دراسات إسلامية

بقلم:  العلامة المفتي محمد شفيع رحمه الله

تعريب: الطالب /محمد عاصم

         حدُّ البدعة: البدعة في اللغة كلُّ أمر محدث سواء كان مما يتعلق بالعبادات أوالعادات‏، و في الشرع كلُّ طريق مخترع للعبادة بعد رسول الله -ﷺ- والخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم-‏، ولم ينقل عنهم قولًا أوفعلًا أوإشارةً أوصراحةً؛ مع وجود أسباب تقتضيه في ذلك العهد المبارك، كما قال الشيخ العلامة البركوكي -رحمه الله- في كتابه «الطريقة المحمدية» والشيخ العلامة الشاطبي – -رحمه الله-– في كتابه «الاعتصام».

         فعلم منه أنَّ الآلات الجديدة والأسلحة الحديثة التي اخترعت تلبيةً لحاجات الزَّمان ليست بدعةً؛ لعدم استخدامها على وجه العبادة، فيجوز استخدامها، إلَّا إذا كانت مخالفةً لحكم شرعي، وكذا خرج من البدعة كلُّ عبادة ثبتت من النَّبيِّ -عليه السَّلام- أوالصحابة -رضي الله عنهم- قولًا أو فعلًا أو صراحةً أو إشارةً، كما خرج كلُّ أمر لم تمس الحاجة إليه في عهد النَّبيِّ -عليه السَّلام-، واُخترع بعده تحصيلًا لمقصد من المقاصد الشَّرعيَّة، مثلًا: المدارس الإسلاميَّة والمؤسَّسات التَّعليميَّة والمنظَّمات التَّبليغيَّة وفنون النَّحو والصَّرف والفصاحة والبلاغة أوالمنطق والفلسفة؛ دحضًا للفِرق الباطلة المعادية للإسلام، أو الأسلحةُ الحديثة للقتال وتدريب الأسلوب الجديد للحرب.

         فهذاكلُّه لايطلق عليه اسمُ البدعة؛ مع أنه عبادة من وجه ولم يثبت عن النَّبيِّ -عليه السَّلام- ولا عن الصَّحابة -رضي الله عنهم-؛ لِما أنَّ مقتضياتها وبواعثها كانت موجودةً في ذلك العهد المبارك، واختار أهل العلم صورًا وتدابير مناسبةً فيما بعد مع مرور الزَّمان عند تحقق الحاجة.

         وبتعبير أخر لنا أن نقول: إنَّ هذه الأمور ليست بدعةً في نفسها، ولايقوم بها أحدٌ بنيَّة العبادة، وإنما يطلق عليه اسم العبادة من حيث إنَّها وسيلة إلى العبادة، فليست بمثابة الإحداث في الدين؛ بل هي إحداث للدين، والنَّهيُ ورد في القرآن والحديث على الأوَّل دون الثَّاني، أي لا يمنع وجه جديد لتحقيق مقصد دينيٍّ منصوص عليه وفقَ متطلَّبات العصر والمكان.

         وهذا التَّفصيل يوضِّح أنَّ الأمور الَّتي مسَّت الحاجة إليها في عهدالنَّبيِّ -عليه السَّلام- وفيما بعده على حدٍّ سواء، فاختراعُ وجه جديد في ذلك لم ينقل عن النَّبيِّ -عليه السَّلام- ولاعن الصَّحابة -رضي الله عنهم- يدخل في حدِّ البدعة، مثلًا: المواظبة على القيام عندالصَّلاة على النَّبيِّ -عليه السَّلام- بعد الصَّلوات المفروضة وتلاوة السُّور المختلفة لإهداء الثَّواب إلى الموتى، وتكرارُ الدُّعاء مرَّات بعد الصَّلوات المفروضة، واتِّخاذ الوليمة في اليوم الثَّالث من دفن الميت، والاحتفال بأربعين لإهداء الثَّواب إلى الميِّت، والصَّلاةُ المخترعة في اللَّيالي المباركة من شهر رجب وشعبان، وتنزيلها منزلة الفرض والواجب، والطَّعنُ على من لايشارك فيها وغيرها من الأعمال المبتدعة.

