دراسات إسلامية
بقلم : فضيلة الشيخ/شوقي عبد اللطيف
من الظلم البين أن يرمي المرء غيره بما ليس فيه، ويلقي عليه تهمًا هو منها براء .
وهذا إفك مابعده إفك وضلال مابعده ضلال.
هذا هو بعينه ما فعله ويفعله الأعداء من اتهام الإسلام ؛ بأنه دين الإرهاب ووصفهم للمسلمين بالإرهابيين .
ونحن نسألهم عن قتلهم الأبرياء بغير ذنب ، واستعمارهم الديار بغير حق أو سند قانوني ، ونهبهم الخيرات ومقدرات الآخرين دون مبرر .
نسألهم عن قتلهم للأطفال والشيوخ وترويع الآمنين دون رحمة أو أدنى شفقة .
- والحق أنّنا لا نجد إجابة شافية ، لا نجد سوى أدلة واهية وعذر في الحقيقة هو أقبح من ذنب.
- والأدهى والأمر أنهم ينصبون أنفسهم قضاة للعدل وأنصارًا للحق وكذبوا وصدق الله العظيم إذ يقول : ﴿أَلَمْ تَرَ إِلـٰـى الَّذِيْنَ يُزَكُّوْنَ أَنْفُسَهُمْ ؛ بَلِ اللهُ يُزَكِّيْ مَنْ يَشَاءَ وَلاَ يُظْلَمُوْنَ فَتِيْلاً * أنْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُوْنَ عَلَىٰ اللهِ الكَذِبَ وَكَفىٰ بِهِ إِثـْمًا مُبِيْنًا﴾ النساء: الآيتان 49 ، 50 .
- ومن العجب العُجاب ادعاؤهم بأنهم حُماة الديمقراطية .
لقد تحدثـّنا في المقال السابق عن موقف الإسلام من الحرب والسلام ، ونؤكّد على أن القتال في الإسلام لا يكون بسبب الكفر والضلال؛ وإنما يكون لردّ الاعتداء ، ولقد أكّد القرآن الكريم على هذا المعنى؛ فقال تعالى : ﴿وَقَاتِلُوْا فِي سَبِيْلِ اللهِ الَّذِيْنَ يُقَاتِلُوْنَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوْا إِنّ اللهَ لاَيُحِبُّ الْمُعْتَدِيْنَ* وَاقْتُلُوْهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوْهُمْ وَأَخْرِجُوْهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوْكُمْ وَالفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوْهُمْ عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتّىٰ يُقَاتِلُوْكُمْ فِيْهِ فَإِنْ قَاتَلُوْكُمْ فَاقْتُلُوْهُمْ ، كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِيْنَ﴾ البقرة: الآيتان 190 ، 191 .
ذلك ما جاء في القرآن الكريم ، أما ما ورد في السنة فقد صح أن النبي – ﷺ – مر في بعض غزواته على امرأة مقتولة ؛ فكأنه كره ذلك وقال مشيرًا إلى حرمة هذا الصنيع ومحذّرًا جيشه من تكرار هذه الفعلة فقال : >ما كانت هذه لتقاتل<.
يقول الصحابة فيما نقل : >فعلمنا أن العلة في تحريم قتلها أنها لم تكن تقاتل< .
وكان – ﷺ – يوصي دائمًا وبشدة بعدم التعرّض لمن ليس من شأنه القتال .
روى أبو داود أن النبي – ﷺ – كان يوصي الجيش وهو في طريقه إلى المعركة قائلاً : >انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ، ولا تقتلوا شيخًا فانيًا ، ولا طفلاً ، ولا صغيرًا ،ولا امرأةً ، ولا تغلوا ، وضمّوا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين< .
وربما قال قائل من أصحاب الشبهات والأغراض الفاسدة : لماذا حمل الرسول السيف ولم يكتف بالإقناع في دعوته ؟
إن المولى علّم رسوله أن يترك الناس وشأنهم في اختيار عقيدتهم وما عليه إلا أن يقول قولة الحق التي أُرْسِلَ من أجلها ويدعو إلى الله بالحسنىٰ .
