أنباء الجامعة
جامعة دارالعلوم / ديوبند ، سارت شهرتها مسير الشمس والقمر
حيّاكم الله يا أهل الطلعات الإيمانيّة والقلوب الحيّة في جامعة دارالعلوم / ديوبند
لقد كنت أستعظم هذا المكان وهذا الكيان في دار العلوم / ديوبند
فلما رأيتُها صارت أعظمَ مما سمعتُ
7/ ربيع الأوّل 1432هـ = 11/ فبراير 2011م يوم الجمعة ، قُبَيْلَ صلاة الجمعة
نقله عن الشريط : الطالبان بقسم اللغة العربية وآدابها:
محمد عاصم المئوي و محمد قاسم الدهلوي
وساعدهما : الأستاذ محمد ساجد القاسمي الأستاذ بالجامعة
وراجعه بدقة : رئيس تحرير المجلة: نورعالم خليل الأميني
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
حَيّاكم ربُّ الناس يا أهلَ الطلعات الإيمانيّة، والقلوب الحيّة، في جامعة دارالعلوم بـ«ديوبند» التي سارت شهرتُها مسيرَ الشمس، ومسير القمر، وكنا قرأنا لحظاتها وأخبَارَها وأسرارها، ومُصَنَّفاتها، وجهود علمائها، شَكَرَ الله للقائمين عليها من المشايخ والعلماء، وغفر الله لمن أَسَّسَها، وبنى هذا الكيان العظيم، وأنا قبل هذه الوقفة أمامكم كنا ونحن في ديار الحرمين، في مكة والمدينة، وفي الرياض، وفي كلّ مكان نشتاق أن نراكم، كنا نُحدِّث أنفسَنا متى نرى إخواننا المسلمين في القارّة الهندية؛ لأننا قرأنا أخباركم، وقرأنا تأريخكم؛ بل جهودَكم، ومُؤَلَّفاتكم، ومُصَنَّفَاتكم التي عددٌ منها تُدَرِّسَ عندنا في الجامعات، فجزاكم الله عن الإسلام خيرًا، ولايسعني إلاّ أن أعبّر عن مشاعري عن هذا الواقع، بما قال المتنبيء شاعر العربيّة:
وَأَسْتَكْبِرُ الأَخْبَارَ قبلَ لِقَائِهِ
فَلَمَّا الْتَقَيْنَا صَغَّرَ الخَبَرَ الْخُبْرُ
لقد كنت أستعظم هذا المكان والكيان في دارالعلوم/ ديوبند فلما رأيتُها صارت أعظمَ مما سمعتُ؛ لأنّها خَرَّجَتْ آلافَ العلماء والدعاة والمحدثين، والفقهاء والمفسرين، وحَفِظَتْ لنا الإسلامَ في القارة الهندية قارة النبل والأصالة.
إخوتي! بهذه الجامعة وبأمثالها التي تُعَدُّ من أعرق وأقدم وآصل وأطول جامعات في العالم، وأتذَكّر قول الدكتور محمد إقبال، شاعر القارة الهندية، بل شاعر الإسلام، حينما كان يُنشد في الجيل، ويقول لهم: أين الهمم عندكم؟ يقول بالعربية مُتَرْجَمًا:
أَرى التَّذْكِيرَ أَدْرَكَه خُمُولٌ
وَلَمْ تَبْقَ الْعَزَائِمُ في اشْتِعَالِ
وَأَصْبَحَ وَعْظُكُمْ مِنْ غَيْرِ رُوحٍ
وَلاَ سِحْرٌ يُطِلُّ مِنَ الْمَقَالِ
وَعِنْدَ النَّاسِ فَلْسَفَةٌ وَفِكْرٌ
وَلٰكِنْ أَيْنَ تَلْقِينُ الْغَزَالِي
وَجَلْجَلَةُ الأَذَانِ بِكُلِّ حَيٍّ
وَلٰكِنْ أَيْنَ صَوتٌ مِنْ بِلاَلِ
مَنَائِرُكُمْ عَلَتْ في كُلِّ سَاحٍ
وَمَسْجِدُكُمْ مِنَ الْعُبَّادِ خَالِ
أقول لإقبال: رَحِمَك الله؛ لو رأيتَ الناسَ والطُّلاَّبَ والعلماءَ في دارالعلوم/ ديوبند، لقلتَ: الحمدُ لله، وجدتُ الوعظَ الصحيحَ، والعلمَ النافِعَ، والحياةَ الطيِّبةَ، والتلقينَ المُحَقَّقَ، والتدقيقَ المُصَدَّق، والمنهج السويَّ بإذن الله.
