محليات
أشعل المتطرفون من الهندوس حريق الاضطرابات الطائفية بمدينة «مئو» المعروفة بإنتاج النسيج والعائشِ أهلُها على ما يُدِرُّ لهم صناعتُه الواسعةُ النطاق التي يرجع تأريخُها بالمدينة والمناطق المجاورة لها إلى عهد عريق في القدم .
والمدينةُ يشكل فيها المسلمون أغلبيّة ؛ حيث نسبة المسلمين 40-60 ٪ من بين مجموع سكّانها البالِغ عددهُم 3,5 مائة ألف . وقد ظلّ المسلمون فيها يمسكون بزمام صناعة النسيح والتجارة فيه منذ قديم الزمان ؛ ولكن المتعصبين من الهندوس المحاربين للعلمانيّة والحاقدين على المسلمين ظلّوا يخطّطون ولاسيّما فيما بعد استقلال البلاد للسيطرة على هذه الصناعة وانتزاعها من أيدي المسلمين ضمن تخطيط شامل لتفجير الاضطرابات في كل من المدن والمناطق التي يتقدم فيها المسلمون تجاريًّا أو صناعيًّا ؛ حتى يعودوا عالةً على الهنــدوس فيسهل اصطيادُهم والإضرارُ بهم دينيًّا وعقديًّا ، وعقليًّا وفكريًّا ، واقتصاديًّا وثقافيًّا .
فقد أثاروا في مدينة «مئو» أول اضطراب طائفي يوم 29/ مارس 1969م ، وقتّلوا من خلاله المسلمين تقتيلاً وأحرقوا جثثهم ، ثم جرت عملية اعتقالهم ومحاكمتهم والزجّ بهم في السجن وإجاعتهم وإهانتهم لطول الأمد. وتلته اضطرابات نوفمبر 1983م ، وأكتوبر 1984م ، وديسمبر 1992م وأكتوبر 2000م ، التي حصدوا من خلالها أرواحَ المسلمين ونهبوا ممتلكاتهم وهتكوا أعراضهم ، واغتصبوا حرماتهم ، وجعلوا شبابهم مقعدين مُكَسَّري العظام مُحَطَّمي الأجسام . وأشبعوا الأغراض التي من أجلها فجّروا الاضطرابات .
وجاءت اضطرابات صباح 14/ أكتوبر 2005م (الجمعة : 9/ رمضان 1426هـ) التي استمرت ثلاثة أيام على وتيرة واحدة من الشدة لتشمل نيرانها أحياءَ المدينة كلّها ويمتد لهيبُها إلى ضواحيها والقرى الملاصقة لها ، فحالت دون العبادات التي يؤدّيها المسلمون في هذا الشهر الفضيل، حتى لم يتمكنوا من أداء صلاة التراويح، والصلاة بالجماعة في معظم المساجد التي ظلت بلقعًا من الركّع السجود فضلاً عن المعتكفين والمتهجدين والمحيين اللياليَ . وقد حلّ عليهم العيد وهم محبوسون في بيوتهم تحت فرض حظر التجوّل الذي يتم تنفيذه بشدة دائمًا خلال الاضطرابات الطائفية في الأحياء ذات الأغلبية الإسلامية ، بينما لايُعْمَلُ به إلاّ رسمًا في الأحياء الهندوسيّة ؛ فلم يسعهم التحضير للعيد ، ولم يحدثوا الملابس ولم يجدّدوا اللوازم التي يجدّدونها في الأعياد عادة ؛ بل ظلّ الفقراء والعمال والطبقة الكادحة التي تعيش على الأجرة اليوميّة يشكون ما يسدّون به رمقهم وهم يمرّون بلحظات وساعات العيد ، ولسان حالهم يقول :
عِيْدٌ بـِأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا عِيْدُ
وقد أضاق المتطرفون المديرون للاضطرابات ، الخناقَ على المسلمين – إلى جانب ما صنعوا بأحياء المدينة التي يسكنها المسلمون – في الأحياء التي قامت على حواشي المدينة حديثًا خلال أعوام مضت ؛ فقد أحرقوا بعضَ المسلمين أحياء وأصابوا عددًا منهم بجروح خطيرة ، ونهبوا آليّات النسيج وماكيناته وجميعَ أثاث البيت بل جميع محتوياته ، حتى انتزعوا الأبواب والنوافذ والفتحات ، ومضخّات المياه . كما صنعوا مثل ذلك في كثير من مصانع النسيج داخلَ المدينة ، ففرّغوها من جميع مرافقه، كما نهبوا الدكاكين والمحلات التجاريّة .