         فلايخفى أنَّ الحاجة إلى الصَّلاة على النَّبيِّ -عليه السَّلام- والتَّصدُّق وإهداء الثَّواب إلى الموتى والعبادة في اللَّيالي المتعينة، والدعاء بعد الصَّلاة المفروضة في عهد النَّبيِّ -عليه السَّلام- والصَّحابة -رضي الله عنهم- وفيما بعده على حدٍّ سواء؛ بل كانوا أشدَّ رغبةً في العبادة، كماقال حذيفة بن اليمان،-رضي الله عنه-: كلُّ عبادة لم يتعبَّدها أصحاب النَّبيِّ -عليه السَّلام- فلا تعبَّدوها؛ فإنَّ الأوَّل لم يدع للأخر مقالةً، فاتَّقواالله يامعشر المسلمين، وخذوا بطريق من كان قبلكم، ومثله رُوي عن ابن مسعود -رضي الله عنه-.

لماذا كانت البدعة مذمومة؟:

         لينظر ما هو السبب في اختراع وجه جديد في العبادة لم يتعبَّده رسول الله -ﷺ- والصحابة -رضي الله عنهم-؟ هل هو أنَّ النَّبيَّ –ﷺ- والصَّحابة -رضي الله عنهم- لم يختاروه؛ لعدم علمهم به، واطَّلع عليه أدعياء اليوم، العياذ من ذلك، وإن قلنا: إنهم -رغم علمهم به- لم يُخبروا به، أفلم يكن ذلك اتِّهامًا لهم بالبخل والخيانة في أمر الله تعالى –العياذبالله-؛ ولذا قال الإمام مالك -رحمه الله-: «من أحدث بدعةً فكأنَّ ادَّعى أنَّ النَّبيَّ -عليه السلام- خان أمر الرِّسالة؛ فإنَّه لم يبلِّغ جميع ما وجب تبليغه»، وهذا في جانب، و في جانب آخر يعلن القرآن الكريم: ﴿‌ٱلۡيَوۡمَ ‌أَكۡمَلۡتُ ‌لَكُمۡ ‌دِينَكُمۡ﴾ (سورة المائدة:3).

         فاختراعُ وجه جديد في العبادة يعني ادِّعاء أنَّ الشريعة الإسلاميَّة لم تكن كاملةً في عهد النَّبيِّ-ﷺ- والصَّحابة -رضي الله عنهم-، وإنَّما بلغت الكمال اليوم، فهل يقبله أحد من المسلمين.

         فاعلم أنَّ كلَّ طريق للعبادة لم يختره النَّبيُّ-عليه السَّلام- والصَّحابة -رضي الله عنهم- لم يكن حسنًا؛ وإن كان خلابًا بادئَ الرأي، ولذا قال مالك -رحمه الله-: «ما لم يكن يومئذٍ دينًا لايكون اليوم دينًا»، فثبت أنَّهم لم يتركوا تلك الطُّرق المخترعة للجهل والغفلة، وإنما تركوها اعتقادًا بخطئها ومضَّرتها. وإلى هذا المعنى أشار عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله- في الجواب  لما كتب إليه عديُّ بن أرطاة يستشير في بعض القدرية.(ص:49، ج:1، الاعتصام)

         فلو صلَّى أحد اليوم أربع ركعات بدلًا من الثَّلاث أو ثلاثًا أو أربعًا في صلاة الصُّبح مكان الاثنين، أو مدَّ الصَّوم إلى ما بعد العشاء ولم يفطر على الغروب، يعتبره كلُّ مسلم متدين خاطئًا وآثمًا؛ بالرغم من أنَّه ليس ذنبًا بادئ  النظر؛ إلَّا أنَّه زاد في الرَّكعة والتَّسبيح وذكر الله؛ لكن اتَّفقوا على خطئه؛ لأنَّه بدَّل صورة العبادة بالزِّيادة على الوجه الذي علمَّه – رسول الله ﷺ- للعبادة، فكأنَّه زعم أنَّ الشريعة الإسلامية لم تكن بلغت الذِّروة في عهد النَّبيِّ -عليه السَّلام-، وأكملها هذا المخترع اليوم، أو خان رسول الله – العياذ بالله- أمر الرِّسالة؛ فإنَّه لم يهد النَّاس إلى العبادات النافعة، فانظر ما الفرق بين صلاة أربع ركعات مكان الثلاث وبين زيادة شروط لم تنقل عن النبي -عليه السَّلام- ولا عن الصَّحابة -رضي الله عنهم- في باب العبادة؟ والواقع أنَّ زيادة الشروط من قبل نفسه في الشريعة الإسلامية تُعدُّ تبديلا؛ ولذا شدَّد العلماء النكيرَ والردَّ عليه.

