الأدب الإسلامي
شعـر : الشاعر الإسلامي الكبير عبد الرحمن صالح العشماوي / الرياض
ماذا أقول لكم ، فقدتُ لساني
وفقدت إحساسي بكم وجناني
وفقدتُ طعم طفولتي وبراءتي
وسعادتي، وفقدت طعم حنانِ
أنا طِفْلةٌ ، أرضُ العراق حبيبتي
سُقِيَتْ بماءِ فراتها أَغصاني
أَوَّاه من حُبِّي لها، وتوجُّعي
فيها، ومن ألمي ومن حرماني
عمري من السنوات (عشْرٌ) لم أَفُزْ
فيها بطعم سعادةٍ وأمانِ
أُولى سِنيِّ العمر، عشْتُ بها لظى
نار الحصارِ، وغلْظَة السَّجَّانِ
والآنَ للمحتل في أَرضي يَدٌ
مخضوبةٌ بِدَمِ العراق القاني
عَشْرٌ من السنواتِ تقطر حسرةً
مما تراه من العدوِّ الجاني
لكنَّها أرضي، فحسبي أنّها
ضمت رفات أحبتي، وكفاني
أنا طفلة، أرض العراق بلادَها
أرض الأُباة الصِّيد والفرسانِ
أرض تُمازج مجدَكم وترابَها
فتَطيَّب التاريخ بالريحانِ
لبست وشاح العزِّ من يد خالدٍ
ويدِ المثنّى الفارس الشيباني
لقيَت بشوق الأرض غيث شريعة
فجنت ثمار الخير والإحسانِ
خرجت إلى التوحيد من ليل الهوى
والكفر، ليل عبادة الأوثانِ
أنا طفلة ؛ لكنّ أمتها غدت
كقصيدة كُتِبت بلا أوزانِ
تتناثر الكلمات بين سطورها
مكسورةَ الإيقاع والألحانِ
لعبتْ بها كفُّ الشتات فأصبحتْ
مرْمى رصاصِ الغادرِ الخوّانِ
ماذا تقول صغيرة؟ جُرِحَت على
مرأى العيون ومسمعِ الآذانِ
في لحظة دمويّة فتّاكةٍ
فُجعت بعاصفة من العُدوانِ
في لحظة، رحل الأَحبّةُ كلهم
أمي، أبي، والأخت والجدانِ
ماذا رأيت، رأيت أبشع صورةٍ
للغاصب المحتلّ رأيَ عيانِ
أنا ما رأيتُ سوى وحوش أقبلَتْ
مسعورةً في هيئة الإنسانِ
هجموا على البيت الصغير، كأنهم
بسلاحهم هجموا على الميدانِ
لما رأيت هياجَهم في دارِنا
برزتْ أمامي صورة الثيرانِ
هجموا، وكنا نائمين.. فأكملوا
برصاصهم إغماضة الأجفانِ
ما قامَ من أهلي سوايَ وليتني
شاركتُهُم في نومة اطمئنانِ
أشلاؤهم في الدار تشهد أن مَنْ
يحتلُّ أرضي ، جوقةُ الشيطانِ
أنا طفلة عربية مجروحةٌ
ألقيتموها في فَم البُركانِ
عنوانها أرض العراق ، وإن تكن
قد أصبحت تمشي بلا عنوانِ
تبكي، وأنّى تستثير دموعُها
صَلفَ العدوِّ وقسوةَ الطغيانِ
أنا طفلة ؛ لكنّ أمتَها غدتْ
مهزومةً مهزوزةَ الأركانِ
عذرًا إذا أَشعلتُ صرخةَ غاضب
فيكم فليس الصمتُ في إمكاني
ما عاد لي فيكم رجاءٌ، إنني
وَجَّهت آمالي إلى الرحمنِ
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذوالحجة 1427هـ = يناير 2007م ، العـدد : 12 ، السنـة : 30.