العالم الإسلامي

بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)

       ما أشبه الليلة بالبارحة حين تكاتفت أجهزة الدولة المختلفة للقضاء على التيار الإسلامي المتمثل وقتذاك في جماعة الإخوان المسلمين. فشكّلت لهم محاكم عسكرية، حكمت بالإعدام على خيرة أبناء هذه الجماعة، وبالأشغال الشاقة المؤبَّدة على البقية الباقية منهم، وما هي إلا أيامًا معدودة وطواويس الأمس يفرون كالجرذان في صحراء مصر، وطائرات العدو الإسرائيلي من خلفهم تدك مطاراتنا وتُدمّر أسلحتنا وتحتل جزءًا عزيزًا من أرضنا. وبعد حركة التطهير وتفرغ الجيش لمهامه العسكرية مَنّ الله علينا بنصر أكتوبر/ رمضان . وازداد حب الشعب للجيش، والذي بلغ أقصاه مع اشتراك الجيش بسلاح الخدمة الوطنية والمن الغذائي في إصلاح الخدمات العامة، وإنتاج بعض السلع الاستهلاكية بأسعار في متناول الجميع .

       وها نحن نشهد في يومنا هذا ردة للجيش عن كل ما سبق، وتفرغه لمحاكمة التيار الإسلامي المتمثل حاليًا في الجماعات الإسلامية باختلاف مسمياتها. وكان على قادة الجيش أن يستفيدوامن دروس الأمس وينأوا بالجيش عن هذه المجزرة فقد زجّ بهم لأغراض سياسية بحتة، من أهمها كسب تأييد القوات المسلَّحة لما ترتكبه قوات الشرطة من مجازر يومية في حق الجماعات الإسلامية، خاصة بعد ظهور بعض المؤيّدين والمتعاطفين من بين أبناء القوات المسلّحة مع هذه الجماعات؛ بل وظهر منهم من هو ناقم على أفعال رجال الشرطة وتجاوزاتهم التي امتدت لتشمل بعض رجال الجيش وأسرهم، ولضمان عدم زيادة هذا التعاطف وتحوله إلى تضامن أو تخالف مما لا يروق لأهل السلطة ويزعزع استقرارهم، ولبيان أن أجهزة الدولة المختلفة وعلى رأسهم القوات المسلّحة بكامل عددها وعتادها ضد هذا التيار. وكان من الأولى على القيادة السياسية لهذا البلد أن تتخذ اللازم لحقن الدماء، ووزير الداخلية من بينهم وهو المسؤول الأول أمام الله عز وجل ثم أمام الشعب عن هذه المجازر اليومية التي ترتكبها قواته، فماذا سيقول عندما يقف أمام المولى عز وجل؟ فأول ما يقضي الله تعالى فيه يوم القيامة بين العباد هو الدماء، وسوف يسأل لماذا قتلتَ هذا وظلمتَ هذا، فإن قتلَهم لتكون العزة للحاكم والدوام لمنصبه كما هو حادث، فسيقول – عز وجل – تعستَ، ثم لا تبقى نفس قتلها إلا قُتِل بها، ولا مظلمة ظلمها إلا أُخِذ بها، لا تنفعه شفاعة وزير ولا رئيس؟!. وماذا سيقول عندما يقتص منه الشعب يوم يعم العدل وينتصر الحق، أو يوم يقام مجلس شعب لا يخاف في الحق لومة لائم؟. ويا معالي الوزير ما تقوله من تصريحات تبريرًا لتصرفات جنودك وضُباطك، لا يقتنع بها البسطاء من عامة الشعب فما بالك بغيرهم، وقد أصابهم ظلمك وسطوك، وما من أسرة إلا ولها شهيد قتلتْه يداك، فقد كثر في عهدك الأرامل والثكالى واليتامى، وأمريكا التي تقتدون بها وتتخذونها قبلتَكم عندما انفجر المركز التجاري الدولي بنيويورك وقُتِل وجُرِح العشرات لم تعتقل أكثر من ثلاثة أفراد، وأنتم تعتقلون الآلاف بدون ذنب أو جريرة. أتعتَقِلُهم لتُقيم دولة الإسلام وتُطبِّق شرع الله!! فهذا هدفهم ومن أجله تهون عليهم الدنيا وما فيها، أُتبيح دماء هم لتقضي على تجارة المخدِّرات وبيوت الدعارة!! فهم أبعد الناس عن ذلك وليس منهم من يُغضب اللهَ بهذه المنكرات والآثام، أتثأر منهم لتقضي على الفساد الذي استشرى في أجهزة الدولة وقادتها، فهم أولى الناس للتعاون معك في هذا وذاك. وبدلاً من أن تَجرّ البلدَ إلى ما لا يُعرَف نهايته ولا يُحمَد عقباه، فلن يقلل من كبريائكم، وكبرياء القيادة السياسية للبلد، ولن تضار شيئًا إذا ما جلست مع هؤلاء الأخوة من أبناء الجماعات الإسلامية، واستمعت إليهم وأفرجت عن المظلوم منهم، وتعاونت معهم لتنفيذ شرع الله، بل سيزيد ذلك من حسناتها عند الله، ومن شعبيتها وحب الشعب لها وذلك هو الفوز المبين. وأخيرًا بينما يصدق المدعي العام العسكري على قرار الإفراج عن بعض المُطرِبين بعد قضائهم لنصف مدة الحبس المقرَّرة عقوبة لهم لتزوير محررات عسكرية أو شهادات دراسية، ويجيء قرار العفو عنهم مراعاة لحالتهم الصحية ومستقبلهم الفني، يَقْبَع الآلافُ من أبناء الجماعات الإسلامية في متاهات وغياهب السجون والمعتقلات، رغم انقضاء مدة العقوبة المقرَّرة لهم من قبل هذه المحاكم، إلا أنه لايُفْرَج على أي منهم، بل يُجدَّد اعتقالُه بلا ضوابط وبلا مدد محدَّدة، ولم تراع أيةُ ظروف أو استثناءات كتأخّر الحالة الصحية وتقدم العمر للكثير منهم، ولم تراع كذلك الحالة الأسرية والدراسية لأي منهم للإفراج عنه، فأي حالة صحية هذه التي دفعت للإفراج عن مُطْرب ولم تدفع للإفراج عن أبناء الجماعات الإسلامية القابعين في السجون منذ عشرات السنين ، وقد أصابهم المرض وأوهنتهم الشيخوخة، وأي مستقبل هذا الذي ينتظره مُطرب، ولم ينتظره كثير من المعتقلين من أبناء هذه الجماعات ممن يحملون شهادات عليا في شتى التخصّصات العلمية، وممن حصلوا عليها أثناء مدة اعتقالهم؟!.

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الثاني 1428هـ = مايو  2007م ، العـدد : 4  ، السنـة : 31.


(*)    6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.

      الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451

      الجوّال : 0101284614

      Email: ashmon59@yahoo.com

Related Posts