والمُؤْسِفُ جدًّا أن حاكم ولاية «أترابراديش» (تي في راجيشوار راؤ) زار المدينةَ المنكوبة يوم 22/ أكتوبر 2005م (السبت : 17/ رمضان المبارك 1426هـ) ولكنّه لانحيازه السافر إلى المتطرفين من الهندوس المثيرين للاضطرابات ، لم يلتقِ أيًّا من المسلمين ، وإنما اكتفى بالتقاء القائمين بها والقائدين لها من الهندوس ، وكأن المصيبة حلّت بدارهم وحدها وأنهم هم المظلومون على حين أنهم كانوا هم الظالمين . مما أثار يأسًا وإحباطاً بالغين لدى المسلمين وانطباعًا بأنّ من بيدهم الحلّ والعقد بهذه البلاد هم الآخرون مصابون بداء العصبيّة العضال الذي يكاد ينخر كيانَ الوطن ويدمّر البنية التحتية للوحدة الوطنية .
وقد كانت بداية الاضطرابات بشكل أكّد للجميع أنّها كانت مُبَيَّتَة ؛ حيث رفع الشباب الهندوسيّ القائمون بالاحتفال بعيد لهم باسم «بهرت ملاب» صوتَ مكبر الصوت خلالَ أداءِ المسلمين صلاةَ التراويح في المسجد الملاصق للساحة المقام فيها الحفلُ . مما أغضبَ المسلمين فطلبوا منهم خفضَ الصوت ، فعملوا بذلك على كره منهم ؛ ولكنهم عزموا على القيام بالشرّ الذي بيّتوا له ، فما إن طلع صباح 14/ أكتوبر = 9/ رمضان حتى اجتمع الهندوس في الساحة المشار إليها لدى «سنسكرت باتهـ شاله» وكان يقودهم رئيس «وشوا هِندو مها سنكهـ» على مستوى المديرية «أجيت سينغ جنديل» الذي دَشَّنَ الاضطراب وأطلق النار على الزحام ، وأصاب 6 مسلمين بجروح غائرة ، ثم ترك المدينة كلها تحترق ، فظلّت عبر ثلاثة أيام يتصاعد منها اللهيب والدخان ويلفّ الضواحي ، وقُتِلَ 10 من أهالي المدينة ونواحيها ، وأصيب كثيرون ، وضاع من الممتلكات ما يقدر ثمنه – حسب تقدير أوّلي – بـ 200 مليون روبية على الأقل .
وفي الأيام الأولى ظلت الشرطة منحازة إلى الهندوس القائمـيــن بالاضطــرابـات ثم غُيِّر رئيسُهم بآخر وأمسكت سلطةُ العاصمة الإقليمية – لكهنؤ – الـزمام بيديها فخفّت حدة الاضطرابات ، وتشكّلت نواة لعــودة الأمــور إلى نصابها . ومما يـؤسف له أن أحد زعماء المسلمين وهو السيد مختار أنصاري حلَّ المدينــة المنكوبة إثر تفجّر الاضطراب فلم يتمكن الشرطة والمشاغبــون الهنــدوس من تحقيق أهدافهم بشكل مطلوب فشنوا حملة شعواء ضدّه في الإعلام ، وصَوَّتوا أنّه هو الذي أثار الاضطراب . وقد تفاعلت السلطة الأمنية مع الدعاية الكاذبة ضدّه ، فقبضته وأجرت ضده محاكمات لايزال يعاني منها مسجونًا . على حين إن المجرم الحقيقي القائد للاضطــراب من زعمـاء الهنــدوس ، لايزال حرًّا طليقًا ، لم تمسه يد السلطات الأمنية أو الإدارية بشيء .
الاضطرابات هدأت اليوم ، والمسلمون المنكوبون يضمدون جراحهم ، ويتفقّدون أحوالهم ، ويتوجّهون إلى ما يسدّون به رمقهم . وهم يائسون مع بارقة أمل تضيء لهم الطريق وتهبهم الثقة بالله وبفاعلي الخير الذين صنعوا حقًّا الكثير . جزاهم الله تعالى . وعلى رأسهم فضيلة الشيخ نذير أحمد النعماني، وأبن أخيه السيد أرشد جمال رئيس بلدية المدينة ، والعالم الصالح محمد إسلام رئيس جماعة الدعوة والتبليغ بالمدينة ، وكثيـــر من العلماء والناشطين في مجال الخدمة الاجتماعية ، ورجال المال والأعمال بالمدينة ، ورجال الصحافة والإعلام ، الذين صَوَّروا الاضطرابَ على حقيقته ، ورحال السياسة والحكم والإدارة المسلمين والعلمانيين من المواطنين الهندوس ، الذين بذلوا مجهوداتٍ مُكَثَّفَةً من أجل إعادة الأمور إلى نصابها ، وإدالة المظلومين من الظالمين ، والعودة بالمدينة إلى طبيعتها ، وتقديم مساعدات عاجلة إلى المنكوبين ، وإسعافات طبية إلى المصابين ، ومسح الدموع من وجوه ورثة القتلى .