نعم! نحن العربَ كنا في فجر التاريخ الإسلامي حملنا «لا إله إلاّ الله» نحن الذين قاتلنا في أصقاع العالم، وركبنا البحار والقفار، وامْتَطَيْنَا الليلَّ والنهارَ، وذهبت نفوسُ أجدادنا على الرماح والسيوف، كما أشاد إقبال بذلك في شعره الخالد القوي، قائلاً: إن العرب هم الذين رفعوا السيوف فوق هامات النجوم منارًا؛ ولكنكم لما استلمتم أنتم العلمَ والرّسالةَ، صرتُم أكثرَ فداءً وتضحته، وأكثر نبلاً حتى كثيرٌ من علمائكم شَرَحُوا من الحديث مالم يَشْرَحِ العربُ في هذا العصر، وصرتم أكثر تضحيةً، وما نزلتُ بلدًا، في القارة الهندية منذ دخلناها، وقد زرتُ قبلها «باكستان» فما وجدت مدرسةً، ولا مجمعًا علميًا، ولا مسجدًا، إلا وفيه طالبٌ أو مدرّسٌ من جامعة دارالعلوم في ديوبند، فشكر الله لكم جهودكم وأكرمكم ومزيدًا من العطاء، نعم! أنتم الآن مُمَثِّلُون للإسلام، أنتم رؤوس خيل، أنتم دعاةُ الحق، فيا أيها المُمَثِّلون الشرعِيُّون للإسلام! أرجوكم أن تتّقوا الله في الإسلام، وتُوَاصِلُوا سماحةَ الإسلام، ونشر وسطيّة الإسلام نحن المسلمين والعرب لم نُبْعَثْ قَتَلَةً ولا أشرارًا؛ بل بُعِثْنَا رحماءَ أبرارًا، قال سبحانه: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعٰلَمِيْنَ» (الأنبياء/107) نحن للعالم السلامُ، نحن نُصْلِح الأمن والإيمان، نحن الأمة الوسط التي بُعِثْنا في حاجة وفي فترة من فترات التاريخ، كان العالم يحتاج إلينا، وكانت الدنيا تُنَادِينا. قال سبحانه: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» (آل عمران/110) فنحن كما قال البوصيري رحمه الله في الميمية:
بُشْرَىٰ لَنَا مَعْشِرَ الإِسْلاَمِ إِنَّ لَنَا
مِنَ الْعِنَايَةِ رُكْنًا غَيـْرَ مُنْهَدِمِ
لَمَّا دَعَا اللهُ دَاعِينَا لِطَاعَتـِهِ
بِأَكْرَمِ رُسُلٍ كُنَّا أَكْرَمَ الأُمَمِ
ونحن أمة وسط، لا إفراطَ ولا تفريطَ، لا نملّ من الدين، كما فعل المهزومون بالثقافة الغربية، والمغرورون بالحضارة الغربية، الذين انسلخوا من دينهم، وتركوا السنّة، هجروا البخاريَّ ومسلم، وتنكروا للإسلام وعَقُّوا القبلةَ، ولسنا في الإفراط كما فعل الخوارج وأهل الغلوّ الذين كفّروا المسلمين، وكفّروا المذاهبَ الإسلاميّةَ، وكانوا بتشددهم في الدّين، شاذّين عن الجماعة. «يَا أَهْلَ الْكِتٰبِ، لاَ تَغْلُوا فِي دِيْنِكُمْ» (المائدة/77) بل نحن وأنتم دعاة التسامح، والتصلاح أتيناكم باسم الإسلام العظيم، اللهُ سَمَّانا مسلمين، اجتباكم وسمّاكم مسلمين، اللهُ سبحانه وتعالى سمّانا مؤمنين، وإننا نُدْخِل الطوائفَ كلَّها تحت الإسلام، الأحنافُ، والمالكيّةُ، والشافعيةُ، والحنابلةُ، وجماعةُ الدّعوةِ والتبليغِ، والجماعةُ الإسلاميّةُ، وجماعةُ الإخوان المسلمين، كلُّها تحت مِظَلَّةِ الإسلام. لاَ يدَّعِي أحد أنه هو محظوظ بالإلهام والعصمةِ والعنايةِ الربانية ويلغي الآخرين، كلُّنا جميعًا نعمل للإسلام، منّا المجاهدُ، والكاتبُ، والعالمُ، والمهندسُ، والطبيبُ، والمفكرُ، والشاعرُ، لكنّا كلنا عباد الله نعم، وكما يقول العلاّمة أبوالحسن علي الندوي – غفر الله له – في كتابه ماذا خسر العالَم بانحطاط المسلمين؛ إن العالم قد خَسِرَ خسارةً باهظةً كبرىٰ، لما تَأَخَّرَ المسلمون وتَقَدَّم غيرُهم، خَسِر في عالمِ المعتقد؛ فعَبَدَ غيرَ الله، خَسِرَ في عالم الأخلاق، فصار كالبهيمة، «أمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُوْنَ أَوْ يَعْقِلُوْنَ، إِنْ هم إلاّ كَالأَنْعَامِ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيْلاً» (الفرقان/44) وأقول لكم – فيما كفى – : والله الذي لا إلٰه هو، إنني لا أريد في هذا اليوم العظيم يوم الجمعة في جامعة دارالعلوم/ ديوبند، أن أكون جليسًا للملوك، ولا للحكام، ولا للأغنياء، ولا للوزراء، ولا للأمراء، بل ولو خَيَّرُوْنِي أن أجلس معهم في القصور الشاهقة، أو أجلس معكم على التراب، لاخترتُ أن أجلس معكم على التراب.
ثانيًا: أُبلِّغكم، السّلامَ والتحيّةَ من علماء المملكة العربية السعودية، ودعاة علماء الحرمين الشريفين، وقد أَخْبَرْناهُمْ برحلتنا إلى هنا: إلى الهند، إلى جامعة دارالعلوم/ ديوبند، فقالو: بلِّغوهم السَّلام، فبلِّغوا إخوانَنَا المسلمين وطلبةَ العلم، في هذه الجامعة العريقة وفي القارة الهندية السلام، لكم إخوانٌ في دينكم يحبونكم، ويدعون لكم، ويريدون نصركم، ويريدون تمكينكم، أنتم لستم وحدكم، معكم الله، ثم معكم مليار مسلم.
نحن على الدّين الحق الآن في العالم؛ «إنَّ الدِّيْنَ عِنْدَ الله الإِسْلاَمُ» (آل عمران/19) ليس هناك دين صحيح إلا ديننا «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا، فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» (آل عمران/85) أُبَشِّركُم أن الإسلام قادمٌ، أُبَشِّرُكم أنّ الإسلامَ مُنْتِصَر؛ وأُبَشِّركُم أن أَصْبَحَ المؤذّن الآن يُؤَذِّن في واشنطن، في المراكز الإسلامية، وفي لندن، وفي باريس، وفي موسكو، وفي بكين، كلَّ يوم يَرْفَع «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر» نحن المسلمين دخلنا قارَّاتِ الدنيا، دخلنا الجامعات، وأسَّسَنا المعاهد، وبنينا المساجد في العالم. فلنستبشر أن الله معنا «وَلاَ تَهِنُوْا وَلاَ تَحْزَنُوْا وَأنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ» (آل عمران/139).
ثالثًا: إخوتي وأنتم تطلبون العلمَ هنا، أَغْبِطكم وأَفْرَحُ لكم وليتني واحدٌ منكم درستُ العلم هُنا؛ لٰكِنْ – الحمد لله – أَنَّنا معكم في نفسِ الطَّريق، نقرأ معكم، ونعيش معكم بالمشاعر، ونحبّكم في الله. فأَخْلِصُوا لله العملَ والعلم «مُخْلِصِيْنَ لَهُ الدِّيْنَ» (الأعراف/29؛ يونس/22؛ العنكبوت/65؛ لقمان/37؛ غافر/14؛ 65؛ البينة/5) «أَلاَ لله الدِّيْنُ الْخَالِصُ» (الزمر/3) وقد ألّف العالم الهنديّ: صدّيق خان. «الدين الخالص» في أربعة مجلّدات، ينصّ على أنّ الله لا يقبل من العلمَ إلاَّ ما كان له خالصًا، فأنتم إذا أخلصتم رَزَقَكم اللهُ الدنيا وحُسْنَ ثواب الآخرة، لا تطلبوا العلم للشهاداتِ، ولا الوظيفةَ، ولا المنصبَ ولا المالَ، كلُّها تحت الرِّجل وتحت القدم؛ لأن ما عند الله خير وأبقى.