البدعة باب إلى التحريف:

         وأكبر ما في البدعة من الفساد أنَّه لو أذنَّا بجواز اختراع الشروط الجديدة والقيود الحديثة لكان الدين محرَّفًا، ولايأتي عليه زمان، حتَّى لايتميز الدين الذي علَّمه رسول الله -ﷺ- عن غيره، ومن أسباب التَّحريف في أديان الأمم الماضية أنَّهم اخترعوا عادات جديدة في الطُّرق الَّتي علَّمها رسلهم وكُتُبهم في العبادة، وظلَّت العادة تجري بذلك؛ حتَّى لم يعد فرق بين أصل الدين وبين ما اخترعوا.

حكم تنزيل النَّفل منزلة الفرض:

         ولماَّ كانت الشريعة الإسلاميَّة سدَّت باب كلٍّ فتنة على الدين ركَّزت العناية على أن يَّستمرَّ الفرق الكافي بين الفرائض والنَّوافل، فكان النبيُّ  -عليه السَّلام- والصَّحابة -رضي الله عنهم- يؤدُّون الفرائض في المساجد- وأمَّا النوافل فيؤدُّونها في البيوت، ولو أرادوا الجلوس في المساجد والقيام بالأوراد وذكر الله تعالى بعد الفرائض التي لا تعقبها السُّنن والنَّوافل لم يجلسوا متوجِّهين إلى القبلة؛ بل كانوا يلتفتون يمينًا وشمالًا؛ كيلا يخفى على أحد أنَّ الصَّلاة قد انتهت، ومايقوم به الإمام الآن أمر اختياريٌّ.

         والأصل أنَّ العادة كانت تجري بأداء النَّوافل في البيوت، ولو أدَّاها النَّاس في المساجد فهم يُغيِّرون هيئة الصَّلاة المفروضة، ويتأخرُّ بعضهم، ويتقدم الآخرون؛ كي يبقى الفرق بين الفرائض والنَّوافل.

         وكذا الصَّوم يبدأ في الشَّرع من الصَّبح الصَّادق إلى غروب الشمس؛ إلاَّ أنَّ الناس ينامون في الليل، ويكفون عن الطعام والشَّراب مثل كفِّهم عنهما في الصَّوم، فيُسنُّ السُّحور تمييزًا بين حالة الصَّوم وغيرها، وكذلك يُستحسن السُّحور عند آخر الوقت؛ كي يبدأ الصَّوم إثر الصُّبح الصَّادق، كما يُستحسن الإفطار عقب التأكُّد من غروب الشمس، ويكره التأخير عنه؛ كيلا يزيد على الصَّوم المشروع شيئًا، ولاشكَّ أنَّ هذه الأمور لاتزال تجري فيما بين المسلمين؛ غيرأنَّهم لايعلمون حقيقتها وكنهها لجهلهم وغفلتهم.

         وكذلك نرى أئمة المساجد يجلسون بعد صلاة الصُّبح والعصر متوجِّهين إلى النَّاس؛ ولكنْ لاعلم لهم أنَّ الغرض من هذا إشارةٌ إلى أنَّ الصلاة المفروضة قد انتهت، ولكلّ شخصٍ أنْ يَّفعل مايشاء، ويحملون النَّاسَ على الانتظار مالم يقوموا بالدُّعاء مع الجماعة كأنَّه فريضة، ثمَّ إنَّهم يقومون في هذه الأدعية مثل ما يقومون في الفرائض، ومن لم يقم في هذه الأدعية يُرى أنَّه ترك شيئا هامًّا من الصَّلاة، وذلك ممَّا يعارض بكلِّ صراحة تعليمات النبيّ -عليه السَّلام- وتوجيهاته؛ حيث ضمُّوا الأدعية والأوراد إلى الصَّلاة المفروضة ضمًّا يوحي إلى أنَّها جزء من الصَّلاة، فالإمام الذي لايُقيم الصَّلاة بهذه الأدعية مع المقتدين ظنُّوا أنَّ صلاته ناقصة، وطعنوا فيه مطاعن شتَّى.

