العالم الإسلامي
بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)
يشغل محمد مصطفى البرادعي المصري الجنسية والمولود بالقاهرة عام 1942م والمتخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1962م والحاصل على الدكتوراه في القانون الدولي عام 1974م . منصب رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ عام 1997م ومدة الرئاسة هذه تستمر لمدة أربع سنوات في نهايتها إما أن يتم اختيار رئيس جديد ، أو يتم التجديد لمن يشغل منصب الرئاسة على ألا تزيد مدد توليه الرئاسة على ثلاث فترات . ومن مهام الوكالة الدولية للطاقة مراقبة مدى التزام الدول الموقعة على معاهدة منع الانتشار النووي ببنود المعاهدة ، وعددهم 188 دولة موقعة على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية في العالم ، بينما هناك 3 دول لم تنضم ولم توقع على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية هي الهند، وباكستان، وإسرائيل . ومن المفترض من أجل عالم آمن ممارسة الضغط على هذه الدول للانضمام لاتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية في العالم . ومن مهام الوكالة أيضًا تحويل ملف الدولة المالكة للنووي في حالة تهديدها السلم والأمن الدوليين إلى مجلس الأمن لتطبيق العقوبات عليها طبقًا للمادة السابعة من الميثاق والتي تبيح استخدام القوة العسكرية ضد من يهدد السلم والأمن الدوليين . ففي حديث للبرادعي قال: إن أولويات ولايته الثالثة هي التركيز على الاستخدام السلمي للطاقة النووية في مجالات الزراعة والصناعة والطاقة والصحة ، وإنقاذ معاهدة منع الانتشار النووي من الانهيار ، وضرورة تعزيز التصدي لانتشار الأسلحة النووية ، خاصة أن تجارة السلاح النووي خرجت من نطاق الحكومات والدول إلى نطاق الجماعات والأفراد .
وقد أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في اجتماعها يوم 13 يونيو عام 2005م في العاصمة النمساوية فيينا ، بعد أخذ ورد ، وشد، وجذب ، إعادة انتخاب محمد البرادعي مديرًا لها للمرة الثالثة والأخيرة ، حيث صوتت كافة الدول الأعضاء في الوكالة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية بالإجماع على انتخابه .
وقد كانت الإدارة الأمريكية طوال العام السابق على إعادة انتخاب البرادعي تتمنع في الموافقة على التجديد له على الرغم من وجود توافق دولي على التمديد له . وكان الاعتراض الأمريكي على التجديد للبرادعي ينطلق من عدة مواقف اتخذها الرجل بما يمليه ضميره المهني ومسؤوليته الدولية وشرفه كرجل قانون ، من أهم هذه المواقف موقفه الذي أعلنه مرارًا بشأن عدم اقتناعه بجدية الاتهامات الأمريكية لنظام «صدام حسين» في العراق بامتلاك أسلحة دمار شامل وبوجود مشروع نووي عراقي في سبيله للاكتمال ، وقد أثبتت الوقائع والتقارير ومن بينها أجهزة الأمن الأمريكية ذاتها كذب الدعاوي الأمريكية التي قدمتها الإدارة الأمريكية لتبرير عدوانها على العراق . ولكنها وبعد تمثيلية من الرفض والقبول وافقت على التجديد له ، فمازالت للولايات المتحدة الأمريكية أهداف وأطماع في المنطقة العربية والإسلامية ولن تجد خير من البرادعي مطية تتخذها لتحقيق ما تصبو إليه . فهو شخصية عربية تدين بالإسلام وهاتان هما أهم مميزات البرادعي التي تريد أمريكا توظيفهما في التفتيش على أسلحة الدمار الشامل في الدول العربية والإسلامية ، فإن لم يكن كذلك لاتهمته هذه الدول في قراراته من قبل أن يتخذها ، ومواقفه من قبل أن يفعلها ، ومن قبل أن يقوم من مقامه ومن قبل أن يهم بمغادرة مكتبه للتفتيش، والبحث، لاتهمته بأن قراراته اتخذها مسبقا ، وأنها نابعة من ازدرائه للإسلام ومن كراهيته للعرب والمسلمين ، ومن انتمائه لمن يشعرون بالاستعلاء والتمييز العنصري ، ولكنها أتت برجل من بني جلدتنا وينطق بلساننا ويدين بديننا لا نستطيع أن نوجه إليه أي اتهام بعدائه للعروبة والإسلام ؛ ومن ثم فقد قطعت الطريق على من يريد أن يتهم الوكالة بالعنصرية ، ولرئيسها بالكفر ، ويتخذهما مبررًا لشحن الشارع العربي والإسلامي ضد الوكالة والعاملين بها . وهذا ما يبرر رفض شخصيات دولية أخرى الترشيح أمام البرادعي لما يمكن أن تناله من هجوم وتشكيك في نزاهتها .