وقد أسفر الاضطراب عن خسائر فادحة للمسلمين في كل من الأنفس والأموال والأعراض ، وأحرق 100 بيت من بيوتهم ، ونهب 600 من محلاتهم التجارية ، وأُحْرِقَت أو هُدِمَت 6 مساجد ، وأُشْعِلَ الحريقُ في مصانعهم الكثيرة ، وفي 3 مدارس من مدارسهم العصريّة ، كما نُهِبَت جميعُ أغراضها من الكمبيوتر والمبالغ والحافلات والسيّارات . وكذلك تَعَرَّض الهندوس المشاغبون لمستشفيين من مستشفيات المسلمين. ونهبوهما عن آخرهما ودمّروهما تدميرًا .
وتقول الإحصائيات : إن المسلمين لن يتمكنوا من إعادة صناعة النسيج إلى سيرتها إلاّ إذا صحّت نية الحكومة ، وقدّمت لهم مساعدات لازمة ؛ لأنّها ضاعت بشكل لايُعَوَّض بجهود فردية أو جماعيّة من قبل الشعب، وإنما يحتاج إلى تعاون رسميّ جدّي طويل المدى . والاضطرابُ اصطلى بناره الهندوس أيضًا ؛ لأنه مهما أثير من قبل متطرفيهم ؛ ولكنه بعد ما يَحْمَىٰ وطيسه يأتي علىكل أخضر ويابس وكل نوع من الإنس ، ولا يفرّق بينهم لدين أو اتجاه عقدي ؛ ولكن البداية كانت منهم بالتأكيد ؛ والمؤسفُ أن بعض وسائل الإعلام التي يتحكّمون فيها صَوَّرتَ الاضطراب على غيرما هو في الواقع ، وأوهمت للشعب الهندي أن المسلمين هم الذين أشعلوا الفتنة، وأن الهندوس وحدهم الذين لَحِقَتْهم الخسائرُ كلُّها وبأنواعها . والحقُّ أن الحكومة لونشطت وصحّت نيتها لاعتقال ومحاكمة الإعلاميين الملفّقين للأنباء المثيرة والمؤسسة على الحقد على إحدى الطائفتين، لما تجرأت وسائل الإعلام المغرضة على مثل هذا .
فضيلة الشيخ السيد أسعد المدني لايزال مغمى عليه في المستشفى
في اليوم التالي ليوم العيد أي يوم السبت : 2/ شوال 1426هـ = 5/ نوفمبر 2005م انزاح الشيخ السيد أسعد المدني – رئيس جمعية علماء الهند وعضو المجلس الاستشاري لجامعة ديوبند – عن كرسيّه المتحرك. وذلك لدى بوابة منزله بديوبند فأصيب بجروح غائرة في رأسه ، وصدمة في مخّه ، فأدخل مستشفى «أبولو» بدهلي الجديدة ، ولايزال منذ ذاك اليوم حتى كتابة هذه السطور يوم الثلاثاء : 13/ ديسمبر 2005م = 10/ ذوالقعدة 1426هـ مُعَالَجًا بالمستشفى في غرفة العناية المركزة ، ولايزال مُغْمىً عليه. ولم يُشَاهَد إلاّ تحسّنٌ غيرُ قابل للذكر . وقد شكّل رئيسُ الوزراء الهندي «مانموهنا سينغ» لجنة للأطباء البارعين بشكل رسميّ للعناية بعلاج فضيلته ، ولايزال الشعب المسلم الهندي على اختلاف قطاعاته ومذاهبه يدعو له بالصحة الكاملة العاجلة ، ويزور المستشفى كل يوم مئاتٌ من الناس بما فيهم العلماء والصلحاء والساسة والقادة ورجال السلك الدبلوماسي . وممن زَاره رؤساء معظم الجماعات والجمعيات والأحزاب الإسلامية في الهند ، كما زاره وسأل عن أحواله عدد من كبار الوزراء في الحكومة المركزية وعدد من كبار وزراء الأقاليم ، علمًا بأنّ زيارته المباشرة ممنوعة من قبل إدارة المستشفى إلاّ لبعض كبار الشخصيات بشكل استثنائي .
