الأديب السعوديّ الأستاذ عبد الله عبد الرحمن الجفري رحمه الله 1358-1429هـ = 1939 – 2008م

إلى رحمة الله

لقد أَسِفْتُ حقًّا وحَزِنْتُ جدًّا عندما بلغني نعيُ الأديب الرقيق الكلمات الأستاذ عبد الله عبد الرحمن الجفري – رحمه الله – الذي وافتْه المنيةُ الأربعاء: 2/ شوال (بالتقويم السعوديّ) 1429هـ الموافق 1/ أكتوبر 2008م، بعد ما عاش معاناة قاسية مع المرض ؛ حيث كان رحمه الله يعاني مرضًا بالقلب . وبعد أن تَمَاثـَلَ للشفاء عانى تليّف الكبد. وذلك منذ سنتين ؛ ولكن حالته تدهورت كثيرًا في الشهور الأربعة الأخيرة ، مما اضطره أن يرقد شهر رمضان 1429هـ كاملاً على السرير الأبيض بمستشفى الملك فيصل ومركز الأبحاث بـ “جدة”.

       وقد علمتُ في أواخر رمضان بمرضه وبقائه للعلاج بالمستشفى عبر الصحف السعوديّة، فأردتُ أن أكتب إليه أعوده ؛ ولكن الموت سبقني إليه ؛ فإنّ أجل الله إذا جاء لا يُؤَخَّر.

       وقد ذكرت الصحف والمجلات التي تحدَّثت عنه بعد وفاته أنّه – رحمه الله – ظلّ يكتب حتى في أيام مرضه، ولم ينقطع عن الكتابة إلاّ في الأشهر الثلاثة الأخيرة . وكان ممن بدأ يكتب منذ سنين مُبَكِّرة من عمره ؛ حيث ذكر الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي (عبد الله الجفري وداعًا: المجلة الثقافية – الجزيرة ، العدد 256/ السنة 6 ) أنه وَجَدَ له مقالات في جريدة “البلاد” السعودية عندما كان طالبًا بثانوية الرحمانيّة بمكة المكرمة عام 1374هـ ، وعمره لايتجاوز 16 سنة ؛ فكتب من عمره البالغ 71 سنة طوالَ 55 سنةً، وبلغ عددُ كتبه المطبوعة 29 ، وعدد كتبه التي لاتزال تحت الطبع 11؛ فمؤلفاته بالمجموع 40 إلى جانب ما كتب باستمرار من المقالات الصحفية والزوايا الأدبية عبر الصحف والمجلات .

       وقد صدق الذين كتبوا وتحدَّثوا عنه عندما قالوا: إنه كان أطول الكتّاب عمرًا ؛ فقد بدأ الكتابة وهو في 16 من عمره ، وظلّ يكتب حتى قبل وفاته بـ 3 شهور، وبقلمه عاش ، وفي كتابته مات ، فكأنه خُلِقَ كاتبًا وفُطِرَ على الكتابة.

       وكانت كتاباته تمتاز بالعفويّة ، وكانت تأسر قلوب القراء بصدقها ورقّتها ، وعذوبتها وسهولتها، وبروعة صياغتها ، وابتكار نحتها ، وسيلانها عواطفَ ومشاعرَ، وخصوبتها حبًّا ورومانسيَّةً . يكتب الكلمات بمداد من زجاجة عطر، كتاباتُه تُفَسِّر الوجدانيّات ؛ فكانت تتكلّف صدقها الأقلامُ. وكان هو نبيلاً بمعنى الكلمة ، شريفًا في اختيار المفردات ، ونحت الجمل . تتدفّق الأفكارُ والألفاظُ بريشة قلمه ، كأنّها شلاّل يتفجّر، ونهر يفيض . كان منفتحًا على كل الخطابات، متعاملاً بشتى الأساليب بشتى الصياغات. كان بطبعه – كما كانت كتاباته تؤكد – حييًّا لطيفًا ، ودودًا مُرْهَفَ الحسّ . وأجمع الكتّاب على أنه كان رائد الرومانسيّة بين الكتّاب العرب ؛ وأنه ذَوَىٰ قلبُه من مكابدات الهموم ، فرَقَّ عاطفةً ، وفاض حبًّا ، وكان – رحمه الله – شجرةً مورقة في كل الطقوس، حتى في صحراء لافحةً ، وفي بيئة نابية .

