بقلم: الشيخ علي عبد المنعم عبد الحميد
روى الترمذي وأحمد والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما أخرج رسول الله من مكة وهاجر إلى المدينة قال أبو بكر رضي الله عنه: أخرجوا نبيهم. إنا لله وإنا إليه راجعون، ليهلكن القوم، فأنزل الله سبحانه على نبيه. ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ﴾ قال أبو بكر: فعرفت أنه سيكون قتال.
الإسلام دين أخوة وسلام، لا يدعو في تعاليمه الأصيلة إلى قتال مسلح أبدًا لحمل الناس على الدخول فيه قوة واقتدارا، وأبرز ما وصى به أتباعه في هذا الصدد، هو أن يحملوا نوره إلى البشرية قاطبة، ويعرضوا هداه في لطف ورفق، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ﴾(سورة النحل:125).. قال المفسرون لهذه الآية الكريمة – وخلاصة ذلك-: «اسلك في الدعوة والمناظرة الطريقة المثلى، وهي الدعوة بالتي هي أحسن وليس عليك غيرها، أما الهداية والضلال والمجازاة عليهما، فإلى الله سبحانه لا إلى غيره، إذ هو أعلم بحال من لا يرعوي عن الضلال لسوء اختياره، وبحال من يصير أمره إلى الاهتداء لما ينطوي بين جنبيه من الخير، فما شرعه لك في الدعوة هو الذي تقتضيه الحكمة، وهو كاف في هداية المهتدين وإزالة عذر الضالين». وقال سبحانه قولا واضحا لا لبس فيه ولا غموض، ولا يحتاج إلى العدول عن ظاهره، يوضح تماما بأدنى نظر أن الحق أبلج وأن الباطل لجلج، فيكفي الكشف عن مزايا الحق وهو الإسلام، وتبيين زيف الباطل والكفر بالحسنى بعيدا عن أي إكراه، وثبت ذلك بالآية الكريمة ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(سورة البقرة:256) ومعنى ذلك. لا إكراه على الدخول في الإسلام فقد بان خيره ووضح ﴿لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ﴾ (سورة ق:37) فمن تأمل وفكر ثم ترك من تكون عبادته سببا في الطغيان والبعد عن الحق والهدى إنسانا كان أو وثنا، أو تقليدا لمارق أو اتباعا لهوى، ثم آمن بالله الواحد الأحد، واعترف بقلبه وفعله بصدق الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنهم مبشرون ومنذرون بأوامر الله وحده ونواهيه، فقد استمسك بأوثق عرى الفوز والنجاة، وأقوى وسائل الخير والنجاح، والله سبحانه يسمع ويعلم ما تبدي وما تكن الصدور، وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا من الأنصار أسلم وكان له ابنان بقيا بعد إسلام أبيهما على دينهما ولم يسلما، فقال الرجل -ويدعى الحصين – للنبي ﷺ: ألا أستكرههما؟ أي أأحملهما على الإسلام مكرهين؟ حيث أبيا الدخول فيه طائعين، وفي رواية أنه حاول؛ بل وشرع في إكراههما فعلا، فاختصموا إلى رسول الله ﷺ، فقال الرجل: يا رسول الله: أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟. فنزلت الآية الكريمة ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ..﴾ فخلاهما أبوهما وما يعبدان… وفي سورة فصلت رسمت الآية (33) الطريقة المثلى للدعوة إلى الله.. قال تعالى ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ﴾. ومن أصدق من الله قيلا؟ من أجل وأفضل وأحسن ممن يرشد الناس إلى الله تعالى بقوله الصادق، ثم يطبق ما يفعل على ما يقول؛ لأن القدوة العملية أجدى وأكمل، والمثل الأعلى في هذا هو رسول الله ﷺ، وقد كان سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما إذا تلا هذه الآية الكريمة يقول: «هذا رسول الله، هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا والله أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه». ثم أشارت الآية التالية لهذه رقم (34) من السورة نفسها إلى أن هذا عمل لا يتحمله إلا من عرف أن السيئة لا تكافئ الحسنة، فيجب على الداعي أن يختار الأفضل فكلما صد وعودي وعورضت دعوته من الجاحدين دفع شرهم بخير الدعوة التي هي أحسن، حتى يلين قلب قاسيهم ويسلس قياد عاصيهم، ويدركوا من حسن صنيعه معهم جمال ما يحمل إليهم من سعادة وخير، فينخرطوا في سلكه ويوالوه ويتصدروا هم لحمل الهداية إلى سواهم… قال تعالى: ﴿وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ﴾ قال عمر رضي الله عنه: «ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه» وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «أمر الله نبيه في هذه الآية بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة فإذا اقتدى المسلمون به ﷺ في هذا عصمهم الله من الشيطان وأخضع لهم عدوهم». وهضم هذا المعنى من الآية الكريمة مؤمن صادق الإيمان وتمثله شعرا فقال:
سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب
وإن كثرت منه لدي الجرائم
فما الناس إلا واحد من ثلاثة
شريف ومشروف ومثل مقاوم
فأما الذي فوقي فأعرف قدره
وأتبع فيه الحق والحق لازم
وأما الذي دوني فإن قال صنت عن
إجابته عرضي وإن لام لائم
وأما الذي مثل فإن زل أو هفا
تفضلت إن الفضل بالحلم حاكم
وقال آخر فيمن عادوه:
فإن نهشوا عرضي وقرت عروضهم
وإن هووا غيي هويت لهم رشدا
ثم جاءت الآية الكريمة رقم (35) من نفس السورة فأشادت بفضل سلوك هذا الطريق طريق رسول الله ﷺ في الدعوة إلى الله تعالى وبينت أن هذا هو سبيل أولى العزم من الرسل عليهم الصلاة والسلام وضخمت حظ من سار على شاكلتهم قال تعالى: ﴿وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٖ﴾. قال المفسرون: «.. وما يتقبل هذه الوصايا وينسج على منوالها ويطبقها تماما على سلوكه إلا الصابرون على تحمل التكاليف الشاقة والقادرون على تجرع مرارة الشدائد والكاظمون الغيظ والتاركون الانتقام لأنفسهم؛ لأن هذه أمور شاقة صعبة المنال، لا يتحملها في مجرى العادة إلا من عصمه الله ووفقه». نسأل الله أن ينظمنا في سلكهم ويسلك بنا طريقهم إنه هو البر الرحيم.