رابعًا: أرجو منكم مع احترام العلماء المسلمين والمشايخ، أنتم إخوتي الطلاب وأبنائي الطلاّب! أن تعملوا بعلمكم، أن تعملوا به عملاً، أن تُطَبِّقُوه، أنَّ الّذي تعرفون من النصوص يجب أن يكون واقعًا، وحالاً وشعورًا وصفات، قال الله عن بني إسرائيل: «أَتَأْمُرُوْنَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتلُوْنَ الْكِتٰبَ، أَفَلاَ تَعْقِلُوْنَ» (البقرة/44) فنعوذ بالله من علم لاينفع، اللهُ وَصَفَ علماءَ السُّوء من اليهود «كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا» (الجمعة/5) الحمارُ إذا ركَّبت عليه المُجَلَّدات والمُصَنَّفات، وركّبتَ عليه فتحَ الباري، وصحيحَ البخاري، وصحيحَ مسلم، وذهب من هنا إلى بومباي وكراتشي لايزال حمارًا، لايتغيَّر. وعندكم شاعر اسمه «طاغور» قال في قصيدة أو في قصَّة: كان في الهند حمار مات بين البرسيم وبين الخضار أو بين الحبّ وبين النهر ذهب إليه ليشرب الماء، فتذكّر أنَّه جائع، فذهب إلى الحبّ أو إلى القمح، أو إلى الحصيد، فتذكر أنَّه ظامئ أو عطشان، فمات ولم يأكل ولم يشرب، قال: هذَا مثل الذي لايستفيد من الحكمة، ولا من الموعظة، ولا يستفيد من الدرس، والعياذ بالله.
خامسًا: أرجو منكم وأنتم متعلّمون العلم وَعِملْتم به، أن تنطلقوا به دعاةً في الأرض، ليكن همًّا واحدًا منكم التَّبليغُ الدَّعوةُ، كما قال سبحانه وتعالى: «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا، وَقَالَ إِنَّنِيْ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ» (فصلت/33) لاَتَبْخَلْ بالعلم، فيحاسبَك اللهُ عليه، ويُنُكِّلْ بك، والعياذ بالله، فإنّ من بَخِلَ بالعلم كان أكثر عقوبة ممن بَخِلَ بالمال، فعليكم أن تنفقوا العلمَ وتُصَدِّقوا بالعلم، وأن توزعوه في البشريَّة، ليبارك الله فيكم، فإذا تعلَّمتم العلمَ وعمِلتم به وعَلَّمتموه النَّاس، جِئْتَم ربَّانيين في الملكوت الأعلى، عند الملائكة، «لٰكِنْ كُوْنُوْا رَبَّانِيِّنَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُوْنَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُوْنَ» (آل عمران/79) احفظوا عنّي، من عمِل بالعلم النافع الشرعيّ أثابه الله بأربع جوائز وأربع هدايا وأربع مقامات. قال سبحانه: «وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوْا مَا يُوْعَظُوْنَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيْتًا، وَإِذا لَّاٰتَيْنَاهُمْ مِّنْ لَّدُنَّآ أجْرًا عَظِيْمًا، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيْمًا» (النساء/66) لكان خيرًا لهم، الخيرُ في كل ما يعنيه من حسنات الدنيا والآخرة «وَأَشَدَّ تَثْبِيْتًا» نثبّت العلم بصدورهم، ونثبتهم على الحق والصِّراط المستقيم «وَإِذًا لَّآتَيْنٰهُمْ مِّنْ لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيْمًا» في الآخرة ثواب لايُعدُّ ولايُحْصَى ولايُتَصَوَّر «وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيْمًا» الصراط المستقيم. وهدَّد الله من ترك العلم والعمل بالعلم بأربع عقوبات: «فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيْثَاقَهُمْ لَعَنّٰهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوْبَهُمْ قٰسِيَةً، يُحَرِّفُوْنَ الْكَلِمَ عَنْ مَّوَاضِعِهِ، وَنَسُوْا حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُوْا بِهِ» (المائدة/13) فمن تَرَكَ العلمَ بالواجبات والعملَ بالواجبات، وفَعَلَ المُنْكَرات عاد محرومًا، والعقوبة الثانية: وجعلنا قلوبهم قٰسِيَةٍ كالحجر، والعقوبة الثالثة: يحرّفون الكلم ويؤوِّلُون الكلمات ويحرفونها عن مصالحها، والعقوبة الرابعة: ونسوا حَظّاً مِمّا ذُكِّروا به، ينسيهم الله العلمَ، فلا يفهمونه، ولا يحفظونه.