البدعة الحسنة والسيئة:

         جاء في الحديث الشريف «كلُّ بدعة ضلالة، وكلُّ ضلالة في النَّار»، هذا الحديث يدُّل على أنَّ كلَّ بدعة ضلالة بدون أيِّ تخصيص، ولايجوز إطلاق «لفظ البدعة الحسنة» على البدعة الاصطلاحيَّة؛ إلَّا أنَّ البدعة في الُّلغة عبارة عن أمر محدث، فعلى هذا  يجوز إطلاق البدعة الحسنة على كلِّ أمر لم ينقل عن النَّبيّ -عليه السَّلام- ولا عن الصَّحابة -رضي الله عنهم- صراحةً، ثمَّ اُختير بناءً على الضَّرورة  الشَّرعيَّة، كالمدارس الإسلامية على النمط الموجود وما يُدرس فيها من الفنون المختلفة، فإنَّ أصل الدِّراسة والمدرسة ثابتة عن النَّبيّ -عليه السَّلام- حيث قال: وإنَّما بعثت معلِّمًا (رواه ابن ماجه الرقم 239)، لكنَّ نشأة المدارس والتَّعليم فيها على الوجه الموجود لم تثبت عن النَّبيّ -عليه السَّلام- ولا عن الصَّحابة -رضي الله عنهم-؛ لعدم الحاجة إليها في ذلك العهد، وإنمَّا اُختير الآن تلبيةً لحاجة الوقت وإحياءً للسُّنة النَّبويَّة وإتمامًا للمتطلَّبات الدِّينيَّة ودحضًا للأفكار الباطلة وذودًا عن الحقِّ، فهذه الأمور لاتدخل في البدعة؛ إلَّا أنَّه لو أطلق أحدٌ «لفظ البدعة» عليها كان في معنى البدعة الحسنة، كما قال عمر -رضي الله عنه- عند ما رأى النَّاسَ يصلُّون التَّراويح مع الجماعة: «نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ»، فإنَّه وغيره من الصَّحابة كانوا على علم تامٍّ بأنَّ التَّراويح صلَّاها النَّبيَّ -عليه السَّلام- بنفسه وبالنَّاس، وأكَّد عليها شفويًّا؛ إلَّا أنَّ النَّبيَّ -عليه السَّلام- لم يُعن بالقيام بها مع الجماعة في عهده المبارك بسبب خاصٍّ عنايةً شهدها العصر الذي يليه وفق توجيهات النَّبيِّ -عليه السَّلام- فكان هذا الأمر محدثًا ظاهرًا ولغةً، ولامكان لتصوُّر البدعة الحسنة في الإسلام سوى هذا، وقد قال الإمام مالك-رحمه الله-:

         إنَّ من ابتدع بدعةً يراها حسنةً فقد زعم أنَّ محمدًا ﷺ خان أمر الرِّسالة، اقرؤوا قول الله تعالى ﴿‌ٱلۡيَوۡمَ ‌أَكۡمَلۡتُ ‌لَكُمۡ ‌دِينَكُمۡ﴾ الآية، فما لم يكن يومئذٍ دينًا لا يكون اليوم دينًا.

         ولا جواز فيه لمن يخترعون أنواعًا من البدع باسم البدعة الحسنة تمسُّكًا بقول عمر-رضي الله عنه- وأقوال العديد من الأولياء -ô-؛ بل ما كان بدعة في الشَّرع لن يجوز أبدًا؛ غير أنَّ البدع على درجات متفاوتة، فبعضها حرام قطعًا قريب من الشِّرك، وبعضها بلغ كراهةَ تحريم، كما أنَّ بعضها مكروه كراهة تنزيهيه.

         وقد جاء في القرآن الكريم والأحاديث المباركة وآثار الصحابة والتَّابعين وأقوال الأئمَّة العظام بيان شافٍ لمفاسد البدع وضرورة اجتنابها، وبعضه مما يليه:

ذمُّ البدع في ضوء القرآن:

         وقد جمع الشَّيخ العلامة الشَّاطبي -رحمه الله- في كتابه «الاعتصام» آيات كثيرة في ذمِّ البدعة نذكر ههنا آيتين:

         الأول: ﴿وَلَا ‌تَكُونُواْ ‌مِنَ ‌ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٣١ مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ﴾ (الشُّعراء:31-32)    

         قيل: هم أصحاب الأهواء والبدع، قالوا: روته عائشة -رضي الله عنها- مرفوعًا إلى النَّبيِّ-ﷺ-.

