الحركة الكيفية أو الكمية أو الوضعية؛ على هذا فالانقلاب الوجودي والعدمي يستلزم الحركة الوجودية والعدمية. فكون شيء مخلوقًا انقلاب وجودي وعدمي؛ لأنَّ المخلوق عبارة عن شيء لم يكن ثم وُجِدَ، وهذا هو الانقلاب الوجودي والعدمي، ولما كانت الانقلابات الأخرى تدل على الحركات المجانِسَةِ لها فكيف لايدل هذا الانقلاب على الحركة المجانِسَةِ له؟ فالانقلابات الأخرىٰ يتضمَّنُها هذا الانقلاب، ويجعلها انقلاباتٍ، ولولا هذا الانقلاب العام المطلق في الانقلابات الخاصة والمقيدة لماكانت هي انقلاباتٍ.

معنى الانقلاب المكاني:

       معنى الانقلاب المكاني هو أنَّ شيئًا لم يكن في مكان ثم وُجِد فيه، فالوجود والعدم معتبران في الانقلاب المكاني، مما يصير هذا الانقلاب انقلابًا، فوجب أن يعتبر في الانقلاب الأكبر ما في الانقلابات الأخرى، ألا وهو الحركة المجانسة للانقلاب التي ثبتت مجانَسَتُها من البحث المتقدَّم ذكْرُه .

ما هو الزمان ؟:

       الحركةُ المجانسةُ لانقلاب الوجود والعدم هي حركة وجودية وعدمية، ووجب اعتبار الحركة الوجودية في المخلوقات؛ وذلك لأنه كما أنَّ الحركة المكانية يتجدَّد فيها المكان آنًا فآنًا: فيأتي المكان الجديد ويذهب المكان الأول ، كذلك الحركة الوجودية يتجدد فيها الوجود آنًا فآنًا: فيأتي الوجود الجديد ويذهب الوجود السابق، مما يستلزم إتيان العدم الجديد كلَّ آنٍ. امتداد الحركة الوجودية هو الزمان؛ لأنه ليس فوق الزمان شيء يتجدد كالحركات والزمان، مما يؤكّد لنا أنَّ الزمان هو الحركة الوجودية التي هي أولى الحركات وأعلاها، وكيف لا؟ لوكان فوق الوجود شيء لكانت فوق الحركة الوجودية حركة.

مبدأ الزمان والكون ومنتهاهما:

       على كلٍ فلما وَجَبَ الاعترافُ بالحركة الوجودية فبما أنَّ الحركة يكون فيها العدم أولاً والوجود ثانيًا، كما أسلفت آنفًا، وجب للزمان والكون مبدأ، ولم يجب لهما منتهىً، لأنَّ العدم السابق هو الحد الأول ومبدأ الوجود، وهذا يخالف القدم، ولما كان في جانب الانتهاء الوجود لا العدم لم يجب للزمان والكون منتهىً.

مناط الأمر على المشاهدة لا على العقل :

       نعم، وليس من اللازم أن يستمر الوجود؛ لأنَّ الأبدية – الدوام في جانب المستقبل – والانتهاء يستويان ، ولا يُعَيِّنُ العقلُ أحدهما، فمناط الأمر على المشاهدة أو على ما أراده الخالق من وراء خلق الكون. فكما أنَّ شأن المبنى الجاري بناؤه لايُدْرَكُ بالعقل، وإنما يُدْرَكُ إما بالمشاهدة، وذلك لايمكن إلا بعد وجوده وتمامه، ولا مجالَ للمشاهدة إلا بعد وجوده وتمامه، وإما بإخبار صاحب المبنى، ماذا يريد من وراء بنائه، وذلك يمكن قبل وجوده وتمامه. كذلك شأن الكون إلى متى يستمر وجوده؟ إنما يدرك ذلك إما بالمشاهدة، وذلك أمر المستقبل، وإما بإخبار الخالق. ووفقًا لما مرَّ من البحث من أنَّ الله تعالى لايُخْبِرُ بأسراره إلا أنبياءَه عليهم الصلاة والسلام، فلابُدَّ أن نؤمن بما جاء الأنبياء عليهم السلام من عند الله من الخبر عن أبدية الكون وانتهائه، وهو أنَّ هذا الكون يفنى في يوم من الأيام ويختفي في ستار العدم، ثم يبعث الله من فيه بعد مدَّةٍ، ويحاسبهم ويجزيهم .