وكون البرادعي مصري الجنسية يشغل منصبًا دوليًا رفيعًا مثل هذا المنصب ، يدفع بكل مصري بل وكل عربي وكل مسلم للافتخار والاعتزاز به . مثله كمثل مجدي يعقوب ، وفاروق الباز ، وأحمد زويل وقائمة طويلة من المصريين والعرب وغير العرب من المسلمين ، الذين رفعوا اسم بلادهم في الخارج ولمعت أسماؤهم في سماء العالم . ومن المفترض أن ينضم البرادعي لهؤلاء ولكن ارتباط اسمه بأقذر حرب في هذا القرن ألا وهي الحرب على العراق أثر بالسلب على مشاعر الجماهير العربية والمسلمة تجاه شخص البرادعي وتجاه إعادة اختياره . كما إنهم لم يجدوا منه شيئًا ما قدمه لبلده مصر رغم الجهود المصرية التي بذلت وكان لها دور فاعل في جلب التأييد للتجديد للبرادعي على مر فترات رئاسته للوكالة . كذلك لم يقدم شيئًا ما لأمته الإسلامية ولم تستفد الدول العربية من وجوده في هذا المنصب ومن رئاسته لهذا الموقع وما أفاد بهذا المنصب إلا نفسه ! فهو يدير 3500 موظف ويسافر بين 140 دولة حول العالم في رحلات سرية وعلنية للتفتيش والتفاوض واتخاذ القرارات المناسبة الحاسمة حول مصير الحياة ، وإغراءات المرتب والسفر والمنصب أكبر من أن تصد أو تمنع وأعز من أن يزهد فيها أحد . لذا فلا مجال للشك في سعيه هو أو غيره للبقاء في مثل هذا المنصب والتمديد له مرة أخرى .
ومن أسباب مشاعر الغضب تجاهه أنه يجوب العالم العربي والإسلامي شرقًا وغربًا شمالاً وجنوبًا ولو عن ما هو في حجم رأس عود ثقاب واحد به آثار أية مواد نووية ، بينما العالم الآن فيه ثلاثون ألف رأس نووي ، ألا يشكل أي منها خطر على سكان العالم إلا ما ملكه العرب والمسلمون من بدائيات مشروع نووي لا يخرج نطاق عمله عن الأمور السلمية . وعلى وجه التحديد فإن ترسانة السلاح النووي الإسرائيلي باتت تهدد المنطقة العربية كلها وتطول أي فرد أو نظام أو دولة من المحيط للخليج ، بل وتهدد السلام العالمي كله ، واعترافات شارون التي عبر عنها بصراحة بقوله إنه لن يتخلى عن الرادع النووي ، تخرق آذان كل سامع . ومازالت الحكومة الإسرائيلية ترفض الانضمام لاتفاقية منع الانتشار النووي ومن ثم فهي ترفض أي نوع من التفتيش الدولي على منشآتها النووية . فلم تستطع الوكالة الدولية إلى يومنا هذا أن تتخذ أية خطوة إيجابية لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية مما يعني بالضرورة تخلي إسرائيل عن مشروعها النووي وقبولها بالتفتيش الدولي . فأين هي مصداقية الوكالة الدولية من المشروع النووي الإسرائيلي الذي تخطى مراحل المشروع ليصبح حقيقة واقعة يشهدها العيان . فكون أسلحة إسرائيل ومفاعلاتها النووية ، دفع المصريون إلى كراهيته ، كما دفع العرب على النظر إليه على أنه خائن ، كما أن البعض لا يتأخر في اتهامه بعدم الوقوف أمام أمريكا حين أعلنت نيتها الحرب على العراق رغم أن الرجل نفسه لم يتأخر في أن يعلن في وجه أمريكا قبل وبعد الحرب أنه لا توجد منشآت ذرية في العراق تستحق هجوماً أو تتطلب غزوًا ، فقد أجاب عن سؤال وجه إليه هل كانت في العراق أسلحة دمار شامل ؟ قائلاً : أجزم أنه لم يكن في العراق سلاح نووي ولا برنامج لصنع السلاح النووي . وفي سؤال آخر هل كانت في العراق أسلحة كيماوية ؟ أجاب : ولا أسلحة كيماوية كما قرر زميلي هانز بليكس . وفي سؤال هل كانت الحرب على العراق مبررها واضح ؟ أجاب أجزم بأن الحرب لم تكن مبررة أقولها بضمير مستريح . بينما هو ذاته أعلن صراحة أن «كوريا الشمالية» هي أكثر دولة تهدد نظام الأمن الإقليمي في منطقة شمال شرق آسيا وأكثر الاحتمالات أن لديها سلاحًا نوويًا إن لم تكن لديها القدرة على صنعه خلال شهور وهذا يقلق «كوريا الجنوبية» و«اليابان» و«الصين» و«الولايات المتحدة» . فماذا فعلت الوكالة الدولية للطاقة وماذا فعل رئيسها وماذا فعلت دول العالم لـ«كوريا» بينما فعلوا ما فعلوه مع العراق ؟ ولكن هل الموقف هذا للبرادعي تجاه العراق هو كل ما كان يجب عليه تجاه العراق ؟ وهل اكتفى بإعلان رأيه فقط ، وانتهى دوره عند هذا الحد ؟ وإذا لم يكن هذا هو كل ما يجب عليه فلما لم يقم بكل ما يجب عليه ؟ وما الموقف الإيجابي الذي اتخذه لمنع الحرب على العراق خاصة إنها قامت على مبرر طالما أثبت بطلانه ؟ ولماذا لم تنصع أمريكا ومن دار في فلكها من مؤيدي الحرب على العراق لرأيه ؟ وما مدى إمكانياته لإجبار مثل هذه الدول للانصياع لرأيه؟ وما الإجراءات التي يجب أن يتخذها لكي يؤخذ برأيه على محمل الصدق والجد ؟ وما الضمانات التي اتخذها واتخذتها الوكالة لمنع تكرار ما حدث للعراق مع أية دولة أخرى حيث اتهمت العراق بامتلاكها أسلحة نووية ومن ثم جيشت لها الجيوش من دول العالم وبعد أن احتلت ودمرت عن أخرها برأت ساحتها من امتلاكها لهذه الأسلحة ؟ هل سيمنع ضرب «سوريا» و«إيران» ، وما دوره في الملف النووي الليبي ، هل كان له دور في الحملة التي انتهت قبل أن تبدأ على مصر تلك الحملة لاستدراج مصر لمهاترات امتلاكها أسلحة نووية . وإذا كان القادة من أمثاله يظلون على صمتهم تجاه ما يحدث فمن غيرهم سيتكلم ؟ وإذا تكلموا ولم يجدوا آذاناً صاغية لكلامهم وهم المسؤولون ، هل تنتابهم السلبية ويقفوا مكتوفي الأيدي ، وهم يرون كيف ضرب بكلامهم عرض الحائط ، وإذا كانوا وهم في مثل هذه المواقع من المسؤولية ، بهذه السلبية فما المتوقع من غيرهم ؟ وإلى متى سيظل المسؤولون في مناصبهم سلبيين أمام أي قرارات مصيريه تتخذ . وإذا لم يؤخذ بكلامهم فمن ذا الذي سيؤخذ بكلامه ويكون لكلامه القيمة والاعتبار ؟ وإذا لم يجدوا هم لكلامهم أي مردود أو فائدة فلماذا إذن هم قابعون في مناصبهم ، ولماذا لا يستقيلون طالما ضرب بآرائهم عرض الحائط ؟. ولو أنه فعل ذلك لتغير وضعه ومكانته في قلوب الناس وظفر بحبهم له وبقيت تضحيته خالدة في ذاكرتهم .
