إلي رحمة الله
بعد معاناة مع المرض طويلة انتقل إلى رحمة الله العالم النشيط في مجال الخدمات الإسلامية المتنوعة الشيخ صفات الله المئوي القاسمي بوطنه «مئوناث بهنجن» بولاية «يوبي». وذلك في الساعة الواحدة والدقيقة التاسعة من الليلة المتخللة بين الخميس والجمعة 6-7/ جمادى الأولى 1428هـ الموافق 24-25/ مايو 2007م .
كان الشيخُ من تلاميذ العالم الهندي الجليل الشيخ الصالح المجاهد السيّد حسين أحمد المدني رحمه الله (1295-1377هـ = 1879-1957م) تخرّج عليه في الحديث الشريف وعلوم الشريعة والتزكية والإحسان عام 1360هـ بالجامعة الإسلاميّة دارالعلوم بمدينة ديوبند بالهند . وبعد ذلك اشتغل بالتعليم والإدارة بمدرسة «دارالعلوم» الكائنة بمدينة «مئو» المذكورة لأكثر من عام ، ثمّ تفرّغ لممارسة الأنشطة الاجتماعيّة والدعويّة من على منبر منظمة «جمعيّة علماء الهند» التي ظلّ ينتمي إليه عَبْرَ حياته . كما ظلّ رئيسًا لفرع المنظمة على مستوى المديريّة .
وأقام عام 1397هـ/1977م مدرسةً بالمدينة باسم «مدرسة دارالقرآن المدنيّة» وكثّف جهودَه لتطويرها ، واتَّخذها منبرًا لأعماله التعليميّة والدعويّة والتربويّة . وكان مفطورًا على التحرك والنشاط اللذين كَرَّسَهما دائمًا لخدمة الإسلام والمسلمين . وكانت له علاقة وطيدة مع نجل الشيخ السيد حسين أحمد المدني الأكبر الشيخ السيد أسعد المدني رحمه الله (1346-1427هـ = 1928-2006م) وكان يستضيفه لدى زياراته الدعويّة والإصلاحيّة المتكررة لهذه المناطق الشرقية من ولاية «يوبي» ويُدَعِّم نداءاته الإصلاحيّة والدعويّة ويتعاون معه بكل ما يمكنه من الإمكانات .
وكان الشيخ من ذوي السماحة والكرم وخفّة الروح والبساطة في أسلوب العيش ، وبعيدًا عن التصنّع والتظاهر بما ليس فيه ؛ فكان يجتمع إليه المسلمون لحسن خلقه وعذوبة حديثه ولين جانبه .
عرفتُه عن كَثَب عندما كنتُ طالبًا بالمرحلة المتوسطة بمدرسة «دارالعلوم» بمدينة «مئوناث بهنجن» وكان معدودًا عند ذاك أيضًا – في أعوام 1964- 1966م – بين العلماء المعروفين في المدينة بخدمة الإسلام والمسلمين والاهتمام بالقضايا الإسلاميّة التي تستجدّ على المستوى المحليّ ؛ فأحببتُه لهذه السمة النبيلة التي لا يتّسم بها إلاّ ذووالعزيمة من العلماء والمثقفين .
ثم عُيِّنْتُ أستاذًا بالجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند في 1402هـ/1982م ، فكثر احتكاكي بالشيخ ورسخت معرفتي به وبخلقه الحسن لدى قُدُمَاته الكثيرة إلى ديوبند ودهلي حضورًا المناسباتِ التي كانت تعقدها جمعيّة علما الهند أو دارالعلوم / ديوبند. وكان الشيخ رحمه الله ربّما يقصد منزلي بديوبند على ضعفه الناشئ عن الشيخوخة لحبّه إيَّاميّ وعطفه عليّ، وكان يتحادث معي طويلاً ويتذكّر الأيّام التي كنتُ أتعلّم فيها بوطنه «مئو» . وكان بشـوشًا طليقًا وضّاحَ الوجه آلفًا مألوفًا ، ويقدّر في الشباب مؤهلاتهم العلميّة وحبّهم للتعمق العلميّ والتوسّع الدراسيّ، والتطلّع إلى التقدّم في مجالات العلم والعمل والتحرك الدعويّ .
ومن حسن الصدفة أن نجله الأخ الفاضل الأستاذ سعيد الحق القاسميّ كان زميلي في الدراسة بمدرسة «دارالعلوم» بـ«مئو» وظلّت بيني وبينه علاقات حبّ ووئام وتواصل في مجال الدراسة والخدمات الإسلاميّة . جزاه الله وذوي قرباه خيرًا عن الحزن الذي ألمّ بهم لفقد الشيخ صفات الله العالم الداعية ، وألهمه وإيّاهم جميعًا الصبرَ والسلوان . وأسكن الشيخَ الفقيدَ جنةَ الفردوس ، غافرًا جميع زلاّته التي لايخلو منها إنسان على وجه الأرض .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذوالحجة 1428هـ = ديسمبر 2007م يناير 2008م ، العـدد : 12 ، السنـة : 31.