         الثَّاني: ﴿قُلۡ ‌هَلۡ ‌نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا ١٠٣ ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا﴾ (الكهف:103-104)

         وقد جاء عن عليٍّ -رضي الله عنه- أنَّه فسَّر «الأخسرين أعمالًا» بالحرورية، وهم أهل البدع، وهو أيضًا منقول عن سفيان الثَّوريِّ -رحمه الله-.

ذمُّ البدع في ضوءالحديث:

   الأول: ما رُوي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- ﷺ- مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ، (رواه البخاري الرقم:2697)

         الثَّاني: ما رُوي  عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- يَقُولُ في خطبته: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَي هُدَي مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» (أخرجه مسلم الرقم:867) وفي رواية للنَّسائي: وكلُّ محدثة بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة، وكلُّ ضلالة في النَّار.(الرقم:1578)

         وذكر أنَّ عمر -رضي الله عنه- كان يخطب بهذه الخطبة، وكان ابن مسعود يقول في خطبته بعد هذه الكلمات: إنَّكم مستحدثون ويحدث لكم، فكلُّ محدثة ضلالة، وكلُّ ضلالة في النَّار، وكان ابن مسعود يخطب بهذا كلَّ خميس (ج:1، ص:69 الاعتصام للشاطبي) .

         الثَّالث: ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أنَّه قال: قال رسول الله-ﷺ-من دعا إلى الهدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لاينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لاينقص ذلك من آثامهم شيئا(الرقم:2674).

         فلينظر هذه الأحاديثَ المباركة من يخترع عادات جديدة، ويدعو النَّاس إليها، وليعلم أنَّه ليس عليه وبال أعمال نفسه فقط؛ بل وبال أعمال كلِّ من اُبتلي بها من المسلمين.

         الرَّابع: ما روى أبو داود في سننه عن الْعِرْبَاض بن سارية أنَّه قال: صَلَّى بنا رسُول اللَّهِ -ﷺ- ذَاتَ يَوم ثم أَقبلَ عَلينا فوعظَنا مَوْعظةً بليغةً ذَرفتْ منْها الْعُيونُ ووجلَتْ منها الْقلُوب، فَقال قَائِل يا رَسُولَ اللَّه كَأَنَّ هَذه مَوْعظةُ مُودِّع فَمَا ذَا تَعْهَدُ إِلينا، فَقَالَ: أُوصيكم بتَقوَى اللَّه وَالسَّمْع وَالطَّاعَة وإِنْ كان عَبدًا حبشِيًّا، فَإِنَّه مَنْ يَعِيش منكم بَعدي فَسيرَى اخْتلاَفًا كَثِيرًا فعليكُمْ بسُنَّتِي وسُنَّة الخلفَاءِ الْمَهْدِيِّين الرَّاشِدين تمَسَّكوا بَها وَعَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجذ وإِيَّاكم ومُحدَثات الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحدَثة بدعَةٌ، وكُلَّ بدعَةٍ ضَلالةٌ (الرقم:4407)

         الخامس: ما روي في كتاب السُّنة من طريق الوليد بن مسلم عن معاذ بن جبل أنَّه قال: قال رسول الله-ﷺ-: إذا حدث في أمتي البدع وشُتم أصحابي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. (ج:1،ص:77).

         قال عبد الله بن الحسن: فقلت للوليد بن مسلم: ما إظهار العلم، قال: إظهار السنة.

ذمُّ البدعة في آثار الصَّحابة التَّابعين:

         عن عائشة رضي الله عنها قال: «من أتى صاحب بدعة؛ فقد أعان على هدم الإسلام».

         وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ما يأتي على النَّاس من عام إلَّا أحدثوا فيه بدعةً، وأماتوا سنَّة؛ حتى تحيا البدع، وتموت  السنن.

         وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: أيَّها النَّاس لاتبتدعوا ولاتنطعوا، ولاتعمقوا، عليكم بالعتيق، خذوا ما تعرفون، ودعوا ما تنكرون.             وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: أخوف ما أخاف على النَّاس اثنتان: أن يؤثروا ما يرون على ما يعلمون، وأن يضلُّوا وهم لايشعرون.

مجلة الداعي، جمادى الآخرة – رجب1444هـ = يناير- فبراير2023م، العدد:6-7، السنة: 47

Related Posts