سادسًا: تعاملوا بحسن الخلق مع النَّاس كلّ الناس، ليس فقط مع المسلمين، مع المسلم وغير المسلم، فنحن المسلمين رحمةٌ، «أُدْعُ إِلَى سَبِيْلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ» (النحل/25) حَبِّبوا الإسلامَ للآخر، أريد منكم أنه إذا رآكم غير المسلم يحبُّ فيكم الإسلامَ، فيعترك على الإسلام ويدخل الإسلامَ، يقول النبي عليه الصلاة والسّلام، في شأن عليّ بن أبي طالب t وهو في الصلح مع اليهود في خيبر: «والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حمر النُعم» (صحيح البخاري، رقم 4210؛ 2942؛ 3009؛ صحيح مسلم رقم 2406) فحبّبوا إخوتي في الله! الإسلامَ بتعاونكم، بحسن خلقكم، بتواضعكم، كما قال سبحانه: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنْتَ فَضًّا غَلِيْظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوْا مِنْ حَوْلِكَ» (آل عمران/159).
سابعًا: وأطلب منكم أن تَسْعَوْا جميعًا العلماءَ في هذه الجامعة العريقة الأصيلة الكبيرة، والطلابَ فيها إلى وحدة المسلمين، «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُوْنَ إِخْوَةٌ» (الحجرات/10) «واعْتَصِمُوْا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعًا وَلاَ تَفَرَّقُوْا» (آل عمران/103) اِسْعَوْا إلى الوحدة، فلا نتشاغل بالجماعات الإسلامية والمذاهب نردُّ عليها، ونَتَهَجَّم عليها ونُبَدِّعها ونُكَفِّرُهَا – كما تصنع بعضُ الطوائف والجماعات – ونحن أمام الهجمة الصهيونية العالمية والصليبية الحاقدة، كيف يقصدنا الصَّهاينة والصّليبيُّون، ونحن نتقاتل ونتناحر فيما بيننا، لا، إذا كان عندكم ملاحظة أو رَدٌّ فَقَدِّمُوا بشكل نصيحة وبشكل محبّة، لاتشهيرَ، لاتجريحَ، لاتبديعَ، لاتكفيرَ، لاتفسيقَ، وإنما ينبغي أن يكون هناك تعليق وتحبيك، ونصح؛ لأن المؤمن نصحٌ، و«المُؤْمِنُوْنَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» (التوبة/71) ينصح بعضهُم بعضاً، لأن بعض الناس يظنون أنهم هم وطائفتهم يدخلون الجنةَ فقط؛ فالجنة لهم، كأن مفاتيج الجنة في جيوبهم، وكأن عندهم صكوك الغفران، فتجد بعضَ الشباب عنده جماعة صغيرة، عشر نفر أو أحد عشر نفر – مثلاً – يريد أن يدخل الجنةَ فقط، أما غيرهم فلا يدخلون الجنة، هذا ليس بصحيح، الجنّةُ لله، أبوابُها ثمانيةٌ، كلَ باب بين الباب إلى الباب، من صنعاء في اليمن، إلى بيت المقدس في فلسطين، سوف يدخل – أبشركم – الجنةَ بإذن الله الأحناف، والمالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة، والمُحَدِّثون، والفقهاءُ، ومن صَلَحَ من الجماعات، جماعة الدعوة والتبليغ، والإخوان المسلمون، والسلفييون: فإن الله هو الذي يحكم بيننا، هو الذي يعلم سرَّنا وعلانيتَنا، فَاسْعَوْا في التأليف والتآخي، ونصرة الإسلام؛ لأننا بحاجة أن نتحد وأن نكون يدًا واحدة، ومن شقّ عصا المسلمين شقّ الله عصاه، ومن سَعَىٰ في فرقة المسلمين، فَرَّقَ الله بينه وبين أحبابه، فاجمعوا