قلة الوقت :

       كان يلقي الشيخ مثل هذه البحوث الدقيقة في كلمته، حتى انتهى الموعد المحدَّد، فعاد إلى مجلسه، فقام بعده الباندت وفقًا للبرنامج المرسوم، كما قام بعده بعض القساوسة الهنود الذين ألقوا كلمات عقيمة مَجَّتها أسماع الحضور.

يتعلل الباندت بقلة الوقت:

       أذكر أنّه آخِرُ من ألقى كلمته هو الباندت، ولما انتهى من توجيه الاعتراض إلى المسيحيين قال مرةً أو مرتين: “لوكان الوقت لرددتُ على كلمة الشيخ محمد قاسم” لا أدري أواقعيا كان فيما يقوله أم محتالاً لِمَا سمع كلمة الشيخ التي أفحمته.

يوجِّهُ الباندت الاعتراض على كلمة الشيخ:

       قال الباندت في آخر كلمته التي انفض عقد الاجتماع بعدها معترضًا على كلمة الشيخ: إن كانت مادة العالم صفةَ وجود الله تعالى لزِم اتصافه بالقبح؛ لأنَّ المخلوقات فيها صالحون وطالحون، ومادة الصالحين والطالحين أمر واحد؛ فلزِم اتصافها بالقبح .

مكابرة الباندت وعناده :

       فلما انتهى الباندت من اعتراضه بادر الشيخ محمد قاسم إلى منصة الخطابة وكانت الساعة الحادية عشرة أو كادت، فقال القساوسة: “قد انقضى موعد الاجتماع الآن” فقال الشيخ: قفوا لي عدة دقائق حتى أبَيِّنَ الردّ على اعتراض الباندت، ولكنهم لم يسمعوا له . فقال الشيخ للباندت : قف أيها الباندت هنيهةً، فقال الباندت: لايسعني أن أقف؛ لأن موعد الغداء قدحَان. فلما رأى أنه لم يرضَ الباندت بالوقوف اضطر الشيخ إلى المنشئ إندرمن وأخذ بيده قائلاً: إن لم يرضَ الباندت بسماع ردي على اعتراضه فاسمع أنت وأبلغه به فقال:

يرد الشيخ محمد قاسم النانوتوي على الاعتراض:

       لقد رَدَدْتُ على هذا الاعتراض في مثالٍ أثناء البحث، إلا أنَّ الباندت لم يبالِ به ووجَّهَ الاعتراضَ استمالةً لأسماع المستمعين، وقد أسلفت أنَّ نسبة المخلوقات إلى الله ووجوده – الذي هو بمثابة الأشعة من الشمس – كنسبة أشكال نور الشمس المختلفة التي تتشكل بالفتحات والأفنية إلى الشمس وأشعتها. فمن تأمَّلَ في هذا المثال عرف أنَّه كما أنَّ حُسْنَ وقُبْحَ الأشكال المذكورة وما يتصل بها من الأحكام المختلفة يقتصر عليها ولايتعدى إلى الشمس وأشعتها، كذلك حسن وقبح المخلوقات يقتصر عليها ولا يتعدى إلى الله ووجوده .

       فإن كان نور الشمس مثلَّثَ الشكل فزواياه الثلاث تساوي القائمين، وضلعاه أطول من الخط الثالث، وكل ذلك لايصل إلى ذات الشمس وأشعتها. فليس في الشمس وأشعتها زاوية وأضلاع، حتى تجري فيها هذه الأحكام .

       على هذا فأحكام أشكال المخلوقات لاتصل إلى الله ووجوده، لأنّه ليس في الله ووجوده أشكال وما يلزمها من الحسن والقبح ، فتَصِلَ إليه، فيلزم حسن وقبح الله تعالى.

لن يمكن له أن يردّ عليه إلى قيام الساعة :

       ثم قال: هذا ردّي على اعتراضه فأبلغه به. فقال المنشئ: “لعلّه يعترض على ردِّك” فقال الشيخ: لن يمكن له أن يعترض عليه إلى قيام الساعة. ثم نهض الشيخ وأصحابه والمنشئ إلى خيامهم.