وفوق هذا وذاك يحث الله أمة سيدنا محمد ﷺ على حمل تعاليمه بنفس الطريقة، طريقة الهدوء والحلم وضبط النفس والبشر، والابتعاد عن كل ما يثير المدعو ويغضبه، فيقول سبحانه في سورة آل عمران آية رقم (104) ﴿وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾. وبهذا يستمر حملة مشاعل الهداية سائرين في الطريق اللا حب الذي سلكه مرشد العباد ومنير دجنتهم ومبصرهم سيدنا رسول الله، وتستمر أيضا وأعلام الدعوة تهدي الضال وترشد الحيران بأسلوب بعيد عن العنف يقرب ولا ينفر ويحبب ولا يبغض.
بعد أن استبان بالكتاب والسنة، أن الدعوة الإسلامية قد أمر رسولها باتباع الطرق السليمة في التبليغ عن الله تعالى نعود فنتساءل. إذا ما الذي حمل الرسول الكريم وصحبه على خوض المعارك الحربية منذ غزوة بدر وما سبقها من سرايا وما تلاها من غزوات؟ ما الذي أجبر هؤلاء الهداة على الاشتباكات المسلحة، ويجيء الجواب نصا من القرآن الكريم ينزله الله على نبيه آيات تتلى وتحمل في ثناياها السبب الداعي لهذا الإذن بالقتال حين يقول الله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ ٣٩ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ..﴾ (سورة الحج:39-40) وهي أول آية أذن فيها لرسول الله ﷺ وصحبه الكرام بالقتال، وتنص صراحة على السبب الداعي إلى هذا الإذن، وقد أجمله سبحانه وتعالى في قوله ﴿بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ﴾ والظلم الذي وقع على رسول الله ﷺ وصحابته في مكة أول الدعوة باد للعيان في إيذاء المشركين لهم إيذاء شديدًا تناول الأبدان بالضرب والقتل أحيانًا، وتناول الأقوات بحبس الطعام عنهم ومقاطعتهم في البيع والشراء والأخذ والعطاء، وتناول العقيدة نفسها بصدهم عن مزاولة عباداتهم في الأماكن العامة فضلا عن البذاءة في القول والإساءة في المعاملة، وكانت نهاية المطاف في التفنن في إيذاء الذين آمنوا بالله ورسوله أن أخرجوهم من ديارهم مسقط رؤوسهم مراتع صباهم، ففروا بدينهم إلى البلد الذي يطمئنون فيه على عقيدتهم ويجهرون فيه بعبادة ربهم وحده، روى الترمذي وأحمد والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما أخرج النبي ﷺ من مكة إلى المدينة قال أبو بكر رضي الله عنه. أخرجوا نبيهم. إنا لله وإنا إليه راجعون، ليهلكن القوم، فأنزل الله سبحانه على نبيه. ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ﴾ قال أبوبكر. فعرفت أنه سيكون قتال … وما كان للمسلمين من ذنب ولا جناية إلا أنهم تركوا عبادة حجارة لا تنفع ولا تضر وعبدوا الله الواحد الأحد قيوم السماوات والأرض، يقول القرآن الكريم ﴿يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ﴾(سورة الممتحنة:1) ويقول: ﴿وَمَا نَقَمُواْ مِنۡهُمۡ إِلَّآ أَن يُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ﴾ (سورة البروج:8) مبينا بهذا شأن الكافرين دائما فهم ينقمون على المؤمنين إيمانهم.
