كلمة المحرر 

       لم تفتضح أمريكا ودول الغرب أول مرة، وإنما ظلّت – وستظلّ – تفتضح في قارعة الطريق فيما يتعلق بديموقراطيّتها المزعومة التي اتّخذتها «عجلاً جسدًا له خوار» لتضليل الشعوب والأمم في أرض الله الواسعة في جانب، واتخذتها – الديموقراطيةَ المزعومةَ – مطيّةً لتحقيق مآربها من الشعوب والأمم في جانب آخر؛ ولكنّها ربما لم تفتضح في الماضي افتضاحَها بالموقف الظالم الذي وقفته من «حماس» التي انتخبها الشعب الفلسطيني في الانتخابات العامة التي مضت لتحكمه وتُكْسِبَ الفلسطينيين الأمنَ وبعضَ القناعة التي ظلّوا يفتقدونهما منذ أن بَدَأَ عرضُ المسلسلِ السّلاميّ الخادع برعاية أمريكا، الذي لم يزدهم إلاّ استعبادًا وتبعيّةً ومظلوميّةً .

       الشعبُ الفلسطينيُّ الذي جَرَّبَ حركةَ «فتح»، وتَعَامَلَ معها في الحكم والإدارة طويلاً هو الذي استَبْدَلَ «حماس» بها، وأولاها الأغلبيةَ، وصَوَّت لصالحها مقابلَ «فتح» ليُجَرِّب إسلاميّتَها وانتماءها الفلسطيني الواقعي مقابلَ علمانيّة «فتح» وميوعتها وضياعها بالانتماء غير الإسلامي، وبالولاء للعلمانيّة الغربيّة، وبالتنكّر للاتجاه الدينيّ الذي اعتبرته دائمًا عائقًا في طريق السلام وإكسابها هويّة «الاعتدال».

       إن انتصار «حماس» على «فتح» كان مقياسًا لمصداقية أمريكا والغرب في شأن الديمقراطية التي ظلتا – ولا تزالان – تُطَبِّلانِ لها وتتظاهران بالإخلاص في عبادتها وتقديسها وإيثارها على جميع الحقائق السياسيّة باعتبارها مفتاحًا ذكيًّا للإنصاف مع الشعب وحكم الشعب نفسَه بنفسه في سيادة مطلوبة وبصلاحية منشودة وبحريّة مطلقة غير مقصوصة الجناح .

       فعداؤهما – أمريكا والغرب – لحماس واعتراضهما طريقَ حماس إلى الحكم ، وفرضهما عليها الحصار الاقتصادي والعزل السياسي وإشارتهما على إسرائيل بالامتناع الكامل عن دفع ما لديها من مبالغ الضرائب التي يدفعها الفلسطينيون لصالح حكومتهم وإدارتهم، وتهديدهما البنوك في العالم كله ولاسيّما في الدول العربية وبالذات في دول الجوار بالويل إذا حَوَّلَتْ المبالغَ الآتية من مسلمي العالم إلى الفلسطينيين. ما إن وصلت حماس إلى الحكم حتى فرضت أمريكا والاتحاد الأوربي الحصارَ الاقتصاديّ الشامل ضدها وامتنعت عن التعامل معها بشكل من الأشكال، مرددة كلمة واحدة: لتعترف حماس بإسرائيل وبسريان مفعول الاتفاقيات السلامية المبرمة بين إسرائيل وفتح ، ولتنته عن إرادتها لمقاومة إسرائيل المسلحة. وقد صَرَّحت حماس أنّها لن تخضع أمام شروط أمريكا والغرب وإملاءاتهما الظالمة وقد صَوَّت الشعب الفلسطيني لصالح موقفها الإسلامي ومبدئها المتمثل في المقاومة والصمود في وجه الوحشية الإسرائيلية .

       لقد ثبت بما لايدع مجالاً للشك أنّ أمريكا والغرب لايهمّهما الديموقراطية ومبادئ العدل وحقوق الإنسان ومصالح الشعوب والأمم – التي تتظاهران بالتعاطف معها – وإنما يهمهما أولاً وآخرًا المصالح الغربية الأمريكية الصهيونية الصليبية . فكل شيء معبود لديهما ومقدس عندهما إذا ساعدهما على تحقيق هذه المصالح، وكل شيء مرفوض مردود إذا عارضهما في مصالحهما. فالديموقراطية ومبادئ العدل وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات البراقة كلها تخضع لمقياس المصالح، ومعيار الأنانية الأمريكية الغربية .

       ومحاربتهما «حماس» والاتجاهات الإسلامية في كل مكان في العالم باسم محاربة «الإرهاب» ليست أول دليل على نفاقهما ولكنهما دائما تبنّتا الظلم والاستعمار والاستعباد تجاه الإسلام والمسلمين. ليس العجيب موقف الغرب وأمريكا تجاه كل ما يمت إلى الإسلام بصلة، وإنما العجيب تغاضي القادة والحكام المسلمين والعرب عن كل موقف عدائي للغرب وأمريكا من الإسلام ، واعتبار ذلك نابعًا من المبدئيّة وآليّة العدل والإنصاف .

       إنّ تراجع حماس – إذا اضطرت ولم يبق لديها إلاّ خيار التراجع لا قدّر الله – أمام الضغوط الأمريكية الغربية العالمية المُمدَّة بالتقاعد العربي والتجاهل الإسلامي والتخاذل العامّ من قبل الحكام المسلمين، سيكون خسارة غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وسيكون خطأ لن يغفره التاريخ. وقد نجحت حماس في الامتحان وبقي أن تنجح الشعوب والقادة المسلمون ، وأن يقولوا لأمريكا والغرب: اصنعا ماشئتما فإننا قد آثرنا أن نحتفظ بحق تقرير مصيرنا بأيدينا، وها نحن الشعوب والحكام المسلمين العرب قد تعاضدنا وتضامنّا واتّحدنا، ولاحاجة بنا إليكم أيها الغرب والأمريكان . إليكم أيها الكلاب والذئاب، فلوموا ما بدا لكم واغضبوا وموتوا بغيظكم في أيّ واد شئتم . لقد آن الوقت أن نقاطع أمريكا والغرب وكل دول العالم تودّ أن تحاصرنا مثل ما صنعنا في قضية الرسوم المسيئة إلى سيدنا ونبينا محمد ﷺ ، فاهتز العالم وارتعد الغرب والشرق .

       إن الساعة تتطلب من الجماهير والقادة المسلمين الوقفة الشجاعة الصامدة الجريئة : وقفة صلاح الدين ، وفقة السلاطين والقادة المسلمين الصالحين ؛ لتنحلّ كل قضية عالقة، وكل أزمة معقدة، وكل مشكلة تستعصي على الحلّ. فهل تتحقق هذه الوقفة بإذن الله؟! إن الشعوب الإسلامية في كل مكان في العالم ينتظرونها بفارغ الصبر .

[التحرير]

(تحريرًا في الساعة 10 من صباح يوم السبت 11/ ربيع الثاني 1427هـ = 20/مايو 2006م)

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادي الأولي 1427هـ = يونيو 2006م ، العـدد : 5 ، السنـة : 30.

Related Posts