       ما إن خرج الشيخ في الطريق حتى لحقه القسيس نولس ومعه قسيسٌ، وقال له: “احضر اليومَ بعد الساعة الرابعة كلمة القسيس إسكات” فقال الشيخ: طلبت منكم بالأمس ساعةً بعد الساعة الرابعة حتى أبيِّن حقية ديني وفضائله، والسبب في ذلك أنكم ما أعطيتم أحدا خلال الاجتماع وقتا يبين فيه حقية دينه وفضائله، ولما أعطيتكم اليوم ساعةً خلال الاجتماع، فلا حاجة إلى إلقاء الكلمة بعد الاجتماع. فقال القسيس: “من فضلك احضر كلمته” فقال الشيخ: نعم أحضر كلمته إن شاء الله وأسمعها .

القسيس يلوذ بالفرار:

       سأل القسيس الشيخ هل تُوجّه الاعترض إلى كلمة “إسكات” فقال الشيخ: أوجّه الاعتراض إذا أذنت لي به، فقال القسيس: فكم تطلب من الوقت؟ فقال الشيخ ما معنى تحديد الوقت؟ ومن يَزِنُ ويكيل مطالبه ومقاصده من قَبْلُ، حتى يحدَّدَ لها الوقت، وإنما يُحدَّد الوقت مخافةَ أن يصدّع أحد رؤوس المستمعين، ولا يسمح لغيره بإلقاء كلمته، ولكن اصدقوا لي القول هل أنا أتحدث حديثَ خرافة حتى تحددوا لي الوقت. فقال القسيس نولس: لا! أنت لا تحدث حديث خرافة. فقال الشيخ: فلماذا تحدِّد لي الوقت؟ فقال القسيس: حسنًا، لا يُحدَّد لك الوقت.

       إلا أنّ قسيسًا آخر قال: لا! لابدّ من تحديد الوقت، وإلا كلُّ أحد يحدِّث مايشاء ويُسهب، فقال القسيس نولس: نعطي لك عشرين دقيقةً، وغيرَك عشر دقائق.

شيخ حكيم:

       قد تقرر كلُّ ذلك في أثناء الطريق، ثم توجهوا إلى خيامهم وقضوا حوائجهم وتناولوا الغداء، بينما كانوا كذلك إذ حضر الشيخ موتي ميان وقال للشيخ محمد قاسم: إنَّ القسيس نولس كان يثني عليك أطيب الثناء وكان يقول: “إنَّ كلمته كانت قيمةً، إنه ليس بشيخ وإنما هو شيخ حكيم”.

كانَّ على روسهم الطير:

       كلَّما قام الشيخ محمد قاسم في أثناء الاجتماع لإلقاء كلمته عاد المستمعون صامتين كأن على رؤسهم الطير، واذا انتهى من كلمته رفع له معظم المستمعين أصواتهم بالتحبيذ والإشادة .

الفضل في انتصار علماء المسلمين يرجع إلى تواضعه ودعائه:

       جملة القول أنَّ انتصار علماء المسلمين كان واضحًا جليًّا، لاينكره إلا غير المنصفين من مستمعي الاجتماع، لعلَّ ذلك كان ثمرة تواضع الشيخ ودعاء المسلمين، ومنذ أن قصد الشيخ “شاه جهان فور” مالقي أحدًا أو رآه من أهل الدعاء المستجاب إلا قال له أن يدعو. وكان يقول: إنّ نياتنا وأعمالنا جديرة بأن نَذل ونهان على رؤس الأشهاد، إلا أنّ ذلنا وإهانتا يُسَبِّبُ ذل وإهانة هذا الدين ورسوله، فكان يدعو ويقول: اللهم لاتُذِلَّ دينيك ونبيك من أجلنا، وأَعِزَّنَا بفضل دينك ونبيك .

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادى الثانية  1429هـ = يونيو  2008م ، العـدد : 6  ، السنـة : 32.


* أستاذ بالجامعة الإسلامية : دارالعلوم ، ديوبند ، الهند .

Related Posts