       منذ نحو ربع قرن من الزمان قرأتُه عبر الصحف السعوديّة ، فكتبتُ إليه أشيد بجمال كتابته الفاتن، وسحرها الأخّاذ ، فكتب إليّ يشكرني وأهدى إليّ روايته الشهيرة “فقط” جزاه الله خيرًا وعوّضه عن هديته هذه نعيمَه في الجنّة .

       كنتُ مُعْجَبًا بما يكتب ، فكلما كنت أجد له زاوية أو مقالاً خفيفًا في صحيفة أو مجلة سعوديّة، لايسعني أن أدعه قبل أن آتي على آخر سطر منه . وكان لديّ كاتبًا أثيرًا ينثر النفعَ بألفاظه وتعبيراته ومفرداته المنتقاة ، وكان سهلاً عليَّ قراءتُها ، والاستفادةُ منها ، والتقاطُ كلماتها ، واستظهارُ ما اشتملت عليه من الأفكار. وكان – حقًّا – مبتكرًا اسلوبَه الكتابيّ العفويّ المتّسم بالسهل الممتنع . وكان من الكُتَّاب المجدين المفيضين على قرائهم مبانيه ومعانيه بسهولة ودنما تعب ودونما مقابل من القراء مُتَمَثِّلاً في إجهاد النفس ، وإتعاب الفكر، ومواصلة القراءة ، والإكثار من الترداد ؛ حيث إن معظم الكتاب لايسخون بالكلمات والأفكار دونما مقابل يدفعه القراء بالشكل الذي ذكرتُ .

       وأشاد به وبكتاباته الأديب الناقد الدكتور محمد العوين ، في كتابه “المقالة في الأدب السعودي الحديث” – الذي تحدث فيه عن الفترة الممتدة فيما بين عام 1924 و 1980م – بقوله :

       “إن الجفري يُعَدّ من الكتاب الذاتيين المكثرين؛ بل يكاد يكون الكاتب المقالي الذاتي الأوّل في الأدب السعوديّ” .

       وقال عنه:

       “أخلص لفن التعرف على الوجدان والحديث عنه والإفضاء إليه . ولولا مراعاتي لتوالي الأجيال في الأدب ، لكنتُ قدمتُه على سابقيه في ذلك ؛ لأن من تقدم الحديث عنهم يكتبون المقالة الذاتية مثلما يكتبون – أحيانًا – مقالات أخرى في شؤون مختلفة، إلاّ أن الجفري من الكتاب الوجدانيين الشعريين الذين تستولي عليهم الرقة والعذوبة وشفافية الحلم . وقد جاء بمقالة جديدة تختلف في سياقها وتكوينها اللفظي وخيالها عن المقالة المأثورة المطروقة عند سواه، فلم يكتب تلك المقالة المباشرة متوالية الإيقاعات، التي تبدأ باستهلال ينبيء عن خاتمتها ويتوسطها الاتكاء على الفكرة ، والمداورة فيها ، ويخرج قارئها منطفئًا عند نهايتها، لوصوله إلى غاية الكاتب المباشرة ، بدون عناء وبدون إسراف في الخيال وبدون محاولة للتفكير ، أو إثارة التساؤل حول موضوع النصّ” . (هاني حجى/ الرياض: “عبد الله الجفري أديب من زمن الرونسية” المجلة العربية، الرياض، العدد: 382، ذو القعدة 1429هـ = نوفمبر 2008م) .