﴿مَا عَلَىٰ الرَسُولِ إِلاَّ البَلاَغُ﴾ المائدة: آية99 .
﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البَلاَغ﴾ الشورى: آية 48 .
﴿وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ الكهف : آية 29 .
﴿إِنَّ هذِه تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيْلاً﴾ الإنسان : آية 29 .
﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرْ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر﴾ الغاشية : الآيتان 21 ، 22 .
إن الإسلام بنـٰـى خطته في الحياة على معايشة جميع الشرائع السماوية واستحالة زوالها واكتفى بأن يبقى مذكِّرًا للحق منكرًا للهوى ، نرى ذلك في قوله سبحانه وتعالى : ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِيْنَ أُوْتُوْا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةً مَّا تَبِعُـــوْا قِبْلَتَكَ وَمَــا أَنْتَ بِتَـابـِــعٍ قِبْلَتَهُــمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَالِمِيْنَ﴾ البقرة: آية 145 .
حسبنا نحن المسلمين أن نقرر الحق ، وأن نحيا على هذا وأن نمهّد طريقَه لكل من أحبّ سلوكه وارتضاه ، وأن نردّ المهاجمين ، ونحمي المستضعفين، وأن نسكت المعتدين إذا تمادوا في غيهم وأذاهم ولننظر سويًا في الكتاب الذي أرسله النبي – ﷺ – إلى >هرقل< عظيم الروم نجد أن الرسول يدعوه فيه إلى الإسلام دون إكراه أو قتال : >بسم الله الرحمن الرحيم من >محمد< رسول الله إلى >هرقل< عظيم الروم. سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلِمْ تسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن توليت فإن عليك إثم الإريسيين ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرَكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُوْنِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُوْلُوْا اشْهَدُوْا بِأَنَّا مُسْلِمُوْنَ﴾ آل عمران: آية 64.
يقول >ابن تيمية< في رسالته عن القتال : كانت سيرته – ﷺ – >أن كل من هادنه من الكفار لايقاتله ، وهذه كتب الحديث والتفسير والفقه والمغازي تنطلق بذلك ولو أن الله أمره بقتل أعدائه لبدأهم بالحروب ولكنه لم يفعل< .
ولقد أثبت التاريخ بأن المسلمين منذ نشأة الدولة الإسلامية وحتى وقتنا الحاضر، لم يبدأوا أعداءهم بحرب وإنما فرض عليهم القتال فرضًا واضطروا لخوضه دفاعًا عن أنفسهم وعقيدتهم اضطرارًا .
وإلى هذا تشير الآية الكريمة : ﴿أُذِنَ لِلَّذِيْنَ يُقَاتَلُوْنَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوْا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيْر * الَّذِيْنَ أُخْــرِجُـوْا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُوْلُوْا رَبُّنَا اللهُ﴾ الحج : الآيتان 39 ، 40 .
* إننا لا نعرف في تاريخ البشرية حاملَ سيف أعف وأرحم من >محمد< – ﷺ – وكان مكان سيفه الطبيعي والمحبب إلى نفسه أن يكون في غمده على الدوام فما غضب لنفسه قط ، ما غضب إلا لله وحده.
قَالوا غـزوت ورسل الله ما بعثـــــوا
بقتل نفس ولا جـــاءوا بسفــك دم
جهل ، وتضليل أحلام ، وسفسطة
غزوت بالسيف بعـــد الغزو بالقلم
والجهل إن تلقه بالحلم ضقت بــــه
ذرعــاً وإن تلقـــــه بالجهل ينحسم
* إن الإسلام لا يبيح حمل السلاح والخروج لمبارزة الأعداء إلا في ثلاثة مواطن :
الموطن الأول : منع الفتنة :
قد يتعرّض المسلمون في البلاد لصنوف من الترويع وألوان من الأذى بهدف صدّهم عن دين الله، ومن هنا فلابد أن يحمي الإسلام أبناءه ولا يتركهم فريسة في يد المعتدين ؛ فيضطر المسلمون لمنازلة الأعداء ؛ لكسر شوكتهم وتكون الحريّة الدينية قال تعالى : ﴿وَقَاتِلُوْهُمْ حَتّى لاَ تَكُوْنَ فِتْنَةٌ وَّيَكُوْنَ الدِّيْنُ كُلُّه لِلّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُوْنَ بَصِيْر* وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوْا أَنَّ اللهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيْرُ﴾ الأنفال: الآيتان 39، 40.