المسلمين، و وَحِّدوا الخطابَ ألا! وإن العالم الغربي تألّف ضدَّنا، أوربا ضدنا، أمريكا ضدَّنا، إسرائيل ضدَّنا، الكفرة بمِلَلِها وَنَحلِها ضدنا، فلماذا نحن نتفرق، شِيَعًا وأحزابًا، وقد نهانا الله وحَذَّرنا الله، وتَوَعَّدَنا الله، أن نكون كاليهود «وَلاَ تَكُوْنُوْا كَالَّذِيْنَ تَفَرَّقُوْا وَاخْتَلَفُوْا مِنْ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيْمٌ» (آل عمران/105) الوحدةَ الوحدةَ، الاتفاقَ الاتفاقَ.
ثامنًا: فإني ألتمس من العلماء الكرام الأبرار، ومن الطلاب الأعزاء في هذه الجامعة العزيزة، أن يواصلوا مسيرةَ هذه الجامعة، وأن لايكسلوا بل يستمرّوا؛ فإني والله فرحانُ أشدَ الفَرَح، كنت في الطريق من «نيودهلي» إليكم فجلسنا في المقهى وإني بشيخ اسمه «محفوظ الرحمن» قال: أنا درستُ في جامعة دارالعلوم/ ديوبند ودَرّسْتُ منذ خمس وثلاثين سنة، صحيحَ البخاري، وأختمه في السنة مرتين، يعني درّسه سبعين مرة، فانشرح صدري، حَمِدْت الله – عَزَّ وجَلَّ – على أن أكون في صحبة هؤلاء العلماء الذين فيهم من حَظِيَ بأنّه دَرَّسَ سبعين مرة صحيحَ البخاري. وبصحيح البخاري، وصحيح مسلم – بعد القرآن – والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وأبي داود، نسعد بإذن الله، ونسعد بالعزّ في الدنيا والآخرة، ونصل إلى جنات النعيم. إننا العرب وأبناء العرب – نحن نحدثكم عن العرب، أو كثير من أبناء العرب – لأنهم تركوا صحيح البخاري وصحيح مسلم، قَرَّرُوا في الجامعات الجغرافيا، والتاريخَ، والكيمياءَ، والفيزياءَ، وعلمَ الاجتماع، وعلمَ النفس، وهذه العلوم تُدَرَّسُ في الجامعات، لابأس أن نستفيد من علوم الدنيا؛ لكن الطلاب العربَ نسوا صحيحَ البخاري، وصحيحَ مسلم، والسنن، ومسندَ أحمد، فصار الطلاب يعشقون الرياضة، نهارهم وليلُهم في الكرة، والفنّ، والموسيقي، والغناء، والرقص، والسهر الضائع، فذهب نورُ العلم، أنا وجدتُ نورَ العلم عندكم في هذه الجامعة وفي القارة الهندية، أنا لا أكتمكم سرًّا، أنّ هذه الصورةَ ذكّرتني بصورَ الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن الصحابةَ رضي الله عنهم على السنة، المسلمُ المُقْتَدِي يكون على سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سليمَ القلب، اعتقادُه سليمٌ، أمره صحيحٌ، وحافَظَ على الصلوات الخمس، يُطْلِق لحيتَه ويتقيّد بالسنّة حتى بالسواك، يبدأ المسلمُ بالسَّلام، يحب سيرةَ الرسول – عليه الصلاة والسلام – يذكر الله كثيرًا، ها هي السنّة. أنا زرتُ مع إخواني المشايخ – أقول ذلك مع احترامي لفضيلة الشيخ الأستاذ المقرئ الشيخ «بشير أحمد» من المدينة المنوّرة – زرت أنا والدكتور «يحيى الهنيدي» والدكتور «عبد الرحمن القحطاني»، زرنا الكثير من بلاد الله، زُرنا أروبا، وآسيا، زرنا إندونيسيا، فرنسا، بريطانيا، أمريكا، الجزائر، ليبيا، فما وجدنا هذا الاهتمام بالسنة، وهذه الكيفية الإيمانيّة الشاملة التي وجدناها عندكم بفضل الله.