       وقد صَدَقَ الأديب المتمكن الدكتور حسن بن فهد الهويمل ، عندما قال مشيدًا بأسلوب الفقيد الكتابي:

       “وميلى إليه يحدوه ما يتوفّر عليه من تراسل بين الحواسّ ، وخصوبة في الخيال ، وتوازن بين الجمل ، وإشراق في الأسلوب ؛ فهو من أصحاب الأساليب المتأنّقة ، الثريّة بالتراكيب الجميلة ، والأخيلة المجنحه. وهذا الصنفُ من الكُتَّاب يقدمهم “المنفلوطي” و “الزيَّات” و “طه حسين” . وفرقٌ كبير بين التأنّق والتعمق كما هو عند “أرسلان” و “الرافعي” و”شاكر” . ودعك من المتدفّقين كـ”زكي مبارك” والمغرقين كـ”العقّاد”. وصدق من قال: “إن الرجل هو الأسلوب”.

       وقال:

       “فهناك – فيما أرى – شاعر ينثر ، وناثر يشعر، وشاعر يشعر . وهذه المستويات الثلاثة لايستحضرها إلاّ قليل من المتابعين للإبداعات ذات الطابع اللغوي . والجفري – رحمه الله – من الصنف الأوّل على الرغم من أن لغته شائعة ، وتراكيبه سهلة ، وأسلوبه ممتع ، فيه رقة وشفّافيّة، ومبالغة وبلاغة ، ومفاجأة وانقطاع”. (د. حسن بن فهد الهويمل: هي الدنيا إذا اكتملت ، الجزيرة اليومية ، العدد 13158، الثلاثاء 8 من شوال 1429هـ الموافق 7/ أكتوبر 2008م) .

       رحم الله الفقيد الغالي وأسكنه فسيح جناته وألهم أبناءه: وجدى ونضال ، وإياد، وبناته وحرمه الصبر والسلوان.

عبد الله عبد الرحمن الجفري موجز من سيرته:

  • من مواليد مكة المكرمة عام 1939م .
  • تلقى تعليمه بمكة المكرمة إلى نهاية المرحلة الثانوية (قسم أدبي).
  • عمل موظفًا بإدارات: الأمن العام، الجوازات والجنسيّة، ثم وزارة الإعلام (مديرية الصحافة والنشر) و (المديرية العامة للمطبوعات) .
  • أعيرت خدماته من وزارة الإعلام إلى عدة صحف في سنوات متتالية.. فعمل: سكرتيرًا لتحرير صحيفة (البلاد) و(عكاظ) و(المدينة المنورة) – صحفًا يومية .. ثم: مسؤولاً عن التحرير بصحيفة (عكاظ).
  • شغل منصب (نائب الناشرين) بالشركة السعودية للأبحاث والتسويق التي تصدر صحيفة (الشرق الأوسط) اليومية ، ومجلتي : سيدتي، المجلة (أسبوعيتان) .
  • أشرف على صفحات الثقافة والأدب بصحيفة (الشرق الأوسط) يوميًا.. وعلى إعداد وتقديم ملف الثقافة في مجلة (المجلة)، ونائبًا لرئيس تحرير (الشرق الأوسط) للشؤون الثقافية .
  • استمر يكتب عمودًا يوميًا في كل صحيفة احتضنت نشاطاته تحت عنوان: (ظلال) إلى جانب إبداعاته الأدبية في: القصة القصيرة، والرواية، والمقال الأدبي والإبداعي.
  • كلف بإنشاء مكتب صحيفة (الحياة) اللبنانية في المملكة العربية السعودية .. مع استمراره في كتابة زاوية يومية في الصحيفة نفسها بعنوان (نقطة حوار).
  • تفرغ للكتابة من منزله .. كان يكتب عمودًا يوميًا بعنوان (نقطة حوار) في صحيفة “الحياة” الدولية الصادرة من لندن، وكتب: صفحة أسبوعية في مجلة (الجديدة) بعنوان: كلمات فوق القيود، وصفحة أسبوعية في مجلة (اليمامة) السعودية، بعنوان: موانئ في رحلة الغد، وعمود يومي يصحيفة (عكاظ) بجدة، عنوانه: (ظلال).
  • شارك بالكتابة في عدد من الصحف والمجلات العربية.. فكان يكتب عمودًا يوميًا في صحيفة (الأهرام) الدولية بعنوان (نقطة حوار) قبل إصدار صحيفة (الحياة).. وكتب في مجلات مصرية بشكل أسبوعي دائم في كل من: آخر ساعة، وأكتوبر، وصباح الخير.. وكان يكتب صفحة أسبوعية في صحيفة (الرأى العام) الكويتية.
  • عدد إصداراته حتى الآن: (29) كتابًا، تضم: مجموعات قصصية، وروايات، ورؤية إنسانية عبر الحوار، ولوحات إنسانية، ورؤية لمنطق الخطاب العربي.
  • وله إصدارات تحت الطبع .. بلغت حتى الآن: (11) كتابًا.
  • الجوائز التي حصل عليها:
  • الجائزة التشجيعية في الثقافة العربية: من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في 20 ديسمبر عام 1984م، تقديرًا على كتابه: (حوار في الحزن الدافئ).
  • جائزة (على ومصطفى أمين للصحافة) عام 1992م: على مقالاته الرائعة.
  • جائزة (المؤتمر الثاني للأدباء السعوديين) بإشراف جامعة (أم القرى): تقديرًا لدوره البارز في إثراء الحركة الأدبية والثقافية في المملكة العربية السعودية (1998م).
  • جائزة (المفتاحة) لعام 1421هـ = 2000م، عن لجنة التنشيط السياحي بعسير، تكريمًا لجهوده المتميزة في الكتابة والصحافة.
  • الزمالة الفخرية من (رابطة الأدب الحديث) بالقاهرة.
  • شهادة تقدير من (الجمعية العربية للفنون والثقافة والإعلام) التي أسسها الشهيد الروائي يوسف السباعي، وذلك (تقديرًا لإنجازاته الجليلة وعطائه الوافر للمجتمع) في عام 1986م.
  • جائزة تقديرية وشهادة من صحيفة (الرياض) عام 1422هـ وتسمى: جائزة التنوع والالتزام.
  • جائزة تقديرية وشهادة من (جمعية لسان العرب) للحفاظ على اللغة العربية التابعة للجامعة العربية عام 2005م = 1426هـ .