الموطن الثاني : تأمين الدعوة :
* من حق المسلمين أن يعرضوا محاسن الإسلام من باب التبليغ والنصح والإرشاد وأداء الأمانة عن طريق القول والسلوك ، فإذا وقف العدو في سبيل ذلك وحال دون تبليغ الدعوة قوتل العدو تأمينًا للدعوة وحفاظاً على القائمين بها .
الموطن الثالث : الاعتداء على دم المسلمين وأموالهم وأعراضهم :
* إذا ما تجاوز العدو حدّه وسوّلتْ له نفسه الاعتداء على دماء المسلمين أو أموالهم أو أعراضهم كان من الواجب على المسلمين قتال العدو صيانة للعرض ودفاعًا عن المال والنفس إذ لا يمكن أن يقبل المسلمون الدنية في دينهم أو دنياهم . ﴿وَلِلّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُوْلِه وَلِلْمُؤْمِنِيْنَ﴾ المنافقون : آية 8 .
﴿وَالَّذِيْنَ إِذَا أَصَابَهُمْ البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُوْنَ* وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيّئَةٌ مثْلُهَا﴾ الشورى: الآيتان39، 40.
* أما القتال ؛ لنعرة جنسية أو لأطماع شخصية أو لغرض مادي أو حتى للدخول في الإسلام؛ فالإسلام يرفضه قال تعالى : ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِيْ الدِيْنِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ﴾ البقرة: آية 256.
* والمتأمِّل في القرآن الكريم يجد أن ما يربوا على مائة وعشرين آية كلها تؤكد على أن نشر الإسلام أساسه الإقناع الهادئ والتعليم المجرد وترك الناس أحرارًا بعد عرض الدعوة عليهم ؛ ليقبلوها أو يرفضوها .
* ولما حزن الرسول – ﷺ – ؛ لتمادي قومه في الباطل وتركهم للحق بيّن له ربّه بأن المشيئة بيده وحده قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِيْ الأَرْضِ كُلِّهمْ جَمِيْعًا أَفَأنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتّى يَكُوْنُوْا مُؤْمِنِيْنَ﴾ يونس: آية 99 .
* ولقد حدّد القرآن الكريم مهمة النبي – ﷺ في نشر الإسلام قال تعالى : ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرْ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر﴾ الغاشية : الآيتان 21، 22.
* وها هو النبي – ﷺ – يضرب المثل الأعلى للقيادة الحكيمة التي تعشق السلم وتبغض الحرب ، فبعد أن مكّنه الله من رقاب أعدائه من أهل مكة بعد معارك عديدة ، يوم دخل مكة فاتحًا أصدر عفوه العام الملئَ بالقيم والفياض بالرحمة فقال : يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم قال : فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته >لاَ تَثْرِيْبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ إِذْهَبُوْا فَأَنْتُمْ الطُلَقَاءِ< .
* فهل يحقّ لعاقل أن يقول بعد هذا الصنيع من رسول الله – ﷺ – بأن >محمدًا< نشر الإسلام بحد السيف وأن الإسلام دين يحب الدماء .
* إن رسول الله – ﷺ – عاش حياته في معركة مستمرّة مع الباطل ؛ ليخلص العالم بأسره من قيود الضلال والظلام ولغة القوة ، وظلّ في صدق الجهاد يصل ليله بنهاره من أجل إعلاء كلمة الحق وإرساء قواعد العدل وتحرير العبيد حتىأثمرت دعوته وعمَّ الخير جنبات الأرض وعاش الكل في سلام وحب ووئام ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ﴾ الأنبياء: آية 107 .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . محـرم – صفـر 1428هـ = فبـراير – مارس 2007م ، العـدد : 1-2 ، السنـة : 31.