إلى رحمة الله
خلالَ تلقّي العلاج بمستشفى بمدينة “سورت” إحدى مدن “غوجرات” بالهند انتقل إلى رحمة الله تعالى العالم الهندي الشيخ معين الدين القاسميّ الغوندويّ يومَ الأربعاء: 11/ شوال 1428هـ الموافق 24/ أكتوبر 2007م ، بعدما عانى الأمراض طويلاً . وذلك في نحو 75 من عمره بالقياس إلى السنوات الهجريّة وفي 72 من العمر بالنسبة إلى الأعوام الميلاديّة . رحمه الله رحمة واسعةً وأدخله فسيحَ جنّاته .
كان – رحمه الله – أحدَ العلماء المتخرجين على العالم العامل العابد الزاهد المجاهد الشيخ السيّد حسين أحمد المدني رحمه الله (1295-1377هـ = 1879-1957م) في الجامعة الإسلاميّة : دارالعلوم الكائنة بمدينة “ديوبند” بالهند ، وأحد المُتَرَبِّين في التزكية والإحسان على الشيخ المحدّث محمد زكريا بن يحيى الكاندهلوي رحمه الله (1315-1402هـ = 1897-1982م) المتوفى والدفين بجنة البقيع بالمدينة المنوّرة . وكان يملك لسانًا ذربًا في الخطابة الدينية والموعظة الدعويّة، إلى جانب كونه مُدَرِّسًا قديرًا للموادّ الإسلاميّة والعلوم الشرعيّة . ظلّ يعمل مُدَرِّسًا بالمدرسة الإمداديّة الكائنة بمدينة “مراد آباد” الصناعيّة بولاية أترابراديش منذ 1375/1956م إلى ما قبل سنوات ؛ حيث قام بتدريس معظم كتب الموادّ الإسلاميّة حتى انتهى به المطاف إلى تدريس صحيح البخاريّ وغيره من كتب الصحاح، وشغل منصب شيخ الحديث بالمدرسة سنوات طويلة . ومنذ سنوات دعته أسباب مُلِحَّة أن يغادر المدرسة إلى مدرسة أخرى بولاية “غجرات” بمدينة “أنكليشور” المجاورة لمدينة “بروص” الشهيرة ؛ فكان يعمل شيخَ الحديث بها يقوم بتدريس أمهات كتب الحديث وعلى رأسها “صحيح البخاري”. وقد عاش حياةَ الصلاح والعَفَاف والكَفَاف ، وحجّ وزارَ الحرمين الشريفين أكثر من مرة . وسَعِد بصحبة العالم الصالح المُحَدّث محمد زكريا بن يحيى الكاندهلوي رحمه الله طويلاً ، وتذوَّق في صحبته العبادة والتلاوة والذكر والمواظبة على الأوراد والأدعيّة والإنابة إلى الله تعالى ، وله لديه زلفى وحسن قبول وحبّ .
وزار عددًا من البلاد بالإضافة إلى الزيارات المُتَكَرِّرَة والجولات المُتَّصِلَة في مدن وقرى الهند الكثيرة ضمنَ القيام بأعمال دعويَّة وخطابيَّة شُغِفَ بها حبًّا منذ شبابه وأيّام تحصيله. وكان جهوريَّ الصوت في التدريس والخطابة لحدّ لافت؛ ومن ثم كان مُكَلَّفًا قراءة كتاب من الكتب الدينيّة في مجالس الشيخ المُحَدِّث محمد زكريا رحمه الله تعالى ؛ لكونه واضح النبرة ، مُدَوِّي الصوت يُسمع النائين والقريبين في المجالس؛ فكان من الذين لا يحتاجون خلالَ التدريس أو إلقاء الخطابة والوعظ إلى جهاز مُكَبِّر الصوت ؛ وإن كان يستخدمه هو عندما كان موجودًا ، فكان يزيد ذلك صوته دويًّا أكثرَ من الحاجة .
وكان رجلاً ساذجًا عفويًّا لايعرف التصنّع أو التأنّقَ في الحياة ، وكان لديه حرص على مقاومة المبتدعين ومناظرتهم ومكافحة أهل الزيغ والأهواء وأبناء الحركات الهدَّامة . وكان في ذلك ناجحًا ، وكان يُدْعَى لذلك في المناسبات التي كانت تُعْقَد لهذا الغرض ، وكان يكره المداهنة أو المجاملة في أمور الدين ، وكان يرغب عن كل من يصنع ذلك . وقد حان منّى لقاء عفويّ معه لدى بعض قدماته إلى الجامعة الإسلاميّة دارالعلوم / ديوبند ؛ فأعجبني منه غيرته على الدين ، وحميّته للعقيدة الصحيحة ، وسخطه على كل من يمارس المحاباة أو التقصير فيما يتعلق بالدين وثوابته .
وكسب هذه المزايا الدينية عن أستاذه الكبير الشيخ حسين أحمد المدني رحمه الله الذي عُرِفَ بغيرته الشديدة على الدين والعقيدة ، وعن شيخه المحدّث محمد زكريّا رحمه الله وغيرهما من كبار علماء ومشيخة ديوبند الذين كانوا يمتازون بأنهم لم يخافوا في الله لومةَ لائم .
كان اسم والده عبد الله خان وكان معروفًا بمجالسة العلماء والاختلاف إليهم وحبّ الصالحين . وكان من سكّان قرية “كوارليا كرنت” إحدى قرى مديريّة “غوندا” بولاية “أترابراديش” بالهند . وُلِدَ في 27/ رمضان 1353هـ الموافق 4/ يناير 1935م . وتلقى مبادئ القراءة بقريته ، والتعليم الابتدائي بالمدرسة الفرقانية بمدينة “غوندا” ، والتحق لتلقي التعليم العالي بالجامعة الإسلاميّة دارالعلوم بمدينة “ديوبند” عام 1948م (1367هـ) وتخرج فيها عام 1956م (1375هـ) وكان من أساتذته فيها العالم الكبير المجاهد الشيخ السيّد حسين أحمد المدني رحمه الله المعروف بالديار الهندية بـ”شيخ الإسلام” والعلاّمة محمد إبراهيم البلياوي (1304-1387هـ = 1886-1967م) والشيخ بشير أحمد خان البرنيّ (المتوفى 8/ جمادى الأخرى 1386هـ الموافق 24/ سبتمبر 1966م) والشيخ فخرالحسن المراد آبادي 1332-1400هـ = 1905-1980م) والشيخ جليل أحمد الكيرانوي والشيخ ظهور أحمد الــديوبنـديّ رحمهم الله جميعًا .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذو القعدة – ذوالحجة 1429هـ = نوفمبر–ديسمبر 2008م ، العـدد : 11-12 ، السنـة : 32