تاسعًا: نور الاهتمام بالسنة في الدنيا سوف يُدْفَن معك في القبر، صلاتك، وقراءتك القرآن، طلبُك للعلم، ذكرُك لله، خوفُك من الله، الصدقةُ، حسنُ الخلق، سوف تُدْفَن معك في القبر، وسوف تُبْعَثُ معك وتجزى بها، وعَمَلُك السيِّئ، يُدْفَن معك – والعياذ بالله – الكذبُ، الزورُ، الفاحشةُ، الحسدُ، المُنْكَر، أكلُ الرِّبا، الزنا، يُدْفَن معك في القبر، ويُصاحِبُك وتُجَازٰى به عند الله، فاختر رفيقَك في القبر والصاحبَ والصديقَ لك فيه.
عاشرًا: إخوتي! ماذا أريد أن أقول: أنا تشرّفتُ بقرأة علم الحديث، أنا قرأتُ صحيحَ البخاري. تحدثت مع زملائي في الموضوع، عندكم شارح الترمذي المباركفوري يقول في الترمذي كما قال الشارح العربي، أقولها هديةً لجامعة دارالعلوم/ ديوبند يقول:
مَنْ زَارَ بَابَك لَمْ تَبْرَحْ جَـوَارِحُـهُ
تَـرْوِي أَحَادِيثَ مَا أَوْلَيْتَ مِـنْ مِنَنِ
فَالْعَيْنُ عَنْ قُرَةٍ، والكفُّ عَنْ صِلَـةٍ
وَالْقَلْبُ عَنْ جَابِرٍ وَالسَّمْعُ عَنِ الْحَسَنِ
هذا معناها بالعربية، يقول: من زار بابَك، والقرّةُ قرةُ العينِ، والكف عن صلة أي عطيّة والقلب عن جابر، يعني يجبر قلبه من الكسر، لكن يقصد جابر بن عبد الله، والسمع عن الحسن، كلام جميل؛ ولكن يقصد «الحسن البصري».
إخوتي في الله! أنا أختم بأن أروي لكم الحديث الذي ختم به البخاري صحيحَه وسيكون الحديث الذكرى والذكر بيني وبينكم حتى لوطالتِ الأعمارُ وسألني الإخوة عنكم وعن دارالعلوم، تذكرتكم ودارالعلوم وأتذكر الحديث الذي شرحه أحد العلماء من علمائكم من علماء الهند، في مئة صفحة اسمه «نعمة الباري في ختم البخاري» فأنا أرويه لكم حتى إذا سئل أحدكم وتذكر إنسانًا بسيطاً فقيرًا إسمه «عائض القرني» تذكر أنه وقف أمامه وتذاكر هذا الحديثَ، وها هو ذا: عن أبي هريرة – رضي الله عنه وأرضاه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ على اللسان، ثَقِيلَتانِ في الميزانِ، حَبِيبَتَانِ إلى الرحْمٰنِ «سبحانِ الله وبحمدِهِ سُبْحَانَ اللهِ العظيمِ» احفظوا عني هذا، أسأل الله أن يجمعني معكم في جنات النعيم، ونتذاكر هذا الحديث.