ووَجَّهت جمعية علماء الهند ، ومعظم الجمعيات والمدارس الإسلاميّة نداء إلى الشعب المسلم الهندي وجميع المسلمين في كل مكان بالتضرع إلى المولى عزّ وتبارك أن يمنّ عليه بالصحة التامّة عاجلاً ، حتى يؤدّي دوره في الحياة نحو دينه وأمته ووطنه كما كان يؤدّيه من ذي قبل .
عالم ديني مسلم يقبضه الشرطة ؛ لأنه أفتى ضد قرار صادر عن المحكمة الرسمية
ألقت الشرطة القبضَ على المفتي محمد رفيق القاسمي أستاذ بمـدرسة بمديرية «كرغون» بولاية «مدهيا براديش» لأنه أصدر فتوى يتنافى مع الحكم الصادر عن المحكمة المحلية الرسمية ؛ ولكنها أطلقت سراحها على كفالة مبلغ ، قدره 10 آلاف روبية . إن المحكمة أصدرت حكمًا عن طريق قاض لها غير مسلم بإجراء طلاق بين زوج وزوجة مسلمين ، ولكن المفتي المشار إليه أصدر فتوى تعتبر الطلاق غير شرعي وتلغيه ، قائلاً: إن القاضي غير مسلم فلا يملك صلاحية إصدار الحكم بشأن الطلاق بين الزوجين المسلمين ؛ فاعتقلته الشرطة بمقتضى البند 153 من التشريع الجنائي الهندي، معتبرة إياه متخذًا موقفًا مضادًّا للبلاد ، ومثيرًا للتوتر الطائفي .
الجدير بالذكر أن الشرطة قامت بهذه العلمية تحت ضغط متّصل من رجال منظمتي «بجرانك دال» و «وشوا هندو بريشاد» لأنهما تظاهرتا ضدّ الفتوى ، وهدّدتا بإغلاق بوّابة المدرسة التي يعمل فيها المفتي أستاذاً . علمًا بأنّه أصدر الفتوى بعدما أقرّت المحكمة المحلية طلاقَ السيدة «أرجمند بانو» من زوجها الأوّل السيد «أنور خان» وبالتالي اعتبرت زواجها من رجل آخر شرعيًّا ، واعتبر المفتي زواجها الثاني غير شرعي، معتبرًا «أنور خان» زوجًا حقيقيًّا لها .
جماعة الدعوة والتبليغ يُنْهِي فعّاليات مؤتمرها العالمي الثامن والخمسين
أنهت جماعةُ الدعوة والتبليغ – التي مقرّها بحي «نظام الدين» بدهلي الجديدة – فعّاليّاتها المكثفة ضمن مؤتمرها العالمي الـ 58 الذي تعقده سنويًّا بمدينة «بهوبال» عاصمة «مدهيا براديش» وحَضَر المؤتمر أكثر من ثماني مائة ألف من المسلمين من داخل الهند ومن أرجاء العالم . واستمر المؤتمر ثلاثة أيام متتالية عبر 2-4/ ديسمبر 2005م (الجمعة – الأحد : 29-30/ شوال وغرة ذي القعدة 1426هـ) وذلك في المخيم الضخم المقام على 150 فدانًا من الأراضي الكائنة بـ«كهانسي بوره» إحدى ضواحي مدينة «بهوبال» التي تقع على مسافة 17ك م منها . وكان المخيم يسع مئتين وخمسين ألف مستمع في وقت واحد. واشتمل المؤتمر على 9 جلسات عامة و 7 جلسات خاصّة . واستمع للجلسات العامّة جماهير المسلمين ، بينما استمع للجلسات الخاصّة المثقفون والعلماء والمحامون والأطباء والمهندسون والأساتذة والطلاب والحجاج الكرام والعاملون القدامى في جماعة الدعوة والتبليغ . وحَضَرَ المؤتمرَ الممثلون عن 1200 بعثة دعويّة . وأكّد الدعاة المخاطبون للجلسات للحضور أن تعلّم الدين والعمل به هو حاجة الساعة ، وذلك هو وحده الكفيل لكل سعادة في الدنيا والآخرة . وأضافوا : لوكان المسلمون مسلمين بمعنى الكلمة وعاشوا حياتَهم على الإسلام لامّحت الشرور والمفاسد من الدنيا كلها . وقالوا : إن المجهود الدعوي هو مجهود من إجل إثارة الإنسانية في الإنسان التي تجعله يخاف مقام ربّه وينهى النفس عن الهوى ، فيتوفّر على الطاعة والعبادة ، ويتزكّى من كل رجس ودنس ، ويتحلّى بكل فضيلة إنسانيّة .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذوالحجة 1426هـ = يناير 2006م ، العـدد : 12 ، السنـة : 29.