أكتب هذه السطور صبيحة الليلة المتخللة بين يومي الثلاثاء والأربعاء 28-29/شعبان المعظم عام1444هـ، الموافق 21-22 من شهر مارس 2023م بالتوقيت الهندي، والأنباء تترى من مختلف البلاد بزلازل وهزات أرضية بلغت قوتها نحو 6.6 درجات، في الوقت الذي لاتزال ذكرى زلازل وهزات أرضية ضربت كلا من تركيا وسورية في الآونة الأخيرة، و أودت بحياة الآلاف من البشر، وسببت دمارًا شاملا يقدر بالمليارات في مختلف أنحاء تركيا وسورية لاتزال ذكراها ماثلة في القلوب، وتقشعر من ذكرها الجلود، وتنخلع الأفئدة.
وتفيد الأنباء التي بثَّت وتبُثُّها وسائل الإعلام الهندية المرئية والمكتوبة والمسموعة أن هذه الزلازل زرعت الخوف والذعر في سكان المناطق المتضررة في «دهلي» العاصمة وضواحيها بالإضافة إلى مختلف الولايات الهندية، الذين اضطروا إلى الهروب من المنازل والشقق في المباني الشاهقة إلى الشوارع مخلِّفين وراءهم كل ما ملكوا من غالٍ ورخيص فرارًا بنفوسهم و أرواحهم. وهذه الأحداث تذكِّرنا بيوم القيامة الذي يقول فيه المرء: نفسي نفسي، ويفر من أقرب الناس وألصقهم به، يقول الله تعالى: ﴿يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ ٣٤ وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ ٣٥ وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ ٣٦ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ﴾ [عبس:34-37]. ويقول تعالى: ﴿يَوۡمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلۡمُهۡلِ ٨ وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٩ وَلَا يَسۡـَٔلُ حَمِيمٌ حَمِيمٗا ١٠ يُبَصَّرُونَهُمۡۚ يَوَدُّ ٱلۡمُجۡرِمُ لَوۡ يَفۡتَدِي مِنۡ عَذَابِ يَوۡمِئِذِۭ بِبَنِيهِ ١١ وَصَٰحِبَتِهِۦ وَأَخِيهِ ١٢ وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِي تُـٔۡوِيهِ ١٣ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا ثُمَّ يُنجِيهِ﴾ [المعارج:8-14]. و يقول تعالى: ﴿إِنَّ يَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ مِيقَٰتُهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٤٠ يَوۡمَ لَا يُغۡنِي مَوۡلًى عَن مَّوۡلٗى شَيۡـٔٗا وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ﴾ [الدخان:40-41].
وهذه الزلازل وهذه الآيات الربانية يريها الله تعالى البشرَ ليعودوا إلى رشدهم، وينظروا في أنفسهم، ويرعووا عما هم فيه من عصيان رب العالمين، وكفرهم به، وجحودهم له، ولقد صدق الله تعالى إذ قال: ﴿سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ ٥٣ أَلَآ إِنَّهُمۡ فِي مِرۡيَةٖ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمۡۗ أَلَآ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطُۢ﴾ [ فصلت:53 -54] «أي لايسعهم إلا الإيمان بأنه حق فمن كان منهم شاكًّا من قبلُ عن قلة تبصرٍ حصل له العلم بعد ذلك، ومن كان إنما يكفر عنادًا واحتفاظًا بالسيادة افتضح بهتانه وسفَّهه جيرانه. و كلاهما قد أفات بتأخير الإيمان خيرًا عظيمًا من خير الآخرة بما أضاعه من تزود ثواب في مدة كفره ومن خير الدنيا بما فاته من شرف السبق بالإيمان والهجرة».
وهذه الزلازل على شدتها لم تحدث من الأضرار في الأرواح والأموال والبنية التحتية ما يخشى مع أمثالها القوية البالغة نحو هذه الدرجة، فكل ذلك دليل على أن الله تعالى يفعل ما يشاء، وهو الذي يكلأ البشر في خضم أسباب الهلاك والدمار إذا شاء، ويهلك العصاة الطغاة بأتفه الأسباب إن أراد. ﴿وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ سُوٓءٗا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ﴾ [الرعد:11]. فاعتبروا أيها المسلمون بهذه المنذرات والمخوفات الإلهية، وعودوا إلى رشدكم، وأنبيوا إلى خالقكم وبارئكم، واستغفروه من ذنوبكم، ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ﴾ [ق:37].
[التحرير] (تحريرًا في الساعة العاشرة صباحًا من يوم الأربعاء: 29/شعبان 1444هـ=22/مارس2023م)
مجلة الداعي، ذوالقعدة 1444هـ = مايو – يونيو 2023م، العدد: 11، السنة: 47