ونخلص من هذا إلى أن الأسباب التي دعت للدخول في الاشتباك المسلح مع الكفار تتلخص في:
1- حماية الدعوة، ودفع الاعتداء الواقع على حملتها، كما حدث من اعتداء كسرى على من أرسله رسول الله ﷺ، ثم محاولته (أي كسرى) قتل رسول الله عندما شرع هذا المشرك العنيد يغري بالعطاء الجزيل من يأتيه برأس محمد رسول الله، وكما فعل هرقل ملك الرومان حين أمر بقتل كل من أسلم من أهل الشام، ولكل ذلك جهز عليه الصلاة والسلام جيشا قبيل وفاته لقتال الروم بالشام.
2- درء المفاسد وجلب المصالح مع النهي عن الاعتداء والبغي والظلم قال تعالى: ﴿وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ﴾(سورة البقرة:190) فحروب الرسول كانت دفاعًا وليس فيها شيء من العدوان، وقد كان المسلمون يكرهون القتال ويحبون المسالمة وتشهد لذلك آية نزلت في فرض القتال. قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾(من سورة البقرة:216) قال المفسرون. «المراد بذلك أن المسلمين أنفسهم فئة قليلة حملت هذا الدين واهتدت به، فخافوا أن يقاوموا المشركين بالقوة فيهلكوا جميعًا ويضيع الحق الذي هدوا إليه وكلفوا إقامته والدعوة إليه، فأبان الله سبحانه وتعالى لهم سنته التي جرت بنصر الحق وحزبه على الباطل وأهله ما استمسكوا به ودعوا إليه ودافعوا عنه، وأن القعود عن المدافعة ضعف في الحق يغري به أعداءه ويطمعهم في التنكيل بحزبه والتألب عليه للإيقاع به».
3- من أسباب القتال المشروع نقض العهود ونبذها قال تعالى ﴿أَلَا تُقَٰتِلُونَ قَوۡمٗا نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ وَهَمُّواْ بِإِخۡرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٍۚ أَتَخۡشَوۡنَهُمۡۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَوۡهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾(سورة التوبة:13) أي بدؤوا بالقتال ثم نقض العهد فهم المعتدون فعلا، كما حدث في نقض الكفار لعهد رسول الله ﷺ الذي عقده معهم في صلح الحديبية، وترتب على ذلك عزمه عليه الصلاة والسلام على فتح مكة. هذا إلى أن الإسلام لم يقر مشركي العرب على دينهم، كما فعل مع النصارى واليهود؛ لأن الشرك الذي كانت عليه العرب لم يكن دينا مطلقا بل عبادة أصنام لا تضر ولا تنفع، ولأنه لا يمكن أن يستقر حال الإسلام بالجزيرة العربية وفيها مشرك واحد؛ لأنه يثير القلاقل والفتن.
وهكذا
لو تتبعنا الحروب والغزوات التي حدثت في عهد رسول الله ﷺ وعهود خلفائه الراشدين لما وجدناها تخرج عن واحد مما أشير إليه سابقا، فأبو بكر رضي الله عنه يؤمن الدعوة ويدافع عنها ويرد الاعتداء على حملتها بتسيير جيش أسامة الذي أعده رسول الله قبيل وفاته لغزو بلاد الروم، وكذلك فعل حينما بعث جند الإسلام يقضون على الفتن الداخلية التي أثارها رجال بالجزيرة العربية هم مانعو الزكاة، وحروب الردة أيضا التي أبلى فيها خالد بن الوليد رضي الله عنه بلاءً حسنًا أعاد إلى الإسلام هيبته وقوته، ومكنت له في وطنه الأصلي بالجزيرة كلها، وفي عهد عمر رضي الله عنه فتحت الشام ومصر وبلاد فارس، وإذا عرفنا أن كل هذه البلاد كانت تهدد الدعوة ويعمل حكامها حينذاك على الكيد للإسلام وأهله، ويحالون القضاء على هذا النور الذي عم الجزيرة وأيقظ العرب، يطالبون بمكانتهم اللائقة بهم على وجه الأرض، أيقنا أنه لم يكن هناك بد من إعلان الحرب عليهم.
والخلاصة أن العلاقات بين الدول في نظر الإسلام يجب أن تقوم على السلام والكرامة الإنسانية والوفاء بالعود وتبادل المصالح في شتى صورها، أما إذا ديست العهود ونقضت، وأهدرت الحقوق وامتهنت، وعوديت دعوة الإسلام وحوربت، وتعطلت مصالح المسلمين أو اغتصبت أرضهم واحتلت فهنا القتال ولا مفر منه. يقول الله تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ٦١ وَإِن يُرِيدُوٓاْ أَن يَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ (الأنفال:61-62) صدق الله العظيم، ولعل فيما مضى برهانا على أن الإسلام لم ينشر دعوته بالسيف، وإنما نشرها وينشرها في كل زمان ومكان بالحكمة والموعظة الحسنة. والله لا يحب المعتدين، والسلام على من اتبع الهدى.
مجلة الداعي، المحرم – صفر 1445هـ = يوليو – سبتمبر 2023م، العدد: 1-2، السنة: 48