إصدارات الجفري

  • حياة جائعة:
  • الجدار الآخر: مجموعة قصصية.
  • الظمأ:
  • جزء من حلم:
  • زمن يليق بنا:
  • الحلم المطعون: (الطبعة الثانية) رواية.
  • تلك الليلة:
  • أيام معها:
  • العشب فوق الصاعقة:
  • العاشقان:
  • لحظات (الطبعة الثانية).
  • نبض: خواطر وتأملات.
  • 100 خفقة قلب:
  • برق لجنون المهرة: مضمون إنساني – إبداعي.
  • هذا يخصك سيدتي:
  • حوار.. في الحزن الدافئ: ميلودراما حوارية – حائز على جائزة الإبداع العربي من المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم (1985م).
  • فقط (الطبعة الثالثة): قراءة نفسية في أعماق امرأة متميزة.
  • أنفاس على جدار القلب:
  • حوار.. وصدى: رؤية إنسانية عبر الحوار.
  • أبواب للريح والشمس: نافذة على رحيق الثقافية.
  • رسائل حب عربية: (الطبعة الثانية) شرائح إنسانية – وجدانيات.
  • عصر الكلمة العار: فضح لسقوط الفكر المنحرف.
  • المثقف العربي.. والحلم: بانوراما عن الواقع الثقافي العربي وشروخه.
  • الزيدان: زوربا القرن العشرين: صفحات عن المعلم.
  • سطر.. بدفء الكون: (لوحات إنسانية).
  • لوحات .. على الشفق: خواطر وتأملات.
  • من كراستها الخاصة: وجدانيات.
  • وطن .. فوق الإرهاب: رؤية لأبعاد الغلو والتطرف في الفكر الديني.
  • نزار قباني: حكاية معشبة لصداقة قصيرة آخر سيوف الأمويين الذهبية.

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند .  محرم 1430هـ = يناير  2009م ، العـدد : 1  ، السنـة : 33

Related Posts