وسبّحوا ليلاً ونهارًا، سَبِّحوا اللهَ وأنتم قيام، وقعود، وعلى جنوبكم، لايزال لسانُك رطبًا من ذكر الله، أسأل الله، وهو الأحد الصمد، الحي القيوم، الذي «لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أحَدٌ» أن يغفر لي ولكم، وأن يرحمنا، وأن يهدينا إلى سواء السبيل، «رَبَّنَا اٰتِنَا فِيْ الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِيْ الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّار» «رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْلَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ»، اللهمّ اقْسِمْ لنا من خشيتك ما تحول به بينَنا وبينَ معاصيك، ومن طاعتِك ما تُبَلِّغُنا به جنَّتَك، ومن اليقين ما تُهَوِّن به علينا مصائبَ الدنيا، اللهم مَتِّعنا بأسماعنا وبأبصارنا، وقوّاتنا ما أحييتَنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلاّ غَفَرْتَه، ولا عيبًا إلاّ سرَتَه، ولا كربًا إلا نفّسْتَه ولا همًّا إلاّ فرَّجتَه، ولا مريضاً إلاّ شفيتَه، ولا مُبْتَلىً إلا عافيتَه، اللهم! أعزّ الإسلام، وانصر المسلمين، اللهم اغفرْلنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياءَ منهم والأموات، وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وسَلِّمْ تسليمًا كثيرًا كثيرًا، فجزاكم الله خيرًا.
* * *
انطباعات الدكتور عائض ورفقائه في سجل الانطباعات
سجل الشيخ الدكتور عائض القرني في سجل انطباعات بالجامعة انطباعاته بما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فقد سعدتُ كثيرًا بزيارة الجامعة العظيمة: الجامعة الإسلامية دارالعلوم بـ«ديوبند» فوجدتُ ما شرح صدري من علماء أجلاء وطلبة نجباء واهتمام عظيم بالعلوم والدعوة. وكنتُ قبلها أسمع عن هذه الجامعة وألتقي بطلابها في كل مكان، حتى سهّل الله هذه الزيارة، فوجدتُ الجهود المباركة والهمم العالية والأخلاق النبيلة؛ فكلُّ عالم منهم وطالبِ علمٍ يستحق أن يقال فيه ما قاله شاعر العربيّة الكبير أبو الطيب المتنبئ:
عَلاَّمَــةَ الْعُلَماءِ واللُّجِّ الَّـذِيْ
لاَيَنْتَهِي وَلِكُلِّ لُجٍّ سَــاحِـلُ
اِفْخَرْ؛ فَإِنّ النّاسَ فِيكَ ثَلاَثَةٌ:
مُسْتَعْظِمٌ أَوْ حَاسِدٌ أَوْ جَاهِلُ
وَإِذَا أَتَتْكَ مَذَمَّتِي مِنْ نَاقِصٍ
فَهِيَ الشَّهَـادَةُ لِي بِأَنِّي كَامِـلُ
فزادهم اللهُ توفيقًا، ونَفَعَ بهم، ورَفَعَ منزلتَهم، وسَدَّدَهُمْ وأثابَهم، وجزاهم اللهُ عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
أخوكم المحبّ خادم العلم الشرعي
عائض بن عبد الله القرني
المملكة العربية السعودية
يوم الجمعة المبارك 7/3/1432هـ = 11/2/2011م
انطباعات الدكتور عبد الرحمن بن منصور القحطاني والشيخ بشير أحمد بن صديق المدني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد زرتُ بصحبة الشيخ بشير أحمد بن صديق خادم القراءات في الحرمين الشريفين، الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند، فرأينا ما أثلج صدورَنا وأَسْعَدَنا، مما سمعناه ولمسناه، من تاريخ عريق، لهذه الجامعة، تمتد لأكثر من مائة وخمسين عامًا في خدمة الإسلام، تعليمًا وتربيةً وتزكيةً، تَجَلَّى ذلك في جامعتها والفروع التابعة لها في شبه القارة الهندية، سوى ما يتبع لها من المدارس والمعاهد في أوربّا، وأمريكا، وأفريقيا، مع عناية بأصول العلوم الإسلاميّة من القراءات والتفسير والحديث.
فأسال الله لهم دوامَ التوفيق وسدادَ الرأي، وحسن القول والعمل.
د. عبد الرحمن بن منصور القحطاني
الأستاذ المساعد بكلية الشريفة
بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
ليلة يوم السبت 8/3/1432هـ
12/2/2011م
بشير أحمد بن صديق المدني
خادم القراءات بالمسجد النبوي الشريف
ليلة يوم السبت 8/3/1432هـ
12/2/2011م
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ربيع الثاني – جمادى الأولى 1432هـ = مارس – أبريل 2011م ، العدد : 4 – 5 ، السنة : 35