في الوقت ذاته تتهمه «أمريكا» بأنه رجل ضد سياستها وتصفه بأنه ضعيف وهمجي ومتمرد لمجرد أنه لم يقف بحسم ضد المشروعات النووية الكورية والإيرانية ، وفي أمريكا أيضاً هو عدو الإدارة الأمريكية التي فضحها أمام العالم وتحداها بالتقارير العلنية عن أكاذيب المخابرات الأمريكية . وفي «كوريا الشمالية» هو عميل للمخابرات الأمريكية ، وفي إيران هو مشبوه لأنه يقف بالمرصاد أمام طموحهم النووي، وفي إسرائيل هو عربي وهذا يكفي لكراهيته ووصفه بقائمة من الشتائم . وفي الشرق الأوسط هو نذير شؤم ؛ لأنه لا يزور بلدًا إلا ووراءه إنذارات أمريكية وحرب منتظرة أو مؤجلة ، إنه مطارد من الجميع . يقول البرادعي في حديث له : تعرضت في السنوات الماضية لانتقادات كل الدول التي عملنا فيها مثل كوريا الشمالية ، والعراق ، وإيران ، والولايات المتحدة .
ومن المتوقع من البرادعي خلال الأربع سنوات القادمة مساهمته بشكل أو بآخر في تدمير نشاط إيران النووي أو تدمير كامل إيران بمن فيها كما حدث في العراق . ففي أول تصريح للبرادعي بعد انتخابه أكد أن إيران أوفت بوعدها بتعليق تخصيب اليورانيوم ولكنه طالبها بمزيد من المعلومات رافضًا كشف موعد لإغلاق الملف الإيراني . وإجبار باكستان مع أمريكا في حرب الأخيرة ضد طالبان وتنظيم القاعدة هو الذي يؤخر الضغط الأمريكي على باكستان للتوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية . وإن فعل ذلك فقد أدى المهمة التي من أجلها تم اختياره وأنهى بيده دوره في الوكالة . إذا ظهرت دولة إسلامية أخرى تمتلك أسلحة نووية فسوف يتم الإبقاء عليه والتمديد له أو استدعاؤه إن لم يكن في الخدمة للاستفادة بخبراته لحين وجود شخص مثله في مواصفاته . وفي النهاية لا يسعنا إلا أن نذكره وأنفسنا بقول الله عز وجل في سورة آل عمران الآيات 173-175(أَلَّذِيْنَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوْا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيْمَانًا وَقَالُوْا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ فَانْقَلَبُوْا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَحْسَسْهُمْ سُوْءٌ وَاتَّبَعُوْا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُوْ فَضْلٍ عَظِيْمٌ إنَّمَا ذٰلِكَ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أوْلِيَاءَه فَلاَ تَخَافُوْهُمْ وَخَافُوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤمِنِيْنَ . وبقوله تعالى: (وَيَمْكُرُوْنَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِيْنَ) سورة الأنفال آية 30.
المراجع
(1) جريدة عين العدد 76 الصادر بتاريخ 23/12/2004م.
(2) مجلة روز اليوسف العدد 3994 الصادر بتاريخ 31/12/2004م الموافق 19 ذي القعدة 1425 هجرية.
(3) جريدة نهضة مصر العدد 369 بتاريخ 15/5/2005م ص4 و ص 11 .
(4) جريدة أخبار اليوم العدد 16581 الصادر بتاريخ 14/6/2005م ص 7
(5) جريدة الجمهورية بتاريخ 17/6/2005م ص12.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذوالحجة 1426هـ = يناير 2006م ، العـدد : 12 ، السنـة : 29.
(*) 6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.
الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451
الجوّال : 0101284614
Email: ashmon59@yahoo.com